Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 28-40)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلُوطاً } منصوب بالعطف على { نوحاً } ، أو على إبراهيم ، أو بتقدير اذكر . قال الكسائي المعنى وأنجينا لوطاً ، أو وأرسلنا لوطاً { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } ظرف للعامل في لوط { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر « أئنكم » بالاستفهام . وقرأ الباقون بلا استفهام . والفاحشة الخصلة المتناهية في القبح ، وجملة { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } مقرّرة لكمال قبح هذه الخصلة ، وأنهم منفردون بذلك لم يسبقهم إلى عملها أحد من الناس على اختلاف أجناسهم . ثم بيّن سبحانه هذه الفاحشة فقال { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ } أي تلوطون بهم { وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ } قيل إنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمرّ بهم من المسافرين ، فلما فعلوا ذلك ترك الناس المرور بهم ، فقطعوا السبيل بهذا السبب . قال الفراء كانوا يعترضون الناس في الطرق بعملهم الخبيث . وقيل كانوا يقطعون الطريق على المارّة بقتلهم ونهبهم . والظاهر أنهم كانوا يفعلون ما يكون سبباً لقطع الطريق من غير تقييد بسبب خاص ، وقيل إن معنى قطع الطريق قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } النادي والنديّ والمنتدى مجلس القوم ومتحدّثهم . واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه فقيل كانوا يحذفون الناس بالحصباء ، ويستخفون بالغريب . وقيل كانوا يتضارطون في مجالسهم ، وقيل كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضاً ، وقيل كانوا يلعبون بالحمام . وقيل كانوا يخضبون أصابعهم بالحناء . وقيل كانوا يناقرون بين الديكة ، ويناطحون بين الكباش . وقيل يلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات ، ولا مانع من أنهم كانوا يفعلون جميع هذه المنكرات . قال الزجاج وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المنكر وألا يجتمعوا على الهزؤ ، والمناهي . ولما أنكر لوط عليهم ما كانوا يفعلونه أجابوا بما حكى الله عنهم بقوله { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } أي فما أجابوا بشيء إلاّ بهذا القول رجوعاً منهم إلى التكذيب واللجاج والعناد ، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية ، وقد تقدّم في سورة النمل { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءَالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ } النمل 56 وتقدّم في سورة الأعراف { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ } الأعراف 82 وقد جمع بين هذه الثلاثة المواضع بأن لوطاً كان ثابتاً على الإرشاد ، ومكرّرًا للنهي لهم والوعيد عليهم ، فقالوا له أوّلاً { ائتنا بعذاب الله } كما في هذه الآية ، فلما كثر منه ذلك ، ولم يسكت عنهم قالوا { أخرجوهم } كما في الأعراف والنمل . وقيل إنهم قالوا أوّلاً { أخرجوهم من قريتكم } ثم قالوا ثانياً { ائتنا بعذاب الله } . ثم إن لوطاً لما يئس منهم طلب النصرة عليهم من الله سبحانه فقال { رَبّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ } بإنزال عذابك عليهم ، وإفسادهم هو بما سبق من إتيان الرجال وعمل المنكر في ناديهم ، فاستجاب الله سبحانه وبعث لعذابهم ملائكته وأمرهم بتبشير إبراهيم قبل عذابهم ، ولهذا قال { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ } أي بالبشارة بالولد وهو إسحاق ، وبولد الولد وهو يعقوب { قَالُواْ إِنَّآ مُهْلِكُو أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } أي قالوا لإبراهيم هذه المقالة . والقرية هي قرية سدوم التي كان فيها قوم لوط ، وجملة { إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } تعليل للإهلاك ، أي إهلاكنا لهم بهذا السبب { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً } أي قال لهم إبراهيم إن في هذه القرية التي أنتم مهلكوها لوطاً فكيف تهلكونها ؟ { قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا } من الأخيار والأشرار ، ونحن أعلم من غيرنا بمكان لوط { لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ } من العذاب . قرأ الأعمش وحمزة ويعقوب والكسائي « لننجينه » بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } أي الباقين في العذاب ، وهو لفظ مشترك بين الماضي والباقي ، وقد تقدّم تحقيقه ، وقيل المعنى من الباقين في القرية التي سينزل بها العذاب ، فتعذب من جملتهم ، ولا تنجو فيمن نجا . { وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمُ } أي لما جاءت الرسل لوطاً بعد مفارقتهم إبراهيم سيىء بهم أي جاءه ما ساءه ، وخاف منه لأنه ظنهم من البشر ، فخاف عليهم من قومه لكونهم في أحسن صورة من الصور البشرية ، و « أن » في { أن جاءت } زائدة للتأكيد { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } أي عجز عن تدبيرهم وحزن وضاق صدره ، وضيق الذراع كناية عن العجز ، كما يقال في الكناية عن الفقر ضاقت يده ، وقد تقدّم تفسير هذا مستوفى في سورة هود . ولما شاهدت الملائكة ما حلّ به من الحزن والتضجر ، قالوا { لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ } أي لا تخف علينا من قومك ، ولا تحزن فإنهم لا يقدرون علينا { إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ } من العذاب الذي أمرنا الله بأن ننزله بهم { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَـٰبِرينَ } أخبروا لوطاً بما جاؤوا به من إهلاك قومه وتنجيته وأهله إلاّ امرأته كما أخبروا بذلك إبراهيم ، قرأ حمزة والكسائي وشعبة ويعقوب والأعمش « منجوك » بالتخفيف . وقرأ الباقون بالتشديد . قال المبرد الكاف في { منجوك } مخفوض ولم يجز عطف الظاهر على المضمر المخفوض ، فحمل الثاني على المعنى وصار التقدير وننجي أهلك { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مّنَ ٱلسَّمَاء } هذه الجملة مستأنفة لبيان هلاكهم المفهوم من تخصيص التنجية به وبأهله . والرجز العذاب ، أي عذاباً من السماء ، وهو الرمي بالحجارة ، وقيل إحراقهم بنار نازلة من السماء . وقيل هو الخسف والحصب كما في غير هذا الموضع ، ومعنى كون الخسف من السماء أن الأمر به نزل من السماء . قرأ ابن عامر « منزّلون » بالتشديد . وبها قرأ ابن عباس . وقرأ الباقون بالتخفيف ، والباء في { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } للسببية ، أي لسبب فسقهم { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا ءايَةً بَيّنَةً } أي أبقينا من القرية علامة ودلالة بينة وهي الآثار التي بها من الحجارة رجموا بها ، وخراب الديار . وقال مجاهد هو الماء الأسود الباقي على وجه أرضهم ، ولا مانع من حمل الآية على جميع ما ذكر ، وخص من يعقل ، لأنه الذي يفهم أن تلك الآثار عبرة يعتبر بها من يراها . { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً } أي وأرسلناه إليهم ، وقد تقدّم ذكره وذكر نسبه وذكر قومه في سورة الأعراف وسورة هود { قَالَ يَـاقَوْم ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي أفردوه بالعبادة ، وخصوه بها { وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } أي توقعوه ، وافعلوا اليوم من الأعمال ما يدفع عذابه عنكم . قال يونس النحوي معناه اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } العُثْو ، والعثْي أشدّ الفساد . وقد تقدّم تفسيره { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي الزلزلة ، وتقدّم في سورة هود { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } هود 67 أي صيحة جبريل ، وهي سبب الرجفة { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } أي أصبحوا في بلدهم أو منازلهم جاثمين على الركب ميتين . { وَعَاداً وَثَمُودَاْ } قال الكسائي قال بعضهم هو راجع إلى أوّل السورة ، أي ولقد فتنا الذين من قبلهم وفتنا عادًا وثمود ، قال وأحبّ إليّ أن يكون على { فأخذتهم الرجفة } أي وأخذت عاداً وثمود . وقال الزجاج التقدير ، وأهلكنا عادًا وثمود . وقيل المعنى واذكر عادًا وثمود إذ أرسلنا إليهم هوداً وصالحاً { وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مّن مَّسَـٰكِنِهِمْ } أي وقد ظهر لكم يا معاشر الكفار من مساكنهم بالحجر ، والأحقاف آيات بينات تتعظون بها ، وتتفكرون فيها ، ففاعل تبين محذوف { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } التي يعملونها من الكفر ، ومعاصي الله { فَصَدَّهُمْ } بهذا التزيين { عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي الطريق الواضح الموصل إلى الحق { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } أي أهل بصائر يتمكنون بها من معرفة الحق بالاستدلال . قال الفراء كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم . وقيل المعنى كانوا مستبصرين في كفرهم وضلالتهم معجبين بها يحسبون أنهم على هدى ، ويرون أن أمرهم حقّ ، فوصفهم بالاستبصار على هذا باعتبار ما عند أنفسهم . { وَقَـٰرُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ } قال الكسائي إن شئت كان محمولاً على { عادًا } وكان فيه ما فيه ، وإن شئت كان على { فصدّهم عن السبيل } أي وصدّ قارون وفرعون وهامان . وقيل التقدير وأهلكنا هؤلاء بعد أن جاءتهم الرسل { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } عن عبادة الله { وَمَا كَانُواْ سَـٰبِقِينَ } أي فائتين ، يقال سبق طالبه إذا فاته وقيل وما كانوا سابقين في الكفر ، بل قد سبقهم إليه قرون كثيرة . { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } أي عاقبنا بكفره وتكذيبه . قال الكسائي { فكلاًّ أخذنا } أي فأخذنا كلاًّ بذنبه { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أي ريحاً تأتي بالحصباء ، وهي الحصى الصغار فترجمهم بها ، وهم قوم لوط { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } وهم ثمود وأهل مدين { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } وهو قارون وأصحابه { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } وهم قوم نوح وقوم فرعون { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } بما فعل بهم ، لأنه قد أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } باستمرارهم على الكفر وتكذيبهم للرسل وعملهم بمعاصي الله . وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } قال مجلسكم . وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد ، والترمذي وحسنه ، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن أمّ هانىء بنت أبي طالب قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } قال " كانوا يجلسون بالطريق فيحذفون أبناء السبيل ويسخرون منهم " قال الترمذي بعد إخراجه ، وتحسينه ولا نعرفه إلاّ من حديث حاتم بن أبي صغيرة عن سماك . وأخرج ابن مردويه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف ، وهو قول الله سبحانه { وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } . وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال هو الحذف . وأخرج عبد ابن حميد عن ابن عباس مثله . وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة في الآية قالت الضراط . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } قال الصيحة ، وفي قوله { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } قال في الضلالة . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } قال قوم لوط { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } قال ثمود { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } قال قارون { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } قال قوم نوح .