Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 55-67)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر سبحانه دلائل التوحيد عاد إلى ذكر قبائح الكفار ، وفضائح سيرتهم ، فقال { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ } إن عبدوه { وَلاَ يَضُرُّهُمْ } إن تركوه { وَكَانَ ٱلْكَـٰفِرُ عَلَىٰ رَبّهِ ظَهِيراً } الظهير المظاهر أي المعاون على ربه بالشرك والعداوة ، والمظاهرة على الربّ هي المظاهرة على رسوله ، أو على دينه . قال الزجاج لأنه يتابع الشيطان ، ويعاونه على معصية الله ، لأن عبادتهم للأصنام معاونة للشيطان . وقال أبو عبيدة المعنى وكان الكافر على ربه هيناً ذليلاً ، من قول العرب ظهرت به أي جعلته خلف ظهرك لم تلتفت إليه ، ومنه قوله { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً } هود 92 أي هيناً ، ومنه أيضاً قول الفرزدق @ تميم بن بدر لا تكوننّ حاجتي بظهر فلا يعيا عليّ جوابها @@ وقيل إن المعنى وكان الكافر على ربه الذي يعبده ، وهو الصنم قوياً غالباً يعمل به ما يشاء ، لأن الجماد لا قدرة له على دفع ونفع ، ويجوز أن يكون الظهير جمعاً كقوله { وَالْمَلاَئِكَة بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ } التحريم 4 ، والمعنى أن بعض الكفرة مظاهر لبعض على رسول الله ، أو على دين ، والمراد بالكافر هنا الجنس ، ولا ينافيه كون سبب النزول هو كافر معين كما قيل إنه أبو جهل . { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا } أي مبشراً للمؤمنين بالجنة ، ومنذراً للكافرين بالنار . { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي قل لهم يا محمد ما أسألكم على القرآن من أجر ، أو على تبليغ الرسالة المدلول عليه بالإرسال ، والاستثناء في قوله { إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً } منقطع أي لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فليفعل ، وقيل هو متصل . والمعنى إلاّ من شاء أن يتقرّب إليه سبحانه بالطاعة ، وصور ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الحصول . ولما بين سبحانه أن الكفار متظاهرون على رسول الله ، وأمره أن لا يطلب منهم أجراً ألبتة ، أمره أن يتوكل عليه في دفع المضارّ ، وجلب المنافع ، فقال { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } وخصّ صفة الحياة إشارة إلى أن الحيّ هو الذي يوثق به في المصالح ، ولا حياة على الدوام إلاّ لله سبحانه دون الأحياء المنقطعة حياتهم ، فإنهم إذا ماتوا ضاع من يتوكل عليهم ، والتوكل اعتماد العبد على الله في كلّ الأمور { وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ } أي نزّهه عن صفات النقصان ، وقيل معنى { سبح } صلّ ، والصلاة تسمى تسبيحاً { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } أي حسبك ، وهذه كلمة يراد بها المبالغة كقولك كفى بالله رباً ، والخبير المطلع على الأمور بحيث لا يخفى عليه منها شيء ، ثم زاد في المبالغة ، فقال { ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قد تقدّم تفسير هذا في الأعراف ، والموصول في محل جرّ على أنه صفة للحيّ ، وقال { بينهما } ، ولم يقل بينهنّ لأنه أراد النوعين ، كما قال القطامي @ ألم يحزنك أن جبال قيس وتغلب قد تباتتا انقطاعاً @@ فإن قيل يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السماوات ، والأرض كما تفيده ثم ، فيقال إن كلمة ثم لم تدخل على خلق العرش بل على رفعه على السمٰوات ، والأرض ، والرحمٰن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وهو صفة أخرى للحيّ ، وقد قرأه الجمهور بالرفع ، وقيل يجوز أن يكون بدلاً من الضمير في { استوى } ، أو يكون مبتدأ وخبره الجملة أي فاسأل على رأي الأخفش ، كما في قول الشاعر @ وقائلة خولان فانكح فتاتهم @@ وقرأ زيد بن علي " الرحمن " بالجرّ على أنه نعت للحيّ ، أو للموصول { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } الضمير في به يعود إلى ما ذكر من خلق السماوات والأرض ، والاستواء على العرش . والمعنى فاسأل بتفاصيل ما ذكر إجمالاً من هذه الأمور . وقال الزجاج والأخفش الباء بمعنى عن أي فاسأل عنه ، كقوله { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } المعارج 1 وقول عنترة بن شداد @ هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلم @@ وقال علقمة بن عبده @ فإن تسألوني بالنساء فإنني خبير بأدواء النساء طبيب @@ والمراد بالخبير الله سبحانه لأنه لا يعلم تفاصيل تلك المخلوقات إلاّ هو ، ومن هذا قول العرب لو لقيت فلاناً للقيك به الأسد أي للقيك بلقائك إياه الأسد ، فخبيراً منتصب على المفعولية ، أو على الحال المؤكدة ، واستضعف الحالية أبو البقاء ، فقال يضعف أن يكون { خبيراً } حالاً من فاعل اسأل ، لأن الخبير لا يسأل إلاّ على جهة التوكيد ، كقوله { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقًا } البقرة 91 قال ويجوز أن يكون حالاً من الرحمٰن إذا رفعته باستوى . وقال ابن جرير يجوز أن تكون الباء في به زائدة . والمعنى فاسأله حال كونه خبيراً . وقيل قوله " به " يجري مجرى القسم كقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ } النساء 1 ، والوجه الأوّل أقرب هذه الوجوه . ثم أخبر سبحانه عنهم بأنهم جهلوا معنى الرحمن فقال { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } قال المفسرون إنهم قالوا ما نعرف الرحمٰن إلاّ رحمٰن اليمامة ، يعنون مسيلمة . قال الزجاج الرحمٰن اسم من أسماء الله ، فلما سمعوه أنكروا ، فقالوا وما الرحمٰن { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } ، والاستفهام للإنكار أي لا نسجد للرحمٰن الذي تأمرنا بالسجود له ، ومن قرأ بالتحتية ، فالمعنى أنسجد لما يأمرنا محمد بالسجود له . وقد قرأ المدنيون ، والبصريون { لِمَا تَأْمُرُنَا } بالفوقية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي بالتحتية . قال أبو عبيد يعنون الرحمٰن . قال النحاس وليس يجب أن يتأوّل على الكوفيين في قراءتهم هذا التأويل البعيد ، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم اسجدوا لما يأمرنا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فتصح القراءة على هذا ، وإن كانت الأولى أبين . { وَزَادَهُمْ نُفُوراً } أي زادهم الأمر بالسجود نفوراً عن الدين ، وبعداً عنه ، وقيل زادهم ذكر الرحمٰن تباعداً من الإيمان ، كذا قال مقاتل ، والأوّل أولى . ثم ذكر سبحانه ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود للرحمٰن ، فقال { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَاء بُرُوجاً } المراد بالبروج بروج النجوم أي منازلها الإثنا عشر ، وقيل هي النجوم الكبار ، والأوّل أولى . وسميت بروجاً ، وهي القصور العالية لأنها للكواكب كالمنازل الرفيعة لمن يسكنها ، واشتقاق البرج من التبرج ، وهو الظهور . { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً } أي شمساً ، ومثله قوله تعالى { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } نوح 16 قرأ الجمهور { سراجاً } بالإفراد . وقرأ حمزة ، والكسائي { سرجاً } بالجمع أي النجوم العظام الوقادة ، ورجح القراءة الأولى أبو عبيد . قال الزجاج في تأويل قراءة حمزة والكسائي أراد الشمس والكواكب { وَقَمَراً مُّنِيراً } أي ينير الأرض إذا طلع ، وقرأ الأعمش " قمراً " بضم القاف ، وإسكان الميم ، وهي قراءة ضعيفة شاذة . { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } قال أبو عبيدة الخلفة كلّ شيء بعد شيء الليل خلفة للنهار ، والنهار خلفة لليل ، لأن أحدهما يخلف الآخر ، ويأتي بعده ومنه خلفة النبات ، وهو ورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى @ بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم @@ قال الفراء في تفسير الآية يقول يذهب هذا ، ويجيء هذا ، وقال مجاهد خلفة من الخلاف ، هذا أبيض ، وهذا أسود . وقيل يتعاقبان في الضياء والظلام ، والزيادة والنقصان . وقيل هو من باب حذف المضاف أي جعل الليل ، والنهار ذوي خلفة أي اختلاف { لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } قرأ حمزة مخففاً ، وقرأ الجمهور بالتشديد ، فالقراءة الأولى من الذكر لله ، والقراءة الثانية من التذكر له . وقرأ أبيّ بن كعب " يتذكر " ، ومعنى الآية أن المتذكر المعتبر إذا نظر في اختلاف الليل والنهار علم أنه لا بدّ في انتقالهما من حال إلى حال من ناقل { أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } أي أراد أن يشكر الله على ما أودعه في الليل والنهار من النعم العظيمة ، والألطاف الكثيرة . قال الفراء ويذكر ويتذكر يأتيان بمعنى واحد . قال الله تعالى { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } الأعراف171 ، وفي حرف عبد الله " ويذكروا ما فيه " . { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } هذا كلام مستأنف مسوق لبيان صالحي عباد الله سبحانه ، و { عباد الرحمٰن } مبتدأ وخبره الموصول مع صلته ، والهون مصدر ، وهو السكينة والوقار . وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن الهون متعلق بـ { يمشون } أي يمشون على الأرض مشياً هوناً . قال ابن عطية ويشبه أن يتأوّل هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشي هوناً مناسبة لمشيه ، وأما أن يكون المراد صفة المشيء وحده ، فباطل ، لأنه ربّ ماش هوناً رويداً ، وهو ذئب أطلس ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكفأ في مشيه كأنما يمشي في صيب . { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } ذكر سبحانه أنهم يتحملون ما يرد عليهم من أذى أهل الجهل والسفه ، فلا يجهلون مع من يجهل ، ولا يسافهون أهل السفه . قال النحاس ليس هذا السلام من التسليم إنما هو من التسلم ، تقول العرب سلاماً أي تسلماً منك أي براءة منك ، منصوب على أحد أمرين إما على أنه مصدر لفعل محذوف أي قالوا سلمنا سلاماً ، وهذا على قول سيبويه ، أو على أنه مفعول به أي قالوا هذا اللفظ ، ورجحه ابن عطية . وقال مجاهد معنى { سلاماً } سداداً ، أي يقول للجاهل كلاماً يدفعه به برفق ولين . قال سيبويه لم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلموا على المشركين لكنه على قوله تسليماً منكم ، ولا خير ، ولا شرّ بيننا وبينكم . قال المبرد كان ينبغي أن يقال لم يؤمر المسلمون يومئذٍ بحربهم ، ثم أمروا بحربهم . وقال محمد بن يزيد أخطأ سيبويه في هذا وأساء العبارة . قال النحاس ولا نعلم لسيبويه كلاماً في معنى الناسخ ، والمنسوخ إلاّ في هذه الآية ، لأنه قال في آخر كلامه فنسختها آية السيف . وأقول هكذا يكون كلام الرجل إذا تكلم في غير علمه ، ومشى في غير طريقته ، ولم يؤمر المسلمون بالسلام على المشركين ، ولا نهوا عنه . بل أمروا بالصفح ، والهجر الجميل ، فلا حاجة إلى دعوى النسخ . قال النضر بن شميل حدّثني الخليل قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي ، وكان من أعلم من رأيت . فإذا هو على سطح ، فسلمنا ، فردّ علينا السلام ، وقال لنا استووا ، فبقينا متحيرين ، ولم ندر ما قال ، فقال لنا أعرابيّ إلى جنبه أمركم أن ترتفعوا . قال الخليل هو من قول الله { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } البقرة 29 قال فصعدنا إليه ، فقال هل لكم في خبز فطير ، ولبن هجير ؟ فقلنا الساعة فارقناه ، فقال سلاماً ، فلم ندر ما قال ، فقال الأعرابيّ إنه سالمكم متاركة لا خير فيها ولا شرّ . قال الخليل هو من قول الله { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } . { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰماً } البيتوتة هي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم . قال الزجاج من أدركه الليل ، فقد بات ، نام أو لم ينم ، كما يقال بات فلان قلقاً ، والمعنى يبيتون لربهم سجداً على وجوههم ، وقياماً على أقدامهم ، ومنه قول امرىء القيس @ فبتنا قياماً عند رأس جوادنا يزاولنا عن نفسه ونزاوله @@ { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أي هم مع طاعتهم مشفقون وجلون خائفون من عذابه ، والغرام اللازم الدائم ، ومنه سمي الغريم لملازمته ، ويقال فلان مغرم بكذا أي ملازم له مولع به ، هذا معناه في كلام العرب ، كما ذكره ابن الأعرابي وابن عرفة وغيرهما ، ومنه قول الأعشى @ إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلاً فإنه لا يبالي @@ وقال الزجاج الغرام أشدّ العذاب . وقال أبو عبيدة هو الهلاك . وقال ابن زيد الشرّ ، وجملة { إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } تعليل لما قبلها ، والمخصوص محذوف أي هي ، وانتصاب { مستقرًّا } على الحال ، أو التمييز ، وكذا { مقاماً } ، قيل هما مترادفان ، وإنما عطف أحدهما على الآخر لاختلاف لفظيهما ، وقيل بل هما مختلفان معنى فالمستقرّ للعصاة ، فإنهم يخرجون ، والمقام للكفار ، فإنهم يخلدون ، وساءت من أفعال الذم كبئست ، ويجوز أن يكون هذا من كلام الله سبحانه ، ويجوز أن يكون حكاية لكلامهم . ثم وصفهم سبحانه بالتوسط في الإنفاق ، فقال { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } قرأ حمزة والكسائي والأعمش وعاصم ويحيى بن وثاب { يقتروا } بفتح التحتية ، وضم الفوقية ، من قتر يقتر ، كقعد يقعد ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح التحتية ، وكسر التاء الفوقية ، وهي لغة معروفة حسنة ، وقرأ أهل المدينة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم التحتية وكسر الفوقية . قال أبو عبيدة يقال قتر الرجل على عياله يقتر ، ويقتر قتراً ، وأقتر يقتر إقتاراً ، ومعنى الجميع التضييق في الإنفاق . قال النحاس ومن أحسن ما قيل في معنى الآية أن من أنفق في غير طاعة الله ، فهو الإسراف ، ومن أمسك عن طاعة الله ، فهو الإقتار ، ومن أنفق في طاعة الله ، فهو القوام . وقال إبراهيم النخعي هو الذي لا يجيع ولا يعرى ، ولا ينفق نفقة ، يقول الناس قد أسرف . وقال يزيد بن أبي حبيب أولئك أصحاب محمد كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوباً للجمال ، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدّ عنهم الجوع ، ويقوّيهم على عبادة الله ، ومن اللباس ما يستر عوراتهم ، ويقيهم الحرّ والبرد . وقال أبو عبيدة لم يزيدوا على المعروف ، ولم يبخلوا كقوله { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } الإسراء 29 قرأ حسان بن عبد الرحمن " وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً " بكسر القاف ، وقرأ الباقون بفتحها ، فقيل هما بمعنى ، وقيل القوام بالكسر ما يدوم عليه الشيء ويستقرّ ، وبالفتح العدل ، والإستقامة ، قاله ثعلب . وقيل بالفتح العدل بين الشيئين ، وبالكسر ما يقام به الشيء لا يفضل عنه ولا ينقص . وقيل بالكسر السداد والمبلغ ، واسم كان مقدّر فيها أي كان إنفاقهم بين ذلك قواماً ، وخبرها { قواماً } ، قاله الفراء . وروي عن الفراء قول آخر ، وهو أن اسم كان { بين ذلك } ، وتبنى بين على الفتح لأنها من الظروف المفتوحة . وقال النحاس ما أدري ما وجه هذا ، لأن بين إذا كانت في موضع رفع رفعت . وقد أخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَكَانَ ٱلْكَـٰفِرُ عَلَىٰ رَبّهِ ظَهِيراً } يعني أبا الحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل بن هشام . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } قال قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر ، يقول عرض من عرض الدنيا . وأخرج الخطيب في كتاب النجوم عنه أيضاً في قوله { تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجاً } قال هي هذه الإثنا عشر برجاً أولها الحمل ، ثم الثور ، ثم الجوزاء ، ثم السرطان ، ثم الأسد ، ثم السنبلة ، ثم الميزان ، ثم العقرب ، ثم القوس ، ثم الجدي ، ثم الدلو ، ثم الحوت . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } قال أبيض وأسود . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً يقول من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار ، ومن النهار أدركه بالليل . وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم عن الحسن أن عمر أطال صلاة الضحى ، فقيل له صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه ، فقال إنه بقي عليّ من وردى شيء ، فأحببت أن أتمه ، أو قال أقضيه ، وتلا هذه الآية { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } الآية . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } قال هم المؤمنون { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } قال بالطاعة والعفاف والتواضع . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال { هَوْناً } علماً وحلماً . وأخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } قال " الدائم " . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } قال هم المؤمنون لا يسرفون فينفقوا في معصية الله ، ولا يقترون فيمنعوا حقوق الله .