Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 60-70)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ } أي انصرف من ذلك المقام ليهيـىء ما يحتاج إليه مما تواعدوا عليه وقيل معنى تولى أعرض عن الحق ، والأوّل أولى { فَجَمَعَ كَيْدَهُ } أي جمع ما يكيد به من سحره وحيلته . والمراد أنه جمع السحرة . قيل كانوا اثنين وسبعين . وقيل أربعمائة . وقيل اثنا عشر ألفاً . وقيل أربعة عشر ألفاً . وقال ابن المنذر كانوا ثمانين ألفاً { ثُمَّ أَتَىٰ } أي أتى الموعد الذي تواعدا إليه مع جمعه الذي جمعه ، وجملة { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } دعا عليهم بالويل ، ونهاهم عن افتراء الكذب . قال الزجاج هو منصوب بمحذوف ، والتقدير ألزمهم الله ويلاً . قال ويجوز أن يكون نداء ، كقوله { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } يۤس 52 . { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } السحت الاستئصال ، يقال سحت وأسحت بمعنى ، وأصله استقصاء الشعر . وقرأ الكوفيون إلا شعبة { فيسحتكم } بضم حرف المضارعة من أسحت ، وهي لغة بني تميم ، وقرأ الباقون بفتحه من سحت ، وهي لغة الحجاز ، وانتصابه على أنه جواب للنهي { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } أي خسر وهلك ، والمعنى قد خسر من افترى على الله أي كذب كان { فَتَنَـٰزَعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي السحرة لما سمعوا كلام موسى ، تناظروا وتشاوروا وتجاذبوا أطراف الكلام في ذلك { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } أي من موسى ، وكانت نجواهم هي قولهم { إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } . وقيل إنهم تناجوا فيما بينهم فقالوا إن كان ما جاء به موسى سحراً فسنغلبه ، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر . وقيل الذي أسروه أنه إذا غلبهم اتبعوه ، قاله الفرّاء والزجاج . وقيل الذي أسروه أنهم لما سمعوا قول موسى { ويلكم لا تفتروا على الله } قالوا ما هذا بقول ساحر . والنجوى المناجاة يكون اسماً ومصدراً . قرأ أبو عمرو " إن هذين لَسَاحِرٰنِ " بتشديد الحرف الداخل على الجملة وبالياء في اسم الإشارة على إعمال إن عملها المعروف ، وهو نصب الاسم ورفع الخبر . ورويت هذه القراءة عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة ، وبها قرأ الحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم من التابعين ، وبها قرأ عاصم الجحدري وعيسى بن عمر كما حكاه النحاس ، وهذه القراءة موافقة للإعراب الظاهر مخالفة لرسم المصحف فإنه مكتوب بالألف . وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه " إن هذان " بتخفيف إن على أنها نافية ، وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف وللإعراب . وقرأ ابن كثير مثل قراءتهم إلا أنه يشدّد النون من هذان . وقرأ المدنيون والكوفيون وابن عامر " إنّ هذان " بتشديد إن وبالألف ، فوافقوا الرسم وخالفوا الإعراب الظاهر . وقد تكلم جماعة من أهل العلم في توجيه قراءة المدنيين والكوفيين وابن عامر ، وقد استوفى ذكر ذلك ابن الأنباري والنحاس ، فقيل إنها لغة بني الحارث بن كعب وخثعم وكنانة يجعلون رفع المثنى ونصبه وجره بالألف ، ومنه قول الشاعر @ فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغاً لناباه الشجاع لصمما @@ وقول الآخر @ تزوّد منا بين أذناه ضربة @@ وقول الآخر @ إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها @@ ومما يؤيد هذا تصريح سيبويه والأخفش وأبي زيد والكسائي والفراء إن هذه القراءة على لغة بني الحارث بن كعب وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنها لغة بني كنانة . وحكى غيره أنها لغة خثعم . وقيل إن " إنّ " بمعنى نعم ها هنا ، كما حكاه الكسائي عن عاصم ، وكذا حكاه سيبويه . قال النحاس رأيت الزجاج والأخفش يذهبان إليه ، فيكون التقدير نعم هذان لساحران ، ومنه قول الشاعر @ ليت شعري هل للمحبّ شفاء من جوى حبهنّ إنّ اللقاء @@ أي نعم اللقاء . قال الزجاج والمعنى في الآية أن هذا لهما ساحران ، ثم حذف المبتدأ وهو هما . وأنكره أبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جني ، وقيل إن الألف في { هذان } مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير . وقيل إن الهاء مقدّرة ، أي إنه هذان لساحران ، حكاه الزجاج عن قدماء النحويين ، وكذا حكاه ابن الأنباري . وقال ابن كيسان إنه لما كان يقال هذا بالألف في الرفع والنصب والجرّ على حال واحدة ، وكانت التثنية لا تغير الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فثبت الألف في الرفع والنصب والجر ، فهذه أقوال تتضمن توجيه هذه القراءة توجيها تصح به وتخرج به عن الخطأ ، وبذلك يندفع ما روي عن عثمان وعائشة أنه غلط من الكاتب للمصحف . { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ } وهي أرض مصر { بِسِحْرِهِمَا } الذي أظهراه { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } قال الكسائي بطريقتكم بسنّتكم . و { المثلى } نعت ، كقولك امرأة كبرى ، تقول العرب فلان على الطريقة المثلى ، يعنون على الهدى المستقيم . قال الفراء العرب تقول هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم لأشرافهم ، والمثلى تأنيث الأمثل ، وهو الأفضل ، يقال فلان أمثل قومه ، أي أفضلهم ، وهم الأماثل . والمعنى أنهما إن يغلبا بسحرهما مال إليهما السادة والأشراف منكم ، أو يذهبا بمذهبكم الي هو أمثل المذاهب . { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } الإجماع الإحكام ، والعزم على الشيء قاله الفراء . تقول أجمعت على الخروج مثل أزمعت . وقال الزجاج معناه ليكن عزمكم كلكم كالكيد مجمعاً عليه . وقد اتفق القراء على قطع الهمزة في أجمعوا إلا أبا عمرو ، فإنه قرأ بوصلها وفتح الميم من الجمع . قال النحاس وفيما حكي لي عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال يجب على أبي عمرو أن يقرأ بخلاف هذه القراءة ، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس . { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } أي مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأمورهم وأشد لهيبتهم ، وهذا قول جمهور المفسرين . وقال أبو عبيدة الصف موضع المجمع ويسمى المصلى الصف . قال الزجاج وعلى هذا معناه ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم ، يقال أتيت الصف بمعنى أتيت المصلى ، فعلى التفسير الأول يكون انتصاب { صفاً } على الحال ، وعلى تفسير أبي عبيدة يكون انتصابه على المفعولية . قال الزجاج يجوز أن يكون المعنى ثم ائتوا والناس مصطفون ، فيكون على هذا مصدراً في موضع الحال ، ولذلك لم يجمع . وقرىء بكسر الهمزة بعدها ياء ، ومن ترك الهمزة أبدل منها ألفاً { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } أي من غلب ، يقال استعلى عليه إذا غلبه ، وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض . وقيل من قول فرعون لهم . وجملة { قَالُواْ مُوسَىٰ إَمَا أَن تُلْقِيَ } مستأنفة جواباً لسؤال مقدّر ، كأنه قيل فماذا فعلوا بعدما قالوا فيما بينهم ما قالوا ؟ فقيل قالوا يا موسى ، إما أن تلقي ، وإن مع ما في حيزها في محل نصب بفعل مضمر ، أي اختر إلقاءك أولاً أو إلقاءنا ، ويجوز أن تكون في محل رفع على أنها وما بعدها خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر إلقاؤك ، أو إلقاؤنا ، ومفعول تلقي محذوف ، والتقدير إما أن تلقي ما تلقيه أوّلاً { وَإِمَّا أَن نَّكُونَ } نحن { أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } ما يلقيه ، أو أوّل من يفعل الإلقاء . والمراد إلقاء العصيّ على الأرض ، وكانت السحرة معهم عصيّ ، وكان موسى قد ألقى عصاه يوم دخل على فرعون ، فلما أراد السحرة معارضته قالوا له هذا القول ، فقال لهم موسى { بَلْ أَلْقُواْ } أمرهم بالإلقاء أوّلاً لتكون معجزته أظهر إذا ألقوا هم ما معهم ثم يلقي هو عصاه فتبتلع ذلك ، وإظهاراً لعدم المبالاة بسحرهم { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ } في الكلام حذف ، والتقدير فألقوا فإذا حبالهم ، والفاء فصيحة ، وإذا للمفاجأة أو ظرفية . والمعنى فألقوا ففاجأ موسى وقت أن { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ } سعي حبالهم وعصيهم ، وقرأ الحسن " عصيهم " بضم العين وهي لغة بني تميم ، وقرأ الباقون بكسرها اتباعاً لكسرة الصاد ، وقرأ ابن عباس ، وابن ذكوان وروح عن يعقوب " تخيل " بالمثناة لأن العصيّ والحبال مؤنثة ، وذلك أنهم لطخوها بالزئبق ، فلما أصابها حرّ الشمس ارتعشت واهتزّت ، وقرىء " نخيل " بالنون على أن الله سبحانه هو المخيل لذلك ، وقرىء " يخيل " بالياء التحتية مبنياً للفاعل ، على أن المخيل هو الكيد . وقيل المخيل هو أنها تسعى ، فأن في موضع رفع ، أي يخيل إليه سعيها ، ذكر معناه الزجاج . وقال الفراء إنها في موضع نصب ، أي بأنها ثم حذف الباء . قال الزجاج ومن قرأ بالتاء يعني الفوقية جعل أنّ في موضع نصب ، أي تخيل إليه ذات سعي . قال ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلاً من الضمير في تخيل ، وهو عائد على الحبال والعصيّ ، والبدل فيه بدل اشتمال ، يقال خيل إليه إذا شبه له وأدخل عليه البهمة والشبهة . { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } أي أحسّ . وقيل وجد . وقيل أضمر . وقيل خاف ، وذلك لما يعرض من الطباع البشرية عند مشاهدة ما يخشى منه . وقيل خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه . وقيل إن سبب خوفه هو أن سحرهم كان من جنس ما أراهم في العصا ، فخاف أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا ، فأذهب الله سبحانه ما حصل معه من الخوف بما بشّره به بقوله { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلاْعْلَىٰ } أي المستعلي عليهم بالظفر والغلبة ، والجملة تعليل للنهي عن الخوف . { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ } يعني العصا ، وإنما أبهمها تعظيماً وتفخيماً ، وجزم { تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ } على أنه جواب الأمر ، قرىء بتشديد القاف ، والأصل تتلقف فحذف إحدى التاءين ، وقرىء " تلقف " بكسر اللام من لقفه إذا ابتلعه بسرعة ، وقرىء " تلقف " بالرفع على تقدير فإنها تتلقف ، ومعنى { مَا صَنَعُواْ } الذي صنعوه من الحبال والعصيّ . قال الزجاج القراءة بالجزم جواب الأمر ، ويجوز الرفع على معنى الحال ، كأنه قال ألقها متلقفة ، وجملة { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ } تعليل لقوله { تلقف } وارتفاع كيد على أنه خبر لإن ، وهي قراءة الكوفيين إلا عاصماً . وقرأ هؤلاء " سَـٰحِرٌ " بكسر السين وسكون الحاء ، وإضافة الكيد إلى السحر على الاتساع من غير تقدير ، أو بتقدير ذي سحر . وقرأ الباقون { كيد ساحر } { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـٰحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } أي لا يفلح جنس الساحر حيث أتى وأين توجه ، وهذا من تمام التعليل { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً } أي فألقي ذلك الأمر الذي شاهدوه من موسى والعصا السحرة سجداً لله تعالى ، وقد مرّ تحقيق هذا في سورة الأعراف . { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ } إنما قدّم هارون على موسى في حكاية كلامهم رعاية لفواصل الآي وعناية بتوافق رؤوسها . وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } قال يهلككم . أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { فَيُسْحِتَكُم } قال يستأصلكم . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال فيذبحكم . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عليّ { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } قال يصرفا وجوه الناس إليهما . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال يقول أمثلكم ، وهم بنو إسرائيل . وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق في قوله { تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ } ما يأفكون ، عن قتادة قال ألقاها موسى فتحوّلت حية تأكل حبالهم وما صنعوا . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة أن سحرة فرعون كانوا تسعمائة ، فقالوا لفرعون إن يكن هذان ساحرين فإنا نغلبهما فإنه لا أسحر منا ، وإن كانا من ربّ العالمين فإنه لا طاقة لنا بربّ العالمين ، فلما كان من أمرهم أن خرّوا سجداً أراهم الله في سجودهم منازلهم التي إليها يصيرون فعندها { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءنَا مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ } إلى قوله { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } .