Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 1-13)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الكلام في فاتحة هذه السورة قد مرّ في فاتحة الشعراء وغيرها ، فلا نعيده ، وكذلك مرّ الكلام على قوله { تِلْكَ ءَايَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } فاسم الإشارة مبتدأ خبره ما بعده ، أو خبر مبتدأ محذوف ، و { آيات } بدل من اسم الإشارة ، ويجوز أن يكون تلك في موضع نصب بـ { نتلو } ، والمبين المشتمل على بيان الحق من الباطل . قال الزجاج مبين الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، وهو من أبان بمعنى أظهر { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي نوحي إليك من خبرهما ملتبساً بالحق ، وخص المؤمنين لأن التلاوة إنما ينتفع بها المؤمن ، وقيل إن مفعول نتلو محذوف ، والتقدير نتلو عليك شيئاً من نبئهما ، ويجوز أن تكون " من " مزيدة على رأي الأخفش أي نتلو عليك نبأ موسى وفرعون ، والأولى أن تكون للبيان على تقدير المفعول كما ذكر أو للتبعيض ، ولا ملجىء للحكم بزيادتها ، والحق الصدق ، وجملة { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } وما بعدها مستأنفة مسوقة لبيان ما أجمله من النبأ . قال المفسرون معنى { علا } تكبر ، وتجبر بسلطانه ، والمراد بالأرض أرض مصر . وقيل معنى { علا } ادعى الربوبية ، وقيل علا عن عبادة ربه { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } أي فرقاً ، وأصنافاً في خدمته يشايعونه على ما يريد ، ويطيعونه ، وجملة { يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ } مستأنفة مسوقة لبيان حال الأهل الذين جعلهم فرقاً وأصنافاً ، ويجوز أن تكون في محلّ نصب على الحال من فاعل جعل ، أي جعلهم شيعاً حال كونهم مستضعفاً طائفة منهم ، ويجوز أن تكون صفة لطائفة ، والطائفة هم بنو إسرائيل ، وجملة { يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْييِ نِسَاءهُمْ } بدل من الجملة الأولى ، ويجوز أن تكون مستأنفة للبيان ، أو حالاً ، أو صفة كالتي قبلها على تقدير عدم كونها بدلاً منها ، وإنما كان فرعون يذبح أبناءهم ، ويترك النساء لأن المنجمين في ذلك العصر أخبروه أنه يذهب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل . قال الزجاج والعجب من حمق فرعون ، فإن الكاهن الذي أخبره بذلك إن كان صادقاً عنده فما ينفع القتل ، وإن كان كاذباً فلا معنى للقتل { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } في الأرض بالمعاصي والتجبر ، وفيه بيان أن القتل من فعل أهل الإفساد . { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ } جاء بصيغة المضارع لحكاية الحالة الماضية ، واستحضار صورتها ، أي نريد أن نتفضل عليهم بعد استضعافهم ، والمراد بهؤلاء بنو إسرائيل ، والواو في { ونريد } للعطف على جملة { إن فرعون علا } ، وإن كانت الجملة المعطوف عليها اسمية لأن بينهما تناسباً من حيث أن كل واحدة منهما للتفسير والبيان ، ويجوز أن تكون حالاً من فاعل { يستضعف } بتقدير مبتدأ ، أي ونحن نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض كما في قول الشاعر @ نجوت وأرهنتهم ملكاً @@ والأوّل أولى { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } أي قادة في الخير ، ودعاة إليه ، وولاة على الناس ، وملوكاً فيهم { وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } لملك فرعون ، ومساكن القبط ، وأملاكهم ، فيكون ملك فرعون فيهم ، ويسكنون في مساكنه ، ومساكن قومه ، وينتفعون بأملاكه وأملاكهم { وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي نجعلهم مقتدرين عليها وعلى أهلها مسلطين على ذلك يتصرّفون به كيف شاؤوا . قرأ الجمهور { نمكّن } بدون لام ، وقرأ الأعمش " لنمكن " بلام العلة . { وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا } قرأ الجمهور { نرى } بنون مضمومة وكسر الراء على أن الفاعل هو الله سبحانه . وقرأ الأعمش ويحيـى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف " ويرى " بفتح الياء التحتية والراء ، والفاعل فرعون . والقراءة الأولى ألصق بالسياق لأن قبلها نريد ونجعل ونمكّن بالنون . وأجاز الفراء " ويري فرعون " بضم الياء التحتية ، وكسر الراء ، أي ويرى الله فرعون ، ومعنى { مِنْهُمْ } من أولئك المستضعفين { مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ } الموصول هو المفعول الثاني على القراءة الأولى ، والمفعول الأوّل على القراءة الثانية ، والمعنى أن الله يريهم ، أو يرون هم الذي كانوا يحذرون منه ، ويجتهدون في دفعه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد المولود من بني إسرائيل المستضعفين . { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } أي ألهمناها وقذفنا في قلبها ، وليس ذلك هو الوحي الذي يوحى إلى الرسل ، وقيل كان ذلك رؤيا في منامها ، وقيل كان ذلك بملك أرسله الله يعلمها بذلك . وقد أجمع العلماء على أنها لم تكن نبية ، وإنما كان إرسال الملك إليها عند من قال به على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى كما في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما ، وقد سلمت على عمران بن حصين الملائكة كما في الحديث الثابت في الصحيح فلم يكن بذلك نبياً ، و " أن " في { أَنْ أَرْضِعِيهِ } هي المفسرة ، لأن في الوحي معنى القول ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي بأن أرضعيه ، وقرأ عمر بن عبد العزيز بكسر نون أن ، ووصل همزة أرضعيه فالكسر لالتقاء الساكنين ، وحذف همزة الوصل على غير القياس { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } من فرعون بأن يبلغ خبره إليه { فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمّ } ، وهو بحر النيل ، وقد تقدّم بيان الكيفية التي ألقته في اليمّ عليها في سورة طه { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي } أي لا تخافي عليه الغرق ، أو الضيعة ، ولا تحزني لفراقه { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } عن قريب على وجه تكون به نجاته { وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } الذين نرسلهم إلى العباد . والفاء في قوله { فَٱلْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ } هي الفصيحة ، والالتقاط إصابة الشيء من غير طلب ، والمراد بآل فرعون هم الذين أخذوا التابوت الذي فيه موسى من البحر ، وفي الكلام حذف ، والتقدير فألقته في اليمّ بعد ما جعلته في التابوت ، فالتقطه من وجده من آل فرعون ، واللام في { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } لام العاقبة ، ووجه ذلك أنهم إنما آخذوه ليكون لهم ولداً ، وقرّة عين لا ليكون عدوّاً فكان عاقبة ذلك إنه كان لهم عدوًّا وحزناً ، ولما كانت هذه العداوة نتيجة لفعلهم ، وثمرة له شبهت بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله ، ومن هذا قول الشاعر @ لدوا للموت وابنوا للخراب @@ قول الآخر @ وللمنايا تربي كل مرضعة ودورنا لخراب الدهر نبنيها @@ قرأ الجمهور { وحزناً } بفتح الحاء ، والزاي ، وقرأ الأعمش ويحيـى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف " وحزناً " بضم الحاء وسكون الزاي ، واختار القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم وهما لغتان كالعَدَم والعُدْم ، والرَّشَد والرُّشْد ، والسَّقَم والسُّقْم ، وجملة { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَـٰطِئِينَ } لتعليل ما قبلها ، أو للاعتراض لقصد التأكيد ومعنى { خَـٰطِئِينَ } عاصين آثمين في كل أفعالهم وأقوالهم ، وهو مأخوذ من الخطأ المقابل للصواب ، وقرىء " خاطين " بياء من دون همزة ، فيحتمل أن يكون معنى هذه القراءة معنى قراءة الجمهور ، ولكنها خففت بحذف الهمزة ، ويحتمل أن تكون من خطا يخطو ، أي تجاوز الصواب . { وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ } أي قالت امرأة فرعون لفرعون ، وارتفاع { قرّة } على أنه خبر مبتدأ محذوف ، قاله الكسائي ، وغيره . وقيل على أنه مبتدأ ، وخبره { لاَ تَقْتُلُوهُ } قاله الزجاج ، والأوّل أولى . وكان قولها لهذا القول عند رؤيتها له لما وصل إليها ، وأخرجته من التابوت ، وخاطبت بقولها { لاَ تَقْتُلُوهُ } فرعون ، ومن عنده من قومه ، أو فرعون وحده على طريقة التعظيم له . وقرأ عبد الله بن مسعود " وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرّة عين لي ولك " ، ويجوز نصب " قرّة " بقوله { لاَ تَقْتُلُوهُ } على الاشتغال . وقيل إنها قالت لا تقتلوه فإن الله أتى به من أرض بعيدة ، وليس من بني إسرائيل . ثم عللت ما قالته بالترجي منها لحصول النفع منه لهم ، أو التنبي له ، فقالت { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا } فنصيب منه خيراً { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } وكانت لا تلد ، فاستوهبته من فرعون فوهبه لها ، وجملة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } في محل نصب على الحال ، أي وهم لا يشعرون أنهم على خطأ في التقاطه ، ولا يشعرون أن هلاكهم على يده فتكون حالاً من آل فرعون ، وهي من كلام الله سبحانه . وقيل هي من كلام المرأة ، أي وبنو إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه ، وهم لا يشعرون ، قال الكلبي ، وهو بعيد جداً . وقد حكى الفراء عن السديّ عن الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس أن قوله { لاَ تَقْتُلُوهُ } من كلام فرعون ، واعترضه بكلام يرجع إلى اللفظ ، ويكفي في ردّه ضعف إسناده . { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىٰ فَارِغاً } قال المفسرون معنى ذلك أنه فارغ من كل شيء إلاّ من أمر موسى كأنها لم تهتمّ بشيء سواه . قال أبو عبيدة خالياً من ذكر كل شيء في الدنيا إلاّ من ذكر موسى ، وقال الحسن وابن إسحاق ، وابن زيد فارغاً مما أوحى إليها من قوله { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي } ، وذلك لما سوّل الشيطان لها من غرقه وهلاكه . وقال الأخفش فارغاً من الخوف والغمّ لعلمها أنه لم يغرق بسبب ما تقدّم من الوحي إليها ، وروى مثله عن أبي عبيدة أيضاً . وقال الكسائي ناسياً ذاهلاً ، وقال العلاء بن زياد نافراً . وقال سعيد بن جبير والهاً كادت تقول وا ابناه من شدّة الجزع ، وقال مقاتل كادت تصيح شفقة عليه من الغرق . وقيل المعنى أنها لما سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع ، والدهش ، قال النحاس وأصحّ هذه الأقوال الأوّل ، والذين قالوه أعلم بكتاب الله ، فإذا كان فارغاً من كل شيء إلاّ من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي ، وقول من قال فارغاً من الغمّ غلط قبيح لأن بعده { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري ومحمد ابن السميفع وأبو العالية وابن محيصن " فزعا " بالفاء ، والزاي ، والعين المهملة من الفزع ، أي خائفاً وجلاً ، وقرأ ابن عباس " قرعا " بالقاف المفتوحة ، والراء المهملة المكسورة ، والعين المهملة من قرع رأسه إذا انحسر شعره ، ومعنى { وَأَصْبَحَ } وصار ، كما قال الشاعر @ مضى الخلفاء في أمر رشيد وأصبحت المدينة للوليد @@ { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } " إن " هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، أي إنها كادت لتظهر أمر موسى ، وأنه ابنها من فرط ما دهمها من الدهش والخوف والحزن ، من بدا يبدو إذا ظهر ، وأبدى يبدي إذا أظهر ، وقيل الضمير في { به } عائد إلى الوحي الذي أوحى إليها ، والأوّل أولى . وقال الفراء إن كانت لتبدي باسمه لضيق صدرها لولا أن ربطنا على قلبها . قال الزجاج ومعنى الربط على القلب إلهام الصبر ، وتقويته ، وجواب لولا محذوف ، أي لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت ، واللام في { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } متعلق بـ { ربطنا } ، والمعنى ربطنا على قلبها لتكون من المصدّقين بوعد الله ، وهو قوله { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } قيل والباء في { لَتُبْدِي بِهِ } زائدة للتأكيد ، والمعنى لتبديه كما تقول أخذت الحبل وبالحبل . وقيل المعنى لتبدي القول به { وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصّيهِ } أي قالت أمّ موسىٰ لأخت موسىٰ ، وهي مريم قصيه ، أي تتبعي أثره ، واعرفي خبره ، وانظري أين وقع ، وإلى من صار ؟ يقال قصصت الشيء إذا اتبعت أثره متعرّفاً لحاله { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } أي أبصرته عن بعد ، وأصله عن مكان جنب ، ومنه الأجنبي . قال الشاعر @ فلا تحرميني نائلاً عن جنابة فإني امرؤ وسط الديار غريب @@ وقيل المراد بقوله { عن جنب } عن جانب ، والمعنى أنها أبصرت إليه متجانفة مخاتلة ، ويؤيد ذلك قراءة النعمان بن سالم عن جانب ، ومحلّ { عن جنب } النصب على الحال إما من الفاعل ، أي بصرت به مستخفية كائنة عن جنب ، وإما من المجرور ، أي بعيداً منها . قرأ الجمهور { بصرت } به بفتح الباء وضم الصاد ، وقرأ قتادة بفتح الصاد ، وقرأ عيسى بن عمر بكسرها . قال المبرّد أبصرته ، وبصرت به بمعنى ، وقرأ الجمهور { عن جنب } بضمتين ، وقرأ قتادة والحسن والأعرج وزيد بن عليّ بفتح الجيم وسكون النون ، وروي عن قتادة أيضاً أنه قرأ بفتحهما . وروي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بضم الجيم وسكون النون . وقال أبو عمرو بن العلاء إن معنى { عَن جُنُبٍ } عن شوق . قال وهي لغة جذام يقولون جنبت إليك أي اشتقت إليك { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنها تقصه وتتبع خبره ، وأنها أخته . { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } المراضع جمع مرضع ، أي منعناه أن يرضع من المرضعات . وقيل المراضع جمع مرضع بفتح الضاد ، وهو الرضاع ، أو موضعه ، وهو الثدي ، ومعنى { مِن قَبْلُ } من قبل أن نردّه إلى أمه ، أو من قبل أن تأتيه أمه ، أو من قبل قصها لأثره ، وقد كانت امرأة فرعون طلبت لموسىٰ المرضعات ليرضعنه ، فلم يرضع من واحدة منهنّ فعند ذلك { قَالَتْ } أي أخته لما رأت امتناعه من الرضاع { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } أي يضمنون لكم القيام به ، وإرضاعه { وَهُمْ لَهُ نَـٰصِحُونَ } أي مشفقون عليه لا يقصرون في إرضاعه وتربيته . وفي الكلام حذف ، والتقدير فقالوا لها من هم ؟ فقالت أمي ، فقيل لها وهل لأمك لبن ؟ قالت نعم لبن أخي هارون فدلتهم على أمّ موسى ، فدفعوه إليها ، فقبل ثديها ، ورضع منه ، وذلك معنى قوله سبحانه { فَرَدَدْنَـٰهُ إِلَىٰ أُمّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } بولدها { وَلاَ تَحْزَنْ } على فراقه { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } أي جميع وعده ، ومن جملة ذلك ما وعدها بقوله { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } . { حَقّ } لا خلف فيه واقع لا محالة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي أكثر آل فرعون لا يعلمون بذلك ، بل كانوا في غفلة عن القدر وسرّ القضاء ، أو أكثر الناس لا يعلمون بذلك أو لا يعلمون أن الله وعدها بأن يردّه إليها . وقد أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } قال فرّق بينهم . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } قال يستعبد طائفة منهم ، ويدع طائفة ويقتل طائفة ويستحيي طائفة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } قال يوسف وولده . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ } قال هم بنو إسرائيل { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } أي ولاة الأمر { وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } أي الذين يرثون الأرض بعد فرعون وقومه { وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ } قال ما كان القوم حذروه . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ } أي ألهمناها الذي صنعت بموسى . وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش قال قال ابن عباس في قوله { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } قال أن يسمع جيرانك صوته . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىٰ فَارِغاً } قال فرغ من ذكر كل شيء من أمر الدنيا إلاّ من ذكر موسى . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىٰ فَارِغاً } قال خالياً من كل شيء غير ذكر موسى . وفي قوله { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } قال تقول يا ابناه . وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عنه في قوله { وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصّيهِ } أي اتبعي أثره { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } قال عن جانب . وأخرج الطبراني وابن عساكر عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة " أما شعرت أن الله زوّجني مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وامرأة فرعون ؟ " قالت هنيئاً لك يا رسول الله ، وأخرجه ابن عساكر عن ابن أبي روّاد مرفوعاً بأطول من هذا ، وفي آخره أنها قالت بالرفاء والبنين . وأخرج الفريابي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } قال لا يؤتى بمرضع فيقبلها .