Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 130-136)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { يا أيها الذين آمنوا } قيل هو كلام مبتدأ للترهيب ، والترغيب فيما ذكر وقيل هو اعتراض بين أثناء قصة أحد . وقوله { أَضْعَـٰفاً مُّضَـٰعَفَةً } ليس لتقييد النهي لما هو معلوم من تحريم الربا على كل حال ، ولكنه جيء به باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا ، فإنهم كانوا يربون إلى أجل ، فإذا حل الأجل زادوا في المال مقداراً يتراضون عليه ، ثم يزيدون في أجل الدّين ، فكانوا يفعلون ذلك مرّة بعد مرّة حتى يأخذ المربي أضعاف دينه الذي كان له في الابتداء وأضعافاً حال ، ومضاعفة نعت له ، وفيه إشارة إلى تكرار التضعيف عاماً بعد عام ، والمبالغة في هذه العبارة تفيد تأكيد التوبيخ . قوله { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } فيه الإرشاد إلى تجنب ما يفعله الكفار في معاملاتهم . قال كثير من المفسرين وفيه أنه يكفر من استحلّ الربا ، وقيل معناه اتقوا الربا الذي ينزع منكم الإيمان ، فتستوجبون النار ، وإنما خصّ الربا في هذه الآية لأنه الذي توعد الله عليه بالحرب منه لفاعله . وقوله { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } حذف المتعلق مشعر بالتعميم ، أي في كل أمر ، ونهي { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي راجين الرحمة من الله عز وجلّ . وقوله { وَسَارِعُواْ } عطف على أطيعوا ، وقرأ نافع ، وابن عامر " سارعوا " بغير واو ، وكذلك في مصاحف أهل المدينة ، وأهل الشام ، وقرأ الباقون بالواو . قال أبو علي كلا الأمرين سائغ مستقيم . والمسارعة المبادرة ، وفي الآية حذف ، أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة من الطاعات . وقوله { عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلاْرْضُ } أي عرضها ، كعرض السموات ، والأرض ، ومثله الآية الأخرى { عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ } الحديد 21 وقد اختلف في معنى ذلك ، فذهب الجمهور إلى أنها تقرن السموات ، والأرض بعضها إلى بعض ، كما تبسط الثياب ، ويوصل بعضها إلى بعض ، فذلك عرض الجنة ، ونبه بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض ، وقيل إن هذا الكلام جاء على نهج كلام العرب من الاستعارة دون الحقيقة ، وذلك أنها ما كانت الجنة من الاتساع ، والانفساح في غاية قصوى ، حسن التعبير عنها بعرض السموات ، والأرض مبالغة لأنهما أوسع مخلوقات الله سبحانه فيما يعلمه عباده ، ولم يقصد بذلك التحديد . والسراء اليسر ، والضراء العسر . وقد تقدّم تفسيرهما ، وقيل السراء الرخاء ، والضراء الشدّة ، وهو مثل الأول ، وقيل السراء في الحياة ، والضراء بعد الموت . قوله { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } يقال كظم غيظه أي سكت عليه ، ولم يظهره ، ومنه كظمت السقاء أي ملأته . والكظامة ما يسد به مجرى الماء ، وكظم البعير جرّته إذا ردّها في جوفه ، وهو عطف على الموصول الذي قبله . قوله { وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } أي التاركين عقوبة من أذنب إليهم ، واستحق المؤاخذة ، وذلك من أجل ضروب الخير وظاهره العفو عن الناس سواء كانوا من المماليك أم لا . وقال الزجاج وغيره المراد بهم المماليك . واللام في { المحسنين } يجوز أن تكون للجنس ، فيدخل فيه كل محسن من هؤلاء ، وغيرهم ، ويجوز أن تكون للعهد ، فيختص بهؤلاء ، والأوّل أولى اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السياق ، فيدخل تحته كل من صدر منه مسمى الإحسان ، أيّ إحسان كان . قوله { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } هذا مبتدأ ، وخبره { أُوْلَـٰئِكَ } وقيل معطوف على المتقين . والأوّل أولى ، وهؤلاء هم صنف دون الصنف الأوّل ملحقين بهم ، وهم التوّابون ، وسيأتي ذكر سبب نزولها ، والفاحشة وصف لموصوف محذوف ، أي فعلة فاحشة ، وهي تطلق على كل معصية . وقد كثر اختصاصها بالزنا . وقوله { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } أي باقتراف ذنب من الذنوب ، وقيل " أو " بمعنى الواو . والمراد ما ذكر ، وقيل الفاحشة الكبيرة ، وظلم النفس الصغيرة وقيل غير ذلك . قوله { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } أي بألسنتهم ، أو أخطروه في قلوبهم ، أو ذكروا وعده ، ووعيده { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } أي طلبوا المغفرة لها من الله سبحانه ، وتفسيره بالتوبة خلاف معناه لغة ، وفي الاستفهام بقوله { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } من الإنكار مع ما يتضمنه من الدلالة على أنه المختص بذلك سبحانه دون غيره ، أي لا يغفر جنس الذنوب أحد إلا الله ، وفيه ترغيب لطلب المغفرة منه سبحانه ، وتنشيط للمذنبين أن يقفوا في مواقف الخضوع ، والتذلل ، وهذه الجملة اعتراضية بين المعطوف ، والمعطوف عليه . وقوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } عطف على فاستغفروا ، أي لم يقيموا على قبيح فعلهم . وقد تقدّم تفسير الإصرار . والمراد به هنا العزم على معاودة الذنب ، وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه . وقوله { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } جملة حالية ، أي لم يصروا على فعلهم عالمين بقبحه . قوله { أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ } الإشارة إلى المذكورين بقوله { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } . وقوله { جَزَآؤُهُمْ } بدل اشتمال من اسم الإشارة . وقوله { مَغْفِرَةٌ } خبر { مِنْ رَّبِّهِمْ } متعلق بمحذوف وقع صفة لمغفرة ، أي كائنة من ربهم . وقوله { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } المخصوص بالمدح محذوف ، أي أجرهم ، أو ذلك المذكور . وقد تقدّم تفسير الجنات ، وكيفية جري الأنهار من تحتها . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، قال كانوا يتبايعون إلى الأجل ، فإذا جاء الأجل زادوا عليهم ، وزادوا في الأجل ، فنزلت { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرّبَا أَضْعَـٰفاً مُّضَـٰعَفَةً } . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عطاء قال كانت ثقيف تدين بني المغيرة في الجاهلية ، وذكر نحوه . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن معاوية بن قرّة قال كان الناس يتأوّلون هذه الآية { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } اتقوا لا أعذبكم بذنوبكم في النار التي أعددتها للكافرين . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن عطاء بن أبي رباح قال قال المسلمون يا رسول الله أبنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا ؟ كانوا إذا أذنب أحدهم ذنباً أصبح كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجدع أنفك اجدع أذنك افعل كذا وكذا ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { وَسَارِعُواْ … } الآية . وأخرج ابن المنذر ، عن أنس بن مالك في تفسير { وَسَارِعُواْ } قال التكبيرة الأولى . وأخرج ابن جرير من طريق السديّ عن ابن عباس في قوله { عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلأرْضُ } مثل ما ذكرناه سابقاً عن الجمهور . وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق كريب . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء } يقول في اليسر والعسر { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } يقول كاظمين على الغيظ . وقد وردت أحاديث كثيرة . في ثواب من كظم الغيظ . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن النخعي في الآية قال الظلم من الفاحشة ، والفاحشة من الظلم . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والطبراني ، وابن أبي الدنيا ، وابن المنذر ، والبيهقي عن ابن مسعود قال إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنباً ، فقرأهما ، فاستغفر الله إلا غفر له { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } الآية ، وقوله { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ … } الآية النساء 110 . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن ثابت البُنَاني قال بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً … } الآية . وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاف بن خالد قال بلغني أنه لما نزل قوله تعالى { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } صاح إبليس بجنوده ، وحثا على رأسه التراب ، ودعا بالويل والثبور ، حتى جاءته جنوده من كل برّ ، وبحر ، فقالوا مالك يا سيدنا ؟ قال آية نزلت في كتاب الله لا يضرّ بعدها أحداً من بني آدم ذنب ، قالوا وما هي ؟ فأخبرهم ، قالوا نفتح لهم باب الأهواء ، فلا يتوبون ، ولا يستغفرون ، ولا يرون إلا أنهم على الحق ، فرضي منهم بذلك . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والحميدي ، وعبد بن حميد ، وأهل السنن الأربع ، وحسنه النسائي ، وابن حبان ، والدارقطني في الإفراد ، والبزار ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن السني ، والبيهقي في الشعب ، والضياء في المختارة عن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من رجل يذنب ذنباً ، ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتطهر ، ثم يصلى ركعتين ، ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له ، " ثم قرأ هذه الآية { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً . … } الآية وأخرج البيهقي في الشعب ، عن الحسن مرفوعاً نحوه ، ولكنه قال " ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى " . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود ، والترمذي ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب ، عن أبي بكر الصديق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ في قوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ } فيسكتون ، ولا يستغفرون . وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } قال أجر العاملين بطاعة الله الجنة .