Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 26-35)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } هؤلاء القائلون هم خزاعة ، فإنهم قالوا الملائكة بنات الله ، وقيل هم اليهود ، ويصح حمل الآية على كل من جعل لله ولدا . وقد قالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، وقالت طائفة من العرب الملائكة بنات الله . ثم نزه عزّ وجلّ نفسه . فقال { سُبْحَـٰنَهُ } أي تنزيهاً له عن ذلك ، وهو مقول على ألسنة العباد . ثم أضرب عن قولهم وأبطله فقال { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } أي ليسوا كما قالوا ، بل هم عباد لله سبحانه مكرمون بكرامته لهم ، مقرّبون عنده . وقرىء " مكرمون " بالتشديد ، وأجاز الزجاج والفراء نصب عباد على معنى بل اتخذ عباداً ، ثم وصفهم بصفة أخرى فقال { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } أي لا يقولون شيئاً حتى يقوله أو يأمرهم به . كذا قال ابن قتيبة وغيره ، وفي هذا دليل على كمال طاعتهم وانقيادهم . وقرىء " لا يسبقونه " بضم الباء من سبقته أسبقه { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } أي هم العاملون بما يأمرهم الله به ، التابعون له المطيعون لربهم . { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } هذه الجملة تعليل لما قبلها ، أي يعلم ما عملوا وما هم عاملون ، أو يعلم ما بين أيديهم وهو الآخرة ، وما خلفهم وهو الدنيا ، ووجه التعليل أنهم إذا علموا بأنه عالم بما قدّموا وأخروا ، لم يعملوا عملاً ولم يقولوا قولاً إلا بأمره { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } أي يشفع الشافعون له ، وهو من رضي عنه ، وقيل هم أهل لا إله إلا الله ، وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة يشفعون في الدار الآخرة { وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } أي من خشيتهم منه فالمصدر مضاف إلى المفعول ، والخشية الخوف مع التعظيم ، والإشفاق الخوف مع التوقع والحذر ، أي لا يأمنون مكر الله . { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ } أي من يقل من الملائكة إني إله من دون الله . قال المفسرون عني بهذا إبليس لأنه لم يقل أحد من الملائكة إني إلٰه إلا إبليس وقيل الإشارة إلى جميع الملائكة { فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } أي فذلك القائل على سبيل الفرض ، والتقدير نجزيه جهنم بسبب هذا القول الذي قاله ، كما نجزي غيره من المجرمين { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الظالمين ، أو مثل ما جعلنا جزاء هذا القائل جهنم ، فكذلك نجزي الظالمين الواضعين الألوهية والعبادة في غير موضعها ، والمراد بالظالمين المشركون . { أَوَ لَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الهمزة للإنكار ، والواو للعطف على مقدّر ، والرؤية هي القلبية ، أي ألم يتفكروا أو لم يعلموا { أن ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ * كَانَتَا رَتْقاً } قال الأخفش إنما قال { كانتا } ، لأنهما صنفان أي جماعتا السمٰوات والأرضين كما قال سبحانه { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } فاطر 41 وقال الزجاج إنما قال { كانتا } لأنه يعبر عن السمٰوات بلفظ الواحد ، لأن السمٰوات كانت سماء واحدة ، وكذلك الأرضون . والرتق . السد ضدّ الفتق ، يقال رتقت الفتق أرتقه فارتتق ، أي التأم ، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج ، يعني أنهما كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين ففصل الله بينهما ، وقال { رتقاً } ولم يقل " رتقين " لأنه مصدر ، والتقدير كانتا ذواتي رتق ، ومعنى { فَفَتَقْنَـٰهُمَا } ففصلناهما ، أي فصلنا بعضهما من بعض ، فرفعنا السماء ، وأبقينا الأرض مكانها { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَيْء حَيّ } أي أحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء ، فيشمل الحيوان والنبات ، والمعنى أن الماء سبب حياة كل شيء . وقيل المراد بالماء هنا النطفة ، وبه قال أكثر المفسرين ، وهذا احتجاج على المشركين بقدرة الله سبحانه وبديع صنعه ، وقد تقدم تفسير هذه الآية ، والهمزة في { أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } للإنكار عليهم ، حيث لم يؤمنوا مع وجود ما يقتضيه من الآيات الربانية . { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ } أي جبالاً ثوابت { أَن تَمِيدَ بِهِمْ } الميد التحرّك والدوران ، أي لئلا تتحرك وتدور بهم ، أو كراهة ذلك ، وقد تقدم تفسير ذلك في النحل مستوفى { وَجَعَلْنَا فِيهَا } أي في الرواسي ، أو في الأرض { فِجَاجاً } قال أبو عبيدة هي المسالك . وقال الزجاج كل مخترق بين جبلين فهو فج و { سُبُلاً } تفسير للفجاج ، لأن الفج قد لا يكون طريقاً نافذاً مسلوكاً { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } إلى مصالح معاشهم ، وما تدعو إليه حاجاتهم { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً } عن أن يقع ويسقط على الأرض كقوله { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ } الحج 65 . وقال الفراء محفوظاً بالنجوم من الشيطان كقوله { وَحَفِظْنَـٰهَا مِن كُلّ شَيْطَـٰنٍ رَّجِيمٍ } الحجر 17 . وقيل محفوظاً لا يحتاج إلى عماد ، وقيل المراد بالمحفوظ هنا المرفوع . وقيل محفوظاً عن الشرك والمعاصي . وقيل محفوظاً عن الهدم والنقض { وَهُمْ عَنْ ءَايَـٰتِهَا مُعْرِضُونَ } أضاف الآيات إلى السماء ، لأنها مجعولة فيها ، وذلك كالشمس والقمر ونحوهما ، ومعنى الإعراض أنهم لا يتدبرون فيها ، ولا يتفكرون فيما توجبه من الإيمان . { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَـٰرَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } هذا تذكير لهم بنعمة أخرى مما أنعم به عليهم ، وذلك بأنه خلق لهم الليل ليسكنوا فيه ، والنهار ليتصرفوا فيه في معايشهم ، وخلق الشمس والقمر أي جعل الشمس آية النهار ، والقمر آية الليل ، ليعلموا عدد الشهور والحساب كما تقدّم بيانه في سبحان { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } أي كل واحد من الشمس والقمر والنجوم في فلك يسبحون ، أي يجرون في وسط الفلك ، ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء ، والجمع في الفعل باعتبار المطالع ، قال سيبويه إنه لما أخبر عنهنّ بفعل من يعقل ، وجعلهنّ في الطاعة بمنزلة من يعقل ، جعل الضمير عنهنّ ضمير العقلاء ، ولم يقل يسبحن أو تسبح ، وكذا قال الفراء . وقال الكسائي إنما قال { يسبحون } لأنه رأس آية . والفلك واحد أفلاك النجوم . وأصل الكلمة من الدوران ، ومنه فلكة المغزل لاستدارتها . { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } أي دوام البقاء في الدنيا { أَفَإِيْن مّتَّ } بأجلك المحتوم { فَهُمُ ٱلْخَـٰلِدُونَ } أي أفهم الخالدون ؟ قال الفراء جاء بالفاء لتدل على الشرط لأنه جواب قولهم سيموت . قال ويجوز حذف الفاء وإضمارها ، والمعنى إن متّ فهم يموتون أيضاً ، فلا شماتة في الموت . وقرىء " مت " بكسر الميم وضمها لغتان وكان سبب نزول هذه الآية قول المشركين فيما حكاه الله عنهم { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } الطور 30 . { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } أي ذائقة مفارقة جسدها ، فلا يبقى أحد من ذوات الأنفس المخلوقة كائناً ما كان . { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } أي نختبركم بالشدّة والرخاء ، لننظر كيف شكركم وصبركم . والمراد أنه سبحانه يعاملهم معاملة من يبلوهم ، و { فتنة } مصدر { لنبلوكم } من غير لفظه { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } لا إلى غيرنا فنجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير ، وإن شراً فشرّ . وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال قالت اليهود إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة ، فقال الله تكذيباً لهم { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } أي الملائكة ليس كما قالوا ، بل عباد أكرمهم بعبادته . { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } يثني عليهم { وَلاَ يَشْفَعُونَ } قال لا تشفع الملائكة يوم القيامة { إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } قال لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } قال لأهل التوحيد لمن رضي عنه . وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال قول لا إلٰه إلا الله . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إلٰه إلا الله . وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في البعث عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } قال " إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وأخرج الفريابي وعبد بن حميد ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء و الصفات عن ابن عباس في قوله { كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَـٰهُمَا } قال فتقت السماء بالغيث ، وفتقت الأرض بالنبات . وأخرج ابن أبي حاتم عنه { كَانَتَا رَتْقاً } قال لا يخرج منهما شيء ، وذكر مثل ما تقدم . وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً من طريق أخرى . وأخرج ابن جرير عنه { كَانَتَا رَتْقاً } قال ملتصقتين . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَيْء حَيّ } قال نطفة الرجل . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } قال بين الجبال . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كُلٌّ فِي فَلَكٍ } قال دوران { يَسْبَحُونَ } قال يجرون . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة عنه { كُلٌّ فِي فَلَكٍ } قال فلك كفلكة المغزل { يَسْبَحُونَ } قال يدورون في أبواب السماء ، كما تدور الفلكة في المغزل . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال هو فلك السماء . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال وانبياه واخليلاه واصفياه ، ثم تلا { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } الآية ، وقوله { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } الزمر 30 . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } قال نبتليكم بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم ، والغنى والفقر ، والحلال والحرام ، والطاعة والمعصية ، والهدى والضلالة .