Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 114-148)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما فرغ سبحانه من ذكر إنجاء الذبيح من الذبح ، وما منّ عليه بعد ذلك من النبوّة ذكر ما منّ به على موسى ، وهارون ، فقال { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } يعني بالنبوّة ، وغيرها من النعم العظيمة التي أنعم الله بها عليهما { وَنَجَّيْنَـٰهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } المراد بقومهما هم المؤمنون من بني إسرائيل ، والمراد بالكرب العظيم هو ما كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم ، وما كان يصيبهم من جهته من البلاء ، وقيل هو الغرق الذي أهلك فرعون ، وقومه ، والأوّل أولى { وَنَصَرْنَـٰهُمْ } جاء بضمير الجماعة . قال الفراء الضمير لموسى ، وهارون ، وقومهما ، لأن قبله ، { نجيناهما ، وقومهما } والمراد بالنصر التأييد لهم على عدوّهم { فَكَانُواْ } بسبب ذلك { هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ } على عدوّهم بعد أن كانوا تحت أسرهم ، وقهرهم ، وقيل الضمير في { نصرناهم } عائد على الاثنين موسى ، وهارون تعظيماً لهما ، والأوّل أولى { وَءاتَيْنَـٰهُمَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلْمُسْتَبِينَ } المراد بالكتاب التوراة ، والمستبين البين الظاهر ، يقال استبان كذا . أي صار بيناً { وَهَدَيْنَـٰهُمَا ٱلصّرٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أي القيم لا اعوجاج فيه ، وهو دين الإسلام ، فإنه الطريق الموصلة إلى المطلوب { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى ٱلآخِرِينَ * سَلَـٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } أي أبقينا عليهما في الأمم المتأخرة الثناء الجميل ، وقد قدّمنا الكلام في السلام ، وفي وجه إعرابه بالرفع ، وكذلك تقدّم تفسير { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } في هذه السورة . { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } قال المفسرون هو نبيّ من أنبياء بني إسرائيل ، وقصته مشهورة مع قومه ، قيل وهو إلياس بن يۤس من سبط هارون أخي موسى . قال ابن إسحاق ، وغيره كان إلياس هو القيم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع ، وقيل هو إدريس ، والأوّل أولى . قرأ الجمهور { إلياس } بهمزة مكسورة مقطوعة ، وقرأ ابن ذكوان بوصلها ، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر ، وقرأ ابن مسعود ، والأعمش ، ويحيـى بن وثاب " وإن إدريس لمن المرسلين " ، وقرأ أبيّ " وإن إبليس " بهمزة مكسورة ، ثم تحتية ساكنة ، ثم لام مكسورة ، ثم تحتية ساكنة ، ثم سين مهملة مفتوحة { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ } هو ظرف لقوله { من المرسلين } ، أو متعلق بمحذوف ، أي اذكر يا محمد إذ قال ، والمعنى ألا تتقون عذاب الله ؟ ثم أنكر عليهم بقوله { أَتَدْعُونَ بَعْلاً } هو اسم لصنم كانوا يعبدونه ، أي أتعبدون صنماً ، وتطلبون الخير منه . قال ثعلب اختلف الناس في قوله سبحانه { بَعْلاً } فقالت طائفة البعل هنا الصنم ، وقالت طائفة البعل هنا ملك ، وقال ابن إسحاق امرأة كانوا يعبدونها . قال الواحدي والمفسرون يقولون رباً ، وهو بلغة اليمن ، يقولون للسيد ، والربّ البعل . قال النحاس القولان صحيحان ، أي أتدعون صنماً عملتوه رباً ؟ { وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَـٰلِقِينَ } أي وتتركون عبادة أحسن من يقال له خالق ، وانتصاب الاسم الشريف في قوله { ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } على أنه بدل من { أحسن } ، هذا على قراءة حمزة ، والكسائي ، والربيع بن خثيم ، وابن أبي إسحاق ، ويحيـى بن وثاب ، والأعمش ، فإنهم قرؤوا بنصب الثلاثة الأسماء . وقيل النصب على المدح ، وقيل على عطف البيان ، وحكى أبو عبيد أن النصب على النعت . قال النحاس وهو غلط ، وإنما هو بدل ، ولا يجوز النعت . لأنه ليس بتحلية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع بالرفع . قال أبو حاتم بمعنى هو الله ربكم . قال النحاس وأولى ما قيل إنه مبتدأ ، وخبر بغير إضمار ، ولا حذف . وحكي عن الأخفش أن الرفع أولى وأحسن . قال ابن الأنباري من رفع ، أو نصب لم يقف على { أحسن الخالقين } على جهة التمام لأن الله مترجم عن أحسن الخالقين على الوجهين جميعاً ، والمعنى أنه خالقكم ، وخالق من قبلكم ، فهو الذي تحقّ له العبادة . { فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } أي فإنهم بسبب تكذيبه لمحضرون في العذاب ، وقد تقدّم أن الإحضار المطلق ، مخصوص بالشرّ { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي من كان مؤمناً به من قومه ، قرىء بكسر اللام ، وفتحها كما تقدّم ، والمعنى على قراءة الكسر أنهم أخلصوا لله وعلى قراءة الفتح أن الله استخلصهم من عباده . وقد تقدّم تفسير { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلآخِرِينَ سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } قرأ نافع ، وابن عامر ، والأعرج ، وشيبة على { آل ياسين } بإضافة آل بمعنى آل ياسين ، وقرأ الباقون بكسر الهمزة ، وسكون اللام موصولة بياسين إلا الحسن ، فإنه قرأ " الياسين " بإدخال آلة التعريف على ياسين . قيل المراد على هذه القراءات كلها إلياس ، وعليه وقع التسليم ، ولكنه اسم أعجمي ، والعرب تضطرب في هذه الأسماء الأعجمية ، ويكثر تغييرهم لها . قال ابن جني العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعباً فياسين ، وإلياس ، وإلياسين شيء واحد . قال الأخفش العرب تسمي قوم الرجل باسم الرجل الجليل منهم ، فيقولون المهالبة ، على أنهم سموا كل رجل منهم بالمهلب . قال فعلى هذا إنه سمي كل رجل منهم بالياسين . قال الفراء يذهب بالياسين إلى أن يجعله جمعاً ، فيجعل أصحابه داخلين معه في اسمه . قال أبو عليّ الفارسي تقديره الياسيين ، إلا أن الياءين للنسبة حذفتا كما حذفتا في الأشعرين ، والأعجمين . ورجح الفرّاء ، وأبو عبيدة قراءة الجمهور قالا لأنه لم يقل في شيء من السور على آل فلان ، إنما جاء بالاسم كذلك الياسين لأنه إنما هو بمعنى إلياس ، أو بمعنى إلياس ، وأتباعه . وقال الكلبي المراد بآل ياسين آل محمد . قال الواحدي وهذا بعيد لأن ما بعده من الكلام ، وما قبله لا يدلّ عليه ، وقد تقدّم تفسير { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } مستوفى . { وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } قد تقدّم ذكر قصة لوط مستوفاة { إِذْ نَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } الظرف متعلق بمحذوف هو اذكر ، ولا يصح تعلقه بالمرسلين ، لأنه لم يرسل وقت تنجيته { إِلاَّ عَجُوزاً فِى ٱلْغَـٰبِرِينَ } قد تقدم أن الغابر يكون بمعنى الماضي ، ويكون بمعنى الباقي ، فالمعنى إلا عجوزاً في الباقين في العذاب ، أو الماضين الذين قد هلكوا { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } أي أهلكناهم بالعقوبة ، والمعنى أن في نجاته ، وأهله جميعاً إلا العجوز ، وتدمير الباقين من قومه الذين لم يؤمنوا به دلالة بينة على ثبوت كونه من المرسلين { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } خاطب بهذا العرب ، أو أهل مكة على الخصوص ، أي تمرون على منازلهم التي فيها آثار العذاب وقت الصباح { وَبِٱلَّيْلِ } ، والمعنى تمرون على منازلهم في ذهابكم إلى الشام ، ورجوعكم منه نهاراً ، وليلاً { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ما تشاهدونه في ديارهم من آثار عقوبة الله النازلة بهم ، فإن في ذلك عبرة للمعتبرين ، وموعظة للمتدبرين { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } يونس هو ذو النون ، وهو ابن متى . قال المفسرون وكان يونس قد وعد قومه العذاب ، فلما تأخر عنهم العذاب خرج عنهم ، وقصد البحر ، وركب السفينة ، فكان بذهابه إلى البحر كالفار من مولاه ، فوصف بالإباق ، وهو معنى قوله { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } وأصل الإباق الهرب من السيد ، لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه وصف به . وقال المبرد تأويل أبق بباعد ، أي ذهب إليه ، ومن ذلك قولهم عبد آبق . وقد اختلف أهل العلم هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إياه ، أو بعده ؟ ومعنى المشحون المملوء { فَسَـٰهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } المساهمة أصلها المغالبة ، وهي الاقتراع ، وهو أن يخرج السهم على من غلب . قال المبرد أي فقارع . قال وأصله من السهام التي تجال ، ومعنى { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } فصار من المغلوبين . قال يقال دحضت حجته ، وأدحضها الله ، وأصله من الزلق عن مقام الظفر ، ومنه قول الشاعر @ قتلنا المدحضين بكل فج فقد قرت بقتلهم العيون @@ أي المغلوبين { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } يقال لقمت اللقمة ، والتقمتها إذا ابتلعتها ، أي فابتلعه الحوت ، ومعنى { وَهُوَ مُلِيمٌ } وهو مستحق للوم ، يقال رجل مليم إذا أتى بما يلام عليه ، وأما الملوم ، فهو الذي يلام سواء أتى بما يستحق أن يلام عليه أم لا ، وقيل المليم المعيب ، يقال ألام الرجل إذا عمل شيئاً صار به معيباً . ومعنى هذه المساهمة أن يونس لما ركب السفينة احتبست . فقال الملاحون ها هنا عبد أبق من سيده ، وهذا رسم السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري ، فاقترعوا ، فوقعت القرعة على يونس ، فقال أنا الآبق ، وزج نفسه في الماء . قال سعيد بن جبير لما استهموا جاء حوت إلى السفينة فاغراً فاه ينتظر أمر ربه حتى إذا ألقى نفسه في الماء أخذه الحوت { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ } أي الذاكرين لله ، أو المصلين له { لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي لصار بطن الحوت له قبراً إلى يوم البعث . وقيل للبث في بطنه حياً . واختلف المفسرون كم أقام في بطن الحوت ؟ فقال السدي ، والكلبي ، ومقاتل بن سليمان أربعين يوماً . وقال الضحاك عشرين يوماً . وقال عطاء سبعة أيام . وقال مقاتل بن حيان ثلاثة أيام ، وقيل ساعة واحدة . وفي هذه الآية ترغيب في ذكر الله ، وتنشيط للذاكرين له . { فَنَبَذْنَـٰهُ بِٱلْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ } النبذ الطرح ، والعراء . قال ابن الأعرابي هو الصحراء ، وقال الأخفش الفضاء ، وقال أبو عبيدة الواسع من الأرض ، وقال الفراء المكان الخالي . وروي عن أبي عبيدة أيضاً أنه قال هو وجه الأرض ، وأنشد لرجل من خزاعة @ ورفعت رجلاً لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي @@ والمعنى أن الله طرحه من بطن الحوت في الصحراء الواسعة التي لا نبات فيها ، وهو عند إلقائه سقيم لما ناله في بطن الحوت من الضرر ، قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد . وقد استشكل بعض المفسرين الجمع بين ما وقع هنا من قوله { فَنَبَذْنَـٰهُ بِٱلْعَرَاء } ، وقوله في موضع آخر { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ } القلم 49 فإن هذه الآية تدل على أنه لم ينبذ بالعراء . وأجاب النحاس ، وغيره بأن الله سبحانه أخبر ها هنا أنه نبذ بالعراء ، وهو غير مذموم ، ولولا رحمته عزّ وجلّ لنبذ بالعراء ، وهو مذموم . { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ } أي شجرة فوقه تظلل عليه ، وقيل معنى { عليه } عنده . وقيل معنى عليه له . واليقطين هي شجرة الدباء . وقال المبرد اليقطين يقال لكل شجرة ليس لها ساق ، بل تمتد على وجه الأرض نحو الدباء ، والبطيخ ، والحنظل ، فإن كان لها ساق يقلها ، فيقال لها شجرة فقط ، وهذا قول الحسن ، ومقاتل ، وغيرهما . وقال سعيد بن جبير هو كل شيء ينبت ، ثم يموت من عامه . قال الجوهري اليقطين ما لا ساق له من شجر كشجر القرع ، ونحوه . قال الزجاج اشتقاق اليقطين من قطن بالمكان ، أي أقام به ، فهو يفعيل ، وقيل هو اسم أعجمي . قال المفسرون كان يستظل بظلها من الشمس ، وقيض الله له أروية من الوحش تروح عليه بكرة ، وعشية ، فكان يشرب من لبنها حتى اشتد لحمه ، ونبت شعره ، ثم أرسله الله بعد ذلك . وهو معنى قوله { وَأَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } هم قومه الذين هرب منهم إلى البحر ، وجرى له ما جرى بعد هربه ، كما قصه الله علينا في هذه السورة ، وهم أهل نينوى . قال قتادة أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل . وقد مر الكلام على قصته في سورة يونس مستوفى ، و « أو » في { أو يزيدون } قيل هي بمعنى الواو ، والمعنى ويزيدون . وقال الفراء أو ها هنا بمعنى بل ، وهو قول مقاتل ، والكلبي . وقال المبرد ، والزجاج ، والأخفش أو هنا على أصله ، والمعنى أو يزيدون في تقديركم إذا رآهم الرائي قال هؤلاء مائة ألف ، أو يزيدون ، فالشك إنما دخل على حكاية قول المخلوقين . قال مقاتل ، والكلبي كانوا يزيدون عشرين ألفاً . وقال الحسن بضعاً وثلاثين ألفاً . وقال سعيد بن جبير سبعين ألفاً . وقرأ جعفر بن محمد ، " ويزيدون " بدون ألف الشك . وقد وقع الخلاف بين المفسرين هل هذا الإرسال المذكور هو الذي كان قبل التقام الحوت له ، وتكون الواو في { وأرسلناه } لمجرد الجمع بين ما وقع له مع الحوت ، وبين إرساله إلى قومه ، من غير اعتبار تقديم ما تقدم في السياق ، وتأخير ما تأخر ، أو هو إرسال له بعد ما وقع له مع الحوت ما وقع على قولين ؟ وقد قدمنا الإشارة إلى الاختلاف بين أهل العلم هل كان قد أرسل قبل أن يهرب من قومه إلى البحر ، أو لم يرسل إلا بعد ذلك ؟ والراجح أنه كان رسولاً قبل أن يذهب إلى البحر كما يدل عليه ما قدمنا في سورة يونس ، وبقي مستمراً على الرسالة ، وهذا الإرسال المذكور هنا هو بعد تقدم نبوته ، ورسالته . { فَـئَامَنُواْ فَمَتَّعْنَـٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } أي وقع منهم الإيمان بعد ما شاهدوا أعلام نبوته ، فمتعهم الله في الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم ، ومنتهى أعمارهم . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر عن ابن مسعود قال إلياس هو إدريس . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة مثله . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم " الخضر هو إلياس " وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل ، وضعفه عن أنس قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزل منزلاً ، فإذا رجل في الوادي يقول اللَّهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المرحومة المغفور المثاب لها ، فأشرفت على الوادي ، فإذا طوله ثمانون ذراعاً وأكثر ، فقال من أنت ؟ فقلت أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أين هو ؟ فقلت هو ذا يسمع كلامك ، قال فأته ، وأقرئه مني السلام ، وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فجاء حتى عانقه ، وقعدا يتحدّثان ، فقال له يا رسول الله إني إنما آكل في كلّ سنة يوماً ، وهذا يوم فطري ، فآكل أنا وأنت ، فنزلت عليهما المائدة من السماء خبز ، وحوت ، وكرفس ، فأكلا ، وأطعماني ، وصليا العصر ، ثم ودّعه ، ثم رأيته مرّ على السحاب نحو السماء » . قال الذهبي متعقباً لتصحيح الحاكم له بل موضوع قبح الله من وضعه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن ابن عباس في قوله { أَتَدْعُونَ بَعْلاً } قال صنماً . وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عنه في قوله { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } قال نحن آل محمد آل ياسين . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال بعث الله يونس إلى أهل قريته ، فردّوا عليه ما جاءهم به ، فامتنعوا منه ، فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليهم إني مرسل عليهم العذاب في يوم كذا ، وكذا . فأخرج من بين أظهرهم ، فأعلم قومه الذي وعد الله من عذابه إياهم ، فقالوا ارمقوه ، فإن خرج من بين أظهركم ، فهو والله كائن ما وعدكم ، فلما كانت الليلة التي وعدوا بالعذاب في صبيحتها أدلج ، فرآه القوم ، فحذروا ، فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم ، وفرّقوا بين كلّ دابة ، وولدها ، ثم عجوا إلى الله ، وأنابوا ، واستقالوا ، فأقالهم الله ، وانتظر يونس الخبر عن القرية ، وأهلها حتى مرّ به مارّ ، فقال ما فعل أهل القرية ؟ قال إن نبيهم لما خرج من بين أظهرهم عرفوا أنه قد صدقهم ما وعدهم من العذاب ، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض ، ثم فرقوا بين كلّ ذات ولد وولدها ، ثم عجوا إلى الله ، وتابوا إليه ، فتقبل منهم ، وأخرّ عنهم العذاب ، فقال يونس عند ذلك لا أرجع إليهم كذاباً أبداً ، ومضى على وجهه ، وقد قدّمنا الكلام على قصته ، وما روي فيها في سورة يونس ، فلا نكرره . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي عن ابن عباس في قوله { فَسَـٰهَمَ } قال اقترع { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } قال المقروعين . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { وَهُوَ مُلِيمٌ } قال مسيء . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وأحمد في الزهد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ } قال من المصلين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { فَنَبَذْنَـٰهُ بِٱلْعَرَاء } قال ألقيناه بالساحل . وأخرج هؤلاء عنه أيضاً { شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ } قال القرع . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير عنه أيضاً قال اليقطين كلّ شيء يذهب على وجه الأرض . وأخرج أحمد في الزهد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن مردويه عنه أيضاً قال إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت ، ثم تلا { فَنَبَذْنَـٰهُ بِٱلْعَرَاء } إلى قوله { وَأَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ } وقد تقدّم عنه ما يدلّ على أن رسالته كانت من قبل ذلك ، وليس في الآية ما يدلّ على ما ذكره كما قدّمنا . وأخرج الترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله { وَأَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } قال يزيدون عشرين ألفاً . قال الترمذي غريب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال يزيدون ثلاثين ألفاً . وروي عنه أنهم يزيدون بضعة وثلاثين ألفاً . وروي عنه أنهم يزيدون بضعة وأربعين ألفاً ، ولا يتعلق بالخلاف في هذا كثير فائدة .