Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 190-194)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ والأرض } هذه جملة مستأنفة لتقرير اختصاصه سبحانه بما ذكره فيها . والمراد ذات السموات ، والأرض ، وصفاتهما { وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي تعاقبهما ، وكون كل واحد منهما يخلف الآخر ، وكون زيادة أحدهما في نقصان الآخر ، وتفاوتهما طولاً ، وقصراً ، وحراً ، وبرداً وغير ذلك { لآيَاتٍ } أي دلالات واضحة ، وبراهين بينة تدل على الخالق سبحانه . وقد تقدم تفسير بعض ما هاهنا في سورة البقرة . والمراد بأولي الألباب أهل العقول الصحيحة الخالصة ، عن شوائب النقص ، فإن مجرد التفكير فيما قصه الله في هذه الآية يكفي العاقل ، ويوصله إلى الإيمان الذي لا تزلزله الشبه ، ولا تدفعه التشكيكات . قوله { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } الموصول نعت لأولي الألباب ، وقيل هو مفصول عنه خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوب على المدح . والمراد بالذكر هنا ذكره سبحانه في هذه الأحوال من غير فرق بين حال الصلاة ، وغيرها . وذهب جماعة من المفسرين إلى أن الذكر هنا عبارة عن الصلاة ، أي لا يضيعونها في حال من الأحوال ، فيصلونها قياماً مع عدم العذر ، وقعوداً ، وعلى جنوبهم مع العذر . قوله { وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } معطوف على قوله { يَذَّكَّرُونَ } وقيل إنه معطوف على الحال ، أعني { قِيَـٰماً وَقُعُوداً } وقيل إنه منقطع عن الأوّل ، والمعنى أنهم يتفكرون في بديع صنعهما ، وإتقانهما مع عظم أجرامها ، فإن هذا الفكر إذا كان صادقاً ، أوصلهم إلى الإيمان بالله سبحانه . قوله { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً } هو على تقدير القول ، أي يقولون ما خلقت هذا عبثاً ، ولهواً ، بل خلقته دليلاً على حكمتك ، وقدرتك . والباطل الزائل الذاهب ، ومنه قول لبيد @ ألا كل شيء ما خلا الله باطل @@ وهو منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي خلقاً باطلاً ، وقيل منصوب بنزع الخافض ، وقيل هو مفعول ثان ، وخلق بمعنى جعل ، أو منصوب على الحال ، والإشارة بقوله { هَـٰذَا } إلى السموات والأرض ، أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق . قوله { سُبْحَـٰنَكَ } أي تنزيهاً لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها أن يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلاً . وقوله { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } الفاء لترتيب هذا الدعاء على ما قبله . وقوله { رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } تأكيد لما تقدمه من استدعاء الوقاية من النار منه سبحانه ، وبيان للسبب الذي لأجله دعاه عباده بأن يقيهم عذاب النار ، وهو أن من أدخله النار ، فقد أخزاه ، أي أذله ، وأهانه . وقال المفضل معنى أخزيته أهلكته ، وأنشد @ أخْزَى الإلۤهُ بني الصَلِيب عُنَيْزة واللابِسيـن مَلابِـس الرهْبَـانِ @@ وقيل معناه فضحته ، وأبعدته ، يقال أخزاه الله أبعده ومقته ، والاسم الخزي . قال ابن السّكِّيت خَزَي يَخْزُى خِزياً إذا وقع في بَلِيَّة . قوله { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } المنادي عند أكثر المفسرين هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل هو القرآن ، وأوقع السماع على المنادي مع كون المسموع هو النداء لأنه قد وصف المنادي بما يسمع ، وهو قوله { ينادي للإيمان أن آمنوا } . وقال أبو علي الفارسي إن « ينادي » هو المفعول الثاني وذكر { ينادي } مع أنه قد فهم من قوله { مُنَادِياً } لقصد التأكيد ، والتفخيم لشأن هذا المنادى به ، واللام في قوله { لِلإِيمَـٰنِ } بمعنى إلى ، وقيل إن ينادي يتعدّى باللام ، وبإلى ، يقال ينادي لكذا ، وينادي إلى كذا ، وقيل اللام للعلة ، أي لأجل الإيمان . قوله { أن آمنوا } هي إما تفسيرية ، أو مصدرية ، وأصلها بأن آمنوا ، فحذف حرف الجرّ . قوله { فَـئَامَنَّا } أي امتثلنا ما يأمر به هذا المنادي من الإيمان فآمنا ، وتكرير النداء في قوله { رَبَّنَا } لإظهار التضرع ، والخضوع ، قيل المراد بالذنوب هنا الكبائر ، وبالسيئات الصغائر . والظاهر عدم اختصاص أحد اللفظين بأحد الأمرين ، والآخر بالآخر ، بل يكون المعنى في الذنوب ، والسيئات واحداً ، والتكرير للمبالغة ، والتأكيد ، كما أن معنى الغفر ، والكفر الستر . والأبرار جمع بارّ أو برّ ، وأصله من الاتساع ، فكأن البار متسع في طاعة الله ، ومتسعة له رحمته ، قيل هم الأنبياء ، ومعنى اللفظ أوسع من ذلك . قوله { رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } هذا دعاء آخر والنكتة في تكرير النداء ما تقدّم ، والموعود به على ألسن الرسل هو الثواب الذي وعد الله به أهل طاعته ، ففي الكلام حذف ، وهو لفظ الألسن ، كقوله { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } يوسف 82 وقيل المحذوف التصديق ، أي ما وعدتنا على تصديق رسلك ، وقيل ما وعدتنا منزلاً على رسلك ، أو محمولاً على رسلك ، والأول أولى . وصدور هذا الدعاء منهم مع علمهم أن ما وعدهم الله به على ألسن رسله كائن لا محالة ، إما لقصد التعجيل ، أو للخضوع بالدعاء ، لكونه مخ العبادة ، وفي قولهم { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } دليل على أنهم لم يخافوا خلف الوعد ، وأن الحامل لهم على الدعاء هو ما ذكرنا . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال أتت قريش اليهود ، فقالوا ما جاءكم به موسى من الآيات ؟ قالوا عصاه ، ويده بيضاء للناظرين ، وأتوا النصارى ، فقالوا كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا كان يبرىء الأكمه ، والأبرص ، ويحيـي الموتى ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً ، فدعا ربه ، فنزلت { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } الآية . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال بتُّ عند خالتي ميمونة ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل ، أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل ، ثم استيقظ ، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ، ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم . وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، والطبراني ، والحاكم في الكنى ، والبغوي في معجم الصحابة ، عن صفوان بن المعطل قال كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر ، فذكر نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، من طريق جوبير ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود في قوله { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } الآية ، قال إنما هذه في الصلاة إذا لم يستطع قائماً ، فقاعداً ، وإن لم يستطع قاعداً ، فعلى جنبه . وقد ثبت في البخاري من حديث عمران بن حصين قال « كانت بي بواسير ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، فقال " صلّ قائماً ، فإن لم تستطع ، فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " وثبت فيه عنه قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن صلاة الرجل ، وهو قاعد ، فقال " من صلى قائماً ، فهو أفضل ، ومن صلى قاعداً ، فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائماً ، فله نصف أجر القاعد " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية قال هذه حالاتك كلها يابن آدم ، اذكر الله ، وأنت قائم ، فإن لم تستطع ، فاذكره جالساً ، فإن لم تستطع جالساً ، فاذكره ، وأنت على جنبك ، يسر من الله ، وتخفيف . وأقول هذا التقييد الذي ذكره بعدم الاستطاعة مع تعميم الذكر لا وجه له لا من الآية ، ولا من غيرها ، فإنه لم يرد في شيء من الكتاب ، والسنة ما يدل على أنه لا يجوز الذكر من قعود إلا مع عدم استطاعة الذكر من قيام ، ولا يجوز على جنب إلا مع عدم استطاعته من قعود ، وإنما يصلح هذا التقييد لمن جعل المراد بالذكر هنا الصلاة ، كما سبق عن ابن مسعود . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن حبان في صحيحه ، وابن مردويه ، عن عائشة مرفوعاً " ويل لمن قرأ هذه الآية ، ولم يتفكر فيها " . وأخرج ابن أبي الدنيا في التفكر عن سفيان رفعه " من قرأ آخر سورة آل عمران ، فلم يتفكر فيها ، ويله فعدّ أصابعه عشراً " قيل للأوزاعي ما غاية التفكر فيهنّ ؟ قال يقرؤهنّ ، وهو يعقلهنّ . وقد وردت أحاديث ، وآثار عن السلف في استحباب التفكر مطلقاً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أنس في قوله { مَنْ تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } قال من تخلد . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن سعيد بن المسيب في الآية قال هذه خاصة بمن لا يخرج منها . وأخرج ابن جرير ، والحاكم ، عن عمرو بن دينار قال قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة ، فانتهيت إليه أنا ، وعطاء فقلت { وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ } البقرة 167 قال أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الكفار ، قلت لجابر فقوله { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } قال وما أخزاه حين أحرقه بالنار ، وإن دون ذلك خزياً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج في قوله { مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } قال هو محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي قال هو القرآن ، ليس كل أحد سمع النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج في قوله { رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } قال يستنجزون موعد الله على رسله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } قال لا تفضحنا .