Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 65-68)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ادّعت كل واحدة من طائفتي اليهود ، والنصارى أن إبراهيم عليه السلام كان على دينهم ردّ الله سبحانه ذلك عليهم ، وأبان بأن الملة اليهودية ، والملة النصرانية إنما كانتا من بعده . قال الزجاج هذه الآية أبين حجة على اليهود ، والنصارى أن التوراة ، والإنجيل نزلا من بعده ، وليس فيهما اسم لواحد من الأديان ، واسم الإسلام في كل كتاب . انتهى . وفيه نظر ، فإن الإنجيل مشحون بالآيات من التوراة ، وذكر شريعة موسى ، والاحتجاج بها على اليهود ، وكذلك الزبور فيه في مواضع ذكر شريعة موسى ، وفي أوائله التبشير بعيسى ، ثم في التوراة ذكر كثير من الشرائع المتقدّمة ، يعرف هذا كل من عرف هذه الكتب المنزلة . وقد اختلف في قدر المدّة التي بين إبراهيم وموسى ، والمدّة التي بين موسى ، وعيسى . قال القرطبي يقال كان بين إبراهيم ، وموسى ألف سنة ، وبين موسى ، وعيسى ألفا سنة . وكذا في الكشاف . قوله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي تتفكرون في دحوض حجتكم ، وبطلان قولكم . قوله { تَعْقِلُونَ هأَنتُمْ هَـٰؤُلاء حَـٰجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ } الأصل في ها أنتم أأنتم أبدلت الهمزة الأولى هاء لأنها أختها كذا قال أبو عمرو بن العلاء ، والأخفش . قال النحاس وهذا قول حسن . وقرأ قنبل { هَـأَنْتُمْ } وقيل الهاء للتنبيه دخلت على الجملة التي بعدها ، أي ها أنتم هؤلاء الرجال الحمقى حاججتم ، وفي { هؤلاء } لغتان المدّ ، والقصر . والمراد بما لهم به علم هو ما كان في التوراة ، وإن خالفوا مقتضاه ، وجادلوا فيه بالباطل ، والذي لا علم لهم به هو زعمهم أن إبراهيم كان على دينهم لجهلهم بالزمن الذي كان فيه . وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل ، بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحقّ ، كما في حديث " من ترك المراء ، ولو محقاً ، فأنا ضمينه على الله يبيت في ربض الجنة " وقد ورد تسويغ الجدال بالتي هي أحسن لقوله تعالى { وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } النحل 125 { وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } العنكبوت 46 ونحو ذلك ، فينبغي أن يقصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة ، أو على المواطن التي المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة . قوله { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } أي كل شيء ، فيدخل في ذلك ما حاججوا به . وقد تقدّم تفسير الحنيف . قوله { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ } أي أحقهم به ، وأخصهم للذين اتبعوا ملته ، واقتدوا بدينه { وَهَـٰذَا ٱلنَّبِىُّ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، أفرده بالذكر تعظيماً له ، وتشريفاً ، وأولويته صلى الله عليه وسلم بإبراهيم من جهة كونه من ذريته ، ومن جهة موافقته لدينه في كثير من الشريعة المحمدية { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال اجتمعت نصارى نجران ، وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهودياً ، وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانياً ، فنزل فيهم { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاجُّونَ في إبراهيم } الآية . وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية { هأَنتُمْ هَـٰؤُلاء حَـٰجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ } يقول فيما شهدتم ، ورأيتم ، وعاينتم { فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } يقول فيما لم تشهدوا ، ولم تروا ، ولم تعاينوا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدّي ، في الآية قال أما الذي لهم به علم ، فما حرّم عليهم وما أمروا به ، وأما الذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم . وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال يعذر من حاجّ بعلم ، ولا يعذر من حاجّ بالجهل . وأخرج ابن جرير ، عنه عن الشعبي ، في قوله { مَا كَانَ إِبْرٰهِيمُ } قال أكذبهم الله ، وأدحض حجتهم . وأخرج أيضاً عن الربيع مثله . وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان نحوه . وأخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب حدّثني ابن غنم أنه لما خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ، فذكر قصتهم معه ، وما قالوه له لما قال له عمرو بن العاص إنهم يشتمون عيسى ، وهي قصة مشهورة ثم قال فأنزلت ذلك اليوم خصومتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بالمدينة { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرٰهِيمَ } الآية . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن لكل نبيّ ولاة من النبيين ، وإن وليي منهم أبي خليل ربي ، ثم قرأ { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ } الآية " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحكم بن ميناء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا معشر قريش إن أولى الناس بالنبيّ المتقون ، فكونوا أنتم سبيل ذلك ، فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال ، وتلقوني بالدنيا تحملونها ، فأصدّ عنكم بوجهي ، ثم قرأ عليهم { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرٰهِيمَ } الآية " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في الآية قال كل مؤمن وليّ إبراهيم ممن مضى ، وممن بقي .