Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 156-164)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هم المنافقون الذين قالوا { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا } . قوله { وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ } في النفاق ، أو في النسب ، أي قالوا لأجلهم { إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأرْضِ } إذا ساروا فيها للتجارة ، أو نحوها ، قيل " إن " " إذا " هنا المفيدة لمعنى الاستقبال ، بمعنى " إذا " المفيدة لمعنى المضيّ . وقيل هي على معناها ، والمراد هنا حكاية الحال الماضية . وقال الزجاج " إذا " هنا تنوب عن ما مضى من الزمان ، وما يستقبل { لَّوْ كَانُواْ غُزًّى } جمع غاز كراكع وركع ، وغائب وغيب ، قال الشاعر @ قل للقوافل والغزى إذا غزوا @@ { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ } اللام متعلقة بقوله { قَالُواْ } أي قالوا ذلك ، واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم . والمراد أنه صار ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا حسرة ، أو متعلقة بقوله { لاَ تَكُونُواْ } أي لا تكونوا مثلهم في اعتقاد ذلك ليجعله الله حسرة في قلوبهم ، فقط دون قلوبكم . وقيل المعنى لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم ، وقيل المراد حسرة في قلوبهم يوم القيامة لما فيه من الخزي ، والندامة { وَٱللَّهُ يُحْيىِ وَيُمِيتُ } فيه ردّ على قولهم ، أي ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، فيحيـي من يريد ، ويميت من يريد من غير أن يكون للسفر ، أو الغزو أثر في ذلك ، واللام في قوله { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ } موطئة . وقوله { لَمَغْفِرَةٌ } جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط ، والمعنى أن السفر ، والغزو ليسا مما يجلب الموت ، ولئن وقع ذلك بأمر الله سبحانه { لَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } أي الكفرة من منافع الدنيا ، وطيباتها مدّة أعمارهم على قراءة من قرأ بالياء التحتية ، أو خير مما تجمعون أيها المسلمون من الدنيا ، ومنافعها على قراءة من قرأ بالفوقية . والمقصود في الآية بيان مزية القتل ، أو الموت في سبيل الله ، وزيادة تأثيرهما في استجلاب المغفرة ، والرحمة . قوله { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } على أيّ وجه حسب تعلق الإرادة الإلهية { لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ } هو جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة سادّ مسدّ جواب الشرط ، كما تقدم في الجملة الأولى ، أي إلى الربّ الواسع المغفرة تحشرون لا إلى غيره ، كما يفيده تقديم الظرف على الفعل مع ما في تخصيص اسم الله سبحانه بالذكر من الدلالة على كمال اللطف ، والقهر . « وما » في قوله { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } مزيدة للتأكيد ، قاله سيبويه وغيره ، وقال ابن كيسان إنها نكرة في موضع جرّ بالباء ، ورحمة بدل منها ، والأوّل أولى بقواعد العربية ، ومثله قوله تعالى { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } النساء 155 والجار والمجرور متعلق بقوله { لِنتَ لَهُمْ } وقدّم عليه لإفادة القصر ، وتنوين رحمة للتعظيم ، والمعنى أن لينه لهم ما كان إلا بسبب الرحمة العظيمة منه . وقيل إن " ما " استفهامية ، والمعنى فبأيّ رحمة من الله لنت لهم ، وفيه معنى التعجب ، وهو بعيد ، ولو كان كذلك لحذف الألف من " ما " . وقيل فبم رحمة من الله . والفظّ الغليظ الجافي . وقال الراغب الفظّ هو الكريه الخلق ، وأصله فظظ كحذر . وغلظ القلب قساوته ، وقلة إشفاقه ، وعدم انفعاله للخير . والانفضاض التفرّق ، يقال فضضتهم ، فانفضوا ، أي فرّقتهم ، فتفرّقوا والمعنى لو كنت فظاً غليظ القلب لا ترفق بهم لتفرّقوا من حولك هيبة لك ، واحتشاماً منك بسبب ما كان من توليهم ، وإذا كان الأمر ، كما ذكر { فَٱعْفُ عَنْهُمْ } فيما يتعلق بك من الحقوق { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ } الله سبحانه فيما هو إلى الله سبحانه { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأمْرِ } أي الذي يرد عليك ، أيّ أمر كان مما يشاور في مثله ، أو في أمر الحرب خاصة ، كما يفيده السياق لما في ذلك من تطييب خواطرهم ، واستجلاب مودّتهم ، ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك حتى لا يأنف منه أحد بعدك . والمراد هنا المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها . قال أهل اللغة الاستشارة مأخوذة من قول العرب شرت الدابة ، وشورتها إذا علمت خبرها ، وقيل من قولهم شرت العسل إذا أخذته من موضعه . قال ابن خويزمنداد واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا ، ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ، ووجوه الناس ، فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الكتاب ، والعمال ، والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد ، وعمارتها . وحكى القرطبي عن ابن عطية أنه لا خلاف في وجوب عزل من لا يستشير أهل العلم والدين . قوله { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي إذا عزمت عقب المشاورة على شيء ، واطمأنت به نفسك ، فتوكل على الله في فعل ذلك ، أي اعتمد عليه ، وفوّض إليه وقيل إن المعنى فإذا عزمت على أمر أن تمضي فيه ، فتوكل على الله لا على المشاورة . والعزم في الأصل قصد الإمضاء ، أي فإذا قصدت إمضاء أمر ، فتوكل على الله . وقرأ جعفر الصادق ، وجابر بن زيد « فإذا عزمت » بضم التاء بنسبة العزم إلى الله تعالى ، أي فإذا عزمت لك على شيء ، وأرشدتك إليه ، فتوكل على الله . وقوله { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } جملة مستأنفة لتأكيد التوكل ، والحثّ عليه . والخذلان ترك العون ، أي وإن يترك الله عونكم { فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ } وهذا الاستفهام إنكاري . والضمير في قوله { مِن بَعْدِهِ } راجع إلى الخذلان المدلول عليه بقوله { وَإِن يَخْذُلْكُمْ } أو إلى الله ، ومن علم أنه لا ناصر له إلا الله سبحانه ، وأن من نصره الله لا غالب له ، ومن خذله لا ناصر له ، فوّض أموره إليه ، وتوكل عليه ، ولم يشتغل بغيره ، وتقديم الجار والمجرور على الفعل في قوله { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } لإفادة قصره عليه . قوله { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍ أَنْ يَغُلَّ } أي ما صحّ له ذلك لتنافي الغلول والنبوّة . قال أبو عبيد الغلول من المغنم خاصَّة ، ولا نراه من الخيانة ، ولا من الحقد ، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغَلّ يِغلّ ، ومن الحِقْد غَلّ يَغِلُّ بالكسر ، ومن الغُلول غَلّ يَغِلُّ بالضم ، يقال غلّ المغنم غلولاً ، أي خان بأن يأخذ لنفسه شيئاً يستره على أصحابه ، فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل ما صح لنبيّ أن يخون شيئاً من المغنم ، فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه . وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول . ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول ما صح لنبيّ أن يغله أحد من أصحابه أي يخونه في الغنيمة ، وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم ، وإنما خص خيانة الأنبياء مع كونه خيانة غيرهم من الأئمة ، والسلاطين ، والأمراء حراماً ، لأن خيانة الأنبياء أشدّ ذنباً ، وأعظم وزراً { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي يأت به حاملاً له على ظهره ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيفضحه بين الخلائق ، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول ، والتنفير منه ، بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملاً له قبل أن يحاسب عليه ، ويعاقب عليه . قوله { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } أي تعطي جزاء ما كسبت وافياً من خير وشرّ ، وهذه الآية تعمّ كل من كسب خيراً ، أو شراً ، ويدخل تحتها الغالّ دخولاً أولياً لكون السياق فيه . قوله { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مّنَ ٱللَّهِ } الاستفهام للإنكار ، أي ليس من اتبع رضوان الله في أوامره ، ونواهيه ، فعمل بأمره ، واجتنب نهيه كمن باء أي رجع بسخط عظيم ، كائن من الله ، بسبب مخالفته لما أمر به ، ونهى عنه . ويدخل تحت ذلك من اتبع رضوان الله بترك الغلول ، واجتنابه ، ومن باء بسخط من الله بسبب إقدامه على الغلول . ثم أوضح ما بين الطائفتين من التفاوت ، فقال { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } أي متفاوتون في الدرجات ، والمعنى هم ذوو درجات ، أو لهم درجات ، فدرجات من اتبع رضوان الله ليست كدرجات من باء بسخط من الله ، فإن الأوّلين في أرفع الدرجات . والآخرين في أسفلها . قوله { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ } جواب قسم محذوف ، وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثته . ومعنى { مّنْ أَنفُسِهِمْ } أنه عربيّ مثلهم ، وقيل بشر مثلهم ، ووجه المنة على الأوّل أنهم يفقهون عنه ، ويفهمون كلامه ، ولا يحتاجون إلى ترجمان . ومعناها على الثاني أنهم يأنسون به بجامع البشرية ، ولو كان ملكاً لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية ، وقرىء { مّنْ أَنفُسِهِمْ } بفتح الفاء ، أي من أشرفهم ، لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل قريش ، وقريش أفضل العرب ، والعرب أفضل من غيرهم ، ولعلّ وجه الامتنان على هذه القراءة أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له ، وأقرب إلى تصديقه ، ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأوّل ، وأما على الوجه الثاني ، فلا حاجة إلى هذا التخصيص ، وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص لأن بني هاشم هم أنفس العرب ، والعجم في شرف الأصل ، وكرم النجاد ، ورفاعة المحتد . ويدل على الوجه الأوّل قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ } الجمعة 2 وقوله { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } الزخرف 44 . قوله { يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ } هذه منة ثانية ، أي يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئاً من الشرائع { وَيُزَكّيهِمْ } أي يطهرهم من نجاسة الكفر ، وهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى ، وهما في محل نصب على الحال ، أو صفة لرسول ، وهكذا قوله { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } ، والمراد بالكتاب هنا القرآن . والحكمة السنة . وقد تقدّم في البقرة تفسير ذلك { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ } أي من قبل محمد ، أو من قبل بعثته { لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي واضح لا ريب فيه ، واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة ، وبين النافية ، فهي تدخل في خبر المخففة لا النافية ، واسمها ضمير الشأن ، أي وإن الشأن ، والحديث ، وقيل إنها النافية ، واللام بمعنى إلا ، أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين ، وبه قال الكوفيون ، والجملة على التقديرين في محل نصب على الحال . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله تعالى { وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأرْضِ … } الآية ، قال هذا قول عبد الله بن أبيّ بن سلول ، والمنافقين . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدّي نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ } قال يحزنهم قولهم ، ولا ينفعهم شيئاً . وأخرجوا عن قتادة في قوله { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } يقول فبرحمة من الله { لِنتَ لَهُمْ } . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } قال لانصرفوا عنك . وأخرج ابن عديّ ، والبيهقي في الشعب ، قال السيوطي - بسند حسن - عن ابن عباس قال لما نزلت { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلاْمْرِ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكنّ الله جعلها رحمة لأمتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غياً " وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلاْمْرِ } . قال أبو بكر وعمر . وأخرج ابن مردويه ، عن عليّ قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن العزم ، فقال " مشاورة أهل الرأي ، ثم اتباعهم " وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية { وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ } في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ، فنزلت . وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، عن ابن عباس { وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ } قال ما كان لنبيّ أن يتهمه أصحابه . وقد ورد في تحريم الغلول أحاديث كثيرة . وأخرج ابن جرير ، و ابن أبي حاتم ، من طريق العوفي عن ابن عباس { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } يقول بأعمالهم . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عائشة في قوله { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ … } الآية ، قالت هذه للعرب خاصة .