Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 71-76)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ } يقال آمن له وآمن به ، فمن الأوّل قوله { فَـئَامَنَ لَهُ لُوطٌ } العنكبوت 26 ، ومن الثاني قوله في الأعراف { ءامَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذن لكم } الأعراف 123 . وقيل إن الفعل هنا متضمن معنى الاتباع . وقرىء على الاستفهام التوبيخي ، أي كيف آمنتم به من غير إذن مني لكم بذلك ؟ { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسّحْرَ } أي إن موسى لكبيركم ، أي أسحركم وأعلاكم درجة في صناعة السحر ، أو معلمكم وأستاذكم كما يدلّ عليه قوله { ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسّحْرَ } قال الكسائي الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه قال جئت من عند كبيري . وقال محمد بن إسحاق إنه لعظيم السحر . قال الواحدي والكبير في اللغة الرئيس ، ولهذا يقال للمعلم الكبير . أراد فرعون بهذا القول أن يدخل الشبهة على الناس حتى لا يؤمنوا ، وإلا فقد علم أنهم لم يتعلموا من موسى ، ولا كان رئيساً لهم ، ولا بينه وبينهم مواصلة { فَلأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ } أي والله لأفعلنّ بكم ذلك . والتقطيع للأيدي والأرجل من خلاف هو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، و " من " للابتداء { وَلأُصَلّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } أي على جذوعها كقوله { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } الطور 38 أي عليه ، ومنه قول سويد بن أبي كاهل @ هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدعا @@ وإنما آثر كلمة " فِي " للدلالة على استقرارهم عليها كاستقرار المظروف في الظرف { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } أراد لتعلمنّ هل أنا أشدّ عذاباً لكم أم موسى ؟ ومعنى { أبقى } أدوم ، وهو يريد بكلامه هذا الاستهزاء بموسى ، لأن موسى لم يكن من التعذيب في شيء ، ويمكن أن يريد العذاب الذي توعدهم به موسى إن لم يؤمنوا . وقيل أراد بموسى ربّ موسى على حذف المضاف . { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءنَا مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ } أي لن نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات الواضحة من عند الله سبحانه كاليد والعصا . وقيل إنهم أرادوا بالبينات ما رأوه في سجودهم من المنازل المعدّة لهم في الجنة { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا } معطوف على { ما جاءنا } أي لن نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات وعلى الذي فطرنا ، أي خلقنا . وقيل هو قسم ، أي والله الذي فطرنا لن نؤثرك ، أو لا نؤثرك ، وهذان الوجهان في تفسير الآية ذكرهما الفراء والزجاج { فَٱقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ } هذا جواب منهم لفرعون لما قال لهم { لأقطعنّ } إلخ ، والمعنى فاصنع ما أنت صانع ، واحكم ما أنت حاكم ، والتقدير ما أنت صانعه { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } أي إنما سلطانك علينا ونفوذ أمرك فينا في هذه الدنيا ولا سبيل لك علينا فيما بعدها ، فاسم الإشارة في محل نصب على الظرفية أو على المفعولية و " ما " كافة ، وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل ما بمعنى الذي ، أي أن الذي تقضيه هذه الحياة الدنيا فقضاؤك وحكمك منحصر في ذلك . { إِنَّا آمَنَّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـٰيَـٰنَا } التي سلفت منا من الكفر وغيره { وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسّحْرِ } معطوف على { خطايانا } أي ويغفر لنا الذي أكرهتنا عليه من عمل السحر في معارضة موسى فما في محل نصب على المفعولية وقيل هي نافية ، قال النحاس والأوّل أولى . قيل ويجوز أن يكون في محل رفع بالابتداء والخبر مقدّر ، أي وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي خير منك ثواباً وأبقى منك عقاباً ، وهذا جواب قوله { ولتعلمنّ أينا أشدّ عذاباً وأبقى } . { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } المجرم هو المتلبس بالكفر والمعاصي ، ومعنى { لا يموت فيها ولا يحيـى } أنه لا يموت فيستريح ولا يحيـى حياة تنفعه . قال المبرد لا يموت ميتة مريحة ولا يحيا حياة ممتعة ، فهو يألم كما يألم الحي ، ويبلغ به حال الموت في المكروه ، إلا أنه لا يبطل فيها عن إحساس الألم ، والعرب تقول فلان لا حيّ ولا ميت ، إذا كان غير منتفع بحياته ، وأنشد ابن الأنباري في مثل هذا @ ألا من لنفس لا تموت فينقضي شقاها ولا تحيا حياة لها طعم @@ وهذه الآية من جملة ما حكاه الله سبحانه من قول السحرة . وقيل هو ابتداء كلام . والضمير في { إنه } على هذا الوجه للشأن { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } أي ومن يأت ربه مصدّقاً به قد عمل الصالحات ، أي الطاعات ، والموصوف محذوف ، والتقدير الأعمال الصالحات ، وجملة { قد عمل } في محل نصب على الحال وهكذا { مؤمناً } منتصب على الحال ، والإشارة بـ { أُوْلَـٰئِكَ } إلى من باعتبار معناه { لَهُمُ ٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلْعُلَىٰ } أي المنازل الرفيعة التي قصرت دونها الصفات { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } بيان للدرجات أو بدل منها ، والعدن الإقامة ، وقد تقدّم بيانه ، وجملة { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ } حال من الجنات لأنها مضافة إلى عدن ، وعدن علم للإقامة كما سبق . وانتصاب { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } على الحال من ضمير الجماعة في لهم ، أي ماكثين دائمين ، والإشارة { ذلك } إلى ما تقدّم لهم من الأجر ، وهو مبتدأ ، و { جَزَاء مَن تَزَكَّىٰ } خبره ، أي جزاء من تطهر من الكفر والمعاصي الموجبة للنار . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسّحْرِ } قال أخذ فرعون أربعين غلاماً من بني إسرائيل ، فأمر أن يعلموا السحر بالفَرَما ، قال علموهم تعليماً لا يغلبهم أحد في الأرض . قال ابن عباس فهم من الذين آمنوا بموسى ، وهم الذين قالوا { آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر } . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في قوله { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } قال خير منك إن أطيع ، وأبقى منك عذاباً إن عصى . وأخرج أحمد ومسلم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما أهلها الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، وأما الذين ليسوا بأهلها فإن النار تميتهم إماتة ، ثم يقوم الشفعاء فيشفعون ، فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان ، فينبتون كما ينبت الغثاء في حميل السيل " وأخرج أبو داود وابن مردويه عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدريّ في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " ، وفي الصحيحين بلفظ " إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء " .