Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 1-6)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ الحسن ، وعمرو بن عبيد ، وعاصم بن أبي النجود ، وأبو جعفر الرواسي " الم * ٱللَّهِ " بقطع ألف الوصل على تقدير الوقف على { الم } كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة مع وصلهم . قال الأخفش ويجوز " الم * ٱللَّهِ " بكسر الهمزة لالتقاء الساكنين . قال الزجاج هذا خطأ ، ولا تقوله العرب لثقله . وقد ذكر سيبويه في الكتاب أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد طريق التلفظ بها الحكاية فقط ساكنة الأعجاز على الوقف ، سواء جعلت أسماء ، أو مسرودة على نمط التعديد ، وإن لزمها التقاء الساكنين لما أنه مغتفر في باب الوقف ، فحق هذه الفاتحة أن يوقف عليها ، ثم يبدأ بما بعدها ، كما فعله الحسن ، ومن معه في قراءتهم المحكية سابقاً . وأما فتح الميم على القراءة المشهورة ، فوجهه ما روى عن سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين . وقال الكسائي حروف التهجي إذا لقيتها ألف وصل ، فحذفت الألف ، وحركت الميم بحركة الألف ، وكذا قال الفراء . وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد ، فلا محل لها من الإعراب ، وإن جعلت أسماء للسورة ، فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها ، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر ، أو اقرأ ، أو نحوهما ، وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما يغني عن الإعادة . وقوله { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } مبتدأ ، وخبر ، والجملة مستأنفة ، أي هو المستحق للعبودية . و { الحيّ القيوم } خبران آخران للاسم الشريف ، أو خبران لمبتدأ محذوف ، أي هو الحي القيوم ، وقيل إنهما صفتان للمبتدإ الأول ، أو بدلان منه ، أو من الخبر ، وقد تقدّم تفسير الحيّ والقيوم . وقرأ جماعة من الصحابة " القيام " عمر ، وأبيّ بن كعب ، وابن مسعود . قوله { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي القرآن ، وقدم الظرف على المفعول به للاعتناء بالمنزل عليه صلى الله عليه وسلم وهي إما جملة مستأنفة ، أو خبر آخر للمبتدأ الأوّل . قوله { بِٱلْحَقّ } أي بالصدق ، وقيل بالحجة الغالبة ، وهو في محل نصب على الحال . وقوله { مُصَدّقاً } حال آخر من الكتاب مؤكدة لأنه لا يكون إلا مصدقاً ، فلا تكون الحال منتقلة أصلاً ، وبهذا قال الجمهور ، وجوّز بعضهم الانتقال على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره . وقوله { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي من الكتب المنزلة ، وهو متعلق بقوله { مصدقاً } ، واللام للتقوية . قوله { وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ } هذه الجملة في حكم البيان لقوله لما بين يديه . وإنما قال هنا { أنزل } ، وفيما تقدّم { نزّل } لأن القرآن نزل منجماً ، والكتابان نزلا دفعة واحدة ، ولم يذكر في الكتابين من أنزلا عليه ، وذكر فيما تقدّم أن الكتاب نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القصد هنا ليس إلا إلى ذكر الكتابين لا ذكر من نزلا عليه . وقوله { مِن قَبْلُ } أي أنزل التوراة ، والإنجيل من قبل تنزيل الكتاب . وقوله { هُدًى لّلنَّاسِ } إما حال من الكتابين ، أو علة للإنزال . والمراد بالناس أهل الكتابين ، أو ما هو أعمّ لأن هذه الأمة متعبدة بما لم ينسخ من الشرائع . قال ابن فورك هدى للناس المتقين ، كما قال في البقرة { هدى للمتقين } البقرة 2 ، قوله { وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } أي الفارق بين الحق ، والباطل ، وهو القرآن ، وكرر ذكره تشريفاً له مع ما يشتمل عليه هذا الذكر الآخر من الوصف له بأنه يفرق بين الحق ، والباطل ، وذكر التنزيل أولاً ، والإنزال ثانياً لكونه جامعاً بين الوصفين ، فإنه أنزل إلى سماء الدنيا جملة ، ثم نزل منها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم مفرّقاً منجماً على حسب الحوادث كما سبق . وقيل أراد بالفرقان جميع الكتب المنزلة من الله تعالى على رسله ، وقيل أراد الزبور لاشتماله على المواعظ الحسنة ، وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي بما يصدق عليه أنه آية من الكتب المنزلة وغيرها ، أو بما في الكتب المنزلة وغيرها أو بما في الكتب المنزلة المذكورة على وضع آيات الله موضع الضمير العائد إليها ، وفيه بيان الأمر الذي استحقوا به الكفر { لَهُمْ } بسبب هذا الكفر { عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي عظيم { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } لا يغالبه مغالب { ذُو ٱنتِقَامٍ } عظيم ، والنقمة السطوة ، يقال انتقم منه إذا عاقبه بسبب ذنب قد تقدّم منه . قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَىْء فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء } هذه الجملة استئنافية لبيان سعة علمه ، وإحاطته بالمعلومات ، بما في الأرض والسماء ، مع كونها أوسع من ذلك ، لقصور عباده عن العلم بما سواهما من أمكنة مخلوقاته ، وسائر معلوماته ، ومن جملة ما لا يخفى عليه إيمان من آمن من خلقه ، وكفر من كفر . قوله { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي ٱلأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء } أصل اشتقاق الصورة من صاره إلى كذا أي أماله إليه ، فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة ، وأصل الرحم من الرحمة لأنه مما يتراحم به ، وهذه الجملة مستأنفة مشتملة على بيان إحاطة علمه ، وأن من جملة معلوماته ما لا يدخل تحت الوجود ، وهو تصوير عباده في أرحام أمهاتهم من نطف آبائهم كيف يشاء من حسن ، وقبيح ، وأسود ، وأبيض ، وطويل ، وقصير . و { كيف } معمول يشاء ، والجملة حالية . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن جعفر بن محمد بن الزبير قال « قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكباً ، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة ، والعاقب ، وعبد المسيح ، والسيد ، وهو الأيهم ، ثم ذكروا القصة في الكلام الذي دار بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الله أنزل في ذلك صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الربيع ، فذكر وفد نجران ، ومخاصمتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام ، وأن الله أنزل { الم * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } قال لما قبله من كتاب ، أو رسول . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة نحوه ، وقال في قوله { وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } هو القرآن فرق بين الحق ، والباطل ، فأحل فيه حلاله ، وحرم فيه حرامه ، وشرع فيه شرائعه ، وحد فيه حدوده ، وفرض فيه فرائضه ، وبين فيه بيانه ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته . وأخرج ابن جرير ، عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله { وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } أي الفصل بين الحق ، والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى ، وغيره ، وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأيَـٰتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } أي إن الله ينتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ، ومعرفته بما جاء منه فيها . وفي قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَىْء فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء } أي قد علم ما يريدون ، وما يكيدون ، وما يضاهون بقولهم في عيسى إذ جعلوه رباً وإلهاً ، وعندهم من علمه غير ذلك غرّة بالله ، وكفراً به { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي ٱلأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء } قد كان عيسى ممن صوّر في الأرحام لا يدفعون ذلك ، ولا ينكرونه ، كما صوّر غيره من بني آدم ، فكيف يكون إلهاً ، وقد كان بذلك المنزل ؟ ! وأخرج ابن المنذر ، عن ابن مسعود في قوله { يُصَوّرُكُمْ فِي ٱلأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء } قال ذكوراً ، وإناثاً . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من الصحابة في قوله { يُصَوّرُكُمْ فِي ٱلأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء } قال إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً ، ثم تكون علقة أربعين يوماً ، ثم تكون مضغة أربعين يوماً ، فإذا بلغ أن يخلق بعث الله ملكاً يصوّرها ، فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه ، فيخلط منه المضغة ، ثم يعجنه بها ، ثم يصوّر ، كما يؤمر فيقول أذكر أم أنثى ، أشقيّ أم سعيد ، وما رزقه ، وما عمره ؟ وما أثره ، وما مصائبه ؟ فيقول الله ، ويكتب الملك ، فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { يُصَوّرُكُمْ فِي ٱلأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء } قال من ذكر ، وأنثى ، وأحمر ، وأسود ، وتامّ الخلق ، وغير تام الخلق .