Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 29-34)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الخطاب بقوله { أَلَمْ تَرَ } لكلّ أحد يصلح لذلك ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم { أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْل } أي يدخل كل واحد منهما في الآخر ، وقد تقدّم تفسيره في سورة الحج والأنعام { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي ذللهما وجعلهما منقادين بالطلوع والأفول تقديراً للآجال ، وتتميما للمنافع ، والجملة معطوفة على ما قبلهما مع اختلافهما { كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } اختلف في الأجل المسمى ماذا هو ؟ فقيل هو يوم القيامة . وقيل وقت الطلوع ووقت الأفول ، والأوّل أولى ، وجملة { وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } معطوفة على أن { الله يولج } أي خبير بما تعملونه من الأعمال لا تخفى عليه منها خافية لأن من قدر على مثل هذه الأمور العظيمة فقدرته على العلم بما تعملونه بالأولى . قرأ الجمهور { تعملون } بالفوقية ، وقرأ السلمي ونصر بن عامر والدوري عن أبي عمرو بالتحتية على الخبر . والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم ذكره ، والباء في { بِأَنَّ ٱللَّهَ } للسببية ، أي ذلك بسبب أنه سبحانه { هُوَ ٱلْحَقُّ } وغيره الباطل ، أو متعلقة بمحذوف ، أي فعل ذلك ليعلموا أنه الحق { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ } قال مجاهد الذي يدعون من دونه هو الشيطان . وقيل ما أشركوا به من صنم ، أو غيره ، وهذا أولى { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } معطوفة على جملة { أن الله هو الحق } والمعنى أن ذلك الصنع البديع الذي وصفه في الآيات المتقدّمة للاستدلال به على حقية الله ، وبطلان ما سواه ، وعلوّه وكبريائه { هو العليّ } في مكانته ، ذو الكبرياء في ربوبيته وسلطانه . ثم ذكر من عجيب صنعه وبديع قدرته نوعاً آخر فقال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِى ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ } أي بلطفه بكم ورحمته لكم ، وذلك من أعظم نعمه عليكم لأنها تخلصكم من الغرق عند أسفاركم في البحر لطلب الرزق ، وقرأ ابن هرمز " بنعمات الله " جمع نعمة { لِيُرِيَكُمْ مّنْ ءَايَـٰتِهِ } " من " للتبعيض ، أي ليريكم بعض آياته . قال يحيـى بن سلام وهو جري السفن في البحر بالريح . وقال ابن شجرة المراد بقوله { من آياته } ما يشاهدونه من قدرة الله . وقال النقاش ما يرزقهم الله في البحر { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } هذه الجملة تعليل لما قبلها ، أي إن فيما ذكر لآيات عظيمة لكل من له صبر بليغ وشكر كثير ، يصبر عن معاصي الله ، ويشكر نعمه . { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ } شبه الموج لكبره بما يظلّ الإنسان من جبل أو سحاب أو غيرهما ، وإنما شبه الموج وهو واحد بالظلل وهي جمع ، لأن الموت يأتي شيئاً بعد شيء ، ويركب بعضه بعضاً . وقيل إن الموج في معنى الجمع لأنه مصدر ، وأصل الموج الحركة والازدحام ، ومنه يقال ماج البحر وماج الناس . وقرأ محمد بن الحنفية « موج كالظلال » جمع ظلّ { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } أي دعوا الله وحده لا يعوّلون على غيره في خلاصهم لأنهم يعلمون أنه لا يضرّ ولا ينفع سواه ، ولكنه تغلب على طبائعهم العادات وتقليد الأموات ، فإذا وقعوا في مثل هذه الحالة اعترفوا بوحدانية الله ، وأخلصوا دينهم له طلباً للخلاص والسلامة مما وقعوا فيه { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ } صاروا على قسمين فقسم { مُّقْتَصِدٌ } أي موف بما عاهد عليه الله في البحر من إخلاص الدين له ، باق على ذلك بعد أن نجاه الله من هول البحر ، وأخرجه إلى البرّ سالماً . قال الحسن معنى { مقتصد } مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة . وقال مجاهد مقتصد في القول مضمر للكفر ، والأولى ما ذكرناه ، ويكون في الكلام حذف ، والتقدير فمنهم مقتصد ومنهم كافر ، ويدلّ على هذا المحذوف قوله { وَمَا يَجْحَدُ بِـئَايَـٰتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } الختر أسوأ الغدر ، وأقبحه ، ومنه قول الأعشى @ بالأبلق الفرد من تيماء منزله حصن حصين وجار غير ختار @@ قال الجوهري الختر الغدر ، يقال ختره فهو ختار . قال الماوردي وهذا قول الجمهور . وقال ابن عطية إنه الجاحد ، وجحد الآيات إنكارها ، والكفور عظيم الكفر بنعم الله سبحانه . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } أي لا يغني الوالد عن ولده شيئاً ، ولا ينفعه بوجه من وجوه النفع لاشتغاله بنفسه . وقد تقدّم بيان معناه في البقرة { وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } ذكر سبحانه فردين من القرابات وهو الوالد والولد ، وهما الغاية في الحنوّ والشفقة على بعضهم البعض ، فما عداهما من القرابات لا يجزي بالأولى ، فكيف بالأجانب ؟ اللهمّ اجعلنا ممن لا يرجو سواك ولا يعوّل على غيرك { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } لا يتخلف فما وعد به من الخير وأوعد به من الشرّ فهو كائن لا محالة { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } وزخارفها فإنها زائلة ذاهبة { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } قرأ الجمهور { الغرور } بفتح الغين المعجمة . والغرور هو الشيطان لأن من شأنه أن يغرّ الخلق ويمنيهم بالأماني الباطلة ، ويلهيهم عن الآخرة ، ويصدّهم عن طريق الحق . وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميفع بضم الغين مصدر غرّ يغرّ غروراً ، ويجوز أن يكون مصدراً واقعاً وصفاً للشيطان على المبالغة . { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } أي علم وقتها الذي تقوم فيه . قال الفراء إن معنى هذا الكلام النفي ، أي ما يعلمه أحد إلا الله عزّ وجلّ . قال النحاس وإنما صار فيه معنى النفي لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ } الأنعام 59 " إنها هذه " { وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ } في الأوقات التي جعلها معينة لإنزاله ، ولا يعلم ذلك غيره { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ } من الذكور والإناث والصلاح والفساد { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ } من النفوس كائنة ما كانت من غير فرق بين الملائكة والأنبياء والجنّ والإنس { مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } من كسب دين أو كسب دنيا { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ } أي بأيّ مكان يقضي الله عليها بالموت . قرأ الجمهور { وينزل الغيث } مشدّداً . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي مخففاً . وقرأ الجمهور { بأيّ أرض } ، وقرأ أبيّ بن كعب وموسى الأهوازي " بأية " وجوّز ذلك الفراء وهي لغة ضعيفة . قال الأخفش يجوز أن يقال مررت بجارية أيّ جارية . قال الزجاج من ادّعى أنه يعلم شيئاً من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { خَتَّارٍ } قال جحاد . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } قال هو الشيطان . وكذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة . وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال جاء رجل من أهل البادية ، فقال إن امرأتي حبلى ، فأخبرني ما تلد ؟ وبلادنا مجدبة ، فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت ؟ فأنزل الله { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } الآية . وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه وزاد وقد علمت ما كسبت اليوم ، فماذا أكسب غداً ؟ وزاد أيضاً أنه سأله عن قيام الساعة . وأخرج البخاري ومسلم ، وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله ، ولا متى ينزل الغيث إلا الله ، وما تدري نفس بأيّ أرض تموت إلا الله " وفي الصحيحين ، وغيرهما من حديث أبي هريرة في حديث سؤاله عن الساعة وجوابه بأشراطها ، ثم قال " في خمس لا يعلمهنّ إلا الله ، ثم تلا هذه الآية " وفي الباب أحاديث .