Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 84-98)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل الكفار عن أمور لا عذر لهم من الاعتراف فيها ، ثم أمره أن ينكر عليهم بعد الاعتراف منهم ويوبخهم فقال { قُل لّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَا } أي قل يا محمد لأهل مكة هذه المقالة ، والمراد بمن في الأرض الخلق جميعاً ، وعبر عنهم بمن تغليباً للعقلاء { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } شيئاً من العلم ، وجواب الشرط محذوف ، أي إن كنتم تعلمون فأخبروني ، وفي هذا تلويح بجهلهم وفرط غباوتهم { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } أي لا بدّ لهم أن يقولوا ذلك لأنه معلوم ببديهة العقل . ثم أمره سبحانه أن يقول لهم بعد اعترافهم { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } ترغيباً لهم في التدبر وإمعان النظر والفكر ، فإن ذلك مما يقودهم إلى اتباع الحق وترك الباطل لأن من قدر على ذلك ابتداء قدر على إحياء الموتى . { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ السبعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } جاء سبحانه باللام نظراً إلى معنى السؤال ، فإن قولك من ربه ، ولمن هو في معنى واحد ، كقولك من ربّ هذه الدار ؟ فيقال زيد ، ويقال لزيد . وقرأ أبو عمرو ، وأهل العراق " سيقولون الله " بغير لام نظراً إلى لفظ السؤال ، وهذه القراءة أوضح من قراءة الباقين باللام ، ولكنه يؤيد قراءة الجمهور أنها مكتوبة في جميع المصاحف باللام بدون ألف ، وهكذا قرأ الجمهور في قوله { قل من بيده ملكوت كلّ شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله } باللام نظراً إلى معنى السؤال كما سلف . وقرأ أبو عمرو وأهل العراق بغير لام نظراً إلى لفظ السؤال ، ومثل هذا قول الشاعر @ إذا قيل من ربّ المزالف والقرى وربّ الجياد الجرد قيل لخالد @@ أي لمن المزالف ، والملكوت الملك ، وزيادة التاء للمبالغة ، نحو جبروت ورهبوت ، ومعنى { وَهُوَ يُجْيِرُ } أنه يغيث غيره إذا شاء ويمنعه { وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } أي لا يمنع أحد أحداً من عذاب الله ولا يقدر على نصره وإغاثته ، يقال أجرت فلاناً إذا استغاث بك فحميته ، وأجرت عليه إذا حميت عنه { قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } قال الفراء والزجاج أي تصرفون عن الحق وتخدعون ، والمعنى كيف يخيل لكم الحق باطلاً والصحيح فاسداً ؟ والخادع لهم هو الشيطان أو الهوى أو كلاهما . ثم بين سبحانه أنه قد بالغ في الاحتجاج عليهم فقال { بَلْ أَتَيْنَـٰهُمْ بِٱلْحَقّ } أي الأمر الواضح الذي يحقّ اتباعه { وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فيما ينسبونه إلى الله سبحانه من الولد والشريك ، ثم نفاهما عن نفسه فقال { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ } " من " في الموضعين زائدة لتأكيد النفي . ثم بين سبحانه ما يستلزمه ما يدّعيه الكفار من إثبات الشريك ، فقال { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ } وفي الكلام حذف تقديره لو كان مع الله آلهة لانفرد كل إلٰه بخلقه واستبدّ به وامتاز ملكه عن ملك الآخر ، ووقع بينهم التطالب والتحارب والتغالب { وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي غلب القويّ على الضعيف وقهره وأخذ ملكه كعادة الملوك من بني آدم ، وحينئذٍ فذلك الضعيف المغلوب لا يستحق أن يكون إلٰهاً ، وإذا تقرّر عدم إمكان المشاركة في ذلك ، وأنه لا يقوم به إلا واحد تعين أن يكون هذا الواحد هو الله سبحانه ، وهذا الدليل كما دلّ على نفي الشريك فإنه يدلّ على نفي الولد لأن الولد ينازع أباه في ملكه . ثم نزّه سبحانه نفسه فقال { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي من الشريك والولد وإثبات ذلك لله عزّ وجلّ { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي هو مختص بعلم الغيب والشهادة ، وأما غيره فهو وإن علم الشهادة لا يعلم الغيب . قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي { عالم } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو عالم ، وقرأ الباقون بالجرّ على أنه صفة لله أو بدل منه . وروي عن يعقوب أنه كان يخفض إذا وصل ويرفع إذا ابتدأ { فَتَعَـٰلَى } الله { عَمَّا يُشْرِكُونَ } معطوف على معنى ما تقدّم كأنه قال علم الغيب فتعالى ، كقولك زيد شجاع فعظمت منزلته ، أي شجع فعظمت ، أو يكون على إضمار القول ، أي أقول فتعالى الله ، والمعنى أنه سبحانه متعالٍ عن أن يكون له شريك في الملك . { قُل رَّبّ إِمَّا تُرِيَنّى مَا يُوعَدُونَ } أي إن كان ولا بدّ أن تريني ما يوعدون من العذاب المستأصل لهم . { رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي قل يا ربّ فلا تجعلني . قال الزجاج أي إن أنزلت بهم النقمة يا ربّ فاجعلني خارجاً عنهم ، ومعنى كلامه هذا أن النداء معترض ، و « ما » في { إما } زائدة ، أي قل ربّ إن تريني ، والجواب { فلا تجعلني } وذكر الربّ مرّتين مرة قبل الشرط ، ومرّة بعده مبالغة في التضرع . وأمره الله أن يسأله أن لا يجعله في القوم الظالمين مع أن الأنبياء لا يكونون مع القوم الظالمين أبداً ، تعليماً له صلى الله عليه وسلم من ربه كيف يتواضع ، وقيل يهضم نفسه ، أو لكون شؤم الكفر قد يلحق من لم يكن من أهله ، كقوله { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } الأنفال 25 . ثم لما كان المشركون ينكرون العذاب ، ويسخرون من النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر لهم ذلك ، أكد سبحانه وقوعه بقوله { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَـٰدِرُونَ } أي أن الله سبحانه قادر على أن يري رسوله عذابهم ، ولكنه يؤخره لعلمه بأن بعضهم سيؤمن ، أو لكون الله سبحانه لا يعذبهم والرسول فيهم .