Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 47-60)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ } كما أرسلناك إلى قومك { فَجَاءُوهُم بِٱلْبَيّنَاتِ } أي بالمعجزات ، والحجج النيرات { فانتقمنا } أي فكفروا فَٱنتَقَمْنَا { مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } أي فعلوا الإجرام ، وهي الآثام { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } هذا إخبار من الله سبحانه بأن نصره لعباده المؤمنين حق عليه ، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد ، وفيه تشريف للمؤمنين ومزيد تكرمة لعباده الصالحين ، ووقف بعض القراء على { حقاً } وجعل اسم كان ضميراً فيها وخبرها حقاً ، أي وكان الانتقام حقاً . قال ابن عطية وهذا ضعيف ، والصحيح أن نصر المؤمنين اسمها وحقاً خبرها وعلينا متعلق بـ { حقاً } ، أو بمحذوف هو صفة له . { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرّيَـٰحَ } قرأ حمزة والكسائي وابن كثير وابن محيصن " يرسل الريح " بالإفراد . وقرأ الباقون { الرياح } قال أبو عمرو كل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع ، وما كان بمعنى العذاب فهو موحد ، وهذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان ما سبق من أحوال الرياح ، فتكون على هذا جملة { ولقد أرسلنا } إلى قوله { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } معترضة { فَتُثِيرُ سَحَـٰباً } أي تزعجه من حيث هو { فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَاء كَيْفَ يَشَاء } تارة سائراً وتارة واقفاً ، وتارة مطبقاً ، وتارة غير مطبق ، وتارة إلى مسافة بعيدة ، وتارة إلى مسافة قريبة ، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة وفي سورة النور { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } تارة أخرى ، أو يجعله بعد بسطه قطعاً متفرقة ، والكسف جمع كسفة . والكسفة القطعة من السحاب . وقد تقدم تفسيره واختلاف القراءة فيه { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } الودق المطر ، و { من خلاله } من وسطه . وقرأ أبو العالية والضحاك " يخرج من خلله " . { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ } أي بالمطر { مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } أي بلادهم وأرضهم { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } إذا هي الفجائية ، أي فاجؤوا الاستبشار بمجيء المطر ، والاستبشار الفرح . { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } أي من قبل أن ينزل عليهم المطر ، وإن هي المخففة ، وفيها ضمير شأن مقدر هو اسمها ، أي وإن الشأن كانوا من قبل أن ينزل عليهم ، وقوله { مِن قَبْلِهِ } تكرير للتأكيد ، قاله الأخفش وأكثر النحويين كما حكاه عنهم النحاس . وقال قطرب إن الضمير في { قبله } راجع إلى المطر ، أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر . وقيل المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع والمطر . وقيل من قبل أن ينزل عليهم من قبل السحاب ، أي من قبل رؤيته ، واختار هذا النحاس . وقيل الضمير عائد إلى الكسف . وقيل إلى الإرسال . وقيل إلى الاستبشار . والراجح الوجه الأول ، وما بعده من هذه الوجوه كلها ففي غاية التكلف والتعسف ، وخبر كان { لَمُبْلِسِينَ } أي آيسين أو بائسين . وقد تقدّم تحقيق الكلام في هذا . { فَٱنظُرْ إِلَىٰ أَثَرِ رَحْمَتَ ٱللَّهِ } الناشئة عن إنزال المطر من النبات والثمار والزرائع التي بها يكون الخصب ورخاء العيش ، أي انظر نظر اعتبار واستبصار لتستدلّ بذلك على توحيد الله ، وتفرده بهذا الصنع العجيب . قرأ الجمهور « أثر » بالتوحيد . وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي { آثار } بالجمع { كَيْفَ يُحْييِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فاعل الإحياء ضمير يعود إلى الله سبحانه ، وقيل ضمير يعود إلى الأثر ، وهذه الجملة في محل نصب بانظر ، أي انظر إلى كيفية هذا الإحياء البديع للأرض . وقرأ الجحدري ، وأبو حيوة " تحيي " بالفوقية على أن فاعله ضمير يعود إلى الرحمة ، أو إلى الآثار على قراءة من قرأ بالجمع ، والإشارة بقوله { إِنَّ ذٰلِكَ } إلى الله سبحانه ، أي إن الله العظيم الشأن المخترع لهذه الأشياء المذكورة { لَمُحْييِ ٱلْمَوْتَىٰ } أي لقادر على إحيائهم في الآخرة ، وبعثهم ، ومجازاتهم كما أحيا الأرض الميتة بالمطر { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } أي عظيم القدرة كثيرها . { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } الضمير في { فرأوه } يرجع إلى الزرع ، والنبات الذي كان من أثر رحمة الله ، أي فرأوه مصفراً من البرد الناشىء عن الريح التي أرسلها الله بعد اخضراره . وقيل راجع إلى الريح ، وهو يجوز تذكيره وتأنيثه . وقيل راجع إلى الأثر المدلول عليه بالآثار . وقيل راجع إلى السحاب لأنه إذا كان مصفراً لم يمطر ، والأول أولى . واللام هي الموطئة ، وجواب القسم { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } ، وهو يسدّ مسد جواب الشرط . والمعنى ولئن أرسلنا ريحاً حارة أو باردة ، فضربت زرعهم بالصفار لظلوا من بعد ذلك يكفرون بالله ، ويجحدون نعمه ، وفي هذا دليل على سرعة تقلبهم وعدم صبرهم ، وضعف قلوبهم ، وليس كذا حال أهل الإيمان . ثم شبههم بالموتى وبالصم فقال { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } إذا دعوتهم ، فكذا هؤلاء لعدم فهمهم للحقائق ومعرفتهم للصواب { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاء } إذا دعوتهم إلى الحق ، ووعظتهم بمواعظ الله وذكرتهم الآخرة وما فيها ، وقوله { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } بيان لإعراضهم عن الحق بعد بيان كونهم كالأموات وكونهم صمّ الآذان ، قد تقدّم تفسير هذا في سورة النمل . ثم وصفهم بالعمى فقال { وَمَا أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْىِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } لفقدهم للانتفاع بالأبصار كما ينبغي . أو لفقدهم للبصائر { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } أي ما تسمع إلاّ هؤلاء لكونهم أهل التفكر والتدبر والاستدلال بالآثار على المؤثر { فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي منقادون للحق متبعون له . { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ } ذكر سبحانه استدلالاً آخر على كمال قدرته ، وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة ، ومعنى من ضعف من نطفة . قال الواحدي قال المفسرون من نطفة ، والمعنى من ذي ضعف . وقيل المراد حال الطفولية والصغر { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ } ، وهي قوّة الشباب ، فإنه إذ ذاك تستحكم القوّة وتشتدّ الخلقة إلى بلوغ النهاية { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً } أي عند الكبر والهرم { وَشَيْبَةً } الشيبة هي تمام الضعف ونهاية الكبر . قرأ الجمهور « ضعف » بضم الضاد في هذه المواضع . وقرأ عاصم وحمزة بفتحها . وقرأ الجحدري بالفتح في الأوّلين والضم في الثالث . قال الفراء الضم لغة قريش والفتح لغة تميم . قال الجوهري الضعف والضعف خلاف القوّة ، وقيل هو بالفتح في الرأي ، وبالضم في الجسم { يَخْلُقُ مَا يَشَاء } يعني من جميع الأشياء ، ومن جملتها القوّة والضعف في بني آدم { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } بتدبيره { ٱلْقَدِيرُ } على خلق ما يريده ، وأجاز الكوفيون " من ضعف " بفتح الضاد والعين . { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } أي القيامة ، وسميت ساعة لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا { يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } أي يحلفون ما لبثوا في الدنيا ، أو في قبورهم غير ساعة ، فيمكن أن يكونوا استقلوا مدّة لبثهم ، واستقرّ ذلك في أذهانهم ، فحلفوا عليه وهم يظنون أن حلفهم مطابق للواقع . وقال ابن قتيبة إنهم كذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل ، وهذا هو الظاهر لأنهم إن أرادوا لبثهم في الدنيا ، فقد علم كل واحد منهم مقداره ، وإن أرادوا لبثهم في القبور فقد حلفوا على جهالة إن كانوا لا يعرفون الأوقات في البرزخ { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } يقال أفك الرجل إذا صرف عن الصدق ، فالمعنى مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون . وقيل المراد يصرفون عن الحق . وقيل عن الخير ، والأوّل أولى ، وهو دليل على أن حلفهم كذب . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَـٰنَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } اختلف في تعيين هؤلاء الذين أوتوا العلم ، فقيل الملائكة . وقيل الأنبياء . وقيل علماء الأمم . وقيل مؤمنو هذه الأمة ، ولا مانع من الحمل على الجميع . ومعنى في كتاب الله في علمه وقضائه . قال الزجاج في علم الله المثبت في اللوح المحفوظ . قال الواحدي والمفسرون حملوا هذا على التقديم والتأخير على تقدير وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله ، وكان ردّ الذين أوتوا العلم عليهم باليمين للتأكيد ، أو للمقابلة لليمين باليمين ، ثم نبهوهم على طريقة التبكيت بأن { هَـٰذَا } الوقت الذي صاروا فيه هو { يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أنه حق ، بل كنتم تستعجلونه تكذيباً واستهزاء . { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ } أي لا ينفعهم الاعتذار يومئذ ولا يفيدهم علمهم بالقيامة . وقيل لما ردّ عليهم المؤمنون سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا . قرأ الجمهور { لا تنفع } بالفوقية ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتحتية { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يقال استعتبته فأعتبني ، أي استرضيته ، فأرضاني ، وذلك إذا كنت جانياً عليه ، وحقيقة أعتبته أزلت عتبه ، والمعنى أنهم لا يدعون إلى إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إلى ذلك في الدنيا . { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلّ مَثَلٍ } أي من كلّ مثل من الأمثال التي تدلهم على توحيد الله وصدق رسله واحتججنا عليهم بكل حجة تدل على بطلان الشرك { وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِـئَايَةٍ } من آيات القرآن الناطقة بذلك ، أو لئن جئتهم بآية كالعصا واليد { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } أي ما أنت يا محمد وأصحابك إلاّ مبطلون أصحاب أباطيل تتبعون السحر وما هو مشاكل له في البطلان { كَذٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي مثل ذلك الطبع يطبع الله على قلوب الفاقدين للعلم النافع الذي يهتدون به إلى الحق ، وينجون به من الباطل . ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر معللاً لذلك بحقية وعد الله وعدم الخلف فيه ، فقال { فَٱصْبِرْ } على ما تسمعه منهم من الأذى وتنظره من الأفعال الكفرية فإن الله قد وعدك بالنصر عليهم وإعلاء حجتك وإظهار دعوتك ووعده حق لا خلف فيه { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } أي لا يحملنك على الخفة ، ويستفزنك عن دينك ، وما أنت عليه ، الذين لا يوقنون بالله ، ولا يصدقون أنبياءه ، ولا يؤمنون بكتبه ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، يقال استخف فلان فلاناً ، أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغيّ . قرأ الجمهور { يستخفنك } بالخاء المعجمة والفاء ، وقرأ يعقوب وابن أبي إسحاق بحاء مهملة وقاف من الاستحقاق ، والنهي في الآية من باب لا أرينك هاهنا . وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " مامن مسلم يردّ عن عرض أخيه إلاّ كان حقاً على الله أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة " ، ثم تلا { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } . وهو من طريق شهر بن حوشب عن أمّ الدرداء عن أبي الدرداء . وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عنه في قوله { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } قال قطعاً بعضها فوق بعض { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ } قال المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } قال من بينه . وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاء } في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بدر ، والإسناد ضعيف . والمشهور في الصحيحين وغيرهما أن عائشة استدلت بهذه الآية على ردّ رواية من روى من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أهل قليب بدر ، وهو من الاستدلال بالعام على ردّ الخاص ، فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قيل له إنك تنادي أجساداً بالية " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " وفي مسلم من حديث أنس أن عمر بن الخطاب لما سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يناديهم ، فقال يا رسول الله ، تناديهم بعد ثلاث ، وهل يسمعون ؟ يقول الله { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } ، فقال " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم ، ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا " .