Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 68-77)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ } لما فرغ من ذكر إتيانهم بالطاعات شرع في بيان اجتنابهم للمعاصي ، فقال والذي لا يدعون مع الله سبحانه رباً من الأرباب . والمعنى لا يشركون به شيئاً ، بل يوحدونه ، ويخلصون له العبادة والدعوة { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي حرّم قتلها { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } أي يحقّ أن تقتل به النفوس من كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس { وَلاَ يَزْنُونَ } أي يستحلون الفروج المحرّمة بغير نكاح ، ولا ملك يمين { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أي شيئاً مما ذكر { يَلْقَ } في الآخرة { أَثَاماً } ، والأثام في كلام العرب العقاب . قال الفراء آثمه الله يؤثمه أثاماً وآثاماً ، أي جازاه جزاء الإثم . وقال عكرمة ، ومجاهد إن أثاماً وادٍ في جهنم جعله الله عقاباً للكفرة . وقال السديّ جبل فيها . وقرىء " يلق " بضم الياء ، وتشديد القاف . قال أبو مسلم والأثام والإثم واحد ، والمراد هنا جزاء الآثام ، فأطلق اسم الشيء على جزائه . وقرأ الحسن " يلق أياماً " جمع يوم يعني شدائد ، والعرب تعبر عن ذلك بالأيام ، وما أظنّ هذه القراءة تصح عنه { يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ } قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي " يضاعف ، ويخلد " بالجزم ، وقرأ ابن كثير " يضعف " بتشديد العين وطرح الألف والجزم ، وقرأ طلحة بن سليمان " نضعف " بضم النون ، وكسر العين المشدّدة والجزم ، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة . وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بالرفع في الفعلين على الإستئناف . وقرأ طلحة بن سليمان " وتخلد " بالفوقية خطاباً للكافر . وروي عن أبي عمرو أنه قرأ " ويخلد " بضم الياء التحتية ، وفتح اللام . قال أبو عليّ الفارسي وهي غلط من جهة الرواية ، ووجه الجزم في يضاعف أنه بدل من يلق لاتحادهما في المعنى ، ومثله قول الشاعر @ إن على الله أن تبايعا تؤخذ كرهاً أو تجيء طائعاً @@ والضمير في قوله { وَيَخْلُدْ فِيهِ } راجع إلى العذاب المضاعف ، أي يخلد في العذاب المضاعف { مُهَاناً } ذليلاً حقيراً . { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً } قيل هو استثناء متصل ، وقيل منقطع . قال أبو حيان لا يظهر الاتصال لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب ، فيصير التقدير إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً ، فلا يضاعف له العذاب ، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف . قال والأولى عندي أن تكون منقطعاً أي لكن من تاب . قال القرطبي لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عام في الكافر والزاني . واختلفوا في القاتل من المسلمين . وقد تقدّم بيانه في النساء والمائدة ، والإشارة بقوله { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } إلى المذكورين سابقاً ، ومعنى تبديل السيئات حسنات أنه يمحو عنهم المعاصي ، ويثبت لهم مكانها طاعات . قال النحاس من أحسن ما قيل في ذلك أنه يكتب موضع كافر مؤمن ، وموضع عاص مطيع . قال الحسن قوم يقولون التبديل في الآخرة ، وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدل الله لهم إيماناً مكان الشرك ، وإخلاصاً من الشك ، وإحصاناً من الفجور . قال الزجاج ليس يجعل مكان السيئة الحسنة ، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة ، والحسنة مع التوبة . وقيل إن السيئات تبدّل بحسنات ، وبه قال جماعة من الصحابة ، ومن بعدهم . وقيل التبديل عبارة عن الغفران أي يغفر الله لهم تلك السيئات ، لا أن يبدلها حسنات . وقيل المراد بالتبديل أن يوفقه لأضداد ما سلف منه { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } هذه الجملة مقرّرة لما قبلها من التبديل . { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } أي من تاب عما اقترف ، وعمل عملاً صالحاً بعد ذلك ، فإنه يتوب بذلك إلى الله متاباً أي يرجع إليه رجوعاً صحيحاً قوياً . قال القفال يحتمل أن تكون الآية الأولى فيمن تاب من المشركين ، ولهذا قال { إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ } ، ثم عطف عليه من تاب من المسلمين ، وأتبع توبته عملاً صالحاً ، فله حكم التائبين أيضاً . وقيل أي من تاب بلسانه ، ولم يحقق التوبة بفعله ، فليست تلك التوبة نافعة ، بل من تاب وعمل صالحاً ، فحقق توبته بالأعمال الصالحة ، فهو الذي تاب إلى الله متاباً أي تاب حقّ التوبة ، وهي النصوح ، ولذلك أكد بالمصدر ، ومعنى الآية من أراد التوبة ، وعزم عليها ، فليتب إلى الله ، فالخبر في معنى الأمر كذا قيل لئلا يتحد الشرط والجزاء ، فإنه لا يقال من تاب ، فإنه يتوب . ثم وصف سبحانه هؤلاء التائبين العاملين للصالحات ، فقال { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي لا يشهدون الشهادة الكاذبة ، أو لا يحضرون الزور ، والزور هو الكذب والباطل ولا يشاهدونه ، وإلى الثاني ذهب جمهور المفسرين . قال الزجاج الزور في اللغة الكذب ، ولا كذب فوق الشرك بالله . قال الواحدي أكثر المفسرين على أن الزور ها هنا بمعنى الشرك . والحاصل أن { يشهدون } إن كان من الشهادة ففي الكلام مضاف محذوف أي لا يشهدون شهادة الزور ، وإن كان من الشهود والحضور كما ذهب إليه الجمهور ، فقد اختلفوا في معناه ، فقال قتادة لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ، وقال محمد بن الحنفية لا يحضرون اللهو والغناء ، وقال ابن جريج الكذب . وروي عن مجاهد أيضاً ، والأولى عدم التخصيص بنوع من أنواع الزور ، بل المراد الذين لا يحضرون ما يصدق عليه اسم الزور كائناً ما كان { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } أي معرضين عنه غير ملتفتين إليه ، واللغو كل ساقط من قول أو فعل . قال الحسن اللغو المعاصي كلها ، وقيل المراد مرّوا بذوي اللغو ، يقال فلان يكرم عما يشينه أي يتنزّه ، ويكرم نفسه عن الدخول في اللغو ، والاختلاط بأهله . { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِمْ } أي بالقرآن ، أو بما فيه موعظة وعبرة { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } أي لم يقعوا عليها حال كونهم صماً وعمياناً ، ولكنهم أكبوا عليها سامعين مبصرين ، وانتفعوا بها . قال ابن قتيبة المعنى لم يتغافلوا عنها ، كأنهم صمّ لم يسمعوها ، وعمي لم يبصروها . قال ابن جرير ليس ثم خرور ، بل كما يقال قعد يبكي ، وإن كان غير قاعد . قال ابن عطية كأن المستمع للذكر قائم ، فإذا أعرض عنه كان ذلك خروراً ، وهو السقوط على غير نظام . قيل المعنى إذا تليت عليهم آيات الله وجلت قلوبهم ، فخروا سجداً وبكياً ، ولم يخرّوا عليها صماً وعمياناً . قال الفراء أي لم يقعدوا على حالهم الأول كأن لم يسمعوا . قال في الكشاف ليس بنفي للخرور ، وإنما هو إثبات له ، ونفي للصمم والعمى ، وأراد أن النفي متوجه إلى القيد لا إلى المقيد . { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } من ابتدائية ، أو بيانية . قرأ نافع وابن كثير وابن عباس والحسن { وذرّياتنا } بالجمع ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وطلحة وعيسى " وذرّيتنا " بالإفراد ، والذرّية تقع على الجمع ، كما في قوله { ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً } النساء 9 ، وتقع على الفرد كما في قوله { ذُرّيَّةً طَيّبَةً } آل عمران 38 ، وانتصاب { قرّة أعين } على المفعولية ، يقال قرّت عينه قرة . قال الزجاج يقال أقرّ الله عينك أي صادف فؤادك ما يحبه ، وقال المفضل في قرّة العين ثلاثة أقوال أحدها برد دمعها ، لأنه دليل السرور والضحك ، كما أن حرّه دليل الحزن والغمّ . والثاني نومها ، لأنه يكون مع فراغ الخاطر ، وذهاب الحزن ، والثالث حصول الرضا { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } أي قدوة يقتدى بنا في الخير ، وإنما قال { إماماً } ، ولم يقل أئمة ، لأنه أريد به الجنس ، كقوله { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } الحج 5 قال الفراء قال { إماماً } ، ولم يقل أئمة كما قال للاثنين { إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الشعراء 16 يعني أنه من الواحد الذي أريد به الجمع . وقال الأخفش الإمام جمع أمّ من أمّ يأمّ ، جمع على فعال ، نحو صاحب وصحاب ، وقائم وقيام . وقيل إن إماماً مصدر ، يقال أمّ فلان فلاناً إماماً ، مثل الصيام والقيام . وقيل أرادوا اجعل كل واحد منا إماماً ، وقيل أرادوا اجعلنا إماماً واحداً لاتحاد كلمتنا ، وقيل إنه من الكلام المقلوب ، وأن المعنى واجعل المتقين لنا إماماً ، وبه قال مجاهد . وقيل إن هذا الدعاء صادر عنهم بطريق الانفراد ، وأن عبارة كل واحد منهم عند الدعاء واجعلني للمتقين إماماً ، ولكنها حكيت عبارات الكل بصيغة المتكلم مع الغير لقصد الإيجاز كقوله { ياأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً } المؤمنون 51 ، وفي هذا إبقاء { إماماً } على حاله ، ومثل ما في الآية قول الشاعر @ يا عاذلاتي لا تزدن ملامتي إن العواذل ليس لي بأمين @@ أي أمناء . قال القفال وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل اجعلنا حجة للمتقين ، ومثله البينة يقال هؤلاء بينة فلان . قال النيسابوري قيل في الآية دلالة على أن الرياسة الدينية مما يجب أن تطلب ، ويرغب فيها ، والأقرب أنهم سألوا الله أن يبلغهم في الطاعة المبلغ الذي يشار إليهم ويقتدى بهم ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ } إلى المتصفين بتلك الصفات ، وهو مبتدأ وخبره ما بعده ، والجمل مستأنفة . وقيل إن { أولٰئك } وما بعده خبر لقوله { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } كذا قال الزجاج ، والغرفة الدرجة الرفيعة ، وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها ، وهي في الأصل لكلّ بناء مرتفع ، والجمع غرف . وقال الضحاك الغرفة الجنة ، والباء في { بِمَا صَبَرُواْ } سببية ، وما مصدرية أي يجزون الغرفة بسبب صبرهم على مشاق التكليف { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً } قرأ أبو بكر والمفضل والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف " يلقون " بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف ، واختار هذه القراءة الفراء ، قال لأن العرب تقول فلان يلقي بالسلام والتحية والخير ، وقلّ ما يقولون يلقى . وقرأ الباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله { وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } الإنسان 11 ، والمعنى أنه يحيي بعضهم بعضاً ، ويرسل إليهم الربّ سبحانه بالسلام ، قيل التحية البقاء الدائم والملك العظيم ، وقيل هي بمعنى السلام ، وقيل إن الملائكة تحييهم وتسلم عليهم ، والظاهر أن هذه التحية والسلام هي من الله سبحانه لهم ، ومن ذلك قوله سبحانه { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ } الأحزاب 44 ، وقيل معنى التحية الدعاء لهم بطول الحياة . ومعنى السلام الدعاء لهم بالسلامة من الآفات ، وانتصاب { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } على الحال أي مقيمين فيها من غير موت { حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } أي حسنت الغرفة مستقرًّا يستقرّون فيه ، ومقاماً يقيمون به ، وهذا في مقابل ما تقدّم من قوله { سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } . { قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } بيّن سبحانه أنه غنيّ عن طاعة الكلّ ، وإنما كلفهم لينتفعوا بالتكليف ، يقال ما عبأت بفلان أيّ ما باليت به ، ولا له عندي قدر ، وأصل يعبأ من العبء ، وهو الثقل . قال الخليل ما أعبأ بفلان أي ما أصنع به كأنه يستقله ويستحقره ، ويدّعي أن وجوده وعدمه سواء ، وكذا قال أبو عبيدة . قال الزجاج { مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّي } يريد أيّ وزن يكون لكم عنده ؟ والعبء الثقل ، وما استفهامية ، أو نافية ، وصرح الفراء بأنها استفهامية . قال ابن الشجري وحقيقة القول عندي أن موضع « ما » نصب ، والتقدير أي عبء يعبأ بكم ؟ أي أيّ مبالاة يبالي بكم ؟ { لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } أي لولا دعاؤكم إياه ، لتعبدوه ، وعلى هذا ، فالمصدر الذي هو الدعاء مضاف إلى مفعوله ، وهو اختيار الفراء ، وفاعله محذوف ، وجواب لولا محذوف تقديره لولا دعاؤكم لم يعبأ بكم ، ويؤيد هذا قوله { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } الذاريات 56 ، والخطاب لجميع الناس ، ثم خصّ الكفار منهم ، فقال { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } . وقرأ ابن الزبير " فقد كذب الكافرون " ، وفي هذه القراءة دليل بين على أن الخطاب لجميع الناس . وقيل إن المصدر مضاف إلى الفاعل أي لولا استغاثتكم إليه في الشدائد . وقيل المعنى ما يعبأ بكم أي بمغفرة ذنوبكم لولا دعاؤكم الآلهة معه . وحكى ابن جني أن ابن عباس قرأ كقراءة ابن الزبير . وحكى الزهراوي ، والنحاس أن ابن مسعود قرأ كقراءتهما ، وممن قال بأن الدعاء مضاف إلى الفاعل القتيبي ، والفارسي قالا والأصل لولا دعاؤكم آلهة من دونه ، وجواب لولا محذوف تقديره على هذا الوجه لولا دعاؤكم لم يعذبكم ، ويكون معنى { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } على الوجه الأوّل فقد كذبتم بما دعيتم إليه ، وعلى الوجه الثاني فقد كذبتم بالتوحيد . ثم قال سبحانه { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } أي فسوف يكون جزاء التكذيب لازماً لكم ، وجمهور المفسرين على أن المراد باللزام هنا ما لزم المشركين يوم بدر ، وقالت طائفة هو عذاب الآخرة . قال أبو عبيدة لزاماً فيصلاً ، أي فسوف يكون فيصلاً بينكم وبين المؤمنين . قال الزجاج فسوف يكون تكذيبكم لزاماً يلزمكم ، فلا تعطون التوبة ، وجمهور القراء على كسر اللام من لزاماً ، وأنشد أبو عبيدة لصخر @ فإما ينجو من خسف أرض فقد لقيا حتوفهما لزاما @@ قال ابن جرير { لزاماً } عذاباً دائماً ، وهلاكاً مفنياً يلحق بعضكم ببعض ، كقول أبي ذؤيب @ ففأجأه بعادية لزام كما يتفجر الحوض اللفيف @@ يعني باللزام الذي يتبع بعضه بعضاً ، وباللفيف المتساقط من الحجارة المنهدمة . وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال سمعت أبا السماك يقرأ " لزاماً " بفتح اللام . قال أبو جعفر يكون مصدر لزم ، والكسر أولى . وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الذنب أكبر ؟ قال " أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك " قلت ثم أيّ ؟ قال " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " ، قلت ثم أيّ ؟ قال " أن تزاني حليلة جارك " ، فأنزل الله تصديق ذلك { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ } . وأخرجا ، وغيرهما أيضاً عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فقالوا إن الذي تقول ، وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ } الآية ، ونزلت { قُلْ ياعِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } الزمر 53 الآية . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو في قوله { يَلْقَ أَثَاماً } قال وادٍ في جهنم . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ } الآية . اشتدّ ذلك على المسلمين ، فقالوا ما منا أحد إلاّ أشرك وقتل وزنى ، فأنزل الله { يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } الآية الزمر 53 ، يقول لهؤلاء الذين أصابوا هذا في الشرك ، ثم نزلت هذه الآية { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } فأبدلهم الله بالكفر الإسلام ، وبالمعصية الطاعة ، وبالإنكار المعرفة ، وبالجهالة العلم . وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاما } ، ثم نزلت { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ } ، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بها ، وفرحه بـ { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } الفتح 1 ، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } قال هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك ، فحوّلهم إلى الحسنات ، فأبدلهم مكان السيئات االحسنات . وأخرج أحمد وهناد والترمذي وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذرّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بالرجل يوم القيامة ، فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فيعرض عليه صغارها ، وينحى عنه كبارها ، فيقال عملت يوم كذا كذا ، وهو يقرّ ، ليس ينكر ، وهو مشفق من الكبائر أن تجيء ، فيقال أعطوه بكل سيئة عملها حسنة " والأحاديث في تكفير السيئات ، وتبديلها بالحسنات كثيرة . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال إن الزور كان صنماً بالمدينة يلعبون حوله كل سبعة أيام ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرّوا به مرّوا كراماً لا ينظرون إليه . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } قال يعنون من يعمل بالطاعة ، فتقرّ به أعيننا في الدنيا والآخرة { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } قال أئمة هدى يهتدى بنا ، ولا تجعلنا أئمة ضلالة ، لأنه قال لأهل السعادة { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } الأنبياء 73 ، ولأهل الشقاوة { وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } القصص 41 . وأخرج الحكيم الترمذي عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } قال " الغرفة من ياقوتة حمراء ، أو زبرجدة خضراء ، أو درّة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصم " وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } يقول لولا إيمانكم ، فأخبر الله أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كانت له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } قال موتاً . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري عنه أنه كان يقرأ " فَقَدْ كَذَّبَ ٱلْكَـٰفِرُونَ * فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً " . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه قرأها كذلك . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } قال القتل يوم بدر ، وفي الصحيحين عنه قال " خمس قد مضين الدخان والقمر واللزوم والبطشة واللزام " .