Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 51-54)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم ذكر سبحانه حالاً من أحوال الكفار ، فقال { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } ، والخطاب لرسول الله ، أو لكل من يصلح له قيل المراد فزعهم عند نزول الموت بهم . وقال الحسن هو فزعهم في القبور من الصيحة ، وقال قتادة هو فزعهم إذا خرجوا من قبورهم . وقال السدّي هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة ، فلم يستطيعوا فراراً ولا رجوعاً إلى التوبة . وقال ابن مغفل هو فزعهم إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة . وقال سعيد بن جبير هو الخسف الذي يخسف بهم في البيداء ، فيبقى رجل منهم ، فيخبر الناس بما لقي أصحابه ، فيفزعون . وجواب لو محذوف ، أي لرأيت أمراً هائلاً ، ومعنى { فَلاَ فَوْتَ } فلا يفوتني أحد منهم ، ولا ينجو منهم ناجٍ . قال مجاهد فلا مهرب { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } من ظهر الأرض ، أو من القبور ، أو من موقف الحساب . وقيل من حيث كانوا ، فهم من الله قريب لا يبعدون عنه ، ولا يفوتونه . قيل ويجوز أن يكون هذا الفزع هو الفزع الذي بمعنى الإجابة ، يقال فزع الرجل إذا أجاب الصارخ الذي يستغيث به كفزعهم إلى الحرب يوم بدر . { وَقَالُواْ ءامَنَّا بِهِ } أي بمحمد ، قاله قتادة ، أو بالقرآن . وقال مجاهد بالله عزّوجلّ . وقال الحسن بالبعث { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } التناوش التناول ، وهو تفاعل من التناوش الذي هو التناول ، والمعنى كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد ، يعني في الآخرة ، وقد تركوه في الدنيا ، وهو معنى { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } وهو تمثيل لحالهم في طلب الخلاص بعد ما فات عنهم . قال ابن السكيت يقال للرجل إذا تناول رجلاً ليأخذ برأسه ، أو بلحيته ناشه ينوشه نوشاً ، وأنشد @ فهي تنوش الحوض نوشاً من علا نوشاً به تقطع أحواز الفلا @@ أي تناول ماء الحوض من فوق ، ومنه المناوشة في القتال ، وقيل التناوش الرجعة ، أي وأنى لهم الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا ، ومنه قول الشاعر @ تمنى أن تئوب إليّ مي وليس إلى تناوشها سبيل @@ وجملة { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } في محل نصب على الحال ، أي والحال أن قد كفروا بما آمنوا به الآن من قبل هذا الوقت ، وذلك حال كونهم في الدنيا . قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، والأعمش التناؤش بالهمز ، وقرأ الباقون بالواو ، واستبعد أبو عبيد ، والنحاس القراءة الأولى ، ولا وجه للاستبعاد ، فقد ثبت ذلك في لغة العرب ، وأشعارها ، ومنه قول الشاعر @ قعدت زماناً عن طلابك للعلا وجئت نئيشاً بعد ما فاتك الخير @@ أي وجئت أخيراً . قال الفراء الهمز ، وترك الهمز متقارب { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } أي يرمون بالظنّ ، فيقولون لا بعث ، ولا نشور ، ولا جنة ، ولا نار { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } أي من جهة بعيدة ليس فيها مستند لظنهم الباطل . وقيل المعنى يقولون في القرآن أقوال باطلة إنه سحر ، وشعر ، وأساطير الأوّلين . وقيل يقولون في محمد إنه ساحر شاعر كاهن مجنون . وقرأ أبو حيوة ، ومجاهد ، ومحبوب عن أبي عمرو يقذفون مبنياً للمفعول ، أي يرجمون بما يسوؤهم من جراء أعمالهم من حيث لا يحتسبون ، وفيه تمثيل لحالهم بحال من يرمي شيئاً لا يراه من مكان بعيد لا مجال للوهم في لحوقه ، والجملة إما معطوفة على { وقد كفروا به } على أنها حكاية للحال الماضية ، واستحضار لصورتها ، أو مستأنفة لبيان تمثيل حالهم . { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من النجاة من العذاب ، ومنعوا من ذلك وقيل حيل بينهم ، وبين ما يشتهون في الدنيا من أموالهم ، وأهليهم ، أو حيل بينهم ، وبين ما يشتهونه من الرجوع إلى الدنيا { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـٰعِهِم مّن قَبْلُ } أي بأمثالهم ، ونظرائهم من كفار الأمم الماضية ، والأشياع جمع شيع ، وشيع جمع شيعة ، وجملة { إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكّ مُّرِيبِ } تعليل لما قبلها ، أي في شك موقع في الريبة ، أو ذي ريبة من أمر الرسل ، والبعث ، والجنة ، والنار ، أو في التوحيد ، وما جاءتهم به الرسل من الدين ، يقال أراب الرجل إذا صار ذا ريبة ، فهو مريب ، وقيل هو من الريب الذي هو الشك ، فهو كما يقال عجب عجيب ، وشعر شاعر . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { فَلاَ فَوْتَ } قال فلا نجاة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } قال هو جيش السفياني قيل من أين أخذوا ؟ قال من تحت أقدامهم . وقد ثبت في الصحيح أنه يخسف بجيش في البيداء من حديث حفصة ، وعائشة ، وخارج الصحيح من حديث أمّ سلمة ، وصفية ، وأبي هريرة ، وابن مسعود ، وليس في شيء منها أن ذلك سبب نزول هذه الآية ، ولكنه أخرج ابن جرير من حديث حذيفة بن اليمان قصة الخسف هذه مرفوعة ، وقال في آخرها فذلك قوله عزّ وجلّ في سورة سبأ { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ } الآية . وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } قال كيف لهم الردّ ؟ { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } قال يسألون الردّ ، وليس بحين ردّ . وأخرج ابن المنذر عن التيمي قال أتيت ابن عباس قلت ما التناوش ؟ قال تناول الشيء ، وليس بحين ذاك .