Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 110-112)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هذه الأمة في الفضل على غيرها من الأمم ، و " كان " قيل هي التامة ، أي وجدتم ، وخلقتم خير أمة ، ومثله ما أنشده سيبويه @ وَجِيرانٍ لَنا كَانُوا كرام @@ ومنه قوله تعالى { كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِى ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } مريم 29 وقوله { وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } الأعراف 86 . وقال الأخفش يريد أهل أمة أي خير أهل دين ، وأنشد @ فحلفتُ فلم أتْركْ لِنَفْسِك رِيبةً وَهَلْ يْأثَمَنْ ذُو أمَّةٍ وَهُوطَائِعَ @@ وقيل معناه كنتم في اللوح المحفوظ ، وقيل كنتم منذ آمنتم . وفيه دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق ، وأن هذه الخيرية مشتركة ما بين أول هذه الأمة ، وآخرها بالنسبة إلى غيرها من الأمم ، وإن كانت متفاضلة في ذات بينها . كما ورد في فضل الصحابة على غيرهم . قوله { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } أي أظهرت لهم . وقوله { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } الخ كلام مستأنف يتضمن بيان كونهم خير أمة مع ما يشتمل عليه من أنهم خير أمة ما أقاموا على ذلك ، واتصفوا به ، فإذا تركوا الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر زال عنهم ذلك ، ولهذا قال مجاهد إنهم خير أمة على الشرائط المذكورة في الآية ، وهذا يقتضي أن يكون تأمرون ، وما بعده في محل نصب على الحال أي كنتم خير أمة حال كونكم آمرين ناهين مؤمنين بالله ، وبما يجب عليكم الإيمان به من كتابه ، ورسوله ، وما شرعه لعباده ، فإنه لا يتم الإيمان بالله سبحانه إلا بالإيمان بهذه الأمور . قوله { وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي اليهود إيماناً كإيمان المسلمين بالله ، ورسله وكتبه { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل قالوا نؤمن ببعض الكتاب ، ونكفر ببعض ، ثم بين حال أهل الكتاب بقوله { مّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } وهم الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فإنهم آمنوا بما أنزل عليه ، وما أنزل من قبله { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } أي الخارجون عن طريق الحق المتمردون في باطلهم المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولما جاء به ، فيكون هذا التفصيل على هذا كلاماً مستأنفاً جواباً ، عن سؤال مقدر ، كأنه قيل هل منهم من آمن فاستحق ما وعده الله . قوله { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } أي لن يضروكم بنوع من أنواع الضرر إلا بنوع الأذى ، وهو الكذب ، والتحريف ، والبهت ، ولا يقدرون على الضرر الذي هو الضرر في الحقيقة بالحرب ، والنهب ، ونحوهما ، فالاستثناء مفرغ ، وهذا وعد من الله لرسوله ، وللمؤمنين أن أهل الكتاب لا يغلبونهم ، وأنهم منصورون عليهم ، وقيل الاستثناء منقطع . والمعنى لن يضروكم ألبتة لكي يؤذونكم ، ثم بين سبحانه ما نفاه من الضرر بقوله { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأدُبَارَ } أي ينهزمون ولا يقدرون على مقاومتكم فضلاً عن أن يضروكم . وقوله { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } عطف على الجملة الشرطية ، أي ثم لا يوجد لهم نصر ، ولا يثبت لهم غلب في حال من الأحوال ، بل شأنهم الخذلان ما داموا . وقد وجدنا ما وعدنا سبحانه حقاً ، فإن اليهود لم تخفق لهم راية نصر ، ولا اجتمع لهم جيش غلب بعد نزول هذه الآية ، فهي من معجزات النبوة . قوله { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ } قد تقدم في البقرة معنى هذا التركيب . والمعنى صارت الذلة محيطة بهم في كل حال ، وعلى كل تقدير في أي مكان وجدوا { إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ } أي إلا أن يعتصموا بحبل من الله ، قاله الفراء أي بذمة الله ، أو بكتابه { وَحَبْلٍ مّنَ ٱلنَّاسِ } أي بذمة من الناس ، وهم المسلمون ، وقيل المراد بالناس النبي صلى الله عليه وسلم { وَبَاءوا } أي رجعوا { بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ } وقيل احتملوا ، وأصل معناه في اللغة اللزوم ، والاستحقاق ، أي لزمهم غضب من الله هم مستحقون له . ومعنى ضرب المسكنة إحاطتها بهم من جميع الجوانب ، وهكذا حال اليهود ، فإنهم تحت الفقر المدقع ، والمسكنة الشديدة إلا النادر الشاذ منهم . والإشارة بقوله { ذلك } إلى ما تقدم من ضرب الذلة ، والمسكنة ، والغضب ، أي وقع عليهم ذلك بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، ويقتلون الأنبياء بغير حق ، والإشارة بقوله { ذلك } إلى الكفر ، وقتل الأنبياء بسبب عصيانهم لله ، واعتدائهم لحدوده . ومعنى الآية أن الله ضرب عليهم الذلة ، والمسكنة ، والبواء بالغضب منه لكونهم كفروا بآياته ، وقتلوا أنبياءه بسبب عصيانهم ، واعتدائهم . وقد أخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأحمد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس في قوله { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } قال هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في الآية قال قال عمر بن الخطاب لو شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا ، ولكن قال { كنتم } في خاصة أصحاب محمد ، ومن صنعهم مثل صنعهم كانوا خير أمة أخرجت للناس ، وفي لفظ عنه أنه قال يكون لأولنا ، ولا يكون لآخرنا . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة قال ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ، ثم قال يا أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة ، فليؤد شرط الله منها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عكرمة في الآية قال نزلت في ابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل . وأخرج البخاري ، وغيره ، عن أبي هريرة في الآية قال خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وأحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، عن معاوية بن حيدة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الآية " إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها ، وأكرمها " وروى من حديث معاذ ، وأبي سعيد نحوه . وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين ، وغيرهما أنه يدخل من هذه الأمة الجنة سبعون ألفاً بغير حساب ، ولا عذاب ، وهذا من فوائد كونها خير الأمم . وأخرج ابن جرير عن الحسن { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } قال تسمعون منهم كذباً على الله بدعوتكم إلى الضلالة . وأخرج أيضاً ، عن ابن جريج قال إشراكهم في عزير ، وعيسى ، والصليب . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن ، وقتادة { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ } قالا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون . وروى ابن المنذر ، عن الضحاك نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ ٱلنَّاسِ } قال بعهد من الله ، وعهد من الناس .