Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 104-109)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَلْتَكُن } قرأه الجمهور بإسكان اللام ، وقرىء بكسر اللام على الأصل ، و " من " في قوله { مّنكُمْ } للتبعيض ، وقيل لبيان الجنس . ورجح الأوّل بأن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر من فروض الكفايات يختص بأهل العلم الذين يعرفون كون ما يأمرون به معروفاً ، وينهون عنه منكراً . قال القرطبي الأوّل أصح ، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر فرض على الكفاية ، وقد عينهم الله سبحانه بقوله { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلاْرْضِ } الآية الحج 41 . وقرأ ابن الزبير " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم " قال أبو بكر بن الأنباري وهذه الزيادة تفسير من ابن الزبير ، وكلام من كلامه غلط فيه بعض الناقلين ، فألحقه بألفاظ القرآن . وقد روى أن عثمان قرأها كذلك ، ولكن لم يكتبها في مصحفه ، فدل على أنها ليست بقرآن . وفي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ووجوبه ثابت بالكتاب ، والسنة ، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة ، وأصل عظيم من أصولها ، وركن مشيد من أركانها ، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها . وقوله { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } من باب عطف الخاص على العام ، إظهاراً لشرفهما ، وأنهما الفردان الكاملان من الخير الذي أمر الله عباده بالدعاء إليه ، كما قيل في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة ، وحذف متعلق الأفعال الثلاثة ، أي يدعون ، ويأمرون ، وينهون لقصد التعميم ، أي كل من وقع منه سبب يقتضي ذلك ، والإشارة في قوله { وَأُوْلـئِكَ } ترجع إلى الأمة باعتبار اتصافها بما ذكر بعدها { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي المختصون بالفلاح ، وتعريف المفلحين للعهد ، أو للحقيقة التي يعرفها كل أحد . قوله { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ } هم اليهود والنصارى عند جمهور المفسرين ، وقيل هم المبتدعة من هذه الأمة ، وقيل الحرورية ، والظاهر الأول . والبينات الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة لعدم الاختلاف . قيل وهذا النهي عن التفرق ، والاختلاف يختص بالمسائل الأصولية ، وأما المسائل الفروعية الاجتهادية ، فالاختلاف فيها جائز ، وما زال الصحابة ، فمن بعدهم من التابعين ، وتابعيهم مختلفين في أحكام الحوادث ، وفيه نظر ، فإنه ما زال في تلك العصور المنكر للاختلاف موجوداً وتخصيص بعض مسائل الدين بجواز الاختلاف فيها دون البعض الآخر ليس بصواب ، فالمسائل الشرعية متساوية الاقدام في انتسابها إلى الشرع . وقوله { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ } منتصب بفعل مضمر أي اذكر ، وقيل بما يدل عليه قوله { لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فإن تقديره استقر لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه ، أي يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم تكون وجوه المؤمنين مبيضة ، ووجوه الكافرين مسودة . ويقال إن ذلك عند قراءة الكتاب إذا قرأ المؤمن كتابه رأى حسناته ، فاستبشر وابيض وجهه ، وإذا قرأ الكافر كتابه رأى سيئاته ، فحزن واسودّ وجهه ، والتنكير في وجوه للتكثير ، أي وجوه كثيرة . وقرأ يحيـى بن وثاب " تبيض " ، و " تسود " بكسر التاءين . وقرأ الزهري تبياض ، وتسواد . قوله { أَكْفَرْتُمْ } أي فيقال لهم أكفرتم ، والهمزة للتوبيخ ، والتعجيب من حالهم ، وهذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإجمال ، وقدم بيان حال الكافرين لكون المقام مقام تحذير وترهيب ، قيل هم أهل الكتاب ، وقيل المرتدون ، وقيل المنافقون ، وقيل المبتدعون . قوله { فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ } أي في جنته ودار كرامته ، عبر عن ذلك بالرحمة إشارة إلى أن العمل لا يستقل بدخول صاحبه الجنة ، بل لا بد من الرحمة ، ومنه حديث " لن يدخل أحد الجنة بعمله " وهو في الصحيح . وقوله { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } جملة استئنافية جواب سؤال مقدر . وتلك إشارة إلى ما تقدم من تعذيب الكافرين ، وتنعيم المؤمنين . وقوله { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقّ } جملة حالية ، وبالحق متعلق بمحذوف ، أي متلبسة بالحق ، وهو العدل . وقوله { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعَـٰلَمِينَ } جملة تذييلية مقررة لمضمون ما قبلها ، وفي توجه النفي إلى الإرادة الواقعة على النكرة دليل على أنه سبحانه لا يريد فرداً من أفراد الظلم الواقعة على فرد من أفراد العالم . والمراد بما في السموات ، وما في الأرض مخلوقاته سبحانه ، أي له ذلك يتصرف فيه كيف يشاء ، وعلى ما يريد ، وعبر بـ " ما " تغليباً لغير العقلاء على العقلاء لكثرتهم ، أو لتنزيل العقلاء منزلة غيرهم . قال المهدوي وجه اتصال هذا بما قبله أنه لما ذكر أحوال المؤمنين ، والكافرين ، وأنه لا يريد ظلماً للعالمين ، وصله بذكر اتساع قدرته ، وغناه عن الظلم لكون ما في السموات ، وما في الأرض في قبضته ، وقيل هو ابتداء كلام يتضمن البيان لعباده بأن جميع ما في السموات ، وما في الأرض له حتى يسألوه ، ويعبدوه ، ولا يعبدوا غيره . وقوله { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلامُورُ } أي لا إلى غيره ، لا شركة ، ولا استقلالاً . وقد أخرج ابن مردويه ، عن أبي جعفر الباقر قال « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } قال " الخير اتباع القرآن وسنتي " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال كل آية ذكرها الله في القرآن في الأمر بالمعروف ، فهو الإسلام ، والنهي عن المنكر ، فهو عبادة الأوثان ، والشيطان . انتهى . وهو تخصيص بغير مخصص ، فليس في لغة العرب ، ولا في عرف الشرع ما يدل على ذلك . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان قال { يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } أي الإسلام { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } بطاعة ربهم { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } عن معصية ربهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن الضحاك في الآية قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهم الرواة . انتهى . ولا أدري ما وجه هذا التخصيص ، فالخطاب في هذه الآية ، كالخطاب بسائر الأمور التي شرعها الله لعباده ، وكلفهم بها . انتهى . وأخرج أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والحاكم ، عن معاوية ، مرفوعاً نحوه ، وزاد " كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة " وأخرج الحاكم ، عن عبد الله بن عمرو ، مرفوعاً نحوه أيضاً ، وزاد " كلها في النار إلا ملة واحدة ، " فقيل له ما الواحدة ؟ قال " ما أنا عليه اليوم ، وأصحابي " وأخرج ابن ماجه عن عوف بن مالك ، مرفوعاً نحوه ، وفيه « فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار ، قيل يا رسول الله من هم ؟ قال الجماعة » وأخرجه أحمد من حديث أنس ، وفيه « قيل يا رسول الله من تلك الفرقة ؟ قال الجماعة » . وقد وردت آيات ، وأحاديث كثيرة في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وفي الأمر بالكون في الجماعة ، والنهي عن الفرقة . وأخرج ابن أبي حاتم ، والخطيب ، عن ابن عباس في قوله { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ } قال تبيض وجوه أهل السنة ، والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدع ، والضلالة . وأخرجه الخطيب ، والديلمي ، عن ابن عمر مرفوعاً وأخرجه أيضاً مرفوعاً أبو نصر السَّجْزي في الإبانة عن أبي سعيد . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي بن كعب في الآية قال صاروا فرقتين يوم القيامة ، يقال لمن اسود وجهه أكفرتم بعد إيمانكم ؟ فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة واحدة ، وأما الذين ابيضت وجوههم فهم الذين استقاموا على إيمانهم ، وأخلصوا له الدين فبيض الله وجوههم ، وأدخلهم في رضوانه ، وجنته ، وقد روى غير ذلك .