Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-46)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاء } يوالونهم ، ويتكلون عليهم في حاجاتهم من دون الله سواء كانوا من الجماد أو الحيوان ، ومن الأحياء أو من الأموات { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } فإن بيتها لا يغني عنها شيئاً لا في حرّ ولا قرّ ولا مطر ، كذلك ما اتخذوه ولياً من دون الله ، فإنه لا ينفعهم بوجه من وجوه النفع ، ولا يغني عنهم شيئاً . قال الفراء هو مثل ضربه الله لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضرّه ، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرّاً ، ولا برداً . قال ولا يحسن الوقف على العنكبوت لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شيء شبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضرّ به ، وقد جوّز الوقف على العنكبوت الأخفش ، وغلطه ابن الأنباري قال لأن اتخذت صلة للعنكبوت كأنه قال كمثل العنكبوت التي { اتخذت } بيتاً ، فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول . والعنكبوت تقع على الواحد ، والجمع والمذكر والمؤنث ، وتجمع على عناكب وعنكبوتات ، وهي الدّويبة الصغيرة التي تنسج نسجاً رقيقاً . وقد يقال لها عكنبات ، ومنه قول الشاعر @ كأنما يسقط من لغامها بيت عكنبات على زمامها @@ { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ } لا بيت أضعف منه مما يتخذه الهوامّ بيتاً ، ولا يدانيه في الوهي والوهن شيء من ذلك { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أن اتخاذهم الأولياء من دون الله كاتخاذ العنكبوت بيتاً ، أو لو كانوا يعلمون شيئاً من العلم لعلموا بهذا { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْء } ما استفهامية ، أو نافية ، أو موصولة ، ومن للتبعيض أو مزيدة للتوكيد . وقيل إن هذه الجملة على إضمار القول ، أي قل للكافرين إن الله يعلم أيّ شيء يدعون من دونه . وحرّم أبو علي الفارسي بأنها استفهامية ، وعلى تقدير النفي كأنه قيل إن الله يعلم أنكم لا تدعون من دونه من شيء ، يعني ما تدعونه ليس بشيء ، وعلى تقدير الموصولة إن الله يعلم الذين تدعونهم من دونه ، ويجوز أن تكون " ما " مصدرية ، و { من شيء } عبارة عن المصدر . قرأ عاصم وأبو عمرو ويعقوب " يدعون " بالتحتية . واختار هذه القراءة أبو عبيد لذكر الأمم قبل هذه الآية . وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الغالب المصدر أفعاله على غاية الإحكام والإتقان . { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي هذا المثل ، وغيره من الأمثال التي في القرآن نضربها للناس تنبيهاً لهم ، وتقريباً لما بعد من أفهامهم { وَمَا يَعْقِلُهَا } أي يفهمها ويتعقل الأمر الذي ضربناها لأجله { إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } بالله الراسخون في العلم المتدبرون المتفكرون لما يتلى عليهم وما يشاهدونه . { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ } أي بالعدل ، والقسط مراعياً في خلقها مصالح عباده . وقيل المراد بالحق كلامه وقدرته ، ومحل { بالحق } النصب على الحال { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } أي لدلالة عظيمة وعلامة ظاهرة على قدرته ، وتفرّده بالإلٰهية ، وخص المؤمنين لأنهم الذين ينتفعون بذلك . { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي القرآن ، وفيه الأمر بالتلاوة للقرآن ، والمحافظة على قراءته مع التدبر لآياته والتفكر في معانيه { وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } أي دم على إقامتها ، واستمرّ على أدائها كما أمرت بذلك ، وجملة { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } تعليل لما قبلها ، والفحشاء ما قبح من العمل ، والمنكر ما لا يعرف في الشريعة ، أي تمنعه عن معاصي الله ، وتبعده منها ، ومعنى نهيها عن ذلك أن فعلها يكون سبباً للانتهاء ، والمراد هنا الصلوات المفروضة { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } أي أكبر من كل شيء ، أي أفضل من العبادات كلها بغير ذكر . قال ابن عطية وعندي أن المعنى ولذكر الله أكبر على الإطلاق ، أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ، فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك ، وكذلك يفعل ما لم يكن منه في الصلاة لأن الانتهاء لا يكون إلاّ من ذاكر لله مراقب له . وقيل ذكر الله أكبر من الصلاة في النهي عن الفحشاء ، والمنكر مع المداومة عليه . قال الفراء ، وابن قتيبة المراد بالذكر في الآية التسبيح ، والتهليل ، يقول هو أكبر وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء ، والمنكر . وقيل المراد بالذكر هنا الصلاة ، أي وللصلاة أكبر من سائر الطاعات ، وعبر عنها بالذكر كما في قوله { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } الجمعة 9 للدلالة على أن ما فيها من الذكر هو العمدة في تفضيلها على سائر الطاعات ، وقيل المعنى ولذكر الله لكم بالثواب والثناء عليكم منه أكبر من ذكركم له في عبادتكم وصلواتكم ، واختار هذا ابن جرير ، ويؤيده حديث " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } لا تخفى عليه من ذلك خافية ، فهو مجازيكم بالخير خيراً وبالشرّ شرّاً . { وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي إلاّ بالخصلة التي هي أحسن ، وذلك على سبيل الدعاء لهم إلى الله عزّ وجلّ والتنبيه لهم على حججه وبراهينه رجاء إجابتهم إلى الإسلام ، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } بأن أفرطوا في المجادلة ولم يتأدّبوا مع المسلمين فلا بأس بالإغلاظ عليهم والتخشين في مجادلتهم ، هكذا فسر الآية أكثر المفسرين بأن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى . وقيل معنى الآية لا تجادلوا من آمن بمحمد من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسائر من آمن منهم { إلاّ بالتي هي أحسن } يعني بالموافقة فيما حدّثوكم به من أخبار أهل الكتاب ، ويكون المراد بالذين ظلموا على هذا القول هم الباقون على كفرهم . وقيل هي الآية منسوخة بآيات القتال ، وبذلك قال قتادة ، ومقاتل . قال النحاس من قال هذه منسوخة ، احتج بأن الآية مكية ، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ، ولا طلب جزية ولا غير ذلك . قال سعيد بن جبير ومجاهد إن المراد بالذين ظلموا منهم الذين نصبوا القتال للمسلمين فجدالهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية { وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا } من القرآن { وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من التوراة والإنجيل ، أي آمنا بأنهما منزلان من عند الله ، وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإسلامية والبعثة المحمدية ، ولا يدخل في ذلك ما حرّفوه وبدّلوه { وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ } لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي ونحن معاشر أمة محمد مطيعون له خاصة ، لم نقل عزير ابن الله ، ولا المسيح ابن الله ، ولا اتخذنا أحبارنا ورهباننا أرباباً من دون الله ، ويحتمل أن يراد ونحن جميعاً منقادون له ، ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتمّ من انقياد أهل الكتاب وطاعتهم أبلغ من طاعاتهم . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاء } الآية قال ذاك مثل ضربه الله لمن عبد غيره أن مثله كمثل بيت العنكبوت . وأخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العنكبوت شيطان مسخها الله فمن وجدها فليقتلها " وأخرج ابن أبي حاتم عن مزيد بن ميسرة قال العنكبوت شيطان . وأخرج الخطيب عن عليّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دخلت أنا وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهنّ " وروى القرطبي في تفسيره عن عليّ أيضاً أنه قال طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيت يورث الفقر . وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني قال نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود ، والثانية على النبيّ صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } قال في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عمران بن حصين قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } فقال " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له " وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلاّ بعدًا " وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، والبيهقي في الشعب عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له " ، وفي لفظ " لم يزدد بها من الله إلاّ بعدا " وأخرج الخطيب عن ابن عمر مرفوعاً نحوه . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعاً نحوه . قال السيوطي وسنده ضعيف . وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد في الزهد ، وابن جرير وابن المنذر ، والطبراني والبيهقي في الشعب عنه نحوه موقوفاً . قال ابن كثير في تفسيره والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة والأعمش وغيرهم . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } يقول ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكرهم إياه . وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن ربيعة قال سألني ابن عباس عن قول الله { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } فقلت ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير قال لذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ، ثم قال { فاذكروني أذكركم } البقرة 152 . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير عن ابن مسعود { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } قال ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله . وأخرج ابن السني وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر نحوه . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال لها وجهان ذكر الله أكبر مما سواه ، وفي لفظ ذكر الله عندما حرّمه ، وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه . وأخرج أحمد في الزهد ، وابن المنذر عن معاذ بن جبل قال ما عمل آدميّ عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله ، قالوا ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا أن يضرب بسيفه حتى يتقطع ، لأن الله يقول في كتابه العزيز { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر ، والحاكم في الكنى ، والبيهقي في الشعب عن عنترة قال قلت لابن عباس أيّ العمَل أفضل ؟ قال ذكر الله . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله { وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } قال بلا إلٰه إلاّ الله . وأخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ، وإلٰهنا وإلٰهكم واحد ونحن له مسلمون " وأخرج البيهقي في الشعب ، والديلمي ، وأبو نصر السجزي في الإبانة عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، إما أن تصدّقوا بباطل ، أو تكذبوا بحق ، والله لو كان موسى حيًّا بين أظهركم ما حلّ له إلاّ أن يتبعني " وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن مسعود قال لا تسألوا أهل الكتاب ، وذكر نحو حديث جابر ، ثم قال فإن كنتم سائليهم لا محالة فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه .