Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 149-182)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما كانت قريش ، وقبائل من العرب يزعمون أن الملائكة بنات الله أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم باستفتائهم على طريقة التقريع ، والتوبيخ ، فقال { فَٱسْتَفْتِهِمْ } يا محمد ، أي استخبرهم { أَلِرَبّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } أي كيف يجعلون لله ، على تقدير صدق ما زعموه من الكذب أدنى الجنسين ، وأوضعهما ، وهو الإناث ، ولهم أعلاهما ، وأرفعهما ، وهم الذكور ، وهل هذا إلا حيف في القسمة لضعف عقولهم ، وسوء إدراكهم ؟ ومثله قوله { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } النجم 21 ، 22 ثم زاد في توبيخهم ، وتقريعهم . فقال { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلَـٰئِكَةَ إِنَـٰثاً وَهُمْ شَـٰهِدُونَ } فأضرب عن الكلام الأوّل إلى ما هو أشدّ منه في التبكيت ، والتهكم بهم ، أي كيف جعلوهم إناثاً ، وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم ، وهذا كقوله { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } الزخرف 19 فبيّن سبحانه أن مثل ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة ، ولم يشهدوا ، ولا دلّ دليل على قولهم من السمع ، ولا هو مما يدرك بالعقل حتى ينسبوا إدراكه إلى عقولهم . ثم أخبر سبحانه عن كذبهم ، فقال { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فبيّن سبحانه أن قولهم هذا هو من الإفك ، والافتراء من دون دليل ، ولا شبهة دليل ، فإنه لم يلد ، ولم يولد . قرأ الجمهور { ولد الله } فعلاً ماضياً مسنداً إلى الله . وقرىء بإضافة ولد إلى الله على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي يقولون الملائكة ولد الله ، والولد بمعنى مفعول يستوي فيه المفرد ، والمثنى ، والمجموع ، والمذكر ، والمؤنث . ثم كرر سبحانه تقريعهم ، وتوبيخهم ، فقال { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنها للاستفهام الإنكاري ، وقد حذف معها همزة الوصل استغناء به عنها . وقرأ نافع في رواية عنه ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعمش بهمزة وصل تثبت ابتداء ، وتسقط درجاً ، ويكون الاستفهام منوياً قاله الفراء . وحذف حرفه للعلم به من المقام ، أو على أن اصطفى ، وما بعده بدل من الجملة المحكية بالقول . وعلى تقدير عدم الاستفهام ، والبدل . فقد حكى جماعة من المحققين منهم الفراء أن التوبيخ يكون باستفهام ، وبغير استفهام كما في قوله { أَذْهَبْتُمْ طَيّبَـٰتِكُمْ فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } الأحقاف 20 ، وقيل هو على إضمار القول { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } جملتان استفهاميتان ليس لأحدهما تعلق بالأخرى من حيث الإعراب استفهمهم أوّلاً عما استقرّ لهم ، وثبت استفهام بإنكار ، وثانياً استفهام تعجب من هذا الحكم الذي حكموا به ، والمعنى أيّ شيء ثبت لكم كيف تحكمون لله بالبنات ، وهم القسم الذي تكرهونه ، ولكم بالبنين ، وهم القسم الذي تحبونه { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي تتذكرون ، فحذفت إحدى التاءين ، والمعنى ألا تعتبرون ، وتتفكرون ، فتتذكرون بطلان قولكم { أَمْ لَكُمْ سُلْطَـٰنٌ مُّبِينٌ } أي حجة واضحة ظاهرة على هذا الذي تقولونه ، وهو إضراب عن توبيخ إلى توبيخ ، وانتقال من تقريع إلى تقريع . { فَأْتُواْ بِكِتَـٰبِكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي فأتوا بحجتكم الواضحة على هذا إن كنتم صادقين فيما تقولونه ، أو فأتوا بالكتاب الذي ينطق لكم بالحجة ، ويشتمل عليها . { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } قال أكثر المفسرين إن المراد بالجنة هنا الملائكة ، قيل لهم جنة ، لأنهم لا يرون . وقال مجاهد هم بطن من بطون الملائكة يقال لهم الجنة . وقال أبو مالك إنما قيل لهم الجنة لأنهم خزّان على الجنان . والنسب الصهر . قال قتادة ، والكلبي قالوا لعنهم الله إن الله صاهر الجنّ ، فكانت الملائكة من أولادهم قالا والقائل بهذه المقالة اليهود . وقال مجاهد ، والسدّي ، ومقاتل إن القائل بذلك كنانة ، وخزاعة قالوا إن الله خطب إلى سادات الجن ، فزوّجوه من سروات بناتهم ، فالملائكة بنات الله من سروات بنات الجن . وقال الحسن أشركوا الشيطان في عبادة الله ، فهو النسب الذي جعلوه . ثم ردّ الله سبحانه عليهم بقوله { وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } أي علموا أن هؤلاء الكفار الذين قالوا هذا القول يحضرون النار ، ويعذبون فيها . وقيل علمت الجنة أنفسهم يحضرون للحساب . والأوّل أولى ، لأن الإحضار إذا أطلق ، فالمراد العذاب . وقيل المعنى ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون إلى الجنة . ثم نزّه سبحانه نفسه ، فقال { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } أو هو حكاية لتنزيه الملك لله عزّ وجلّ عما وصفه به المشركون ، والاستثناء في قوله { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } منقطع ، والتقدير لكن عباد الله المخلصين بريئون عن أن يصفوا الله بشيء من ذلك . وقد قرىء بفتح اللام ، وكسرها ، ومعناهما ما بيناه قريباً . وقيل هو استثناء من المحضرين ، أي إنهم يحضرون النار إلا من أخلص ، فيكون متصلاً لا منقطعاً ، وعلى هذا تكون جملة التسبيح معترضة . ثم خاطب الكفار على العموم ، أو كفار مكة على الخصوص ، فقال { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَـٰتِنِينَ } أي فإنكم ، وآلهتكم التي تعبدون من دون الله لستم بفاتنين على الله بإفساد عباده ، وإضلالهم ، وعلى متعلقة بفاتنين . والواو في { وما تعبدون } إما للعطف على اسم إن ، أو هو بمعنى مع ، وما موصولة ، أو مصدرية ، أي فإنكم ، والذي تعبدون ، أو وعبادتكم ، ومعنى { فاتنين } مضلين ، يقال فتنت الرجل ، وأفتنته ، ويقال فتنه على الشيء ، وبالشيء كما يقال أضله على الشيء ، وأضله به . قال الفراء أهل الحجاز يقولون فتنته ، وأهل نجد يقولون أفتنته ، ويقال فتن فلان على فلان امرأته ، أي أفسدها عليه ، فالفتنة هنا بمعنى الإضلال ، والإفساد . قال مقاتل يقول ما أنتم بمضلين أحداً بآلهتكم إلا من قدَر الله له أن يصلى الجحيم ، « وما » في { وَمَا أَنتُمْ } نافية و { أَنتُمْ } خطاب لهم ، ولمن يعبدونه على التغليب . قال الزجاج أهل التفسير مجمعون فما علمت أن المعنى ما أنتم بمضلين أحداً إلا من قدّر الله عزّ وجلّ عليه أن يضلّ ، ومنه قول الشاعر @ فردّ بفتنته ، كيده عليه ، وكان لنا فاتناً @@ أي مضلاً { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } قرأ الجمهور { صال } بكسر اللام لأنه منقوص مضاف حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وحمل على لفظ من ، وأفرد كما أفرد هو . وقرأ الحسن ، وابن أبي عبلة بضم اللام مع واو بعدها ، وروي عنهما أنهما قرآ بضم اللام بدون واو . فأما مع الواو فعلى أنه جمع سلامة بالواو حملاً على معنى من ، وحذفت نون الجمع للإضافة ، وأما بدون الواو ، فيحتمل أن يكون جمعاً ، وإنما حذفت الواو خطاً كما حذفت لفظاً ، ويحتمل أن يكون مفرداً ، وحقه على هذا كسر اللام . قال النحاس وجماعة أهل التفسير يقولون إنه لحن لأنه لا يجوز هذا قاض المدينة ، والمعنى أن الكفار وما يعبدونه لا يقدرون على إضلال أحد من عباد الله ، إلا من هو من أهل النار ، وهم المصرّون على الكفر ، وإنما يصرّ على الكفر من سبق القضاء عليه بالشقاوة ، وإنه ممن يصلى النار ، أي يدخلها . ثم قال الملائكة مخبرين للنبي صلى الله عليه وسلم كما حكاه الله سبحانه عنهم { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } ، وفي الكلام حذف ، والتقدير وما منا أحد ، أو وما منا ملك إلا له مقام معلوم في عبادة الله . وقيل التقدير وما منا إلا من له مقام معلوم ، رجح البصريون التقدير الأوّل ، ورجح الكوفيون الثاني . قال الزجاج هذا قول الملائكة ، وفيه مضمر . المعنى وما منا ملك إلا له مقام معلوم . ثم قالوا { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّافُّونَ } أي في مواقف الطاعة . قال قتادة هم الملائكة صفوا أقدامهم . وقال الكلبي صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض . { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبّحُونَ } أي المنزّهون لله المقدّسون له عما أضافه إليه المشركون . وقيل المصلون ، وقيل المراد بقولهم { المسبحون } مجموع التسبيح باللسان ، وبالصلاة ، والمقصود أن هذه الصفات هي صفات الملائكة ، وليسوا كما وصفهم به الكفار من أنهم بنات الله { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ } هذا رجوع إلى الإخبار عن المشركين ، أي كانوا قبل المبعث المحمدي إذا عيروا بالجهل قالوا { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مّنَ ٱلأَوَّلِينَ } أي كتاباً من كتب الأوّلين كالتوراة ، والإنجيل { لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي لأخلصنا العبادة له ، ولم نكفر به ، و " إن " في قوله { وَإِن كَانُواْ } هي المخففة من الثقيلة ، وفيها ضمير شأن محذوف ، واللام هي الفارقة بينها ، وبين النافية ، أي وإن الشأن كان كفار العرب ليقولون إلخ ، والفاء في قوله { فَكَفَرُواْ بِهِ } هي الفصيحة الدالة على محذوف مقدّر في الكلام . قال الفراء تقديره فجاءهم محمد بالذكر ، فكفروا به ، وهذا على طريق التعجب منهم { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } أي عاقبة كفرهم ، ومغبته ، وفي هذا تهديد لهم شديد . وجملة { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ } مستأنفة مقرّرة للوعيد ، والمراد بالكلمة ما وعدهم الله به من النصر ، والظفر على الكفار . قال مقاتل عنى بالكلمة قوله سبحانه { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } المجادلة 21 وقال الفراء سبقت كلمتنا بالسعادة لهم ، والأولى تفسير هذه الكلمة بما هو مذكور هنا ، فإنه قال { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } فهذه هي الكلمة المذكورة سابقاً ، وهذا تفسير لها ، والمراد بجند الله حزبه ، وهم الرسل ، وأتباعهم . قال الشيباني جاء هنا على الجمع يعني قوله { لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } من أجل أنه رأس آية ، وهذا الوعد لهم بالنصر ، والغلبة لا ينافيه انهزامهم في بعض المواطن ، وغلبة الكفار لهم ، فإن الغالب في كل موطن هو انتصارهم على الأعداء ، وغلبتهم لهم ، فخرج الكلام مخرج الغالب ، على أن العاقبة المحمودة لهم على كل حال ، وفي كل موطن كما قال سبحانه { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } القصص 83 . ثم أمر الله سبحانه رسوله بالإعراض عنهم ، والإغماض عما يصدر منهم من الجهالات ، والضلالات ، فقال { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } أي أعرض عنهم إلى مدّة معلومة عند الله سبحانه ، وهي مدة الكف عن القتال . قال السدّي ، ومجاهد حتى نأمرك بالقتال . وقال قتادة إلى الموت ، وقيل إلى يوم بدر ، وقيل إلى يوم فتح مكة ، وقيل هذه الآية منسوخة بآية السيف { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } أي وأبصرهم إذا نزل بهم العذاب بالقتل ، والأسر ، فسوف يبصرون حين لا ينفعهم الإبصار ، وعبر بالإبصار عن قرب الأمر ، أي فسوف يبصرون عن قريب . وقيل المعنى فسوف يبصرون العذاب يوم القيامة . ثم هددهم بقوله سبحانه { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } كانوا يقولون من فرط تكذيبهم متى هذا العذاب ؟ { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ } أي إذا نزل عذاب الله لهم بفنائهم ، والساحة في اللغة فناء الدار الواسع . قال الفراء نزل بساحتهم ، ونزل بهم سواء . قال الزجاج وكان عذاب هؤلاء بالقتل ، قيل المراد به نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم يوم فتح مكة . قرأ الجمهور { نزل } مبنياً للفاعل . وقرأ عبد الله بن مسعود على البناء للمفعول ، والجار والمجرور قائم مقام الفاعل { فَسَاء صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } أي بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي صباحهم . وخصّ الصباح بالذكر لأن العذاب كان يأتيهم فيه . ثم كرر سبحانه ما سبق تأكيداً للوعد بالعذاب ، فقال { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } ، وحذف مفعول أبصر ها هنا ، وذكره أوّلاً إما لدلالة الأوّل عليه ، فتركه هنا اختصاراً ، أو قصداً إلى التعميم للإيذان بأن ما يبصره من أنواع عذابهم لا يحيط به الوصف . وقيل هذه الجملة المراد بها أحوال القيامة ، والجملة الأولى المراد بها عذابهم في الدنيا ، وعلى هذا فلا يكون من باب التأكيد ، بل من باب التأسيس . ثم نزّه سبحانه نفسه عن قبيح ما يصدر منهم ، فقال { سُبْحَـٰنَ رَبّكَ رَبّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } العزّة الغلبة ، والقوة ، والمراد تنزيهه عن كل ما يصفونه به مما لا يليق بجنابه الشريف ، وربّ العزّة بدل من ربك . ثم ذكر ما يدلّ على تشريف رسله ، وتكريمهم ، فقال { وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي الذين أرسلهم إلى عباده ، وبلغوا رسالاته ، وهو من السلام الذي هو التحية . وقيل معناه أمن لهم ، وسلامة من المكاره { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } إرشاد لعباده إلى حمده على إرسال رسله إليهم مبشرين ، ومنذرين ، وتعليم لهم كيف يصنعون عند إنعامه عليهم ، وما يثنون عليه به . وقيل إنه الحمد على هلاك المشركين ، ونصر الرسل عليهم ، والأولى أنه حمد لله سبحانه على كل ما أنعم به على خلقه أجمعين كما يفيده حذف المحمود عليه ، فإن حذفه مشعر بالتعميم كما تقرّر في علم المعاني ، والحمد هو الثناء الجميل بقصد التعظيم . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } قال زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } قال فإنكم يا معشر المشركين ، وما تعبدون يعني الآلهة { مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَـٰتِنِينَ } قال بمضلين { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } يقول إلا من سبق في علمي أنه سيصلى الجحيم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية يقول إنكم لا تضلون أنتم ، ولا أضلّ منكم إلا من قضيت عليه أنه صال الجحيم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال لا تفتنون إلا من هو صال الجحيم . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عنه أيضاً في قوله { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } قال الملائكة { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّافُّونَ } قال الملائكة { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبّحُونَ } قال الملائكة . وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد ، أو قائم ، وذلك قول الملائكة { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّافُّونَ } " وأخرج محمد بن نصر ، وابن عساكر عن العلاء بن سعد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه " أطت السماء ، وحق لها أن تئط ، ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع ، أو ساجد " ، ثم قرأ { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبّحُونَ } . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال إن من السمٰوات لسماء ما فيها موضع شبر إلا ، وعليه جبهة ملك ، أو قدماه قائماً ، أو ساجداً ، ثم قرأ { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبّحُونَ } . وأخرج الترمذي وحسنه ، وابن جرير ، وابن مردويه عن أبي ذرّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون ، إن السماء أطت ، وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله " وقد ثبت في الصحيح ، وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يصفوا كما تصفّ الملائكة عند ربهم ، فقالوا وكيف تصفّ الملائكة عند ربهم ؟ قال " يقيمون الصفوف المقدّمة ، ويتراصون في الصف " وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مّنَ ٱلأَوَّلِينَ } قال لما جاء المشركين من أهل مكة ذكر الأوّلين ، وعلم الآخرين كفروا بالكتاب { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أنس قال صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، وقد خرجوا بالمساحي ، فلما نظروا إليه قالوا محمد ، والخميس ، فقال " الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم ، فساء صباح المنذرين " الحديث . وأخرج ابن سعد ، وابن مردويه من طريق سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا سلمتم على المرسلين ، فسلموا عليّ ، فإنما أنا بشر من المرسلين " وأخرج ابن مردويه من طريق أبي العوام ، عن قتادة ، عن أنس مرفوعاً نحوه بأطول منه . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو يعلى ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد أن يسلم من صلاته قال « { سُبْحَـٰنَ رَبّكَ رَبّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ * وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } » . وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال كنا نعرف انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة بقوله { سُبْحَـٰنَ رَبّكَ } إلى آخر الآية . وأخرج الخطيب نحوه من حديث أبي سعيد . وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال دبر كل صلاة { سُبْحَـٰنَ رَبّكَ رَبّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ * وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ثلاث مرات ، فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر " وأخرج حميد بن زنجويه في ترغيبه من طريق الأصبغ بن نباتة عن عليّ بن أبي طالب نحوه .