Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 36-43)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَإِذَا رَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني المستهزئين من المشركين { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هزواً } أي ما يتخذونك إلا مهزوءاً بك ، والهزؤ السخرية ، وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم { ٱلْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَـٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءينَ } الحجر 95 والمعنى ما يفعلون بك إلا اتخذوك هزؤاً { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } هو على تقدير القول ، أي يقولون أهذا الذي ، فعلى هذا هو جواب إذا ، ويكون قوله { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هزواً } اعتراضاً بين الشرط وجوابه ، ومعنى يذكرها يعيبها . قال الزجاج يقال فلان يذكر الناس ، أي يغتابهم ، ويذكرهم بالعيوب ، وفلان يذكر الله ، أي يصفه بالتعظيم ويثني عليه ، وإنما يحذف مع الذكر ما عقل معناه ، وعلى ما قالوا لا يكون الذكر في كلام العرب العيب ، وحيث يراد به العيب يحذف منه السوء ، قيل ومن هذا قول عنترة @ لا تذكري مهري وما أطعمته فيكون جلدك مثل جلد الأجرب @@ أي لا تعيبي مهري ، وجملة { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } في محل نصب على الحال ، أي وهم بالقرآن كافرون ، أو هم بذكر الرحمٰن الذي خلقهم كافرون ، والمعنى أنهم يعيبون على النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يذكر آلهتهم التي لا تضرّ ولا تنفع بالسوء ، والحال أنهم بذكر الله سبحانه بما يليق به من التوحيد ، أو القرآن كافرون ، فهم أحق بالعيب لهم والإنكار عليهم ، فالضمير الأوّل مبتدأ خبره كافرون ، وبذكر متعلق بالخبر ، والضمير الثاني تأكيد . { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } أي جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق من العجل . قال الفراء كأنه يقول بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة . وقال الزجاج خوطبت العرب بما تعقل ، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء خلقت منه كما تقول أنت من لعب ، وخلقت من لعب ، تريد المبالغة في وصفه بذلك . ويدل على هذا المعنى قوله { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ عَجُولاً } الإسراء 11 . والمراد بالإنسان الجنس . وقيل المراد بالإنسان آدم ، فإنه لما خلقه الله ونفخ فيه الروح صار الروح في رأسه ، فذهب لينهض قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه فوقع ، فقيل خلق الإنسان من عجل ، كذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والسديّ والكلبي ومجاهد وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني العجل الطين بلغة حمير . وأنشدوا @ والنخل تنبت بين الماء والعجل @@ وقيل إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث ، وهو القائل { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } الأنفال 32 . وقيل نزلت في قريش لأنهم استعجلوا العذاب . وقال الأخفش معنى خلق الإنسان من عجل أنه قيل له كن فكان . وقيل إن هذه الآية من المقلوب ، أي خلق العجل من الإنسان وقد حكي هذا عن أبي عبيدة والنحاس ، والقول الأوّل أولى { سأريكم آياتي } أي سأريكم نقماتي منكم بعذاب النار { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } أي لا تستعجلوني بالإتيان به ، فإنه نازل بكم لا محالة ، وقيل المراد بالآيات ما دل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات وما جعله الله له من العاقبة المحمودة ، والأوّل أولى ، ويدل عليه قولهم { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي متى حصول هذا الوعد ، الذي تعدنا به من العذاب ، قالوا ذلك على جهة الاستهزاء والسخرية . وقيل المراد بالوعد هنا القيامة ، ومعنى { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } إن كنتم يا معشر المسلمين صادقين في وعدكم ، والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين الذين يتلون الآيات القرآنية المنذرة بمجيء الساعة وقرب حضور العذاب . وجملة { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وما بعدها مقرّرة لما قبلها ، أي لو عرفوا ذلك الوقت ، وجواب لو محذوف ، والتقدير لو علموا الوقت الذي { لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } لما استعجلوا الوعيد . وقال الزجاج في تقدير الجواب لعلموا صدق الوعد . وقيل لو علموه ما أقاموا على الكفر . وقال الكسائي هو تنبيه على تحقيق وقوع الساعة ، أي لو علموه علم يقين لعلموا أن الساعة آتية ، ويدلّ عليه قوله { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً } وتخصيص الوجوه والظهور بالذكر بمعنى الأمام والخلف لكونهما أشهر الجوانب الجوانب في استلزام الإحاطة بها للإحاطة بالكلّ ، بحيث لا يقدرون على دفعها من جانب من جوانبهم ، ومحل { حين لا يكفون } النصب على أنه مفعول العلم ، وهو عبارة عن الوقت الموعود الذي كانوا يستعجلونه ، ومعنى { ولا هم ينصرون } ولا ينصرهم أحد من العباد فيدفع ذلك عنهم ، وجملة { بل تأتيهم بغتة } معطوفة على { يكفون } أي لا يكفونها بل تأتيهم العدّة أو النار أو الساعة بغتة ، أي فجأة { فَتَبْهَتُهُمْ } قال الجوهري بهته بهتاً أخذه بغتة ، وقال الفراء فتبهتهم ، أي تحيرهم . وقيل فتفجؤهم { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا } أي صرفها عن وجوههم ولا عن ظهورهم ، فالضمير راجع إلى النار . وقيل راجع إلى الوعد بتأويله بالعدة . وقيل راجع إلى الحين بتأويله بالساعة { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي يمهلون ويؤخرون لتوبة واعتذار . وجملة { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِيء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ } مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزيته ، كأنه قال إن استهزأ بك هؤلاء فقد فعل ذلك بمن قبلك من الرسل على كثرة عددهم وخطر شأنهم { فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ } أي أحاط ودار بسبب ذلك بالذين سخروا من أولئك الرسل وهزئوا بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } " ما " موصولة ، أو مصدرية ، أي فأحاط بهم الأمر الذي كانوا يستهزئون به ، أو فأحاط بهم استهزاؤهم ، أي جزاؤه على وضع السبب موضع المسبب ، أو نفس الاستهزاء ، إن أريد به العذاب الأخروي . { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي يحرسكم ويحفظكم . والكلاءة الحراسة والحفظ ، يقال كلأه الله كلاء بالكسر ، أي حفظه وحرسه . قال ابن هرمة @ إن سليمى والله يكلؤها ضنت بشيء ما كان يرزؤها @@ أي قل يا محمد لأولئك المستهزئين بطريق التقريع والتوبيخ من يحرسكم ويحفظكم بالليل والنهار من بأس الرحمٰن وعذابه الذي تستحقون حلوله بكم ونزوله عليكم ؟ وقال الزجاج معناه من يحفظكم من بأس الرحمٰن . وقال الفراء المعنى من يحفظكم مما يريد الرحمٰن إنزاله بكم من عقوبات الدنيا والآخرة . وحكى الكسائي والفراء من يكلوكم بفتح اللام وإسكان الواو { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ } أي عن ذكره سبحانه فلا يذكرونه ولا يخطرونه ببالهم ، بل يعرضون عنه ، أو عن القرآن ، أو عن مواعظ الله ، أو عن معرفته . { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا } " أم " هي المنقطعة التي بمعنى بل ، والهمزة للإضراب والانتقال عن الكلام السابق المشتمل على بيان جهلهم بحفظه سبحانه إياهم إلى توبيخهم وتقريعهم باعتمادهم على من هو عاجز عن نفع نفسه ، والدفع عنها . والمعنى بل لهم آلهة تمنعهم من عذابنا . وقيل فيه تقديم وتأخير ، والتقدير أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم . ثم وصف آلهتهم هذه التي زعموا أنها تنصرهم بما يدلّ على الضعف والعجز فقال { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ } أي هم عاجزون عن نصر أنفسهم فكيف يستطيعون أن ينصروا غيرهم { ولا هم منا يصحبون } أي ولا هم يجارون من عذابنا . قال ابن قتيبة أي لا يجيرهم منا أحد ، لأن المجير صاحب الجار ، والعرب تقول صحبك الله ، أي حفظك وأجارك ، ومنه قول الشاعر @ ينادي بأعلى صوته متعوّذا ليصحب منا والرماح دواني @@ تقول العرب أنا لك جار وصاحب من فلان ، أي مجير منه . قال المازني هو من أصحبت الرجل إذا منعته . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ قال " مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان ، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان هذا نبيّ بني عبد مناف ، فغضب أبو سفيان فقال ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبيّ ، فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك ، وقال لأبي سفيان أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية " ، فنزلت هذه الآية { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . قلت ينظر من الذي روى عنه السديّ ؟ . وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال الحمد لله ، فقالت الملائكة يرحمك الله ، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع ، فقال الله { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } . وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير . وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد ، وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم } قال يحرسكم ، وفي قوله { وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ } قال لا ينصرون . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ } قال لا يجارون . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية قال لا يمنعون .