Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 7-9)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الكتاب } هو القرآن ، فاللام للعهد ، وقدم الظرف ، وهو { عليك } لما يفيده من الاختصاص . وقوله { مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ } الموافق لقواعد العربية أن يكون الظرف خبراً مقدّماً ، والأولى بالمعنى أن يكون مبتدأ تقديره من الكتاب آيات بينات ، على نحو ما تقدّم في قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } البقرة 8 وإنما كان أولى لأن المقصود انقسام الكتاب إلى القسمين المذكورين لا مجرّد الإخبار عنهما بأنهما من الكتاب ، والجملة حالية في محل نصب ، أو مستأنفة لا محل لها . وقد اختلف العلماء في تفسير المحكمات ، والمتشابهات على أقوال فقيل إن المحكم ما عرف تأويله ، وفهم معناه ، وتفسيره ، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل ومن القائلين بهذا جابر بن عبد الله ، والشعبي ، وسفيان الثوري ، قالوا وذلك بجر الحروف المقطعة في أوائل السور . وقيل المحكم ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً ، والمتشابه ما يحتمل وجوهاً ، فإذا ردّت إلى وجه واحد ، وأبطل الباقي صار المتشابه محكماً ، وقيل إن المحكم ناسخه ، وحرامه ، وحلاله ، وفرائضه ، وما نؤمن به ، ونعمل عليه ، والمتشابه منسوخه ، وأمثاله ، وأقسامه وما نؤمن به ، ولا نعمل به . روى هذا عن ابن عباس ، وقيل المحكم الناسخ ، والمتشابه المنسوخ ، روي عن ابن مسعود ، وقتادة ، والربيع ، والضحاك وقيل المحكم الذي ليس فيه تصريف ، ولا تحريف عما وضع له ، والمتشابه ما فيه تصريف ، وتحريف ، وتأويل قاله مجاهد ، وابن إسحاق . قال ابن عطية وهذا أحسن الأقوال ، وقيل المحكم ما كان قائماً بنفسه لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره ، والمتشابه ما يرجع فيه إلى غيره . قال النحاس وهذا أحسن ما قيل في المحكمات ، والمتشابهات . قال القرطبي ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية ، وهو الجاري على وضع اللسان ، وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم ، والإحكام الإتقان ، ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ، ولا تردّد ، إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته ، وإتقان تركيبها ، ومتى اختلّ أحد الأمرين جاء التشابه ، والإشكال . وقال ابن خويز منداد للمتشابه وجوه ما اختلف فيه العلماء أيّ الآيتين نسخت الأخرى ، كما في الحامل المتوفى عنها زوجها ، فإن من الصحابة من قال إن آية وضع الحمل نسخت آية الأربعة الأشهر ، والعشر ، ومنهم من قال بالعكس . وكاختلافهم في الوصية للوارث ، وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن يقدّم إذا لم يعرف النسخ ، ولم توجد شرائطه ، وكتعارض الأخبار ، وتعارض الأقيسة ، هذا معنى كلامه . والأولى أن يقال إن المحكم هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة ، إما باعتبار نفسه ، أو باعتبار غيره ، والمتشابه ما لا يتضح معناه ، أو لا تظهر دلالته لا باعتبار نفسه ، ولا باعتبار غيره . وإذا عرفت هذا عرفت أن هذا الاختلاف الذي قدّمناه ليس كما ينبغي ، وذلك لأن أهل كل قول عرفوا المحكم ببعض صفاته ، وعرفوا المتشابه بما يقابلها . وبيان ذلك أن أهل القول الأول جعلوا المحكم ما وجد إلى علمه سبيل ، والمتشابه ما لا سبيل إلى علمه ، ولا شك أن مفهوم المحكم ، والمتشابه أوسع دائرة مما ذكروه ، فإن مجرد الخفاء ، أو عدم الظهور ، أو الإحتمال ، أو التردّد يوجب التشابه وأهل القول الثاني خصوا المحكم بما ليس فيه احتمال ، والمتشابه بما فيه احتمال ، ولا شك أن هذا بعض أوصاف المحكم ، والمتشابه لا كلها ، وهكذا أهل القول الثالث ، فإنهم خصوا كل واحد من القسمين بتلك الأوصاف المعينة دون غيرها وأهل القول الرابع خصوا كل واحد منهما ببعض الأوصاف التي ذكرها أهل القول الثالث ، والأمر أوسع مما قالوه جميعاً ، وأهل القول الخامس خصوا المحكم بوصف عدم التصريف ، والتحريف ، وجعلوا المتشابه مقابله ، وأهملوا ما هو أهمّ من ذلك مما لا سبيل إلى علمه من دون تصريف ، وتحريف كفواتح السور المقطعة ، وأهل القول السادس خصوا المحكم بما يقوم بنفسه ، والمتشابه بما لا يقوم بها ، وأن هذا هو بعض أوصافهما ، وصاحب القول السابع ، وهو ابن خويز منداد عمد إلى صورة الوفاق ، فجعلها محكماً ، وإلى صورة الخلاف ، والتعارض ، فجعلها متشابهاً ، فأهمل ما هو أخص أوصاف كل واحد منهما من كونه باعتبار نفسه مفهوم المعنى ، أو غير مفهوم . قوله { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ } أي أصله الذي يعتمد عليه ، ويردّ ما خالفه إليه ، وهذه الجملة صفة لما قبلها . قوله { وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌ } وصف لمحذوف مقدر ، أي وآيات أخر متشابهات ، وهي جمع أخرى ، وإنما لم ينصرف لأنه عدل بها عن الآخر لأن أصلها أن يكون كذلك . وقال أبو عبيد لم ينصرف لأن واحدها لا ينصرف في معرفة ، ولا نكرة ، وأنكر ذلك المبرّد . وقال الكسائي لم تنصرف لأنها صفة ، وأنكره أيضاً المبرّد . وقال سيبويه لا يجوز أن يكون { أخر } معدولة عن الألف ، واللام لأنها لو كانت معدولة عنها لكان معرفة ، ألا ترى أن " سحر " معرفة في جميع الأقاويل لما كانت معدولة . قوله { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } الزيغ الميل ومنه زاغت الشمس ، وزاغت الأبصار ويقال زاغ يزيغ زيغاً إذا ترك القصد ، ومنه قوله تعالى { فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الصف 5 وهذه الآية تعمّ كل طائفة من الطوائف الخارجة عن الحق . وسبب النزول نصارى نجران ، كما تقدّم ، وسيأتي . قوله { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ } أي يتعلقون بالمتشابه من الكتاب ، فيشككون به على المؤمنين ، ويجعلونه دليلاً على ما هم فيه من البدعة المائلة عن الحق ، كما تجده في كل طائفة من طوائف البدعة ، فإنهم يتلاعبون بكتاب الله تلاعباً شديداً ، ويوردون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شيء . قوله { ٱبْتِغَاء ٱلْفِتْنَةِ } أي طلباً منهم لفتنة الناس في دينهم ، والتلبيس عليهم ، وإفساد ذات بينهم { وَٱبْتِغَاء تَأْوِيلِهِ } أي طلباً لتأويله على الوجه الذي يريدونه ، ويوافق مذاهبهم الفاسدة . قال الزجاج معنى ابتغائهم تأويله أنهم طلبوا تأويل بعثهم ، وإحيائهم ، فأعلم الله عز وجلّ أن تأويل ذلك ، ووقته لا يعلمه إلا الله . قال والدليل على ذلك قوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ } الأعراف 53 أي يوم يرون ما يوعدون من البعث ، والنشور ، والعذاب { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ } الأعراف 53 أي تركوه { قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ } الأعراف 53 أي قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل . قوله { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } التأويل يكون بمعنى التفسير ، كقولهم تأويل هذه الكلمة على كذا ، أي تفسيرها ، ويكون بمعنى ما يئول الأمر إليه ، واشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يئول إليه ، أي صار ، وأوّلته تأويلاً ، أي صيرته ، وهذه الجملة حالية ، أي يتبعون المتشابه لابتغاء تأويله ، والحال أن ما يعلم تأويله إلا الله . وقد اختلف أهل العلم في قوله { وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } هل هو كلام مقطوع ، عما قبله ، أو معطوف على ما قبله ؟ فتكون الواو للجمع ، فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع عما قبله ، وأن الكلام تمّ عند قوله { إِلاَّ ٱللَّهُ } هذا قول ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وعروة بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبي الشعثاء ، وأبي نهيك ، وغيرهم ، وهو مذهب الكسائي ، والفراء ، والأخفش ، وأبي عبيد ، وحكاه ابن جرير الطبري ، عن مالك ، واختاره ، وحكاه الخطابي ، عن ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب قال وإنما روي عن مجاهد أنه نسق الراسخين على ما قبله ، وزعم أنهم يعلمونه ، قال واحتج له بعض أهل اللغة ، فقال معناه والراسخون في العلم يعلمونه قائلين { آمنا به } وزعم أن موضع { يَقُولُونَ } نصب على الحال ، وعامة أهل اللغة ينكرونه ، ويستبعدونه لأن العرب لا تضمر الفعل ، والمفعول معاً ، ولا تذكر حالاً إلا مع ظهور الفعل ، فإذا لم يظهر فعل لم يكن حالاً ، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال عبْد الله راكباً ، يعني أقبل عبد الله راكباً ، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله عبد الله يتكلم يصلح بين الناس ، فكان يصلح حالاً كقول الشاعر أنشدنيه أبو عمرو . قال أنشدنا أبو العباس ثعلب @ أرسَلْتُ فِيها رَجلاً لَكُالِكا يَقْصُر يَمْشِي وَيَطول بَارِكاً @@ فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده . وأيضاً ، فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئاً عن الخلق ، وينسبه لنفسه ، فيكون له في ذلك شريك ، ألا ترى قوله عزّ وجلّ { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } النمل 65 ، وقوله { لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ } الأعراف 187 ، وقوله { كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } القصص 88 فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه به لا يشركه فيه غيره ، وكذلك قوله تعالى { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } ولو كانت الواو في قوله { وَٱلرسِخُونَ } للنسق لم يكن لقوله { كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا } فائدة . انتهى . قال القرطبي ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره . فقد روي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عزّ وجلّ ، وأنهم داخلون في علم المتشابه ، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به . وقاله الربيع ، ومحمد بن جعفر بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وغيرهم ، و { يَقُولُونَ } على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخون كما قال @ الرِيحُ يَبْكِي شَجْوه والبرقُ يَلْمَعُ في الغَمَامَهْ @@ وهذا البيت يحتمل المعنيين ، فيجوز أن يكون ، و " البرق " مبتدأ ، والخبر " يلمع " على التأويل الأوّل ، فيكون مقطوعاً مما قبله ، ويجوز أن يكون معطوفاً على الريح ، ويلمع في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعاً . انتهى . ولا يخفاك أن ما قاله الخطابي في وجه امتناع كون قوله { يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ } حالاً مع أن العرب لا تذكر حالاً إلا مع ظهور الفعل إلى آخر كلامه لا يتم إلا على فرض أنه لا فعل هنا ، وليس الأمر كذلك ، فالفعل مذكور ، وهو قوله { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } ولكنه جاء الحال من المعطوف ، وهو قوله { وَٱلرسِخُونَ } دون المعطوف عليه ، وهو قوله { إِلاَّ ٱللَّهُ } وذلك جائز في اللغة العربية . وقد جاء مثله في الكتاب العزيز . ومنه قوله تعالى { لِلْفُقَرَاء الْمُهَـٰجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } الحشر 8 إلى قوله { وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا } الآية الحشر 10 ، وكقوله { وَجَاء رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } الفجر 22 أي وجاءت الملائكة صفا صفا ، ولكن ها هنا مانع آخر من جعل ذلك حالاً ، وهو أن تقييد علمهم بتأويله بحال كونهم قائلين آمنا به ليس بصحيح ، فإن الراسخين في العلم على القول بصحة العطف على الإسم الشريف يعلمونه في كل حال من الأحوال لا في هذه الحالة الخاصة ، فاقتضى هذا أن جعل قوله { يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ } حالاً غير صحيح ، فتعين المصير إلى الاستئناف والجزم بأن قوله { وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } مبتدأ خبره { يَقُولُونَ } ، ومن جملة ما استدل به القائلون بالعطف أن الله سبحانه وصفهم بالرسوخ في العلم ، فكيف يمدحهم ، وهم لا يعلمون ذلك ؟ ويجاب عن هذا بأن تركهم لطلب علم ما لم يأذن الله به ، ولا جعل لخلقه إلى علمه سبيلاً هو من رسوخهم لأنهم علموا أن ذلك مما استأثر الله بعلمه ، وأن الذين يتبعونه هم الذين في قلوبهم زيغ ، وناهيك بهذا من رسوخ . وأصل الرسوخ في لغة العرب الثبوت في الشيء ، وكل ثابت راسخ ، وأصله في الأجرام أن ترسخ الخيل ، أو الشجر في الأرض ، ومنه قول الشاعر @ لَقَدْ رَسَخَتْ فِي الصَّدْر مِنى مَوَدةٌ لِلَيْلى أبَتْ آياتُها أن تُغيَّرا @@ فهؤلاء ثبتوا في امتثال ما جاءهم عن الله من ترك اتباع المتشابه ، وإرجاع علمه إلى الله سبحانه . ومن أهل العلم من توسط بين المقامين فقال التأويل يطلق ويراد به في القرآن شيئان أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء ، وما يئول أمره إليه ، ومنه قوله { هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَـٰى } يوسف 100 ، وقوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ } الأعراف 53 أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد ، فإن أريد بالتأويل هذا ، فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور ، وكنهها لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ ، ويكون قوله { وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } مبتدأ ، و { يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ } خبره . وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر ، وهو التفسير ، والبيان ، والتعبير عن الشيء ، كقوله { نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } يوسف 36 أي بتفسيره فالوقف على { وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } لأنهم يعلمون ، ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار ، وإن لم يحيطوا علماً بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه ، وعلى هذا ، فيكون { يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ } حالاً منهم ، ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون تأويله ، وأطنب في ذلك ، وهكذا جماعة من محققي المفسرين رجحوا ذلك . قال القرطبي قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر وهو الصحيح ، فإن تسميتهم راسخين تقضي بأنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب ، وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع ، لكن المتشابه يتنوع ، فمنه ما لا يعلم ألبتة كأمر الروح ، والساعة مما استأثر الله بعلمه ، وهذا لا يتعاطى علمه أحد ، فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه ، فإنما أراد هذا النوع . وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ، فيتأول ، ويعلم تأويله المستقيم ، ويزال ما فيه من تأويل غير مستقيم . انتهى . واعلم أن هذا الاضطراب الواقع في مقالات أهل العلم أعظم أسبابه اختلاف أقوالهم في تحقيق معنى المحكم ، والمتشابه وقد قدّمنا لك ما هو الصواب في تحقيقهما ، ونزيدك ها هنا إيضاحاً ، وبياناً ، فنقول إن من جملة ما يصدق عليه تفسير المتشابه الذي قدّمناه فواتح السور ، فإنها غير متضحة المعنى ، ولا ظاهرة الدلالة ، لا بالنسبة إلى أنفسها لأنه لا يدري من يعلم بلغة العرب ، ويعرف عرف الشرع ما معنى آلم ، آلمر ، حمۤ ، طسۤ ، طسمۤ ونحوها لأنه لا يجد بيانها في شيء من كلام العرب ، ولا من كلام الشرع ، فهي غير متضحة المعنى ، لا باعتبارها نفسها ، ولا باعتبار أمر آخر يفسرها ، ويوضحها ، ومثل ذلك الألفاظ المنقولة عن لغة العجم ، والألفاظ الغريبة التي لا يوجد في لغة العرب ، ولا في عرف الشرع ما يوضحها ، وهكذا ما استأثر الله بعلمه كالروح ، وما في قوله { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } إلى الآخر الآية لقمان 34 ، ونحو ذلك ، وهكذا ما كانت دلالته غير ظاهرة لا باعتبار نفسه ، ولا باعتبار غيره ، كورود الشيء محتملاً لأمرين احتمالاً لا يترجح أحدهما على الآخر باعتبار ذلك الشيء في نفسه ، وذلك كالألفاظ المشتركة مع عدم ورود ما يبين المراد من معنى ذلك المشترك من الأمور الخارجة ، وكذلك ورود دليلين متعارضين تعارضاً كلياً بحيث لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر ، لا باعتبار نفسه ، ولا باعتبار أمر آخر يرجحه . وأما ما كان واضح المعنى باعتبار نفسه بأن يكون معروفاً في لغة العرب ، أو في عرف الشرع ، أو باعتبار غيره ، وذلك كالأمور المجملة التي ورد بيانها في موضع آخر من الكتاب العزيز ، أو في السنة المطهرة ، أو الأمور التي تعارضت دلالتها ، ثم ورد ما يبين راجحها من مرجوحها في موضع آخر من الكتاب ، أو السنة ، أو سائر المرجحات المعروفة عند أهل الأصول المقبولة عند أهل الإنصاف ، فلا شك ، ولا ريب أن هذه من المحكم لا من المتشابه ، ومن زعم أنها من المتشابه ، فقد اشتبه عليه الصواب ، فاشدد يديك على هذا فإنك تنجو به من مضايق ، ومزالق وقعت للناس في هذا المقام حتى صارت كل طائفة تسمى ما دل لما ذهب إليه محكماً ، وما دل على ما يذهب إليه من يخالفها متشابهاً سيما أهل علم الكلام ، ومن أنكر هذا ، فعليه بمؤلفاتهم . واعلم أنه قد ورد في الكتاب العزيز ما يدل على أنه جميعه محكم ، ولكن لا بهذا المعنى الوارد في هذه الآية بل بمعنى آخر ، ومن ذلك قوله تعالى { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ } هود 1 وقوله { تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ } يونس 1والمراد بالمحكم بهذا المعنى أنه صحيح الألفاظ قويم المعاني فائق في البلاغة ، والفصاحة على كل كلام . وورد أيضاً ما يدل على أنه جميعه متشابه لكن لا بهذا المعنى الوارد في هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها بل بمعنى آخر ، ومنه قوله تعالى { كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً } الزمر 23 والمراد بالمتشابه بهذا المعنى أنه يشبه بعضه بعضاً في الصحة ، والفصاحة ، والحسن ، والبلاغة . وقد ذكر أهل العلم لورود المتشابه في القرآن فوائد منها أنه يكون في الوصول إلى الحق مع وجودها فيه مزيد صعوبة ، ومشقة ، وذلك يوجب مزيد الثواب للمستخرجين للحق ، وهم الأئمة المجتهدون ، وقد ذكر الزمخشري ، والرازي ، وغيرهما وجوهاً هذا أحسنها ، وبقيتها لا تستحق الذكر ها هنا . قوله { كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا } فيه ضمير مقدر عائد على مسمى المحكم ، والمتشابه ، أي كله ، أو المحذوف غير ضمير ، أي كل واحد منهما ، وهذا من تمام المقول المذكور قبله . وقوله { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلألْبَـٰبِ } أي العقول الخالصة وهم الراسخون في العلم ، الواقفون عند متشابهه ، العالمون بمحكمه العاملون بما أرشدهم الله إليه في هذه الآية . وقوله { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ } الخ من تمام ما يقوله الراسخون ، أي يقولون آمنا به كل من عند ربنا ، ويقولون { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } قال ابن كيسان سألوا ألا يزيغوا ، فتزيغ قلوبهم نحو قوله تعالى { فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الصف 5 كأنهم لما سمعوا قوله سبحانه { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ } قالوا { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } باتباع المتشابه { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } إلى الحق بما أذنت لنا من العمل بالآيات المحكمات ، والظرف ، وهو قوله { بعد } منتصب بقوله لا تزغ . قوله { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي كائنة من عندك ، و " من " لابتداء الغاية و " لدن " بفتح اللام ، وضم الدال ، وسكون النون ، وفيه لغات أخر هذه أفصحها ، وهو ظرف مكان ، وقد يضاف إلى الزمان ، وتنكير { رحمة } للتعظيم أي رحمة عظيمة واسعة . وقوله { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } تعليل للسؤال ، أو لإعطاء المسئول . وقوله { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ } أي باعثهم ومحييهم بعد تفرّقهم { لِيَوْمٍ } هو يوم القيامة أي لحساب يوم ، أو لجزاء يوم ، على تقدير حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه . قوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي في وقوعه ووقوع ما فيه من الحساب ، والجزاء ، وقد تقدم تفسير الريب ، وجملة قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } للتعليل لمضمون ما قبلها ، أي أن الوفاء بالوعد شأن الإله سبحانه ، وخلفه يخالف الألوهية ، كما أنها تنافيه ، وتباينه . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال المحكمات ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وفرائضه ، وما نؤمن به ، ونعمل به . والمتشابهات منسوخه ، ومقدّمه ، ومؤخره ، وأمثاله ، وأقسامه ، وما نؤمن به ، ولا نعمل به . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال في قوله { مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ } قال الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات { قُلْ تَعَالَوْاْ } الأنعام 151 والآيتان بعدها . وفي رواية عنه أخرجها عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في قوله { آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ } قال من هنا { قُلْ تَعَالَوْاْ } إلى ثلاث آيات ، ومن هنا { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ } الإسراء 23 إلى ثلاث آيات بعدها . وأقول رحم الله ابن عباس ما أقل جدوى هذا الكلام المنقول عنه . فإن تعيين ثلاث آيات ، أو عشر ، أو مائة من جميع آيات القرآن ، ووصفها بأنها محكمة ليس تحته من الفائدة شيء ، فالمحكمات هي أكثر القرآن على جميع الأقوال حتى على قوله المنقول عنه قريباً من أن المحكمات ناسخه ، وحلاله الخ ، فما معنى تعيين تلك الآيات من آخر سورة الأنعام ؟ . وأخرج عبد بن حميد ، عنه قال المحكمات الحلال والحرام ، وللسلف أقوال كثيرة هي راجعة إلى ما قدّمنا في أوّل هذا البحث . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } يعني أهل الشك ، فيحملون المحكم على المتشابه ، والمتشابه على المحكم ، ويلبسون ، فلبس الله عليهم { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } قال تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود { زَيْغٌ } قال شك . وفي الصحيحين ، وغيرهما ، عن عائشة قالت « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } إلى قوله { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } إلى قوله { أُوْلُواْ ٱلالْبَـٰبِ } قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم الذين يجادلون فيه ، فهم الذين عني ، فاحذروهم " وفي لفظ « فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذي سماهم الله ، فاحذروهم » هذا لفظ البخاري ، ولفظ ابن جرير ، وغيره « فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، والذين يجادلون فيه ، فهم الذين عنى الله ، فلا تجالسوهم » وأخرج عبد بن حميد ، وعبد الرزاق ، وأحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ } قال هم الخوارج . وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كان الكتاب الأوّل ينزل من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن على سبعة أحرف زاجر ، وآمر ، وحلال وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، وافعلوا ما أمرتم به ، وانتهوا عما نهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله ، واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا " وأخرجه ابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود موقوفاً . وأخرج الطبراني ، عن عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود ، فذكر نحوه ، وأخرج البخاري في التاريخ عن علي مرفوعاً بإسناد ضعيف نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي داود في المصاحف ، عن ابن مسعود نحوه . وأخرج ابن جرير ، وأبو يعلى ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نزل القرآن على سبعة أحرف ، والمراء في القرآن كفر ، ما عرفتم ، فاعملوا به ، وما جهلتم منه ، فردوه إلى عالمه " وإسناده صحيح . وأخرج البيهقي في الشعب ، عن أبي هريرة مرفوعاً ، وفيه " واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه " وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، عن طاوس قال كان ابن عباس يقرؤها " وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَيَقُولُ ٱلرَّاسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ آمنا بِهِ " وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال في قراءة عبد الله وإن حقيقة تأويله إلا عند الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنا به . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي الشعثاء ، وأبي نهيك قال إنكم تصلون هذه الآية ، وهي مقطوعة { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا } فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا . وأخرج ابن جرير ، عن عروة . قال الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله ، ولكنهم يقولون آمنا به كلّ من عند ربنا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عمر بن عبد العزيز نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، عن أبيّ قال كتاب الله ما استبان ، فاعمل به ، وما اشتبه عليك ، فآمِن به ، وكله إلى عالمه . وأخرج أيضاً ، عن ابن مسعود قال إن للقرآن مناراً ، كمنار الطريق ، فما عرفتم ، فتمسكوا به ، وما اشتبه عليكم ، فذروه . وأخرج أيضاً ، عن معاذ نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس قال تفسير القرآن على أربعة وجوه تفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال ، أو حرام ، وتفسير تعرفه العرب بلغتها ، وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله ، من ادعى علمه ، فهو كذاب . وأخرج ابن جرير عنه قال أنزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله ، ومن ادّعى علمه سوى الله ، فهو كاذب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه قال أنا ممن يعلم تأويله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عنه في قوله { يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ } نؤمن بالمحكم ، وندين به ، ونؤمن بالمتشابه ، ولا ندين به ، وهو من عند الله كله . وأخرج الدارمي في مسنده ، ونصر المقدسي في الحجة ، عن سليمان بن يسار أن رجلاً يقال له ضبيع قدم المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن . فأرسل إليه عمر ، وقد أعدّ له عراجين النخل ، فقال من أنت ؟ فقال أنا عبد الله ضبيع ، فقال وأنا عبد الله عمر ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين ، فضربه حتى دمى رأسه ، فقال يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي . وأخرجه الدارمي أيضاً من وجه آخر ، وفيه أنه ضربه ثلاث مرات يتركه في كل مرة حتى يبرأ ، ثم يضربه . وأخرج أصل القصة ابن عساكر في تاريخه ، عن أنس . وأخرج الدارمي ، وابن عساكر أن عمر كتب إلى أهل البصرة أن لا يجالسوا ضبيعاً ، وقد أخرج هذه القصة جماعة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، عن أنس ، وأبي أمامة ، وواثلة بن الأسقع ، وأبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم ؟ فقال " من برّت يمينه ، وصدق لسانه ، واستقام قلبه ، ومن عفّ بطنه ، وفرجه ، فذلك من الراسخين في العلم " وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن يزيد الأزدي عن أنس مرفوعاً نحوه . وأخرج أبو داود ، والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجدال في القرآن كفر " وأخرج نصر المقدسي في الحجة ، عن ابن عمر قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن وراء حجرته قوم يتجادلون بالقرآن ، فخرج محمرة وجنتاه ، كأنما يقطران دماً ، فقال " يا قوم لا تجادلوا بالقرآن ، فإنما ضل من كان قبلكم بجدالهم ، إن القرآن لم ينزل ، ليكذب بعضه بعضاً ، ولكن نزل ليصدق بعضه بعضاً ، فما كان من محكمه ، فاعملوا به ، وما كان من متشابهه ، فآمنوا به " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أم سلمة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول " يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك ، ثم قرأ { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } الآية " وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، وابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه عنها مرفوعاً نحوه بأطول منه . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن مردويه ، عن عائشة مرفوعاً نحوه . وقد ورد نحوه من طرق أخر . وأخرج ابن النجار في تاريخه في قوله { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ } الآية . عن جعفر بن محمد الخلدي قال روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن " من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه ردّه الله عليه ، ويقول بعد قراءتها يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين مالي إنك على كل شيء قدير " .