Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 185-189)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { ذَائِقَةُ } من الذوق ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت @ مَن لَمْ يَمُت غَبْطة يَمُتْ هَرَماً المَوت كَأسٌ والمرءُ ذَائِقُها @@ وهذه الآية تتضمن الوعد ، والوعيد للمصدق ، والمكذب بعد إخباره ، عن الباخلين القائلين { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } . وقرأ الأعمش ، ويحيـى بن وثاب ، وابن أبي إسحاق { ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } بالتنوين ونصب الموت . وقرأ الجمهور بالإضافة . قوله { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أجر المؤمن الثواب ، وأجر الكافر العقاب ، أي أن توفية الأجور ، وتكميلها إنما تكون في ذلك اليوم ، وما يقع من الأجور في الدنيا ، أو في البرزخ ، فإنما هو بعض الأجور ، والزحزحة التنحية ، والإبعاد تكرير الزح ، وهو الجذب بعجلة ، قاله في الكشاف ، وقد سبق الكلام عليه ، أي فمن بعد عن النار يومئذ ، ونحى ، فقد فاز ، أي ظفر بما يريد ، ونجا مما يخاف ، وهذا هو الفوز الحقيقي الذي لا فوز يقاربه ، فإن كل فوز ، وإن كان بجميع المطالب دون الجنة ليس بشيء بالنسبة إليها ، اللهم لا فوز إلا فوز الآخرة ، ولا عيش إلا عيشها ، ولا نعيم إلا نعيمها ، فاغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، وارض عنا رضاً لا سخط بعده ، واجمع لنا بين الرضا منك علينا ، والجنة . والمتاع ما يتمتع به الإنسان ، وينتفع به ، ثم يزول ، ولا يبقى كذا قال أكثر المفسرين . الغرور الشيطان يغرّ الناس بالأماني الباطلة ، والمواعيد الكاذبة ، شبه سبحانه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على من يريده ، وله ظاهر محبوب ، وباطن مكروه . قوله { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأمته تسلية لهم عما سيلقونه من الكفرة ، والفسقة ليوطنوا أنفسهم على الثبات ، والصبر على المكاره . والابتلاء الامتحان ، والاختبار ، والمعنى لتمتحننّ ، ولتختبرنّ في أموالكم بالمصائب ، والإنفاقات الواجبة ، وسائر التكاليف الشرعية المتعلقة بالأموال . والابتلاء في الأنفس بالموت ، والأمراض ، وفقد الأحباب ، والقتل في سبيل الله . وهذه الجملة جواب قسم محذوف دلت عليه اللام الموطئة { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } وهم اليهود والنصارى . { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } وهم سائر الطوائف الكفرية من غير أهل الكتاب { أَذًى كَثِيراً } من الطعن في دينكم ، وأعراضكم ، والإشارة بقوله { فَإِنَّ ذٰلِكَ } إلى الصبر ، والتقوى المدلول عليهما بالفعلين . وعزم الأمور معزوماتها ، أي مما يجب عليكم أن تعزموا عليه لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها ، يقال عزم الأمر ، أي شدّه ، وأصلحه . قوله { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } هذه الآية توبيخ لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى ، أو اليهود فقط على الخلاف في ذلك ، والظاهر أن المراد بأهل الكتاب كل من آتاه الله علم شيء من الكتاب ، أيُّ كتاب كان ، كما يفيده التعريف الجنسي في الكتاب . قال الحسن ، وقتادة إن الآية عامة لكل عالم ، وكذا قال محمد بن كعب ، ويدل على ذلك قول أبي هريرة لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ، ثم تلا هذه الآية ، والضمير في قوله { لَتُبَيّنُنَّهُ } راجع إلى الكتاب ، وقيل راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يتقدّم له ذكر لأن الله أخذ على اليهود والنصارى أن يبينوا نبوته للناس ، ولا يكتموها { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ } . وقرأ أبو عمرو ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وأهل المدينة « ليبيننه » بالياء التحتية ، وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية . وقرأ ابن عباس " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتنيننه " ويشكل على هذه القراءة قوله { فَنَبَذُوهُ } فلا بد من أن يكون فاعله الناس . وفي قراءة ابن مسعود « لتبينونه » والنبذ الطرح ، وقد تقدّم في البقرة { وَرَاء ظُهُورِهِمْ } مبالغة في النبذ ، والطرح ، وقد تقدّم أيضاً معنى قوله { وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } والضمير عائد إلى الكتاب الذي أمروا ببيانه ، ونُهوا عن كتمانه ، وقوله { ثَمَناً قَلِيلاً } أي حقيراً يسيراً من حطام الدنيا ، وأعراضها ، قوله { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } " ما " نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ، ويشترون صفة ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي بئس شيئاً يشترونه بذلك الثمن . قوله { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ } قرأ الكوفيون بالتاء الفوقية ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له . وقوله { بِمَا أَتَوْاْ } أي بما فعلوا . وقد اختلف في سبب نزول الآية ، كما سيأتي ، والظاهر شمولها لكل من حصل منه ما تضمنته عملاً بعموم اللفظ ، وهو المعتبر دون خصوص السبب ، فمن فرح بما فعل ، وأحب أن يحمده الناس بما لم يفعل ، فلا تحسبنه بمفازة من العذاب . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمرو « لا يحسبنّ » بالياء التحتية ، أي لا يحسبن الفارحون فرحهم منجياً لهم من العذاب ، فالمفعول الأوّل محذوف ، وهو فرحهم ، والمفعول الثاني بمفازة من العذاب . وقوله { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } تأكيد للفعل الأوّل على القراءتين ، والمفازة المنجاة ، مفعلة من فاز يفوز إذا نجا ، أي ليسوا بفائزين ، سمي موضع الخوف مفازة على جهة التفاؤل قاله الأصمعي . وقيل لأنها موضع تفويز ، ومظنة هلاك ، تقول العرب فوّز الرجل إذا مات . قال ثعلب حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي ، فقال أخطأ . قال لي أبو المكارم إنما سميت مفازة لأن من قطعها فاز . وقال ابن الأعرابي بل لأنه مستسلم لما أصابه . وقيل المعنى لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب لأن الفوز التباعد عن المكروه . وقرأ مروان بن الحكم ، والأعمش ، وإبراهيم النخعي « آتوا » بالمد ، أي يفرحون بما أعطوا . وقرأ جمهور القراء السبعة ، وغيرهم { أتوا } بالقصر . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وهناد ، وعبد بن حميد ، والترمذي وصححه ، وابن حبان ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، اقرءوا إن شئتم { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } " وأخرج ابن مردويه ، عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الزهري في قوله { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ ومن الذين أشركوا } قال هو كعب بن الأشرف ، وكان يحرّض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه في شعره . وأخرج ابن المنذر ، من طريق الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج في الآية قال يعني اليهود والنصارى ، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30 ، ومن النصارى قولهم { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30 { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأمُورِ } قال من القوة مما عزم الله عليه ، وأمركم به . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } قال فنحاص ، وأشيع ، وأشباههما من الأحبار . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } قال كان الله أمرهم أن يتبعوا النبي الأميّ . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه في الآية قال في التوراة والإنجيل أن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده ، وأن محمداً رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة ، والإنجيل ، فنبذوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في الآية قال هم اليهود { لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } قال محمداً صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير ، عن السدي مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية قال هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ، فمن علم علماً ، فليعلمه للناس ، وإياكم وكتمان العلم ، فإن كتمان العلم هلكة . وأخرج ابن سعد عن الحسن قال لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه . وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس ، فقل لئن كان كل امريء منا فرح بما أوتي وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل معذباً لَنُعذَّبنّ أجمعون ، فقال ابن عباس ما لكم ولهذه الآية ، إنما أنزلت في أهل الكتاب ، ثم تلا { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } الآية ، قال ابن عباس سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا ، وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه . وفي البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه ، وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت . وقد روي أنها نزلت في فنحاص ، وأشيع ، وأشباههما . وروي أنها نزلت في اليهود . وأخرج مالك ، وابن سعد ، والطبراني ، والبيهقي في الدلائل ، عن محمد بن ثابت أن ثابت بن قيس قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال " لم ؟ " قال قد نهانا الله أن نحبّ أن نحمد بما لم نفعل ، وأجدني أحبّ الحمد ، ونهانا عن الخيلاء ، وأجدني أحب الجمال ، ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وأنا رجل جهير الصوت ، فقال " يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميداً ، وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة ؟ " فعاش حميداً ، وقتل شهيداً يوم مسيلمة الكذاب . وأخرج ابن المنذر ، عن الضحاك في قوله { بِمَفَازَةٍ } قال بمنجاة . وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد مثله .