Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 52-68)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } أمر الله سبحانه موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً ، وسماهم عباده لأنهم آمنوا بموسى وبما جاء به ، وقد تقدّم تفسير مثل هذا في سورة الأعراف ، وجملة { إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } تعليل للأمر المتقدّم أي يتبعكم فرعون وقومه ليردّوكم ، و { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } ، وذلك حين بلغه مسيرهم ، والمراد بالحاشرين الجامعون للجيش من الأمكنة التي فيها أتباع فرعون ، ثم قال فرعون لقومه بعد اجتماعهم لديه { إِنَّ هَـٰؤُلاۤء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } يريد بني إسرائيل . والشرذمة الجمع الحقير القليل ، والجمع شراذم . قال الجوهري الشرذمة الطائفة من الناس ، والقطعة من الشيء ، وثوب شراذم أي قطع ، ومنه قول الشاعر @ جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منها الخلاق @@ قال الفراء يقال عصبة قليلة وقليلون وكثيرة وكثيرون . قال المبرّد الشرذمة القطعة من الناس غير الكثير ، وجمعها الشراذم ، قال الواحدي قال المفسرون وكان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف ، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ } يقال غاظني كذا وأغاظني . والغيظ الغضب ، ومنه التغيظ ، والاغتياظ أي غاظونا بخروجهم من غير إذن مني { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـٰذِرُونَ } قرىء { حذرون } ، و { حاذرون } و " حذرون " بضم الذال ، حكى ذلك الأخفش . قال الفراء الحاذر الذي يحذرك الآن ، والحذر المخلوق كذلك لا تلقاه إلاّ حذراً . وقال الزجاج الحاذر المستعد ، والحذر المتيقظ ، وبه قال الكسائي ومحمد بن يزيد ، قال النحاس { حذرون } قراءة المدنيين ، وأبي عمرو ، و { حاذرون } قراءة أهل الكوفة . قال وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى حذرون ، وحاذرون واحد ، وهو قول سيبويه ، وأنشد سيبويه @ حذر أموراً لا تضير وحاذر ما ليس ينجيه من الأقدار @@ { فَأَخْرَجْنَـٰهُمْ مّن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } يعني فرعون وقومه أخرجهم الله من أرض مصر وفيها الجنات والعيون والكنوز وهي جمع جنة وعين ، وكنز ، والمراد بالكنوز الخزائن . وقيل الدفائن ، وقيل الأنهار ، وفيه نظر لأن العيون المراد بها عند جمهور المفسرين عيون الماء ، فيدخل تحتها الأنهار . واختلف في المقام الكريم فقيل المنازل الحسان . وقيل المنابر ، وقيل مجالس الرؤساء والأمراء . وقيل مرابط الخيل . والأوّل أظهر ، ومن ذلك قول الشاعر @ وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل @@ { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِي إِسْرٰءيلَ } يحتمل أن يكون { كذلك } في محل نصب أي أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفنا ، ويحتمل أن يكون في محل جرّ على الوصفية أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم ، ويحتمل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر كذلك . ومعنى { وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِي إِسْرٰءيلَ } جعلناها ملكاً لهم ، وهو معطوف على { فأخرجناهم } { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } قراءة الجمهور بقطع الهمزة ، وقرأ الحسن والحارث الديناري بوصلها ، وتشديد التاء ، أي فلحقوهم حال كونهم مشرقين أي داخلين في وقت الشروق ، يقال شرقت الشمس شروقاً إذا طلعت كأصبح وأمسى أي دخل في هذين الوقتين . وقيل داخلين نحو المشرق كأنجد وأتهم . وقيل معنى { مُشْرِقِينَ } مضيئين . قال الزجاج يقال شرقت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت . { فَلَمَّا تَرَاءا ٱلْجَمْعَانِ } قرأ الجمهور { تراءى } بتخفيف الهمزة ، وقرأ ابن وثاب والأعمش من غير همز ، والمعنى تقابلا بحيث يرى كلّ فريق صاحبه ، وهو تفاعل من الرؤية ، وقرىء " تراءت الفئتان " { قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } أي سيدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا بهم . قرأ الجمهور { إنا لمدركون } اسم مفعول من أدرك ، ومنه { حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } يونس 90 . وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدال مشدّدة وكسر الراء . قال الفراء هما بمعنى واحد . قال النحاس ليس كذلك يقول النحويون الحذاق ، إنما يقولون مدركون بالتخفيف ملحقون وبالتشديد مجتهدون في لحاقهم . قال وهذا معنى قول سيبويه . وقال الزمخشري إن معنى هذه القراءة إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد . { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ } قال موسى هذه المقالة زجراً لهم وردعاً ، والمعنى أنهم لا يدركونكم ، وذكرهم وعد الله بالهداية والظفر ، والمعنى إن معي ربي بالنصر والهداية ، سيهدين أي يدلني على طريق النجاة ، فلما عظم البلاء على بني إسرائيل ، ورأوا من الجيوش ما لا طاقة لهم به ، أمر الله سبحانه موسى أن يضرب البحر بعصاه ، وذلك قوله { فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } لما قال موسى { إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ } بيّن الله سبحانه له طريق الهداية ، فأمره بضرب البحر ، وبه نجا بنو إسرائيل ، وهلك عدوّهم ، والفاء في { فَٱنفَلَقَ } فصيحة أي فضرب فانفلق فصار اثني عشر فلقاً بعدد الأسباط ، وقام الماء عن يمين الطريق وعن يساره كالجبل العظيم ، وهو معنى قوله { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } ، والفرق القطعة من البحر ، وقرىء " فلق " بلام بدل الراء ، والطود الجبل قال امرؤ القيس @ فبينا المرء في الأحياء طود رماه الناس عن كثب فمالا @@ وقال الأسود بن يعفر @ حلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد @@ { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } أي قرّبناهم إلى البحر يعني فرعون وقومه . قال الشاعر @ وكلّ يوم مضى أو ليلة سلفت فيها النفوس إلى الآجال تزدلف @@ قال أبو عبيدة { أزلفنا } جمعنا ، ومنه قيل لليلة المزدلفة ليلة جمع ، و « ثم » ظرف مكان للبعيد . وقيل إن المعنى { وأزلفنا } قربنا من النجاة ، والمراد بالآخرين موسى وأصحابه ، والأوّل أولى ، وقرأ الحسن وأبو حيوة " وزلفنا " ثلاثياً ، وقرأ أبيّ ، وابن عباس وعبد الله بن الحارث " وأزلقنا " بالقاف أي أزللنا وأهلكنا من قولهم أزلقت الفرس إذا ألقت ولدها . { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } بمرورهم في البحر بعد أن جعله الله طرقاً يمشون فيها { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } يعني فرعون وقومه أغرقهم الله باطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه متبعين موسى وقومه ، والإشارة بقوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } إلى ما تقدّم ذكره مما صدر بين موسى وفرعون إلى هذه الغاية ، ففي ذلك آية عظيمة وقدرة باهرة من أدلّ العلامات على قدرة الله سبحانه ، وعظيم سلطانه { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي ما كان أكثر هؤلاء الذين مع فرعون مؤمنين ، فإنه لم يؤمن منهم فيما بعد إلاّ القليل كحزقيل وابنته ، وآسية امرأة فرعون ، والعجوز التي دلت على قبر يوسف ، وليس المراد أكثر من كان مع فرعون عند لحاقه بموسى ، فإنهم هلكوا في البحر جميعاً بل المراد من كان معه من الأصل ، ومن كان متابعاً له ومنتسباً إليه ، هذا غاية ما يمكن أن يقال ، وقال سيبويه وغيره إنَّ « كان » زائدة ، وأن المراد الإخبار عن المشركين بعد ما سمعوا الموعظة { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } ، أي المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه . وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { إِنَّ هَـؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } قال ستمائة ألف وسبعون ألفاً . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كانوا ستمائة ألف . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان أصحاب موسى الذين جازوا البحر اثني عشر سبطاً ، فكان في كلّ طريق اثنا عشر ألفاً كلهم ولد يعقوب " وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً بسندٍ . قال السيوطي واه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان فرعون عدوّ الله حيث أغرقه الله هو وأصحابه في سبعين قائداً مع كل قائد سبعون ألفاً ، وكان موسى مع سبعين ألفاً حيث عبروا البحر " وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال كان طلائع فرعون الذين بعثهم في أثرهم ستمائة ألف ليس فيها أحد إلاّ على بهيم . وأقول هذه الروايات المضطربة قد روي عن كثير من السلف ما يماثلها في الاضطراب والاختلاف ، ولا يصحّ منها شيء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } قال المنابر . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله { كَٱلطَّوْدِ } قال كالجبل . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود مثله ، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وَأَزْلَفْنَا } قال قربنا . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضلّ الطريق ، فقال لبني إسرائيل ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقاً أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا ، فقال لهم موسىٰ أيكم يدري أين قبره ؟ فقالوا ما يعلم أحد مكان قبره إلاّ عجوز لبني إسرائيل ، فأرسل إليها موسى فقال دلينا على قبر يوسف ؟ فقالت لا والله حتى تعطيني حكمي ، قال وما حكمك ؟ قالت أن أكون معك في الجنة ، فكأنه ثقل عليه ذلك ، فقيل له أعطها حكمها ، فأعطاها حكمها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء ، فقالت لهم انضبوا عنها الماء ، ففعلوا ، قالت احفروا فحفروا ، فاستخرجوا قبر يوسف ، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار " .