Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 22-26)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَلاَ يَأْتَلِ } أي يحلف ، وزنه يفتعل من الألية ، وهي اليمين ، ومنه قول الشاعر @ تألّى ابن أوس حلفة ليردّني إلى نسوة كأنهن مفايد @@ وقول الآخر @ قليل الألايا حافظ ليمينه وإن بدرت منه الألية برّت @@ يقال ائتلى يأتلى إذا حلف . ومنه قوله سبحانه { لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ } البقرة 226 وقالت فرقة هو من ألوت في كذا إذا قصرت ، ومنه لم آل جهداً أي لم أقصر ، وكذا منه قوله { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } آل عمران 118 . ومنه قول الشاعر @ وما المرء ما دامت حشاشة نفسه بمدرك أطراف الخطوب ولا آل @@ والأوّل أولى بدليل سبب النزول ، وهو ما سيأتي ، والمراد بالفضل الغنى والسعة في المال { أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي على أن لا يؤتوا . قال الزجاج أن لا يؤتوا فحذف لا ، ومنه قول الشاعر @ فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي @@ وقال أبو عبيدة لا حاجة إلى إضمار لا ، والمعنى لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان الجامعين لتلك الأوصاف ، وعلى الوجه الآخر يكون المعنى لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم ، وإن كانت بينهم شحناء لذنب اقترفوه ، وقرأ أبو حيوة " إن تؤتوا " بتاء الخطاب على الالتفات . ثم علمهم سبحانه أدباً آخر ، فقال { وَلْيَعْفُواْ } عن ذنبهم الذي أذنبوه عليهم ، وجنايتهم التي اقترفوها ، من عفا الربع أي درس ، والمراد محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع { وَلْيَصْفَحُواْ } بالإغضاء عن الجاني ، والإغماض عن جنايته ، وقرىء بالفوقية في الفعلين جميعاً . ثم ذكر سبحانه ترغيباً عظيماً لمن عفا وصفح ، فقال { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير المغفرة والرحمة لعباده مع كثرة ذنوبهم ، فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم ؟ { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } قد مرّ تفسير المحصنات ، وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حدّ القذف . وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة ؟ فقال سعيد بن جبير هي خاصة فيمن رمى عائشة رضي الله عنها . وقال مقاتل هي خاصة بعبد الله بن أبيّ رأس المنافقين . وقال الضحاك ، والكلبي هذه الآية هي في عائشة وسائر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنين والمؤمنات ، فمن قذف إحدى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فهو من أهل هذه الآية . قال الضحاك ومن أحكام هذه الآية أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم ، ومن قذف غيرهنّ فقد جعل الله له التوبة كما تقدّم في قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } النور 5 . وقيل إن هذه الآية خاصة بمن أصرّ على القذف ولم يتب ، وقيل إنها تعم كلّ قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين ، واختاره النحاس ، وهو الموافق لما قرّره أهل الأصول من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وقيل إنها خاصة بمشركي مكة لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة إنما خرجت لتفجر . قال أهل العلم إن كان المراد بهذه الآية المؤمنون من القذفة ، فالمراد باللعنة الإبعاد ، وضرب الحدّ ، وهجر سائر المؤمنين لهم ، وزوالهم عن رتبة العدالة ، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين ، وإن كان المراد بها من قذف عائشة خاصة كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، وإن كانت في مشركي مكة فإنهم ملعونون { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، والمراد بالغافلات اللاتي غفلن عن الفاحشة بحيث لا تخطر ببالهنّ ، ولا يفطنّ لها ، وفي ذلك من الدلالة على كمال النزاهة وطهارة الجيب ما لم يكن في المحصنات ، وقيل هنّ السليمات الصدور النقيات القلوب . { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ } هذه الجملة مقرّرة لما قبلها مبينة لوقت حلول ذلك العذاب بهم ، وتعيين اليوم لزيادة التهويل بما فيه من العذاب الذي لا يحيط به وصف . وقرأ الجمهور { يوم تشهد } بالفوقية ، واختار هذه القراءة أبو حاتم ، وقرأ الأعمش ، ويحيـىٰ بن وثاب ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بالتحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، لأن الجارّ والمجرور قد حال بين الاسم والفعل . والمعنى تشهد ألسنة بعضهم على بعض في ذلك اليوم ، وقيل تشهد عليهم ألسنتهم في ذلك اليوم بما تكلموا به { وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ } بما عملوا بها في الدنيا ، وإن الله سبحانه ينطقها بالشهادة عليهم ، والمشهود محذوف ، وهو ذنوبهم التي اقترفوها أي تشهد هذه عليهم بذنوبهم التي اقترفوها ، ومعاصيهم التي عملوها . و { يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ } أي يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله جزاءهم عليها موفراً ، فالمراد بالدّين هاهنا الجزاء ، وبالحق الثابت الذي لا شك في ثبوته . قرأ زيد بن عليّ " يوفيهم " مخففاً من أوفى ، وقرأ من عداه بالتشديد من وفّى . وقرأ أبو حيوة ، ومجاهد " الحق " بالرفع على أنه نعت لله ، وروي ذلك عن ابن مسعود . وقرأ الباقون بالنصب على أنه نعت لدينهم . قال أبو عبيدة ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع ليكون نعتاً لله عزّ وجلّ ، ولتكون موافقة لقراءة أبيّ ، وذلك أن جرير بن حازم قال رأيت في مصحف أبيّ " يوفيهم الله الحق دينهم " . قال النحاس وهذا الكلام من أبي عبيدة غير مرضيّ ، لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم ، ولا حجة أيضاً فيه لأنه لو صحّ أنه في مصحف أبيّ كذلك جاز أن يكون دينهم بدلا من الحقّ { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } أي ويعلمون عند معاينتهم لذلك ، ووقوعه على ما نطق به الكتاب العزيز أن الله هو الحقّ الثابت في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله . المبين المظهر للأشياء كما هي في أنفسها ، وإنما سمى سبحانه الحقّ لأن عبادته هي الحقّ دون عبادة غيره . وقيل سمي بالحقّ أي الموجود لأن نقيضه الباطل ، وهو المعدوم . ثم ختم سبحانه الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة فقال { ٱلْخَبِيثَـٰتُ لِلْخَبِيثِينَ } أي الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال أي مختصة بهم لا تتجاوزهم ، وكذا الخبيثون مختصون بالخبيثات لا يتجاوزونهن ، وهكذا قوله { وَٱلطَّيّبَـٰتُ لِلطَّيّبِينَ وَٱلطَّيّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ } قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وأكثر المفسرين المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات ، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات . قال النحاس وهذا أحسن ما قيل . قال الزجاج ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلاّ الخبيث من الرجال والنساء ، ولا يتكلم بالطيبات إلاّ الطيب من الرجال والنساء ، وهذا ذمّ للذين قذفوا عائشة بالخبث ، ومدح للذين برّءُوها . وقيل إن هذه الآية مبنية على قوله { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } النور 3 فالخبيثات الزواني ، والطيبات العفائف ، وكذا الخبيثون ، والطيبون ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } إلى الطيبين ، والطيبات أي هم مبرّءون مما يقوله الخبيثون ، والخبيثات ، وقيل الإشارة إلى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعائشة ، وصفوان بن المعطل ، وقيل عائشة ، وصفوان فقط . قال الفراء وجمع كما قال { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } النساء 11 ، والمراد أخوان { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } أي هؤلاء المبرّءون لهم مغفرة عظيمة لما لا يخلوا عنه البشر من الذنوب { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } ، وهو رزق الجنة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَلاَ يَأْتَلِ } الآية ، يقول لا يقسموا أن لا ينفعوا أحداً . وأخرج ابن المنذر ، عن عائشة قالت كان مسطح بن أثاثة ممن تولى كبره من أهل الإفك ، وكان قريباً لأبي بكر ، وكان في عياله ، فحلف أبو بكر ألا ينيله خيراً أبداً ، فأنزل الله { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ } الآية ، قالت فأعاده أبو بكر إلى عياله ، وقال لا أحلف على يمين ، فأرى غيرها خيراً منها إلاّ تحللتها ، وأتيت الذي هو خير . وقد روي هذا من طرق عن جماعة من التابعين . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في الآية قال كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك ، وتكلموا فيها ، فأقسم ناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر أن لا يتصدّقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ، ولا يصلوه ، فقال لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم ، وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك ، فأمر الله أن يغفر لهم ، وأن يعفى عنهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عنه في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } الآية ، قال نزلت في عائشة خاصة . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة ، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة ، ثم قرأ { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } إلى قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } . وأخرج أبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان يوم القيامة عرّف الكافر بعمله فجحد وخاصم ، فيقال هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا ، فيقال أهلك وعشيرتك ، فيقول كذبوا ، فيقال احلفوا فيحلفون ، ثم يصمتهم الله ، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم ، ثم يدخلهم النار " وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من طريق جماعة من الصحابة ما يتضمن شهادة الجوارح على العصاة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله سبحانه { يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ } قال حسابهم ، وكلّ شيء في القرآن الدين ، فهو الحساب . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ " يومئذٍ يوفيهم الله الحقّ دينهم " . وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله { ٱلْخَبِيثَـٰتُ } قال من الكلام { لِلْخَبِيثِينَ } قال من الرجال { وَٱلْخَبِيثُونَ } من الرجال { لِلْخَبِيثَـٰتِ } من الكلام { وَٱلطَّيّبَـٰتُ } من الكلام { لِلطَّيّبِينَ } من الناس { وَٱلطَّيّبُونَ } من الناس { لِلْطَّيّبَـٰتِ } من الكلام ، نزلت في الذين قالوا في زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان . وأخرج عبد الرزاق والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، عن قتادة نحوه أيضاً ، وكذا روي عن جماعة من التابعين . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن ابن زيد في الآية قال نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان ، والفرية ، فبرّأها الله من ذلك ، وكان عبد الله بن أبيّ هو الخبيث ، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ، ويكون لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً ، فكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة ، وكانت أولى بأن يكون لها الطيب ، وفي قوله { أُوْلَـٰئِك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } قال هاهنا برئت عائشة . وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت لقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة وعند طيب ، ولقد وعدت مغفرة وأجراً عظيماً .