Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 17-24)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } الظرف منصوب بفعل مضمر أي واذكر ، وتعليق التذكير باليوم مع أن المقصود ذكر ما فيه للمبالغة والتأكيد كما مرّ مراراً . قرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وحفص ويعقوب وأبو عمرو في رواية الدوريّ { يحشرهم } بالياء التحتية ، واختارها أبو عبيد ، وأبو حاتم لقوله في أوّل الكلام { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ } والباقون بالنون على التعظيم ما عدا الأعرج ، فإنه قرأ " نحشرهم " بكسر الشين في جميع القرآن . قال ابن عطية هي قليلة في الاستعمال قوية في القياس ، لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضمها ، وردّه أبو حبان باستواء المضموم والمكسور إلاّ أن يشتهر أحدهما ، اتبع { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } معطوف على مفعول نحشر ، وغلب غير العقلاء من الأصنام والأوثان ، ونحوها على العقلاء من الملائكة والجن والمسيح تنبيهاً على أنها جميعاً مشتركة في كونها غير صالحة لكونها آلهة ، أو لأن من يعبد من لا يعقل أكثر ممن يعبد من يعقل منها ، فغلبت اعتباراً بكثرة من يعبدها ، وقال مجاهد ، وابن جريج المراد الملائكة والإنس والجن والمسيح وعزير بدليل خطابهم وجوابهم فيما بعد . وقال الضحاك ، وعكرمة ، والكلبي المراد الأصنام خاصة ، وإنها وإن كانت لا تسمع ولا تتكلم ، فإن الله سبحانه يجعلها يوم القيامة سامعة ناطقة ، { فَيَقُولُ ءأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَـؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } قرأ ابن عامر ، وأبو حيوة ، وابن كثير ، وحفص ، " فنقول " بالنون ، وقرأ الباقون بالياء التحتية ، واختارها أبو عبيد كما اختار القراءة بها في نحشرهم ، وكذا أبو حاتم . والاستفهام في قوله { ءأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ } للتوبيخ والتقريع ، والمعنى أكان ضلالهم بسببكم وبدعوتكم لهم إلى عبادتكم ، أم هم ضلوا عن سبيل الحق بأنفسهم لعدم التفكر فيما يستدل به على الحق ، والتدبر فيما يتوصل به إلى الصواب ؟ وجملة { قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، ومعنى سُبْحَـٰنَكَ التعجب مما قيل لهم لكونهم ملائكة ، أو أنبياء معصومين ، أو جمادات لا تعقل أي تنزيهاً لك { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء } أي ما صح ، ولا استقام لنا أن نتخذ من دونك أولياء فنعبدهم ، فكيف ندعو عبادك إلى عبادتنا نحن مع كوننا لا نعبد غيرك ؟ والوليّ يطلق على التابع كما يطلق على المتبوع ، هذا معنى الآية على قراءة الجمهور { نتخذ } مبنياً للفاعل . وقرأ الحسن وأبو جعفر " نتخذ " مبنياً للمفعول أي ما كان ينبغي لنا أن يتخذنا المشركون أولياء من دونك . قال أبو عمرو بن العلاء وعيسىٰ بن عمر لا تجوز هذه القراءة ، ولو كانت صحيحة لحذفت من الثانية . قال أبو عبيدة لا تجوز هذه القراءة لأن الله سبحانه ذكر « من » مرتين ، ولو كان كما قرأ لقال أن نتخذ من دونك أولياء . وقيل إن « من » الثانية زائدة ، ثم حكي عنهم سبحانه بأنهم بعد هذا الجواب ذكروا سبب ترك المشركين للإيمان ، فقال { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَاءهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذّكْرَ } وفي هذا ما يدل على أنهم هم الذين ضلوا السبيل ، ولم يضلهم غيرهم ، والمعنى ما أضللناهم ، ولكنك يا رب متعتهم ، ومتعت آباءهم بالنعم ، ووسعت عليهم الرزق ، وأطلت لهم العمر حتى غفلوا عن ذكرك ونسوا موعظتك والتدبر لكتابك والنظر في عجائب صنعك وغرائب مخلوقاتك . وقرأ أبو عيسىٰ الأسود القارىء " ينبغي " مبنياً للمفعول . قال ابن خالويه زعم سيبويه أنها لغة ، وقيل المراد بنسيان الذكر هنا هو ترك الشكر { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } أي وكان هؤلاء الذين أشركوا بك ، وعبدوا غيرك في قضائك الأزليّ قوماً بوراً أيْ هلكى ، مأخوذ من البوار ، وهو الهلاك يقال رجل بائر وقوم بور ، يستوي فيه الواحد والجماعة لأنه مصدر يطلق على القليل والكثير ، ويجوز أن يكون جمع بائر . وقيل البوار الفساد . يقال بارت بضاعته أي فسدت ، وأمر بائر أي فاسد ، وهي لغة الأزد . وقيل المعنى لا خير فيهم ، مأخوذ من بوار الأرض ، وهو تعطيلها من الزرع ، فلا يكون فيها خير ، وقيل إن البوار الكساد ، ومنه بارت السلعة إذا كسدت . { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } في الكلام حذف ، والتقدير فقال الله عند تبري المعبودين مخاطباً للمشركين العابدين لغير الله فقد كذبوكم أي فقد كذبكم المعبودون بما تقولون أي في قولكم إنهم آلهة { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ } أي الآلهة { صَرْفاً } أي دفعاً للعذاب عنكم بوجه من الوجوه ، وقيل حيلة { وَلاَ نَصْراً } أي ولا يستطيعون نصركم ، وقيل المعنى فما يستطيع هؤلاء الكفار لما كذبهم المعبودون صرفاً للعذاب الذي عذبهم الله به ، ولا نصراً من الله ، وهذا الوجه مستقيم على قراءة من قرأ " تستطيعون " بالفوقية ، وهي قراءة حفص ، وقرأ الباقون بالتحتية ، وقال ابن زيد المعنى فقد كذبوكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا ، فمعنى { بما تقولون } ما تقولونه من الحق ، وقال أبو عبيد المعنى فما يستطيعون لكم صرفاً عن الحق الذي هداكم الله إليه ولا نصراً لأنفسهم بما ينزل بهم من العذاب بتكذيبهم إياكم . وقرأ الجمهور { بما تقولون } بالتاء الفوقية على الخطاب . وحكى الفراء أنه يجوز أن يقرأ " فقد كذبوكم " مخففاً بما يقولون ، أي كذبوكم في قولهم ، وكذا قرأ بالياء التحتية مجاهد ، والبزي { وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } هذا وعيد لكل ظالم ، ويدخل تحته الذين فيهم السياق دخولاً أولياً ، والعذاب الكبير عذاب النار ، وقرىء " يذقه " بالتحتية ، وهذه الآية وأمثالها مقيدة بعدم التوبة . ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله موضحاً لبطلان ما تقدّم من قوله { يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } فقال { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } قال الزجاج الجملة الواقعة بعد " إلاّ " صفة لموصوف محذوف ، والمعنى وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلاّ آكلين وماشين ، وإنما حذف الموصوف لأن في قوله { مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } دليلاً عليه ، نظيره { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } الصافات 164 أي وما منا أحد . وقال الفراء لا محل لها من الإعراب ، وإنما هي صلة لموصول محذوف هو المفعول ، والتقدير إلاّ من أنهم ، فالضمير في أنهم وما بعده راجع إلى من المقدّرة ، ومثله قوله تعالى { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } مريم 71 أي إلاّ من يردها ، وبه قرأ الكسائي ، قال الزجاج هذا خطأ لأنّ من الموصولة لا يجوز حذفها . وقال ابن الأنباري إنها في محل نصب على الحال ، والتقدير إلاّ وأنهم ، فالمحذوف عنده الواو ، قرأ الجمهور { إلا إنهم } بكسر إنّ لوجود اللام في خبرها كما تقرّر في علم النحو ، وهو مجمع عليه عندهم . قال النحاس إلاّ أن عليّ بن سليمان الأخفش حكى لنا عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال يجوز في إنّ هذه الفتح ، وإن كان بعدها اللام ، وأحسبه وهماً ، وقرأ الجمهور { يمشون } بفتح الياء ، وسكون الميم ، وتخفيف الشين . وقرأ عليّ وابن عوف وابن مسعود بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشدّدة ، وهي بمعنى القراءة الأولى ، قال الشاعر @ أمشي بأعطان المياه وأتقي قلائص منها صعبة وركوب @@ وقال كعب بن زهير @ منه تظل سباع الحيّ ضامزة ولا تمشي بواديه الأراجيل @@ { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } هذا الخطاب عامّ للناس ، وقد جعل سبحانه بعض عبيده فتنة لبعض ، فالصحيح فتنة للمريض ، والغنيّ فتنة للفقير ، وقيل المراد بالبعض الأوّل كفار الأمم ، وبالبعض الثاني الرسل . ومعنى الفتنة الابتلاء والمحنة . والأوّل أولى ، فإن البعض من الناس ممتحن بالبعض مبتلى به فالمريض يقول لم لم أجعل كالصحيح ؟ وكذا كل صاحب آفة ، والصحيح مبتلى بالمريض ، فلا يضجر منه ، ولا يحقره ، والغني مبتلى بالفقير يواسيه ، والفقير مبتلى بالغنيّ يحسده . ونحو هذا مثله ، وقيل المراد بالآية أنه كان إذا أراد الشريف أن يسلم ، ورأى الوضيع قد أسلم قبله أنف ، وقال لا أسلم بعده ، فيكون له علي السابقة والفضل ، فيقيم على كفره ، فذلك افتتان بعضهم لبعض ، واختار هذا الفراء ، والزجاج . ولا وجه لقصر الآية على هذا ، فإن هؤلاء إن كانوا سبب النزول ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ثم قال سبحانه بعد الإخبار بجعل البعض للبعض فتنة { أَتَصْبِرُونَ } هذا الاستفهام للتقرير ، وفي الكلام حذف تقديره ، أم لا تصبرون ؟ أي أتصبرون على ما ترون من هذه الحال الشديدة ، والابتلاء العظيم . قيل موقع هذه الجملة الاستفهامية ها هنا موقع قوله { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } في قوله { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } الملك 2 ، ثم وعد الصابرين بقوله { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } أي بكل من يصبر ومن لا يصبر ، فيجازي كلاً منهما بما يستحقه . وقيل معنى { أتصبرون } اصبروا مثل قوله { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } المائدة 91 أي انتهوا . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } هذه المقالة من جملة شبههم التي قدحوا بها في النبوة ، والجملة معطوفة على { وَقَالُواْ مَّالِ هَـٰذَا } أي وقال المشركون الذين لا يبالون بلقاء الله كما في قول الشاعر @ لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما على أيّ جنب كان في الله مصرعي @@ أي لا أبالي ، وقيل المعنى لا يخافون لقاء ربهم كقول الشاعر @ إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عوامل @@ أي لم يخف ، وهي لغة تهامة . قال الفراء وضع الرجاء موضع الخوف ، وقيل لا يأملون ، ومنه قول الشاعر @ أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب @@ والحمل على المعنى الحقيقي أولى ، فالمعنى لا يأملون لقاء ما وعدنا على الطاعة من الثواب ، ومعلوم أن من لا يرجو الثواب لا يخاف العقاب { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } أي هلا أنزلوا علينا ، فيخبرونا أن محمداً صادق ، أو هلا أنزلوا علينا رسلاً يرسلهم الله { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } عياناً ، فيخبرنا بأن محمداً رسول ، ثم أجاب سبحانه عن شبهتهم هذه ، فقال { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } أي أضمروا الاستكبار عن الحق والعناد في قلوبهم كما في قوله { إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَـٰلِغِيهِ } غافر 56 ، والعتوّ مجاوزة الحد في الطغيان ، والبلوغ إلى أقصى غاياته ، ووصفه بالكبر لكون التكلم بما تكلموا به من هذه المقالة الشنيعة في غاية الكبر والعظم ، فإنهم لم يكتفوا بإرسال البشر حتى طلبوا إرسال الملائكة إليهم ، بل جاوزوا ذلك إلى التخيير بينه وبين مخاطبة الله سبحانه ، ورؤيته في الدنيا من دون أن يكون بينهم وبينه ترجمان ، ولقد بلغ هؤلاء الرذالة بأنفسهم مبلغاً هي أحقر وأقل وأرذل من أن تكون من أهله ، أو تعدّ من المستعدّين له ، وهكذا من جهل قدر نفسه ، ولم يقف عند حدّه ، ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يرى . وانتصاب { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَة } بفعل محذوف أي واذكر يوم يرون الملائكة رؤية ليست على الوجه الذي طلبوه ، والصورة التي اقترحوها ، بل على وجه آخر ، وهو يوم ظهورهم لهم عند الموت ، أو عند الحشر ، ويجوز أن يكون انتصاب هذا الظرف بما يدلّ عليه قوله { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ } أي يمنعون البشرى يوم يرون ، أو لا توجد لهم بشرى فيه ، فاعلم سبحانه بأن الوقت الذي يرون فيه الملائكة ، وهو وقت الموت ، أو يوم القيامة قد حرمهم الله البشرى . قال الزجاج المجرمون في هذا الموضع الذين اجترموا الكفر بالله { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } أي ويقول الكفار عند مشاهدتهم للملائكة ، حجراً محجوراً ، وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ وهجوم نازلة يضعونها موضع الاستعاذة ، يقال للرجل أتفعل كذا ؟ فيقول حجراً محجوراً أي حراماً عليك التعرّض لي . وقيل إن هذا من قول الملائكة ، أي يقولون للكفار حراماً محرّماً أن يدخل أحدكم الجنة ، ومن ذلك قول الشاعر @ ألا أصبحت أسماء حجراً محرّما وأصبحت من أدنى حمومتها حماء @@ أي أصبحت أسماء حراماً محرّماً ، وقال آخر @ حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام إلاّ تلك الدهاريس @@ وقد ذكر سيبويه في باب المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها هذه الكلمة ، وجعلها من جملتها . { وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً } هذا وعيد آخر ، وذلك أنهم كانوا يعملون أعمالاً لها صورة الخير من صلة الرحم ، وإغاثة الملهوف ، وإطعام الطعام وأمثالها ، ولم يمنع من الإثابة عليها إلاّ الكفر الذي هم عليه ، فمثلت حالهم وأعمالهم بحال قوم خالفوا سلطانهم ، واستعصوا عليه ، فقدم إلى ما معهم من المتاع ، فأفسده ، ولم يترك منها شيئاً ، وإلاّ فلا قدوم ها هنا . قال الواحدي معنى قدمنا عمدنا وقصدنا ، يقال قدم فلان إلى أمر كذا إذا قصده أو عمده ، ومنه قول الشاعر @ وقدم الخوارج الضلال إلى عباد ربهم فقالوا إن دماءكم لنا حلال @@ وقيل هو قدوم الملائكة أخبر به عن نفسه تعالى ، والهباء واحده هباءة ، والجمع أهباء . قال النضر بن شميل الهباء التراب الذي تطيره الريح كأنه دخان . وقال الزجاج هو ما يدخل من الكوّة مع ضوء الشمس يشبه الغبار ، وكذا قال الأزهري والمنثور المفرق ، والمعنى أن الله سبحانه أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور ، لم يكتف سبحانه بتشبيه عملهم بالهباء حتى وصفه بأنه متفرّق متبدّد وقيل إن الهباء ما أذرته الرياح من يابس أوراق الشجر ، وقيل هو الماء المهراق . وقيل الرماد . والأوّل هو الذي ثبت في لغة العرب ، ونقله العارفون بها . ثم ميز سبحانه حال الأبرار من حال الفجار ، فقال { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } أي أفضل منزلاً في الجنة { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } أي موضع قائلة ، وانتصاب { مستقرًّا } على التمييز . قال الأزهري القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتدّ الحرّ ، وإن لم يكن مع ذلك يوم . قال النحاس والكوفيون يجيزون العسل أحلى من الخلّ . وقد أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } الآية قال عيسىٰ ، وعزير ، والملائكة . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { قَوْماً بُوراً } قال هلكى . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن في قوله { وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ } قال هو الشرك . وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال يشرك . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأسْوَاقِ } يقول إن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم كانوا بهذه المنزلة يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } قال بلاء . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن الحسن { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } قال يقول الفقير لو شاء الله لجعلني غنياً مثل فلان ، ويقول السقيم لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان ، ويقول الأعمى لو شاء الله لجعلني بصيراً مثل فلان . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً } قال شدّة الكفر . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَة } قال يوم القيامة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطية العوفيّ نحوه . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } قال عوذاً معاذاً ، الملائكة تقوله . وفي لفظ قال حراماً محرّماً أن تكون البشرى في اليوم إلاّ للمؤمنين . وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عطية العوفيّ ، عن أبي سعيد الخدري في قوله { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } قال حراماً محرّماً أن نبشركم بما نبشر به المتقين . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } قالا هي كلمة كانت العرب تقولها ، كان الرجل إذا نزلت به شدّة قال حجراً محجوراً حراماً محرّماً . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } قال عمدنا إلى ما عملوا من خير ممن لا يتقبل منه في الدنيا . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عليّ بن أبي طالب في قوله { هَبَاءً مَّنثُوراً } قال الهباء شعاع الشمس الذي يخرج من الكوّة . وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب قال الهباء وهيج الغبار يسطع ، ثم يذهب ، فلا يبقي منه شيء ، فجعل الله أعمالهم كذلك . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منها الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئاً . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال هو ما تسفي الريح وتبثه . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال هو الماء المهراق . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً { خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } قال في الغرف من الجنة . وأخرج ابن المبارك في الزهد ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال لا ينصرف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ، ثم قرأ { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } .