Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 121-129)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
العامل في « إذ » فعل محذوف ، أي واذكر إذ غدوت من منزل أهلك ، أي من المنزل الذي فيه أهلك . وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية نزلت في غزوة أحد . وقال الحسن في يوم بدر . وقال مجاهد ، ومقاتل ، والكلبي في غزوة الخندق . قوله { تُبَوّىء } أي تتخذ لهم مقاعد للقتال ، وأصل التبوّء اتخاذ المنزل ، يقال بوّأته منزلاً إذا أسكنته إياه ، والفعل في محل نصب على الحال . ومعنى الآية واذكر إذ خرجت من منزل أهلك تتخذ للمؤمنين مقاعد للقتال ، أي أماكن يقعدون فيها ، وعبر عن الخروج بالغدوّ الذي هو الخروج غدوة مع كونه صلى الله عليه وسلم خرج بعد صلاة الجمعة ، كما سيأتي لأنه قد يعبر بالغدوّ ، والرواح ، عن الخروج ، والدخول من غير اعتبار أصل معناهما ، كما يقال ، أضحى ، وإن لم يكن في وقت الضحى . قوله { إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } هو بدل من { إذ غدوت } ، أو متعلق بقوله { تبوّىء } ، أو بقوله { سميع عليم } ، والطائفتان بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وكانا جناحي العسكر يوم أحد ، والفشل الجبن ، وَالْهَمُّ من الطائفتين كان بعد الخروج ، لما رجع عبد الله بن أبيّ بمن معه من المنافقين ، فحفظ الله قلوب المؤمنين ، فلم يرجعوا ، وذلك قوله { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } . قوله { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } جملة مستأنفة سيقت لتصبيرهم بتذكير ما يترتب على الصبر من النصر . وبدر اسم لماء كان في موضع الوقعة ، وقيل هو اسم الموضع نفسه ، وسيأتي سياق قصة بدر في الأنفال إن شاء الله . وأذلة جمع قلة ، ومعناه أنهم كانوا بسبب قلتهم أذلة ، وهو جمع ذليل استعير للقلة ، إذ لم يكونوا في أنفسهم أذلة ، بل كانوا أعزة . والنصر العون . وقد شرح أهل التواريخ ، والسير غزوة بدر وأحد بأتم شرح ، فلا حاجة لنا في سياق ذلك هاهنا . قوله { إِذْ تَقُولُ } متعلق بقوله { نَصَرَكُمُ } والهمزة في قوله { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ } للإنكار منه عليهم عدم اكتفائهم بذلك المدد من الملائكة ، ومعنى الكفاية سدّ الخلة ، والقيام بالأمر ، والإمداد في الأصل إعطاء الشيء حالاً بعد حال ، والمجيء بـ " لن " لتأكيد النفي ، وأصل الفور القصد إلى الشيء ، والأخذ فيه بجدّ ، وهو من قولهم فارت القدر تفور فوراً ، وفوراناً . إذا غلت ، والفور الغليان ، وفار غضبه إذا جاش ، وفعله من فوره أي قبل أن يسكن ، والفوّارة ما يفور من القدر ، استعير للسرعة ، أي إن يأتوكم من ساعتهم هذه يمددكم ربكم بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر عن ذلك . قوله { مُسَوّمِينَ } بفتح الواو اسم مفعول ، وهي قراءة ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، ونافع أي معلمين بعلامات . وقرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، وعاصم { مسومين } بكسر الواو اسم فاعل ، أي معلمين أنفسهم بعلامة . ورجح ابن جرير هذه القراءة ، والتسويم إظهار سيما الشيء . قال كثير من المفسرين { مُسَوّمِينَ } أي مرسلين خيلهم في الغارة ، وقيل إن الملائكة اعتمت بعمائم بيض ، وقيل حمر ، وقيل خضر ، وقيل صفر ، فهذه هي العلامة التي علموا بها أنفسهم حكى ذلك عن الزجاج ، وقيل كانوا على خيل بلق ، وقيل غير ذلك . قوله { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ } كلام مبتدأ غير داخل في مقول القول ، والضمير في قوله { جعله } للإمداد المدلول عليه بالفعل ، أو للتسويم ، أو للإنزال ، ورجح الأوّل الزجاج ، وصاحب الكشاف . وقوله { إِلاَّ بُشْرَىٰ } استثناء مفرّغ من أعم العام ، والبشرى اسم من البشارة ، أي إلا لتبشروا بأنكم تنصرون ، ولتطمئن قلوبكم به ، أي بالإمداد ، واللام لام كي ، جعل الله ذلك الإمداد بشرى بالنصر ، وطمأنينة للقلوب ، وفي قصر الإمداد عليهما إشارة إلى عدم مباشرة الملائكة للقتال يومئذ { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } لا من عند غيره ، فلا تنفع كثرة المقاتلة ، ووجود العدة . قوله { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } متعلق بقوله { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } وقيل متعلق بقوله { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } وقيل متعلق بقوله { يُمْدِدْكُمْ } والطرف الطائفة ، والمعنى نصركم الله ببدر ليقطع طائفة من الكفار ، وهم الذين قتلوا يوم بدر ، أو وما النصر إلا من عند الله ليقطع تلك الطائفة ، أو يمددكم ليقطع . ومعنى يكبتهم يحزنهم ، والمكبوت المحزون . وقال بعض أهل اللغة معناه يكبدهم ، أي يصيبهم بالحزن ، والغيظ في أكبادهم ، وهو غير صحيح ، فإن معنى كبت أحزن ، وأغاظ ، وأذل ، ومعنى كبد أصاب الكبد { فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ } أي غير ظافرين بمطلبهم . قوله { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأمْرِ شَىْء } جملة اعتراضية بين المعطوف ، والمعطوف عليه ، أي أن الله مالك أمرهم يصنع بهم ما يشاء من الإهلاك ، أو الهزيمة ، أو التوبة إن أسلموا ، أو العذاب ، فقوله { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ } عطف على قوله ، أو يكبتهم ، وقال الفراء إنّ " أو " بمعنى " إلا أن " ، بمعنى ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم ، فتفرح بذلك ، أو يعذبهم فتشفى بهم . قوله { وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } كلام مستأنف لبيان سعة ملكه { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أن يغفر له { وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } أن يعذبه يفعل في ملكه ما يشاء ، ويحكم ما يريد { لاَّ يُسْـئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ } الأنبياء 23 وفي قوله { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه ، وتبشير لعباده بأنه المتصف بالمغفرة ، والرحمة على وجه المبالغة ، وما أوقع هذا التذييل الجليل وأحبه إلى قلوب العارفين بأسرار التنزيل . وقد أخرج ابن إسحاق ، والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، والحصين بن عبد الرحمن بن أسعد بن معاذ قالوا كان يوم أحد يوم بلاء ، وتمحيص ، اختبر الله به المؤمنين ، ومحق به المنافقين ممن كان يظهر الإسلام بلسانه ، وهو مستخف بالكفر ، ويوم أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته . وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومه ذلك ، ومعاتبة من عاتب منهم ، يقول الله لنبيه { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ … } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ … } الآية قال يوم أحد . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال توطن . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن أن الآية في يوم الأحزاب . وقد ورد في كتب السير ، والتاريخ كيفية الاختلاف في المشورة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد ، فمن قائل نخرج إليهم ، ومن قائل نبقى في المدينة ، فخرج ، وكان من جملة المشيرين عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين ، كان رأيه البقاء في المدينة ، والمقاتلة فيها ، ثم لما خولف في رأيه انخذل بمن معه من المنافقين ، وهم قدر الثلث من القوم الذين خرج بهم النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن جابر قال فينا نزلت في بني حارثة ، وبني سلمة { إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } وما يسرني أنها لم تنزل لقوله { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ } قال ذلك يوم أحد . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال هم بنو حارثة ، وبنو سلمة . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } إلى { ثلاثة آلاف مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُنزَلِينَ } في قصة بدر . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ } يقول وأنتم قليل ، وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يمدّ المشركين فشق ذلك عليهم ، فأنزل الله { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ ربكم بثلاثة آلاف } إلى قوله { مُسَوّمِينَ } قال فبلغت كرزاً ، فلم يمد المشركين ، ولم يمدّ المسلمين بالخمسة . وأخرج ابن جرير عن الشعبي لما كان يوم بدر بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه إلا أنه قال { وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } يعني كرزاً ، وأصحابه { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُسَوّمِينَ } فبلغ كرزاً ، وأصحابه الهزيمة ، فلم يمدهم ، ولم ينزل الخمسة ، وأمدّوا بعد ذلك بألف ، فهم أربعة آلاف . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في الآية قال أمدّوا بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف ، وذلك يوم بدر . وأخرج ابن جرير ، عن عكرمة في قوله { بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } الآية ، قال هذا يوم أحد ، فلم يصبروا ، ولم يتقوا ، فلم يمدّوا يوم أحد ، ولو أمدّوا لم ينهزموا يومئذ . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } يقول من سفرهم هذا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عكرمة { من فورهم } قال من وجههم . وأخرج ابن جرير عن الحسن ، والربيع ، وقتادة ، والسديّ مثله ، وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد من فورهم قال من غضبهم . وأخرجا عن أبي صالح مولى أم هانىء مثله . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس . قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { مُسَوّمِينَ } قال معلّمين ، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سوداء ، ويوم أحد عمائم حمراء . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجراً بها ، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر . وأخرج ابن إسحاق ، والطبراني عن ابن عباس قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء ، قد أرسلوها في ظهورهم ، ويوم حنين عمائم حمراء ، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون عدداً ، ومدداً لا يضربون . وفي بيان التسويم عن السلف اختلاف كثير لا يتعلق به كثير فائدة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال قطع الله يوم بدر طرفاً من الكفار ، وقتل صناديدهم ، ورءوسهم ، وقادتهم في الشرّ . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم في قوله { لِيَقْطَعَ طَرَفاً } قال هذا يوم بدر قطع الله طائفة منهم ، وبقيت طائفة . وأخرج ابن جرير ، عن السديّ قال ذكر الله قتلى المشركين بأحد ، وكانوا ثمانية عشر رجلاً ، فقال { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ثم ذكر الله الشهداء ، فقال { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً } آل عمران 169 . وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } قال يحزنهم . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة ، والربيع مثله . وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج في وجهه حتى سال الدم ، فقال " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ " فأنزل الله { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأمْرِ شَىْء … } الآية . وقد روي هذا المعنى في روايات كثيرة . وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما ، عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد " اللهم العن أبا سفيان ، اللهمّ العن الحارث بن هشام ، اللهمّ العن سهيل بن عمرو ، اللهمّ العن صفوان بن أمية ، " فنزلت هذه الآية { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأمْرِ شَىْء } » . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد ، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع " اللهمّ أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ، " يجهر بذلك . وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر " اللهمّ العن فلاناً ، وفلاناً لأحياء من أحياء العرب ، " حتى أنزل الله { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأمْرِ شَىْء } وفي لفظ " اللهم العن لحيان ، ورعلا ، وذكوان ، وعصية عصت الله ورسوله ، " ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأمْرِ شَىْء } الآية .