Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 86-91)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا } هذا الاستفهام معناه الجحد ، أي لا يهدي الله ، ونظيره قوله تعالى { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ } التوبة 7 أي لا عهد لهم ، ومثله قول الشاعر @ كَيْفَ نَومْي عَلى الفِراش ولما تَشْمل الشَامَ غَارة شَعْواءُ @@ أي لا نوم لي . ومعنى الآية لا يهدي الله قوماً إلى الحق كفروا بعد إيمانهم ، وبعدما شهدوا أن الرسول حق ، وبعد ما جاءتهم البينات من كتاب الله سبحانه ، ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } جملة حالية ، أي كيف يهدي المرتدّين ، والحال أنه لا يهدي من حصل منهم مجرد الظلم لأنفسهم ، ومنهم الباقون على الكفر ، ولا ريب أن ذنب المرتدّ أشدّ من ذنب من هو باق على الكفر لأن المرتدّ قد عرف الحق ، ثم أعرض عناداً ، وتمرّداً . قوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى القوم المتصفين بتلك الصفات السابقة ، وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده . وقد تقدّم تفسير اللعن . وقوله { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } معناه يؤخرون ويمهلون . ثم استثنى التائبين فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد الارتداد { وَأَصْلَحُواْ } بالإسلام ما كان قد أفسدوه من دينهم بالردّة . وفيه دليل على قبول توبة المرتد إذا رجع إلى الإسلام مخلصاً ، ولا خلاف في ذلك فيما أحفظ . قوله { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } . قال قتادة ، وعطاء الخراساني ، والحسن نزلت في اليهود ، والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته ، وصفته { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } بإقامتهم على كفرهم ، وقيل ازدادوا كفراً بالذنوب التي اكتسبوها ، ورجحه ابن جرير الطبري ، وجعلها في اليهود خاصة . وقد استشكل جماعة من المفسرين قوله تعالى { لن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } مع كون التوبة مقبولة ، كما في الآية الأولى ، وكما في قوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } الشورى 25 وغير ذلك ، فقيل المعنى لن تقبل توبتهم بعد الموت . قال النحاس وهذا قول حسن ، كما قال تعالى { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَـٰتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنّى تُبْتُ ٱلآنَ } النساء 18 وبه قال الحسن ، وقتادة ، وعطاء ، ومنه الحديث " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " وقيل المعنى لمن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا لأن الكفر أحبطها ، وقيل لمن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر ، والأولى أن يحمل عدم قبولهم التوبة في هذه الآية على من مات كافراً غير تائب ، فكأنه عبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة ، وتكون الآية المذكورة بعد هذه الآية ، وهي قوله { إِن ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } في حكم البيان لها . قوله { مّلْء ٱلأرْضِ ذَهَبًا } الملء بالكسر مقداراً ما يملأ الشيء ، والملء بالفتح مصدر ملأت الشيء ، و { ذهبا } تمييز ، قاله الفراء وغيره . وقال الكسائي نصب على إضمار من ذهب . كقوله { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } المائدة 95 أي من صيام . وقرأ الأعمش « ذهب » بالرفع على أنه بدل من ملء ، والواو في قوله { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } قيل هي مقحمة زائدة ، والمعنى لو افتدى به . وقيل فيه حمل على الغنى كأنه قيل فلن يقبل من أحدهم فدية ، ولو افتدى بملء الأرض ذهباً . وقيل هو عطف على مقدر ، أي لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً لو تصدق به في الدنيا ، ولو افتدى به من العذاب أي بمثله . وقد أخرج النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس قال كان رجل من الأنصار أسلم ، ثم ارتد ، ولحق بالمشركين ، ثم ندم ، فأرسل إلى قومه أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة ؟ فنزلت { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } إلى قوله { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فأرسل إليه قومه ، فأسلم . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد نحوه ، وقال هو الحارث بن سويد . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن السدي نحوه ، وأخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر ، عن ابن عباس ، نحوه أيضاً . وقد روى عن جماعة نحوه أيضاً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } . قال هم أهل الكتاب من اليهود عرفوا محمداً ، ثم كفروا به . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن الحسن قال هم أهل الكتاب من اليهود ، والنصارى ، وذكر نحو ما تقدّم عنه . وأخرج البزار ، عن ابن عباس أن قوماً أسلموا ، ثم ارتدوا ، ثم أسلموا ، ثم ارتدوا ، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا } قال السيوطي هذا خطأ من البزار . وأخرج ابن جرير ، عن الحسن في الآية قال اليهود ، والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية قال هم اليهود كفروا بالإنجيل ، وعيسى ، ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في الآية قال إنما نزلت في اليهود ، والنصارى كفروا بعد إيمانهم ، ثم ازدادوا كفراً بذنوب أذنبوها ، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم ، ولو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ، ولكنهم على الضلالة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } قال نموا على كفرهم . وأخرج ابن جرير ، عن السدي في قوله { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } قال ماتوا وهم كفار { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } قال إذا تاب عند موته لم تقبل توبته . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } قال تابوا من الذنوب ، ولم يتوبوا من الأصل . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } قال هو كل كافر . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يجاء بالكافر يوم القيامة ، فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به ، فيقول نعم ، فيقال له لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك ، فذلك قوله تعالى { إِن ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ … } " الآية .