Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 67-82)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر سبحانه أن المشركين في شكّ من البعث ، وأنهم عمون عن النظر في دلائله أراد أن يبين غاية شبههم ، وهي مجرّد استبعاد إحياء الأموات بعد صيرورتهم تراباً ، فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً وَءَابَاؤُنَا أَءِنَّا لَمُخْرَجُونَ } . والعامل في " إذا " محذوف دلّ عليه { مخرجون } تقديره أنبعث ، أو نخرج إذا كنا ، وإنما لم يعمل فيه مخرجون لتوسط همزة الاستفهام ، وإنّ ولام الابتداء بينهما . قرأ أبو عمرو باستفهامين إلاّ أنه خفف الهمزة . وقرأ عاصم ، وحمزة باستفهامين ، إلاّ أنهما حققا الهمزتين . وقرأ نافع بهمزة . وقرأ ابن عامر وورش ويعقوب { أإذا } بهمزتين و { إننا } بنونين على الخبر ، ورجح أبو عبيد قراءة نافع ، وردّ على من جمع بين استفهامين ومعنى الآية أنهم استنكروا واستبعدوا أن يخرجوا من قبورهم أحياء بعد أن قد صاروا تراباً ، ثم أكدوا ذلك الاستبعاد بما هو تكذيب للبعث ، فقالوا { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا } يعنون البعث { نَحْنُ وَءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ } أي من قبل وعد محمد لنا ، والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير الإنكار مصدّرة بالقسم لزيادة التقرير { إِنَّ هَذَا } الوعد بالبعث { إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أحاديثهم وأكاذيبهم الملفقة ، وقد تقدّم تحقيق معنى الأساطير في سورة المؤمنون . ثم أوعدهم سبحانه على عدم قبول ما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث . فأمرهم بالنظر في أحوال الأمم السابقة المكذبة للأنبياء وما عوقبوا به ، وكيف كانت عاقبتهم ، فقال { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلاْرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } بما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث ، ومعنى النظر هو مشاهدة آثارهم بالبصر فإن في المشاهدة زيادة اعتبار . وقيل المعنى فانظروا بقلوبكم ، وبصائركم كيف كان عاقبة المكذبين لرسلهم ، والأوّل أولى لأمرهم بالسير في الأرض { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } لما وقع منهم من الإصرار على الكفر { وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ } الضيق الحرج ، يقال ضاق الشيء ضيقاً بالفتح ، وضيقاً بالكسر قرىء بهما ، وهما لغتان . قال ابن السكيت يقال في صدر فلان ضيق وضيق ، وهو ما تضيق عنه الصدور . وقد تقدّم تفسير هذه الآية في آخر سورة النحل { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } أي بالعذاب الذي تعدنا به { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في ذلك . { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } يقال ردفت الرجل ، وأردفته إذا ركبت خلفه ، وردفه إذا أتبعه ، وجاء في أثره ، والمعنى قل يا محمد لهؤلاء الكفار عسى أن يكون هذا العذاب الذي به توعدون تبعكم ، ولحقكم ، فتكون اللام زائدة للتأكيد ، أو بمعنى اقترب لكم ، ودنا لكم ، فتكون غير زائدة . قال ابن شجرة معنى ردف لكم تبعكم ، قال ومنه ردف المرأة لأنه تبع لها من خلفها ، ومنه قول أبي ذؤيب @ عاد السواد بياضاً في مفارقه لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردفا @@ قال الجوهري وأردفه لغة في ردفه مثل تبعه وأتبعه بمعنى . قال خزيمة بن مالك بن نهد @ إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا @@ قال الفراء ردف لكم دنا لكم ، ولهذا قيل لكم . وقرأ الأعرج " ردف لكم " بفتح الدال ، وهي لغة ، والكسر أشهر . وقرأ ابن عباس " أزف لكم " وارتفاع { بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } أي على أنه فاعل ردف ، والمراد بعض الذي تستعجلونه من العذاب أي عسى أن يكون قد قرب ودنا وأزف بعض ذلك ، قيل هو عذابهم بالقتل يوم بدر ، وقيل هو عذاب القبر . ثم ذكر سبحانه فضله في تأخير العذاب ، فقال { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } في تأخير العقوبة ، والأولى أن تحمل الآية على العموم ، ويكون تأخير العقوبة من جملة أفضاله سبحانه وإنعامه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } فضله وإنعامه ولا يعرفون حق إحسانه . ثم بين أنه مطلع على ما في صدورهم ، فقال { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } أي ما تخفيه . قرأ الجمهور { تكن } بضم التاء من أكنّ . وقرأ ابن محيصن وابن السميفع وحميد بفتح التاء وضم الكاف ، يقال كننته بمعنى سترته وخفيت أثره { وَمَا يُعْلِنُونَ } وما يظهرون من أقوالهم وأفعالهم . { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } قال المفسرون ما من شيء غائب ، وأمر يغيب عن الخلق في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين إلاّ هو مبين في اللوح المحفوظ ، وغائبة هي من الصفات الغالبة والتاء للمبالغة . قال الحسن الغائبة هنا هي القيامة . وقال مقاتل علم ما تستعجلون من العذاب هو مبين عند الله وإن غاب عن الخلق . وقال ابن شجرة الغائبة هنا جميع ما أخفى الله عن خلقه ، وغيبه عنهم مبين في أمّ الكتاب ، فكيف يخفى عليه شيء من ذلك ؟ ومن جملة ذلك ما يستعجلونه من العذاب فإنه موقت بوقت ، ومؤجل بأجل علمه عند الله فكيف يستعجلونه قبل أجله المضروب له ؟ { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرٰءيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وذلك لأن أهل الكتاب تفرّقوا فرقاً ، وتحزّبوا أحزاباً يطعن بعضهم على بعض ، ويتبرأ بعضهم من بعض ، فنزل القرآن مبيناً لما اختلفوا فيه من الحق ، فلو أخذوا به لوجدوا فيه ما يرفع اختلافهم ويدفع تفرّقهم . { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ } أي وإنّ القرآن لهدى ورحمة لمن آمن بالله ، وتابع رسوله ، وخصّ المؤمنين لأنهم المنتفعون به ، ومن جملتهم من آمن من بني إسرائيل . { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ } أي يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بما يحكم به من الحق ، فيجازي المحق ويعاقب المبطل ، وقيل يقضي بينهم في الدنيا ، فيظهر ما حرّفوه . قرأ الجمهور { بحكمه } بضم الحاء وسكون الكاف . وقرأ جناح بكسرها وفتح الكاف جمع حكمة { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } العزيز الذي لا يغالب ، والعليم بما يحكم به ، أو الكثير العلم . ثم أمره سبحانه بالتوكل وقلة المبالاة ، فقال { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } والفاء لترتيب الأمر على ما تقدّم ذكره ، والمعنى فوّض إليه أمرك ، واعتمد عليه فإنه ناصرك . ثم علل ذلك بعلتين الأولى قوله { إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقّ ٱلْمُبِينِ } أي الظاهر ، وقيل المظهر . والعلة الثانية قوله { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } لأنه إذا علم أن حالهم كحال الموتى في انتفاء الجدوى بالسماع ، أو كحال الصمّ الذين لا يسمعون ، ولا يفهمون ، ولا يهتدون صار ذلك سبباً قوياً في عدم الاعتداد بهم ، شبه الكفار بالموتى الذين لا حسّ لهم ولا عقل ، وبالصمّ الذين لا يسمعون المواعظ ، ولا يجيبون الدعاء إلى الله . ثم ذكر جملة لتكميل التشبيه وتأكيده ، فقال { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } أي إذا أعرضوا عن الحق إعراضاً تاماً ، فإن الأصمّ لا يسمع الدعاء إذا كان مقبلاً فكيف إذا كان معرضاً عنه مولياً مدبراً . وظاهر نفي إسماع الموتى العموم ، فلا يخصّ منه إلاّ ما ورد بدليل كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خاطب القتلى في قليب بدر ، فقيل له يا رسول الله إنما تكلم أجساداً لا أرواح لها ، وكذلك ما ورد من أن الميت يسمع خفق نعال المشيعين له إذا انصرفوا . وقرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وابن أبي إسحاق " لا يسمع " بالتحتية مفتوحة ، وفتح الميم ، وفاعله الصمّ . وقرأ الباقون { تسمع } بضم الفوقية ، وكسر الميم من أسمع . قال قتادة الأصمّ إذا ولى مدبراً ، ثم ناديته لم يسمع ، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان . ثم ضرب العمى مثلاً لهم ، فقال { وَمَا أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } أي ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الحق إرشاداً يوصله إلى المطلوب منه وهو الإيمان ، وليس في وسعك ذلك ، ومثله قوله { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } القصص 56 قرأ الجمهور بإضافة هادي إلى العمي . وقرأ يحيـى بن الحارث ، وأبو حيان " بهاد العمي " بتنوين هادٍ . وقرأ حمزة " تهدي " فعلاً مضارعاً ، وفي حرف عبد الله " وما أن تهدي العمي " . { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } أي ما تسمع إلاّ من يؤمن لا من يكفر ، والمراد بمن يؤمن بالآيات من يصدّق القرآن ، وجملة { فَهُم مُّسْلِمُونَ } تعليل للإيمان ، أي فهم منقادون مخلصون . ثم هدّد العباد بذكر طرف من أشراط الساعة وأهوالها فقال { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } . واختلف في معنى وقوع القول عليهم ، فقال قتادة وجب الغضب عليهم . وقال مجاهد حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون ، وقيل حق العذاب عليهم ، وقيل وجب السخط ، والمعاني متقاربة . وقيل المراد بالقول ما نطق به القرآن من مجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها ، وقيل وقع القول بموت العلماء ، وذهاب العلم . وقيل إذا لم يأمروا بالمعروف ، وينهوا عن المنكر . والحاصل أن المراد بوقع وجب ، والمراد بالقول مضمونه ، أو أطلق المصدر على المفعول أي القول ، وجواب الشرط { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلّمُهُمْ } . واختلف في هذه الدابة على أقوال ، فقيل إنها فصيل ناقة صالح يخرج عند اقتراب القيامة ويكون من أشراط الساعة . وقيل هي دابة ذات شعر ، وقوائم طوال يقال لها الجساسة . وقيل هي دابة على خلقة بني آدم ، وهي في السحاب ، وقوائمها في الأرض . وقيل رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيَّل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هرّ ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعاً . وقيل هي الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة ، والمراد أنها هي التي تخرج في آخر الزمان ، وقيل هي دابة ما لها ذنب ولها لحية ، وقيل هي إنسان ناطق متكلم يناظر أهل البدع ويراجع الكفار . وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره ، وقد رجح القول الأوّل القرطبي في تفسيره . واختلف من أيّ موضع تخرج ؟ فقيل من جبل الصفا بمكة ، وقيل تخرج من جبل أبي قبيس . وقيل لها ثلاث خرجات خرجة في بعض البوادي حتى يتقاتل عليها الناس ، وتكثر الدماء ثم تكمن ، وتخرج في القرى ثم تخرج من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها . وقيل تخرج من بين الركن والمقام . وقيل تخرج في تهامة . وقيل من مسجد الكوفة من حيث فار التنور . وقيل من أرض الطائف . وقيل من صخرة من شعب أجياد . وقيل من صدع في الكعبة . واختلف في معنى قوله { تكلمهم } فقيل تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام . وقيل تكلمهم بما يسوؤهم . وقيل تكلمهم بقوله تعالى { أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } أي بخروجها لأن خروجها من الآيات . قرأ الجمهور { تكلمهم } من التكليم ، ويدلّ عليه قراءة أبيّ " تنبئهم " ، وقرأ ابن عباس وأبو زرعة وأبو رجاء والحسن " تكلمهم " بفتح الفوقية ، وسكون الكاف من الكلم ، وهو الجرح . قال عكرمة أي تسمهم وسماً ، وقيل تجرحهم . وقيل إن قراءة الجمهور مأخوذة من الكلم بفتح الكاف ، وسكون اللام ، وهو الجرح ، والتشديد للتكثير ، قاله أبو حاتم . قرأ الجمهور " إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " بكسر إن على الاستئناف ، وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق بفتح « أن » . قال الأخفش المعنى على قراءة الفتح " بأن الناس " . وكذا قرأ ابن مسعود " بأن الناس " بالباء . وقال أبو عبيد موضعها نصب بوقوع الفعل عليها أي تخبرهم أن الناس ، وعلى هذه القراءة فالذي تكلم الناس به هو قوله { أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } كما قدّمنا الإشارة إلى ذلك . وأما على قراءة الكسر فالجملة مستأنفة كما قدّمنا ، ولا تكون من كلام الدابة . وقد صرّح بذلك جماعة من المفسرين ، وجزم به الكسائي والفراء . وقال الأخفش إن كسر « إن » هو على تقدير القول أي تقول لهم " إِنَّ ٱلنَّاسَ " إلخ ، فيرجع معنى القراءة الأولى على هذا إلى معنى القراءة الثانية ، والمراد بالناس في الآية هم الناس على العموم ، فيدخل في ذلك كل مكلف ، وقيل المراد الكفار خاصة ، وقيل كفار مكة ، والأوّل أولى . وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } قال اقترب لكم . وأخرج ابن أبي حاتم عنه { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } قال يعلم ما عملوا بالليل والنهار . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ } الآية يقول ما من شيء في السماء والأرض سرًّا ولا علانية إلا يعلمه . وأخرج ابن المبارك في الزهد ، وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ، ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } الآية قال إذا لم يأمروا بمعروف ، ولم ينهوا عن منكر . وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعاً . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية أنه فسر { وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } بما أوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { دَابَّةً مّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلّمُهُمْ } قال تحدّثهم . وأخرج ابن جرير عنه قال كلامها تنبئهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي داود نفيع الأعمى قال سألت ابن عباس عن قوله { تُكَلّمُهُمْ } يعني هل هو من التكليم باللسان ، أو من الكلم ، وهو الجرح ؟ فقال كل ذلك ، والله تفعل ، تكلم المؤمن وتكلم الكافر أي تجرحه . وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس ذلك حديثاً ، ولا كلاماً ، ولكنها سمة تسم من أمرها الله به ، فيكون خروجها من الصفا ليلة منى ، فيصبحون بين رأسها وذنبها لا يدحض داحض ، ولا يجرح جارح ، حتى إذا فرغت مما أمرها الله به فهلك من هلك ، ونجا من نجا ، كان أوّل خطوة تضعها بإنطاكية " وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال الدابة ذات وبر وريش ، مؤلفة فيها من كل لون ، لها أربع قوائم تخرج بعقب من الحاج . وأخرج أحمد وابن مردويه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تخرج الدابة فتسم على خراطيمهم ، ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة ، فيقال له ممن اشتريتها ؟ فيقول من الرجل المخطم " وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس " إن للدابة ثلاث خرجات " وذكر نحو ما قدّمنا . وأخرج ابن مردويه عن حذيفة بن أسيد رفعه قال " تخرج الدابة من أعظم المساجد حرمة " وأخرج سعيد بن منصور ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال تخرج من بعض أودية تهامة . وأخرج الطيالسي وأحمد ونعيم بن حماد والترمذي وحسنه ، وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالخاتم ، وتخطم أنف الكافر بالعصا ، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر " ، وأخرج الطيالسي ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، والبيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة ، فقال " لها ثلاث خرجات من الدهر " وذكر نحو ما قدّمنا في حديث طويل . وفي صفتها ومكان خروجها وما تصنعه ومتى تخرج أحاديث كثيرة بعضها صحيح ، وبعضها حسن ، وبعضها ضعيف . وأما كونها تخرج ، وكونها من علامات الساعة ، فالأحاديث الواردة في ذلك صحيحة . ومنها ما هو ثابت في الصحيح كحديث حذيفة مرفوعاً " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات " وذكر منها الدابة فإنه في صحيح مسلم وفي السنن الأربعة ، وكحديث " بادروا بالأعمال قبل طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، والدابة " فإنه في صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة مرفوعاً ، وكحديث ابن عمر مرفوعاً " إن أوّل الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى " فإنه في صحيح مسلم أيضاً .