Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 17-35)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } قال الزجاج والفراء إن { تلك } اسم ناقص وصلت { بيمينك } أي ما التي بيمينك ؟ وروي عن الفراء أنه قال تلك بمعنى هذه ، ولو قال ما ذلك لجاز ، أي ما ذلك الشيء ؟ وبالأوّل قال الكوفيون . قال الزجاج ومعنى سؤال موسى عمّا في يده من العصا التنبيه له عليها لتقع المعجزة بها بعد التثبيت فيها والتأمل لها . قال الفراء ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى هي عصاي لتثبيت الحجة عليه بعد ما اعترف ، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل ، ومحل « ما » الرفع على الابتداء ، و { تلك } خبره ، و { بيمينك } في محل نصب على الحال إن كانت تلك اسم إشارة على ما هو ظاهر اللفظ ، وإن كانت اسماً موصولاً كان { بيمينك } صلة للموصول . { قَالَ هِيَ عَصَايَ } قرأ ابن أبي إسحاق " عصى " على لغة هذيل . وقرأ الحسن " عَصَايَ " بكسر الياء لالتقاء الساكنين { أتوكأ عليها } أي أتحامل عليها في المشي وأعتمدها عند الإعياء والوقوف ، ومنه الاتكاء . { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } هش بالعصا يهش هشاً إذا خبط بها الشجر ليسقط منه الورق . قال الشاعر @ أهش بالعصا على أغنامي من ناعم الأوراك والشام @@ وقرأ النخعي " أهس " بالسين المهملة ، وهو زجر الغنم ، وكذا قرأ عكرمة ، وقيل هما لغتان لمعنى واحد { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } أي حوائج ، واحدها مَأْرَبَة ومَأْرُبُة ومأربة مثلث الراء ، كذا قال ابن الأعرابي وقطرب ، ذكر تفصيل منافع العصا ، ثم عقبه بالإجمال . وقد تعرّض قوم لتعداد منافع العصا ، فذكروا من ذلك أشياء منها قول بعض العرب عصاي أركزها لصلاتي ، وأعدّها لعداتي ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري ، وأعتمد بها في مشيتي ، ليتسع خطوي ، وأثب بها النهر ، وتؤمنني العثر ، وألقي عليها كسائي ، فتقيني الحرّ ، وتدفيني من القرّ ، وتدني إليّ ما بعد مني وهي تحمل سفرتي ، وعلاقة إداوتي ، أعصي بها عند الضراب ، وأقرع بها الأبواب ، وأقي بها عقور الكلاب ، وتنوب عن الرمح في الطعان ، وعن السيف عند منازلة الأقران ، ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بنيّ . انتهى . وقد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبعض المتأخرين ، وذكر فيه أخباراً وأشعاراً وفوائد لطيفة ونكتاً رشيقة . وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيد السحرة ومعرّة المعاندين ، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته ، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنزته ، وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده ، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام ، وفي المحافل والخطب . { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } هذه جملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، أمره سبحانه بإلقائها ليريه ما جعل له فيها من المعجزة الظاهرة { فَأَلْقَـٰهَا } موسى على الأرض { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } وذلك بقلب الله سبحانه لأوصافها وأعراضها حتى صارت حية تسعى ، أي تمشي بسرعة وخفة ، قيل كانت عصا ذات شعبتين فصار الشعبتان فما وباقيها جسم حية ، تنتقل من مكان إلى مكان وتلتقم الحجارة مع عظم جرمها وفظاعة منظرها ، فلما رآها كذلك خاف وفزع وولى مدبراً ولم يعقب ، فعند ذلك { قَالَ } سبحانه { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأولَىٰ } قال الأخفش والزجاج التقدير إلى سيرتها ، مثل { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } الأعراف 155 . قال ويجوز أن يكون مصدراً لأن معنى سنعيدها سنسيرها ، ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل ، أي سائرة ، أو بمعنى اسم المفعول ، أي مسيرة . والمعنى سنعيدها بعد أخذك لها إلى حالتها الأولى التي هي العصوية . قيل إنه لما قيل له { لا تخف } بلغ من عدم الخوف إلى أن كان يدخل يده في فمها ويأخذ بلحيها . { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } قال الفراء والزجاج جناح الإنسان عضده ، وقال قطرب جناح الإنسان جنبه . وعبر عن الجنب بالجناح لأنه في محل الجناح ، وقيل إلى بمعنى مع ، أي مع جناحك ، وجواب الأمر { تَخْرُجْ بَيْضَاء } أي تخرج يدك حال كونها بيضاء ، ومحل { مِنْ غَيْرِ سُوء } النصب على الحال ، أي كائنة من غير سوء . والسوء العيب ، كني به عن البرص ، أي تخرج بيضاء ساطعاً نورها تضيء بالليل والنهار كضوء الشمس من غير برص . وانتصاب { آيةً أُخْرَى } على الحال أيضاً ، أي معجزة أخرى غير العصا . وقال الأخفش إن آية منتصبة على أنها بدل من بيضاء . قال النحاس وهو قول حسن . وقال الزجاج المعنى آتيناك أو نؤتيك آية أخرى لأنه لما قال { تَخْرُجْ بَيْضَاء } دلّ على أنه قد آتاه آية أخرى ، ثم علل سبحانه ذلك بقوله { لِنُرِيَكَ مِنْ ءايَـٰتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } قيل والتقدير فعلنا ذلك لنريك ، و { من آياتنا } متعلق بمحذوف وقع حالاً ، و { الكبرى } معناها العظمى ، وهو صفة لموصوف محذوف ، والتقدير لنريك من آياتنا الآية الكبرى ، أي لنريك بهاتين الآيتين يعني اليد والعصا بعض آياتنا الكبرى ، فلا يلزم أن تكون اليد هي الآية الكبرى وحدها حتى تكون أعظم من العصا ، فيرد على ذلك أنه لم يكن في اليد إلا تغير اللون فقط بخلاف العصا ، فإن فيها مع تغير اللون الزيادة في الحجم وخلق الحياة والقدرة على الأمور الخارقة . ثم صرّح سبحانه بالغرض المقصود من هذه المعجزات ، فقال { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } وخصه بالذكر لأن قومه تبع له ، ثم علل ذلك بقوله { إِنَّهُ طَغَىٰ } أي عصى وتكبر وكفر وتجبر وتجاوز الحدّ ، وجملة { قَالَ رَبّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل فماذا قال ؟ ومعنى شرح الصدر توسيعه ، تضرّع عليه السلام إلى ربه وأظهر عجزه بقوله { وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى } الشعراء 13 ، ومعنى تيسير الأمر تسهيله . { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِى } يعني العجمة التي كانت فيه من الجمرة التي ألقاها في فيه وهو طفل ، أي أطلق عن لساني العقدة التي فيه ، قيل أذهب الله سبحانه تلك العقدة جميعها بدليل قوله { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } . وقيل لم تذهب كلها لأنه لم يسأل حلّ عقدة لسانه بالكلية ، بل سأل حلّ عقدة تمنع الإفهام بدليل قوله { مّن لّسَانِي } أي كائنة من عقد لساني ، ويؤيد ذلك قوله { هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً } القصص 34 ، وقوله حكاية عن فرعون { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } الزخرف 52 ، وجواب الأمر قوله { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } أي يفهموا كلامي ، والفقه في كلام العرب الفهم ، ثم خص به علم الشريعة والعالم به فقيه ، قاله الجوهري . { وَٱجْعَل لّى وَزِيراً مّنْ أَهْلِى * هَـٰرُونَ أَخِي } الوزير الموازر ، كالأكيل المواكل ، لأنه يحمل عن السلطان وزره ، أي ثقله . قال الزجاج واشتقاقه في اللغة من الوزر ، وهو الجبل الذي يعتصم به لينج من الهلكة . والوزير الذي يعتمد الملك على رأيه في الأمور ويلتجىء إليه . وقال الأصمعي هو مشتق من الموازرة ، وهي المعاونة . وانتصاب { وزيراً } و { هارون } على أنهما مفعولا اجعل ، وقيل مفعولاه لي وزيراً ، ويكون هارون عطف بيان للوزير ، والأوّل أظهر ، ويكون لي متعلقاً بمحذوف ، أي كائناً لي ، و { من أهلي } صفة لـ { وزيراً } ، وأخي بدل من هارون . قرأ الجمهور { اشدد } بهمزة وصل ، و { أشركه } بهمزة قطع كلاهما على صيغة الدعاء ، أي يا رب أحكم به قوّتي واجعله شريكي في أمر الرسالة ، والأزر القوة ، يقال آزره ، أي قوّاه . وقيل الظهر ، أي أشدد به ظهري . وقرأ ابن عامر ويحيـى بن الحارث وأبو حيوة والحسن وعبد الله بن أبي إسحاق " أشدد " بهمزة قطع " وأشركه " بضم الهمزة ، أي أشدد أنا به أزري وأشركه أنا في أمري . قال النحاس جعلوا الفعلين في موضع جزم جواباً لقوله { اجعل لي وزيراً } ، وقرأ بفتح الياء من " أخي " ابن كثير وأبو عمرو . { كَيْ نُسَبّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } هذا التسبيح والذكر هما الغاية من الدعاء المتقدّم . والمراد التسبيح هنا باللسان . وقيل المراد به الصلاة ، وانتصاب { كثيراً } في الموضعين على أنه نعت مصدر محذوف ، أو لزمان محذوف { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } البصير المبصر والبصير العالم بخفيات الأمور ، وهو المراد هنا ، أي إنك كنت بنا عالماً في صغرنا فأحسنت إلينا ، فأحسن إلينا أيضاً كذلك الآن . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في عصا موسى قال أعطاه ملك من الملائكة إذ توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل ، ويضرب بها الأرض فتخرج له النبات ، ويهشّ بها على غنمه ورق الشجر . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِى } قال أضرب بها الشجر فيتساقط منه الورق على غنمي ، وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَلِىَ فِيهَا مَآرِبُ } قال حوائج . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ نحوه . وأخرج أيضاً عن قتادة قال كانت تضيء له بالليل ، وكانت عصا آدم عليه السلام . وأخرج أيضاً عن ابن عباس في قوله { فَأَلْقَـٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } قال ولم تكن قبل ذلك حية فمرّت بشجرة فأكلتها ، ومرّت بصخرة فابتلعتها ، فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبراً ، فنودي أن يا موسى خذها ، فلم يأخذها ، ثم نودي الثانية أن خذها ولا تخف ، فقيل له في الثالثة إنك من الآمنين فأخذها . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه { سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأولَىٰ } قال حالتها الأولى . وأخرجا عنه أيضاً { مِنْ غَيْرِ سُوء } قال من غير برص . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَٱجْعَل لّي وَزِيراً مّنْ أَهْلِي * هَـٰرُونَ أَخِي } قال كان أكبر من موسى . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله { وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } قال نبىء هارون ساعتئذٍ حين نبىء موسى .