Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-16)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { طه } قرأ بإمالة الهاء وفتح الطاء أبو عمرو وابن أبي إسحاق ، وأمالهما جميعاً أبو بكر وحمزة والكسائي والأعمش . وقرأهما أبو جعفر وشيبة ونافع بين اللفظين ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وقرأ الباقون بالتفخيم . قال الثعلبي وهي كلها لغات صحيحة فصيحة . وقال النحاس لا وجه للإمالة عند أكثر أهل العربية لعلتين الأولى أنه ليس هاهنا ياء ولا كسرة حتى تكون الإمالة ، والعلة الثانية أن الطاء من موانع الإمالة . وقد اختلف أهل العلم في معنى هذه الكلمة على أقوال الأوّل أنها من المتشابه الذي لا يفهم المراد به . والثاني أنها بمعنى يا رجل في لغة عكل ، وفي لغة عكّ . قال الكلبي لو قلت لرجل من عك يا رجل لم يجب حتى تقول طه ، وأنشد ابن جرير في ذلك @ دعوت بطه في القتال فلم يجب فخفت عليه أن يكون موائلا @@ ويروى مزايلاً وقيل إنها في لغة عكّ بمعنى يا حبيبي . وقال قطرب هي كذلك في لغة طيّ أي بمعنى يا رجل ، وكذلك قال الحسن وعكرمة وقيل هي كذلك في اللغة السريانية ، حكاه المهدوي . وحكى ابن جرير أنها كذلك في اللغة النبطية ، وبه قال السديّ وسعيد بن جبير . وحكى الثعلبي عن عكرمة أنها كذلك في لغة الحبشة ، ورواه عن عكرمة ، ولا مانع من أن تكون هذه الكلمة موضوعة لذلك المعنى في تلك اللغات كلها إذا صح النقل . القول الثالث أنها اسم من أسماء الله سبحانه . والقول الرابع أنها اسم للنبيّ صلى الله عليه وسلم . القول الخامس أنها اسم للسورة . القول السادس أنها حروف مقطعة يدل كل واحد منها على معنى . ثم اختلفوا في هذه المعاني التي تدل عليها هذه الحروف على أقوال كلها متكلفة متعسفة . القول السابع أن معناها طوبى لمن اهتدى . القول الثامن أن معناها طأ الأرض يا محمد . قال ابن الأنباري وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتحمل مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورم ويحتاج إلى التروّح ، فقيل له طأ الأرض ، أي لا تتعب حتى تحتاج إلى التروّح . وحكى القاضي عياض في الشفاء عن الربيع بن أنس قال كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله { طه } يعني طأ الأرض يا محمد ، وحكي عن الحسن البصري أنه قرأ " طه " على وزن دع ، أمر بالوطء ، والأصل طأ ، فقلبت الهمزة هاء . وقد حكى الواحدي عن أكثر المفسرين أن هذه الكلمة معناها يا رجل ، يريد النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو قول الحسن وعكرمة وسعيد ابن جبير والضحّاك ، وقتادة ومجاهد وابن عباس في رواية عطاء والكلبي غير أن بعضهم يقول هي بلسان الحبشة والنبطية والسريانية ، ويقول الكلبي هي بلغة عك . قال ابن الأنباري ولغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا المعنى لأن الله سبحانه لم يخاطب نبيه بلسان غير قريش . انتهى . وإذا تقرّر أنها لهذا المعنى في لغة من لغات العرب كانت ظاهرة المعنى واضحة الدلالة خارجة عن فواتح السور التي قدّمنا بيان كونها من المتشابه في فاتحة سورة البقرة ، وهكذا إذا كانت لهذا المعنى في لغة من لغات العجم واستعملتها العرب في كلامها في ذلك المعنى كسائر الكلمات العجمية التي استعملتها العرب الموجودة في الكتاب العزيز ، فإنها صارت بذلك الاستعمال من لغة العرب . وجملة { مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ } مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يعتريه من جهة المشركين من التعب ، والشقاء يجيء في معنى التعب . قال ابن كيسان وأصل الشقاء في اللغة العناء والتعب ، ومنه قول الشاعر @ ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم @@ والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم ، وتحسرك على أن يؤمنوا ، فهو كقوله سبحانه { فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ } الكهف 6 . قال النحاس بعض النحويين يقول هذه اللام في { لتشقى } لام النفي ، وبعضهم يقول لام الجحود . وقال ابن كيسان هي لام الخفض ، وهذا التفسير للآية هو على قول من قال إن طه كسائر فواتح السور التي ذكرت تعديداً لأسماء الحروف ، وإن جعلت اسماً للسورة كان قوله { مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ } خبراً عنها ، وهي في موضع المبتدأ ، وأما على قول من قال إن معناها يا رجل ، أو بمعنى الأمر بوطء الأرض ، فتكون الجملة مستأنفة لصرفه صلى الله عليه وسلم عما كان عليه من المبالغة في العبادة . وانتصاب { إِلاَّ تَذْكِرَةً } على أنه مفعول له لأنزلنا كقولك ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقاً عليك . وقال الزجاج هو بدل من لتشقى ، أي ما أنزلناه إلا تذكرة . وأنكره أبو علي الفارسي من جهة أن التذكرة ليست بشقاء ، قال وإنما هو منصوب على المصدرية ، أي أنزلناه لتذكر به تذكرة ، أو على المفعول من أجله ، أي ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به ، ما أنزلناه إلا للتذكرة . وانتصاب { تَنزِيلاً مّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ } على المصدرية ، أي أنزلناه تنزيلاً . وقيل بدل من قوله { تذكرة } وقيل هو منصوب على المدح . وقيل منصوب بـ { يخشى } أي يخشى تنزيلاً من الله على أنه مفعول به . وقيل منصوب على الحال بتأوله باسم الفاعل . وقرأ أبو حيوة الشامي " تنزيل " بالرفع على معنى هذا تنزيل و { ممن خلق } متعلق بـ { تنزيلاً } أو بمحذوف هو صفة له ، وتخصيص خلق الأرض والسمٰوات لكونهما أعظم ما يشاهده العباد من مخلوقاته عزّ وجلّ ، والعلى جمع العليا ، أي المرتفعة كجمع كبرى وصغرى على كبر وصغر . ومعنى الآية إخبار العباد عن كمال عظمته سبحانه وعظيم جلاله . وارتفاع { ٱلرَّحْمَـٰنُ } على أنه خبر مبتدأ محذوف كما قال الأخفش ، ويجوز أن يكون مرتفعاً على المدح أو على الابتداء . وقرىء بالجر ، قال الزجاج على البدل ممن ، وجوز النحاس أن يكون مرتفعاً على البدل من المضمر في خلق ، وجملة { عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف ، أو على أنها خبر الرحمٰن عند من جعله مبتدأ . قال أحمد بن يحيـى قال ثعلب الاستواء الإقبال على الشيء ، وكذا قال الزجاج والفراء . وقيل هو كناية عن الملك والسلطان ، والبحث في تحقيق هذا يطول ، وقد تقدّم البحث عنه في الأعراف . والذي ذهب إليه أبو الحسن الأشعري أنه سبحانه مستوٍ على عرشه بغير حدّ ولا كيف ، وإلى هذا القول سبقه الجماهير من السلف الصالح الذي يمرون الصفات كما وردت من دون تحريف ولا تأويل . { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي أنه مالك كل شيء ومدبره { وَمَا بَيْنَهُمَا } من الموجودات { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } الثرى في اللغة التراب النديّ ، أي ما تحت التراب من شيء . قال الواحدي والمفسرون يقولون إنه سبحانه أراد الثرى الذي تحت الصخرة التي عليها الثور الذي تحت الأرض ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله سبحانه { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسّرَّ وَأَخْفَى } الجهر بالقول هو رفع الصوت به ، والسرّ ما حدّث به الإنسان غيره وأسرّه إليه ، والأخفى من السرّ هو ما حدّث به الإنسان نفسه وأخطره بباله . والمعنى إن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غنيّ عن ذلك ، فإنه يعلم السرّ وما هو أخفى من السرّ ، فلا حاجة لك إلى الجهر بالقول ، وفي هذا معنى النهي عن الجهر كقوله سبحانه { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً } الأعراف 205 . وقيل السر ما أسرّ الإنسان في نفسه ، والأخفى منه هو ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه . وقيل السرّ ما أضمره الإنسان في نفسه ، والأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد ، وقيل السرّ سرّ الخلائق ، والأخفى منه سرّ الله عزّ وجلّ ، وأنكر ذلك ابن جرير وقال إن الأخفى ما ليس في سرّ الإنسان وسيكون في نفسه . ثم ذكر أن الموصوف بالعبادة على الوجه المذكور هو الله سبحانه المنزه عن الشريك المستحق لتسميته بالأسماء الحسنى فقال { ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } فالله خبر مبتدأ محذوف ، أي الموصوف بهذه الصفات الكمالية الله ، وجملة . { لا إلٰه إلا هو } مستأنفة لبيان اختصاص الإلهية به سبحانه ، أي لا إلٰه في الوجود إلا هو ، وهكذا جملة { له الأسماء الحسنى } مبينة لاستحقاقه تعالى للأسماء الحسنى ، وهي التسعة والتسعون التي ورد بها الحديث الصحيح . وقد تقدم بيانها في قوله سبحانه { وَللَّهِ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } الأعراف 180 . من سورة الأعراف والحسنى تأنيث الأحسن ، والأسماء مبتدأ وخبرها الحسنى . ويجوز أن يكون الله مبتدأ وخبره الجملة التي بعده ، ويجوز أن يكون بدلاً من الضمير في يعلم . ثم قرّر سبحانه أمر التوحيد بذكر قصة موسى المشتملة على القدرة الباهرة ، والخبر الغريب ، فقال { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } الاستفهام للتقرير ، ومعناه أليس قد أتاك حديث موسى . وقيل معناه قد أتاك حديث موسى . وقال الكلبي لم يكن قد أتاه حديث موسى إذ ذاك . وفي سياق هذه القصة تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم لما يلاقيه من مشاق أحكام النبوّة ، وتحمل أثقالها ومقاساة خطوبها ، وأن ذلك شأن الأنبياء قبله . والمراد بالحديث القصة الواقعة لموسى . و { إِذْ رَأَى نَاراً } ظرف للحديث . وقيل العامل فيه مقدر ، أي اذكر . وقيل يقدر مؤخراً أي حين رأى ناراً كان كيت وكيت ، وكانت رؤيته للنار في ليلة مظلمة لما خرج مسافراً إلى أمه بعد استئذانه لشعيب فلما رآها { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُواْ } والمراد بالأهل هنا امرأته ، والجمع لظاهر لفظ الأهل أو للتفخيم وقيل المراد بهم المرأة والولد والخادم ، ومعنى { امكثوا } أقيموا مكانكم ، وعبر بالمكث دون الإقامة لأن الإقامة تقتضي الدوام ، والمكث ليس كذلك . وقرأ حمزة " لأهله " بضم الهاء ، وكذا في القصص . قال النحاس وهذا على لغة من قال مررت بهو يا رجل ، فجاء به على الأصل وهو جائز ، إلا أن حمزة خالف أصله في هذين الموضعين خاصة . { إِنّي آنَسْتُ نَاراً } أي أبصرت ، يقال آنست الصوت سمعته ، وآنست الرجل أبصرته . وقيل الإيناس الإبصار البين . وقيل الإيناس مختص بإبصار ما يؤنس . والجملة تعليل للأمر بالمكث ، ولما كان الإتيان بالقبس ، ووجود الهدى متوقعين بني الأمر على الرجاء ، فقال { لَّعَلّي آتِيكُمْ مّنْهَا بِقَبَسٍ } أي أجيئكم من النار بقبس . والقبس شعلة من النار ، وكذا المقباس ، يقال قبست منه ناراً أقبس ناراً قبساً فأقبسني ، أي أعطاني وكذا اقتبست . قال اليزيدي أقبست الرجل علماً وقبسته ناراً ، فإن كنت طلبتها له قلت أقبسته . وقال الكسائي أقبسته ناراً وعلماً سواء ، قال وقبسته أيضاً فيهما . { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } أي هادياً يهديني إلى الطريق ويدلني عليها . قال الفراء أراد هادياً ، فذكره بلفظ المصدر ، أو عبر بالمصدر لقصد المبالغة على حذف المضاف ، أي ذا هدى ، وكلمة " أو " في الموضعين لمنع الخلوّ دون الجمع ، وحرف الاستعلاء للدلالة على أن أهل النار مستعلون على أقرب مكان إليها . { فَلَمَّا أَتَـٰهَا نُودِيَ } أي فلما أتى النار التي آنسها { نُودِيَ } من الشجرة ، كما هو مصرّح بذلك في سورة القصص ، أي من جهتها ، ومن ناحيتها { نُودِيَ يٰمُوسَىٰ إِنّي أَنَاْ رَبُّكَ } أي نودي ، فقيل يا موسى . وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبو جعفر وابن محيصن وحميد واليزيدي " أني " بفتح الهمزة ، وقرأ الباقون بكسرها ، أي بأني . { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } أمره الله سبحانه بخلع نعليه لأن ذلك أبلغ في التواضع ، وأقرب إلى التشريف والتكريم وحسن التأدب . وقيل إنهما كانا من جلد حمار غير مدبوغ . وقيل معنى الخلع للنعلين تفريغ القلب من الأهل والمال ، وهو من بدع التفاسير ، ثم علل سبحانه الأمر بالخلع فقال { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } المقدّس المطهر . والقدس الطهارة . والأرض المقدّسة المطهرة سميت بذلك لأن الله أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين ، و { طوى } اسم للوادي . قال الجوهري وطوى اسم موضع بالشام يكسر طاؤه ويضم ، يصرف ولا يصرف ، فمن صرفه جعله اسم وادٍ ومكان وجعله نكرة ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة ، وقرأ عكرمة " طوى " بكسر الطاء ، وقرأ الباقون بضمها . وقيل إن طوى كثنى من الطي مصدر لنودي ، أو للمقدس ، أي نودي نداءين ، أو قدس مرة بعد أخرى . { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } قرأ أهل المدينة ، وأهل مكة وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي { وأنا اخترتك } بالإفراد . وقرأ حمزة " وإنا اخترناك " بالجمع . قال النحاس والقراءة الأولى أولى من جهتين إحداهما أنها أشبه بالخط ، والثانية أنها أولى بنسق الكلام لقوله { يٰمُوسَىٰ إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ } ومعنى { اخترتك } اصطفيتك للنبوّة والرسالة ، والفاء في قوله { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } لترتيب ما بعدها على ما قبلها و " ما " موصولة أو مصدرية ، أي فاستمع للذي يوحى إليك ، أو للوحي ، وجملة { إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ } بدل من ما في { لما يوحى } . ثم أمره سبحانه بالعبادة ، فقال { فَٱعْبُدْنِى } والفاء هنا كالفاء التي قبلها لأن اختصاص الإلٰهية به سبحانه موجب لتخصيصه بالعبادة { وأقم الصلاة لذكري } خصّ الصلاة بالذكر مع كونها داخلة تحت الأمر بالعبادة ، لكونها أشرف طاعة وأفضل عبادة ، وعلل الأمر بإقامة الصلاة بقوله { لذكري } أي لتذكرني فإن الذكر الكامل لا يتحقق إلا في ضمن العبادة والصلاة ، أو المعنى لتذكرني فيهما لاشتمالهما على الأذكار ، أو المعنى أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة . وقيل المعنى لأذكرك بالمدح في عليين ، فالمصدر على هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول . وجملة { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ } تعليل لما قبلها من الأمر ، أي إن الساعة التي هي وقت الحساب والعقاب آتية ، فاعمل الخير من عبادة الله والصلاة . ومعنى { أَكَادُ أُخْفِيهَا } مختلف فيه . قال الواحدي قال أكثر المفسرين أخفيها من نفسي ، وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة . وقال المبرد وقطرب هذا على عادة مخاطبة العرب يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء كتمته حتى من نفسي ، أي لم أطلع عليه أحداً ومعنى الآية أن الله بالغ في إخفاء الساعة ، فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب . وقد روي عن سعيد بن جبير أنه قرأ " أخفيها " بفتح الهمزة ، ومعناه أظهرها . وكذا روى أبو عبيد عن الكسائي عن محمد بن سهل عن وفاء بن إياس عن سعيد ابن جبير . قال النحاس وليس لهذه الرواية طريق غير هذا . قال القرطبي وكذا رواه ابن الأنباري في كتاب الردّ قال حدّثني أبي ، حدّثنا محمد بن الجهم ، حدثنا الفراء حدثنا الكسائي فذكره . قال النحاس وأجود من هذا الإسناد ما رواه يحيـى القطان عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنه قرأ { أخفيها } بضم الهمزة . قال ابن الأنباري قال الفراء ومعنى قراءة الفتح أكاد أظهرها ، من خفيت الشيء إذا أظهرته أخفيه . قال القرطبي وقد قال بعض اللغويين يجوز أن يكون { أخفيها } بضم الألف معناه أظهرها لأنه يقال خفيت الشيء وأخفيته من حروف الأضداد يقع على الستر والإظهار . قال أبو عبيدة خفيت وأخفيت بمعنى واحد . قال النحاس وهذا حسن ، وقد أنشد الفراء وسيبويه ما يدل على أن معنى أخفاه أظهر ، وذلك قول امرىء القيس @ فإن تكتموا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد @@ أي وإن تكتموا الداء لا نظهره . وقد حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنه بضم النون من نخفه ، وقال امرؤ القيس @ خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشيّ مُجَلَّب @@ أي أظهرهن . وقد زيف النحاس هذا القول وقال ليس المعنى على أظهرها ، ولا سيما و " أخفيها " قراءة شاذة ، فكيف تردّ القراءة الصحيحة الشائعة . وقال ابن الأنباري في الآية تفسير آخر ، وهو أن الكلام ينقطع على { أكاد } وبعده مضمر ، أي أكاد آتي بها ، ووقع الابتداء بأخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ، ومثله قول عمير بن ضابىء البرجمي @ هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله @@ أي وكدت أفعل . واختار هذا النحاس . وقال أبو عليّ الفارسي هو من باب السلب وليس من الأضداد ، ومعنى أخفيها أزيل عنها خفاءها ، وهو سترها ، ومن هذا قولهم أشكيته ، أي أزلت شكواه . وحكى أبو حاتم عن الأخفش أن أكاد زائدة للتأكيد ، قال ومثله { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } النور 40 ، ومثله قول الشاعر @ سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما أن يكاد قرنه يتنفس @@ قال والمعنى أكاد أخفيها أي أقارب ذلك ، لأنك إذا قلت كاد زيد يقوم ، جاز أن يكون قام وأن يكون لم يقم ، ودلّ على أنه قد أخفاها بدلالة غير هذه الآية على هذا . وقوله { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } متعلق بآتية ، أو بأخفيها ، و " ما " مصدرية ، أي لتجزى كل نفس بسعيها . والسعي وإن كان ظاهراً في الأفعال ، فهو هنا يعمّ الأفعال والتروك للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه مأخوذ به . { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا } أي لا يصرفنك عن الإيمان بالساعة ، والتصديق بها ، أو عن ذكرها ومراقبتها { مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } من الكفرة ، وهذا النهي وإن كان للكافر بحسب الظاهر ، فهو في الحقيقة نهي له صلى الله عليه وسلم عن الانصداد ، أو عن إظهار اللين للكافرين فهو من باب لا أرينك ها هنا ، كما هو معروف . وقيل الضمير في { عنها } للصلاة وهو بعيد ، وقوله { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } معطوف على ما قبله ، أي من لا يؤمن ، ومن اتبع هواه أي هوى نفسه بالانهماك في اللذات الحسية الفانية { فَتَرْدَىٰ } أي فتهلك لأن انصدادك عنها بصدّ الكفارين لك مستلزم للهلاك ومستتبع له . وقد أخرج ابن المنذر وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، وابن عساكر عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أوّل ما نزل عليه الوحي كان يقوم على صدر قدميه إذا صلى ، فأنزل الله { طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ } . وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله هذه الآية . وأخرج ابن عساكر عنه أيضاً قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل لئلا ينام ، فأنزل الله هذه الآية » . وأخرج البزار عن عليّ قال « كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يراوح بين قدميه يقوم على كل رجل حتى نزلت { مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ } » وحسن السيوطي إسناده . وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً بأطول منه . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما قرأ القرآن إذا صلى ، فقام على رجل واحدة ، فأنزل الله { طه } برجليك فما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه في قوله { طه } قال يا رجل . وأخرج الحارث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { طه } بالنبطية ، أي طأ يا رجل . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال هو كقولك اقعد . وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال { طه } بالنبطية يا رجل . وأخرج ابن جرير عنه قال { طه } يا رجل بالسريانية . وأخرج الحاكم عنه أيضاً قال { طه } هو كقولك يا محمد بلسان الحبش . وفي هذه الروايات عن ابن عباس اختلاف وتدافع . وأخرج ابن مردويه عن أبي الطفيل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لي عند ربي عشرة أسماء " ، قال أبو الطفيل حفظت منها ثمانية محمد ، وأحمد ، وأبو القاسم ، والفاتح ، والخاتم ، والماحي ، والعاقب ، والحاشر . وزعم سيف أن أبا جعفر قال له الاسمان الباقيان طه ويسۤ . وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ } قال يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، وكان يقوم الليل على رجليه فهي لغة لعك إن قلت لعكي يا رجل ، لم يلتفت ، وإذا قلت طه ، التفت إليك . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال { طه } قسم أقسم الله به ، وهو من أسمائه . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } قال الثرى كل شيء مبتل . وأخرج أبو يعلى عن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل ما تحت هذه الأرض ؟ قال " الماء " ، قيل فما تحت الماء ؟ قال " ظلمة " قيل فما تحت الظلمة ؟ قال " الهواء " قيل فما تحت الهواء ؟ قال " الثرى " قيل فما تحت الثرى ؟ قال " انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق " وأخرج ابن مردويه عنه نحوه بأطول منه . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله و { يَعْلَمُ ٱلسّرَّ وَأَخْفَى } قال السرّ ما أسرّه ابن آدم في نفسه ، وأخفى ما خفي عن ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله ، فإنه يعلم ذلك كله فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة وهو كقوله { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وٰحِدَةٍ } لقمان 28 . وأخرج الحاكم وصححه عنه في الآية قال السرّ ما علمته أنت ، وأخفى ما قذف الله في قلبك مما لم تعلمه . وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي بلفظ يعلم ما تسرّ في نفسك ويعلم ما تعمل غداً . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } يقول من يدلّ على الطريق . وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عليّ في قوله { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } قال كانتا من جلد حمار ميت فقيل له اخلعهما . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } قال المبارك { طوى } قال اسم الوادي . وأخرج ابن أبي حاتم عنه { بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } يعني الأرض المقدسة ، وذلك أنه مرّ بواديها ليلاً فطوى يقال طويت وادي كذا وكذا . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله { طُوًى } قال طإ الوادي . وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله قال { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى } " وأخرج الترمذي وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله قال { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِي } " وكان ابن شهاب يقرؤها " للذكرى " . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أَكَادُ أُخْفِيهَا } قال لا أظهر عليها أحداً غيري . وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { أَكَادُ أُخْفِيهَا } من نفسي .