Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 99-118)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" حَتَّىٰ " هي الابتدائية دخلت على الجملة الشرطية ، وهي مع ذلك غاية لما قبلها متعلقة بقوله { لكاذبون } وقيل بـ { يصفون } والمراد بمجيء الموت مجيء علاماته { قَالَ رَبّ ٱرْجِعُونِ } أي قال ذلك الواحد الذي حضره الموت تحسراً وتحزناً على ما فرط منه رب ارجعون ، أي ردوني إلى الدنيا ، وإنما قال ارجعون بضمير الجماعة لتعظيم المخاطب . وقيل هو على معنى تكرير الفعل ، أي ارجعني ارجعني ارجعني ، ومثله قوله { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } قۤ 24 . قال المازني معناه ألق ألق ، وهكذا قيل في قول امرىء القيس @ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل @@ ومنه قول الحجاج يا حرسي اضربا عنقه . ومنه قول الشاعر @ ولو شئت حرمت النساء سواكم @@ وقول الآخر @ ألا فارحموني يا إلٰه محمد @@ وقيل إنهم لما استغاثوا بالله قال قائلهم ربّ ، ثم رجع إلى مخاطبة الملائكة فقال { ٱرْجِعُونِ * لَعَلّي أَعْمَلُ صَـٰلِحاً } أي أعمل عملاً صالحاً في الدنيا إذا رجعت إليها من الإيمان وما يتبعه من أعمال الخير ، ولما تمنى أن يرجع ليعمل ردّ الله عليه ذلك بقوله { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } فجاء بكلمة الردع والزجر ، والضمير في { إنها } يرجع إلى قوله { رَبّ ٱرْجِعُونِ } أي إن هذه الكلمة هو قائلها لا محالة ، وليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا ، أو المعنى أنه لو أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء ، كما في قوله { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } الأنعام 28 . وقيل إن الضمير في { قائلها } يرجع إلى الله ، أي لا خلف في خبره ، وقد أخبرنا بأنه لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها { وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ } أي من أمامهم وبين أيديهم . والبرزخ هو الحاجز بين الشيئين . قاله الجوهري . واختلف في معنى الآية ، فقال الضحاك ومجاهد وابن زيد حاجز بين الموت والبعث . وقال الكلبي هو الأجل ما بين النفختين ، وبينهما أربعون سنة . وقال السديّ هو الأجل ، و { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } هو يوم القيامة . { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } قيل هذه هي النفخة الأولى . وقيل الثانية ، وهذا أولى ، وهي النفخة التي تقع بين البعث والنشور . وقيل المعنى فإذا نفخ في الأجساد أرواحها ، على أن الصور جمع صورة ، لا القرن ويدلّ على هذا قراءة ابن عباس والحسن " الصور " بفتح الواو مع ضم الصاد جمع صورة . وقرأ أبو رزين بفتح الصاد والواو ، وقرأ الباقون بضم الصاد وسكون الواو ، وهو القرن الذي ينفخ فيه { فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ } أي لا يتفاخرون بالأنساب ويذكرونها لما هم فيه من الحيرة والدهشة { وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } أي لا يسأل بعضهم بعضاً ، فإن لهم إذ ذاك شغلاً شاغلاً ، ومنه قوله تعالى { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ } عبس 34 ــ 36 . وقوله { وَلاَ يَسْـئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } المعارج 10 . ولا ينافي هذا ما في الآية الأخرى من قوله { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } الطور 25 . فإن ذلك محمول على اختلاف المواقف يوم القيامة ، فالإثبات باعتبار بعضها ، والنفي باعتبار بعض آخر كما قررناه في نظائر هذا ، مما أثبت تارة ونفي أخرى . { فَمَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ } أي موزوناته من أعماله الصالحة { فأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي الفائزون بمطالبهم المحبوبة ، الناجون من الأمور التي يخافونها { وَمَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ } وهي أعماله الصالحة { فَأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } أي ضيعوها وتركوا ما ينفعها { فِي جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ } هذا بدل من صلة الموصول ، أو خبر ثانٍ لاسم الإشارة ، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية مستوفى فلا نعيده ، وجملة { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } مستأنفة ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال ، أو تكون خبراً آخر لأولئك ، واللفح الإحراق ، يقال لفحته النار إذا أحرقته ، ولفحته بالسيف إذا ضربته ، وخصّ الوجوه لأنها أشرف الأعضاء { وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ } هذه الجملة في محل نصب على الحال . والكالح الذي قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه ، قاله الزجاج . ودهر كالح ، أي شديد . قال أهل اللغة الكلوح تكشر في عبوس . وجملة { أَلَمْ تَكُنْ ءايَـٰتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } هي على إضمار القول ، أي يقال لهم ذلك توبيخاً وتقريعاً أي ألم تكن آياتي تتلى عليكم في الدنيا { فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ } . وجملة { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، أي غلبت علينا لذّاتنا وشهواتنا ، فسمي ذلك شقوة لأنه يؤول إلى الشقاء . قرأ أهل المدينة ، وأبو عمرو وعاصم { شقوتنا } وقرأ الباقون " شقاوتنا " وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن { وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ } أي بسب ذلك فإنهم ضلوا عن الحق بتلك الشقوة . ثم طلبوا ما لا يجابون إليه فقالوا { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ } أي فإن عدنا إلى ما كنا عليه من الكفر وعدم الإيمان فإنا ظالمون لأنفسنا بالعود إلى ذلك ، فأجاب الله عليهم بقوله { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } أي اسكنوا في جهنم . قال المبرد الخسء إبعاد بمكروه ، وقال الزجاج تباعدوا تباعد سخط وأبعدوا بعد الكلب . فالمعنى على هذا أبعدوا في جهنم . كما يقال للكلب اخسأ ، أي ابعد ، خسأت الكلب خسأً طردته ، { ولا تكلمون } في إخراجكم من النار ورجوعكم إلى الدنيا ، أو في رفع العذاب عنكم ، وقيل المعنى لا تكلمون رأساً . ثم علل ذلك بقوله { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ } وهم المؤمنون . وقيل الصحابة ، يقولون { رَبَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ } قرأ الجمهور { إنه كان فريق } بكسر إن استئنافاً تعليلياً ، وقرأ أبيّ بفتحها { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } قرأ نافع وحمزة والكسائي بضمّ السين ، وقرأ الباقون بكسرها . وفرّق بينهما أبو عمرو فجعل الكسر من جهة الهزو ، والضم من جهة السُّخْرة . قال النحاس ولا يعرف هذا الفرق الخليل ، ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفرّاء ، وحكى الثعلبي عن الكسائي أن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول ، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } أي اتخذتموهم سخرياً إلى هذه الغاية فإنهم نسوا ذكر الله لشدّة اشتغالهم بالاستهزاء { وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } في الدنيا ، والمعنى حتى نسيتم ذكري باشتغالكم بالسخرية والضحك ، فنسب ذلك إلى عباده المؤمنين لكونهم السبب . وجملة { إِنِي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ } مستأنفة لتقرير ما سبق ، والباء في { بما صبروا } للسببية { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستئناف ، وقرأ الباقون بالفتح ، أي لأنهم الفائزون ، ويجوز أن يكون منصوباً على أنه المفعول الثاني للفعل { قَـٰلَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلاْرْضِ عَدَدَ سِنِينَ } القائل هو الله عزّ وجلّ وتذكيراً لهم كم لبثوا ، لما سألوا الرجوع إلى الدنيا بعد أن أخبرهم بأن ذلك غير كائن ، كما في قوله { اخسئوا فيها } ، والمراد بالأرض هي الأرض التي طلبوا الرجوع إليها ، ويحتمل أن يكون السؤال عن جميع ما لبثوه في الحياة وفي القبور . وقيل هو سؤال عن مدة لبثهم في القبور لقوله { في الأرض } ولم يقل على الأرض ، وردّ بمثل قوله تعالى { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } الأعراف 56 . وانتصاب { عدد سنين } على التمييز ، لما في " كم " من الإبهام { وسنين } بفتح النون على أنها نون الجمع ، ومن العرب من يخفضها وينوّنها . { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } استقصروا مدّة لبثهم لما هم فيه من العذاب الشديد . وقيل إن العذاب رفع عنهم بين النفختين ، فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم . وقيل أنساهم الله ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى النفخة الثانية . ثم لما عرفوا ما أصابهم من النسيان لشدّة ما هم فيه من الهول العظيم أحالوا على غيرهم فقالوا { فَاسْأَلِ ٱلْعَادّينَ } أي المتمكنين من معرفة العدد ، وهم الملائكة لأنهم الحفظة العارفون بأعمال العباد وأعمارهم . وقيل المعنى فاسأل الحاسبين العارفين بالحساب من الناس . وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " قل كم لبثتم في الأرض " على الأمر ، والمعنى قل يا محمد للكفار ، أو يكون أمراً للملك بسؤالهم ، أو التقدير قولوا كم لبثتم ، فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد ، والمراد الجماعة . وقرأ الباقون { قال كم لبثتم } على أن القائل هو الله عزّ وجلّ أو الملك . { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } قرأ حمزة والكسائي " قل إن لبثتم " كما في الآية الأولى ، وقرأ الباقون " قال " على الخبر ، وقد تقدّم توجيه القراءتين ، أي ما لبثتم في الأرض إلا لبثاً قليلاً { لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } شيئاً من العلم ، والجواب محذوف ، أي لو كنتم تعلمون لعلمتم اليوم قلة لبثكم في الأرض أو في القبور أو فيهما ، فكل ذلك قليل بالنسبة إلى لبثهم . ثم زاد سبحانه في توبيخهم فقال { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً } الهمزة للتوبيخ والتقرير ، والفاء للعطف على مقدّر كما تقدّم بيانه في مواضع ، أي ألم تعلموا شيئاً فحسبتم ، وانتصاب { عبثاً } على الحال ، أي عابثين ، أو على العلة ، أي للعبث . قال بالأوّل سيبويه وقطرب ، وبالثاني أبو عبيدة ، وقال أيضاً يجوز أن يكون منتصباً على المصدرية ، وجملة { وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } معطوفة على { أنما خلقناكم عبثاً } والعبث في اللغة اللعب ، يقال عبث يعبث عبثاً فهو عابث ، أي لاعب ، وأصله من قولهم عبثت الأقط ، أي خلطته ، والمعنى أفحسبتم أن خلقناكم للإهمال كما خلقت البهائم ولا ثواب ولا عقاب ، وأنكم إلينا لا ترجعون بالبعث والنشور فنجازيكم بأعمالكم ، قرأ حمزة والكسائي " ترجعون " بفتح الفوقية وكسر الجيم مبنياً للفاعل ، وقرأ الباقون على البناء للمفعول . وقيل إنه يجوز عطف وأنكم إلينا لا ترجعون على { عبثاً } على معنى أنما خلقناكم للعبث ولعدم الرجوع . ثم نزّه سبحانه نفسه فقال { فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ } أي تنزّه عن الأولاد والشركاء أو عن أن يخلق شيئاً عبثاً ، أو عن جميع ذلك ، وهو { ٱلْمَلِكُ } الذي يحق له الملك على الإطلاق { ٱلْحَقّ } في جميع أفعاله وأقواله { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } فكيف لا يكون إلٰهاً ورباً ، لما هو دون العرش الكريم من المخلوقات ؟ ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه ، أو باعتبار من استوى عليه ، كما يقال بيت كريم إذا كان ساكنوه كراماً . قرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل وأبان بن ثعلب " الكريم " بالرفع على أنه نعت لربّ ، وقرأ الباقون بالجرّ على أنه نعت للعرش . ثم زيف ما عليه أهل الشرك توبيخاً لهم وتقريعاً فقال { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا ءاخَرَ } يعبده مع الله أو يعبده وحده ، وجملة { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } في محل نصب صفة لقوله إلٰهاً ، وهي صفة لازمة جيء بها للتأكيد ، كقوله { يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } الأنعام 38 . والبرهان الحجة الواضحة والدليل الواضح ، وجواب الشرط قوله { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ } . وجملة { لا برهان له به } معترضة بين الشرط والجزاء ، كقولك من أحسن إلى زيد لا أحقّ منه بالإحسان ، فالله مثيبه . وقيل إن جواب الشرط قوله لا برهان له به على حذف فاء الجزاء كقول الشاعر @ من يفعل الحسنات الله يشكرها @@ { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } قرأ الحسن وقتادة بفتح " أن " على التعليل ، وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف ، وقرأ الحسن " لا يفلح " بفتح الياء واللام مضارع فلح بمعنى أفلح . ثم ختم هذه السورة بتعليم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعوه بالمغفرة والرحمة فقال { وَقُل رَّبّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلراحِمِينَ } أمره سبحانه بالاستغفار لتقتدي به أمته . وقيل أمره بالاستغفار لأمته . وقد تقدّم بيان كونه أرحم الراحمين ، ووجه اتصال هذا بما قبله أنه سبحانه لما شرح أحوال الكفار أمر بالانقطاع إليه والالتجاء إلى غفرانه ورحمته . وقد أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال إذا أدخل الكافر في قبره فيرى مقعده من النار { قَالَ رَبّ ٱرْجِعُونِ } أتوب أعمل صالحاً ، فيقال له قد عمرت ما كنت معمراً ، فيضيق عليه قبره ، فهو كالمنهوش ينازع ويفزع تهوي إليه حيات الأرض وعقاربها . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال زعموا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشة " إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا نرجعك إلى الدنيا ، فيقول إلى دار الهموم والأحزان ، بل قدما إلى الله ، وأما الكافر فيقولون له نرجعك ، فيقول { ربّ ارجعون . لَعَلّي أَعْمَلُ صَـٰلِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } " هو مرسل . وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شيء يمنعه عن الحقّ فيجعل بين عينيه ، فعند ذلك يقول { ربّ ارجعون . لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } " وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { أَعْمَلَ صَـٰلِحاً } قال أقول لا إلٰه إلا الله . وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت ويل لأهل المعاصي من أهل القبور ، يدخل عليهم في قبورهم حيات سود ، حية عند رأسه وحية عند رجليه ، يقرصانه حتى تلتقيا في وسطه ، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله { وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } قال حين نفخ في الصور ، فلا يبقى حيّ إلا الله . وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، أنه سئل عن قوله { فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } وقوله { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } الصافات 27 ، الطور 25 فقال إنها مواقف ، فأما الموقف الذي لا أنساب بينهم ولا يتساءلون عند الصعقة الأولى ، لا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا ، فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون . وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه عنه أيضاً ، أنه سئل عن الآيتين فقال أما قوله { وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } فهذا في النفخة الأولى حين لا يبقى على الأرض شيء ، وأما قوله { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } الصافات 50 فإنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون . وأخرج ابن المبارك في الزهد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين . وفي لفظ يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤوس الأوّلين والآخرين ، ثم ينادي منادٍ ألا إن هذا فلان بن فلان ، فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه . وفي لفظ من كان له مظلمة فليجىء فليأخذ حقه ، فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيراً ، ومصداق ذلك في كتاب الله { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } . وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه عن المسْور بن مخرمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري " وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم والحاكم ، والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي " وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري " وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفع قومه ، بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، وإني أيها الناس فرط لكم " وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } قال تنفح . وأخرج ابن مردويه ، والضياء في صفة النار عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } قال " " تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعقابهم " وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود في الآية قال لفحتهم لفحة فما أبقت لحماً على عظم إلا ألقته على أعقابهم . وأخرج أحمد وعبد بن حميد ، والترمذي وصححه ، وابن أبي الدنيا في صفة النار ، وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه في قوله { وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ } قال تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته . وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال كلوح الرأس النضيج بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { كَـٰلِحُونَ } قال عابسون . وقد ورد في صفة أهل النار وما يقولونه وما يقال لهم أحاديث كثيرة معروفة . وأخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود أنه قرأ في أذن مصاب { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً } حتى ختم السورة فبرىء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بماذا قرأت في أذنه ؟ " فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأ بها على جبل لزال " وأخرج ابن السني وابن منده ، وأبو نعيم في المعرفة ، قال السيوطي بسند حسن ، من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } فقرأناها فغنمنا وسلمنا .