Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-19)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ صَفَّا } قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، وقيل حمزة فقط ، بإدغام التاء من الصافات في صاد صفاً ، وإدغام التاء من الزاجرات في زاي زجراً ، وإدغام التاء من التاليات في ذال ذكراً ، وهذه القراءة قد أنكرها أحمد بن حنبل لما سمعها . قال النحاس وهي بعيدة في العربية من ثلاثة جهات الجهة الأولى أن التاء ليست من مخرج الصاد ، ولا من مخرج الزاي ، ولا من مخرج الدال ، ولا من أخواتهن . الجهة الثانية أن التاء في كلمة ، وما بعدها في كلمة أخرى . الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين ، وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة . وقال الواحدي إدغام التاء في الصاد حسن لمقاربة الحرفين ، ألا ترى أنهما من طرف اللسان . وقرأ الباقون بإظهار جميع ذلك ، والواو للقسم ، والمقسم به الملائكة الصافات ، والزاجرات ، والتاليات . والمراد بـ { الصافات } التي تصفّ في السماء من الملائكة كصفوف الخلق في الدنيا ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة . وقيل إنها تصفّ أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد . وقال الحسن صفاً كصفوفهم عند ربهم في صلاتهم . وقيل المراد بالصافات هنا الطير كما في قوله { أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ } الملك 19 والأوّل أولى ، والصفّ ترتيب الجمع على خطّ كالصفّ في الصلاة . وقيل الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفاً في الصلاة ، أو في الجهاد ، ذكره القشيري . والمراد بـ { الزاجرات } الفاعلات للزجر من الملائكة ، إما لأنها تزجر السحاب كما قال السدّي ، وإما لأنها تزجر عن المعاصي بالمواعظ ، والنصائح . وقال قتادة المراد بالزاجرات الزواجر من القرآن ، وهي كل ما ينهى ، ويزجر عن القبيح ، والأوّل أولى . وانتصاب { صفا } و { زجراً } على المصدرية لتأكيد ما قبلهما . وقيل المراد بالزاجرات العلماء لأنهم هم الذين يزجرون أهل المعاصي . والزجر في الأصل الدفع بقوّة ، وهو هنا قوّة التصويت ، ومنه قول الشاعر @ زجر أبي عروة السباع إذا أشفق أن يختلطن بالغنم @@ ومنه زجرت الإبل ، والغنم إذا أفزعتها بصوتك ، والمراد بـ { ٱلتَّالِيَات ذِكْراً } الملائكة التي تتلو القرآن كما قال ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وابن جبير ، والسدّي . وقيل المراد جبريل وحده ، فذكر بلفظ الجمع تعظيماً له مع أنه لا يخلو من أتباع له من الملائكة . وقال قتادة المراد كل من تلا ذكر الله ، وكتبه . وقيل المراد آيات القرآن ، ووصفها بالتلاوة ، وإن كانت متلوّة كما في قوله { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } النمل 76 . وقيل لأن بعضها يتلو بعضاً ، ويتبعه . وذكر الماوردي أن التاليات هم الأنبياء يتلون الذكر على أممهم ، وانتصاب { ذكراً } على أنه مفعول به ، ويجوز أن يكون مصدراً كما قبله من قوله { صفاً } ، و { زجراً } . قيل وهذه الفاء في قوله { فالزاجرات } ، { فالتاليات } إما لترتب الصفات أنفسها في الوجود ، أو لترتب موصوفاتها في الفضل ، وفي الكلّ نظر . وقوله { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب القسم ، أي أقسم الله بهذه الأقسام إنه واحد ليس له شريك . وأجاز الكسائي فتح " إن " الواقعة في جواب القسم { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يجوز أن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون بدلاً من { لواحد } ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف . قال ابن الأنباري الوقف على { لواحد } وقف حسن ، ثم يبتدىء { ربّ السماوات ، والأرض } على معنى هو ربّ السماوات ، والأرض . قال النحاس ويجوز أن يكون بدلاً من { لواحد } . والمعنى في الآية أن وجود هذه المخلوقات على هذا الشكل البديع من أوضح الدلائل على وجود الصانع ، وقدرته ، وأنه ربّ ذلك كله ، أي خالقه ، ومالكه . والمراد بما بينهما ما بين السماوات ، والأرض من المخلوقات . والمراد بـ { ٱلْمَشَـٰرِقِ } مشارق الشمس . قيل إن الله سبحانه خلق للشمس كل يوم مشرقاً ، ومغرباً بعدد أيام السنة ، تطلع كل يوم من واحد منها ، وتغرب من واحد ، كذا قال ابن الأنباري ، وابن عبد البرّ . وأما قوله في سورة الرحمٰن { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } الرحمٰن 17 فالمراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال ، وأقصر يوم في الأيام القصار ، وكذلك في المغربين . وأما ذكر المشرق ، والمغرب بالإفراد ، فالمراد به الجهة التي تشرق منها الشمس ، والجهة التي تغرب منها ، ولعله قد تقدّم لنا في هذا كلام أوسع من هذا . { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبِ } المراد بالسماء الدنيا التي تلي الأرض ، من الدنوّ ، وهو القرب ، فهي أقرب السمٰوات إلى الأرض . قرأ الجمهور { بزينة الكواكب } بإضافة زينة إلى الكواكب . والمعنى زيناها بتزيين الكواكب ، أي بحسنها . وقرأ مسروق ، والأعمش ، والنخعي ، وحمزة بتنوين { زينة } ، وخفض { الكواكب } على أنها بدل من الزينة على أن المراد بالزينة الاسم لا المصدر . والتقدير بعد طرح المبدل منه إنا زينا السماء بالكواكب ، فإن الكواكب في أنفسها زينة عظيمة فإنها في أعين الناظرين لها كالجواهر المتلألئة . وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه بتنوين " زينة " ، ونصب " الكواكب " على أن الزينة مصدر ، وفاعله محذوف . والتقدير بأن الله زين الكواكب بكونها مضيئة حسنة في أنفسها ، أو تكون الكواكب منصوبة بإضمار أعني ، أو بدلاً من السماء بدل اشتمال ، وانتصاب { حفظاً } على المصدرية بإضمار فعل ، أي حفظناها حفظاً ، أو على أنه مفعول لأجله ، أي زيناها بالكواكب للحفظ ، أو بالعطف على محل زينة كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء . { وَحِفْظاً مّن كُلّ شَيْطَـٰنٍ مَّارِدٍ } أي متمرّد خارج عن الطاعة يرمى بالكواكب ، كقوله { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ } الملك 5 . وجملة { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } مستأنفة لبيان حالهم بعد حفظ السماء منهم . وقال أبو حاتم أي لئلا يسمعوا ، ثم حذف " إن " فرفع الفعل ، وكذا قال الكلبي ، والملأ الأعلى أهل السماء الدنيا فما فوقها ، وسمى الكلّ منهم أعلى بإضافته إلى ملإ الأرض ، والضمير في { يسمعون } إلى الشياطين . وقيل إن جملة { لا يسمعون } صفة لكل شيطان ، وقيل جواباً عن سؤال مقدّر كأنه قيل فما كان حالهم بعد حفظ السماء عنهم ؟ فقال { لاَ يَسْمَعُونَ إِلا ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } قرأ الجمهور " يسمعون " بسكون السين ، وتخفيف الميم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية حفص عنه بتشديد الميم ، والسين ، والأصل يتسمعون ، فأدغم التاء في السين ، فالقراءة الأولى تدلّ على انتفاء سماعهم دون استماعهم ، والقراءة الثانية تدلّ على انتفائهما ، وفي معنى القراءة الأولى قوله تعالى { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } الشعراء 212 قال مجاهد كانوا يتسمعون ، ولكن لا يسمعون . واختار أبو عبيدة القراءة الثانية ، قال لأن العرب لا تكاد تقول سمعت إليه ، وتقول تسمعت إليه { وَيُقْذَفُونَ مِن كُلّ جَانِبٍ * دُحُوراً } أي يرمون من كلّ جانب من جوانب السماء بالشهب إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع ، وانتصاب { دحوراً } على أنه مفعول لأجله . والدحور الطرد ، تقول دحرته دحراً ، ودحوراً طردته . قرأ الجمهور { دحوراً } بضم الدال ، وقرأ عليّ ، والسلمي ، ويعقوب الحضرمي ، وابن أبي عبلة بفتحها . وروي عن أبي عمرو أنه قرأ " يقذفون " مبنياً للفاعل ، وهي قراءة غير مطابقة لما هو المراد من النظم القرآني ، وقيل إن انتصاب { دحوراً } على الحال ، أي مدحورين ، وقيل هو جمع داحر نحو قاعد ، وقعود ، فيكون حالاً أيضاً . وقيل إنه مصدر لمقدّر ، أي يدحرون دحوراً . وقال الفراء إن المعنى يقذفون بما يدحرهم ، أي بدحور ، ثم حذفت الباء ، فانتصب بنزع الخافض . واختلف هل كان هذا الرمي لهم بالشهب قبل المبعث ، أو بعده ؟ فقال بالأوّل طائفة . وبالآخر آخرون . وقالت طائفة بالجمع بين القولين إن الشياطين لم تكن ترمى قبل المبعث رمياً يقطعها عن السمع ، ولكن كانت ترمى وقتاً ، ولا ترمى وقتاً آخر ، وترمى من جانب ، ولا ترمى من جانب آخر ، ثم بعد المبعث رميت في كلّ وقت ، ومن كلّ جانب حتى صارت لا تقدر على استراق شيء من السمع إلا من اختطف الخطفة ، فأتبعه شهاب ثاقب ، ومعنى { وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } ولهم عذاب دائم لا ينقطع ، والمراد به العذاب في الآخرة غير العذاب الذي لهم في الدنيا من الرمي بالشهب . وقال مقاتل يعني دائماً إلى النفخة الأولى ، والأوّل أولى . وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الواصب الدائم . وقال السدّي ، وأبو صالح ، والكلبي هو الموجع الذي يصل وجعه إلى القلب ، مأخوذ من الوصب ، وهو المرض ، وقيل هو الشديد ، والاستثناء في قوله { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } هو من قوله { لاَ يَسْمَعُونَ } ، أو من قوله { وَيَقْذِفُونَ } . وقيل الاستثناء راجع إلى غير الوحي لقوله { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } الشعراء 212 بل يخطف الواحد منهم خطفة مما يتفاوض فيه الملائكة ، ويدور بينهم مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض . والخطف الاختلاس مسارقة ، وأخذ الشيء بسرعة . قرأ الجمهور { خطف } بفتح الخاء ، وكسر الطاء مخففة ، وقرأ قتادة ، والحسن بكسرهما ، وتشديد الطاء ، وهي لغة تميم بن مرّ ، وبكر بن وائل . وقرأ عيسى بن عمر بفتح الخاء ، وكسر الطاء مشددة . وقرأ ابن عباس بكسرهما مع تخفيف الطاء ، وقيل إن الاستثناء منقطع { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أي لحقه ، وتبعه شهاب ثاقب نجم مضيء ، فيحرقه ، وربما لا يحرقه فيلقي إلى إخوانه ما خطفه ، وليست الشهب التي يرجم بها هي من الكواكب الثوابت بل من غير الثوابت ، وأصل الثقوب الإضاءة . قال الكسائي ثقبت النار تثقب ثقابة ، وثقوباً إذا اتقدت ، وهذه الآية هي كقوله { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } الحجر 18 . { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا } أي اسأل الكفار المنكرين للبعث أهم أشدّ خلقاً ، وأقوى أجساماً ، وأعظم أعضاء ، أم من خلقنا من السماوات ، والأرض ، والملائكة ؟ قال الزجاج المعنى فاسألهم سؤال تقرير أهم أشدّ خلقاً ، أي أحكم صنعة أم من خلقنا قبلهم من الأمم السالفة ؟ يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم ، وقد أهلكناهم بالتكذيب فما الذي يؤمنهم من العذاب ؟ ثم ذكر خلق الإنسان ، فقال { إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } أي إنا خلقناهم في ضمن خلق أبيهم آدم من طين لازب ، أي لاصق ، يقاللزب يلزب لزوباً إذا لصق . وقال قتادة ، وابن زيد اللازب اللازق . وقال عكرمة اللازب اللزج . وقال سعيد بن جبير اللازب الجيد الذي يلصق باليد . وقال مجاهد هو اللازم ، والعرب تقول طين لازب ، ولازم تبدل الباء من الميم ، واللازم الثابت كما يقال صار الشيء ضربة لازب ، ومنه قول النابغة @ ولا تحسبون الخير لا شرّ بعده ولا تحسبون الشرّ ضربة لازب @@ وحكى الفراء عن العرب طين لاتب بمعنى لازم ، واللاتب الثابت . قال الأصمعي واللاتب اللاصق مثل اللازب . والمعنى في الآية أن هؤلاء كيف يستبعدون المعاد ، وهم مخلقون من هذا الخلق الضعيف ، ولم ينكره من هو مخلوق خلقاً أقوى منهم ، وأعظم ، وأكمل ، وأتمّ . وقيل اللازب هو المنتن قاله مجاهد ، والضحاك . قرأ الجمهور { أم من خلقنا } بتشديد الميم ، وهي أم المتصلة ، وقرأ الأعمش بالتخفيف ، وهو استفهام ثان على قراءته . قيل وقد قرىء لازم ، ولاتب ، ولا أدري من قرأ بذلك . ثم أضرب سبحانه عن الكلام السابق ، فقال { بَلْ عَجِبْتَ } يا محمد من قدرة الله سبحانه { وَيَسْخُرُونَ } منك بسبب تعجبك ، أو ويسخرون منك بما تقوله من إثبات المعاد . قرأ الجمهور بفتح التاء من { عجبت } على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ حمزة ، والكسائي بضمها . ورويت هذه القراءة عن عليّ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، واختارها أبو عبيد ، والفراء . قال الفراء قرأها الناس بنصب التاء ، ورفعها ، والرفع أحبّ إليّ لأنها عن عليّ ، وعبد الله ، وابن عباس . قال والعجب أن أسند إلى الله ، فليس معناه من الله كمعناه من العباد . قال الهروي وقال بعض الأئمة معنى قوله { بَلْ عَجِبْتَ } بل جازيتهم على عجبهم لأن الله أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الخلق كما قال { وَعَجِبُواْ أَن جَاءهُم مٌّنذِرٌ مّنْهُمْ } صۤ 4 وقالوا { إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ } صۤ 5 { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مّنْهُمْ } يونس 2 وقال عليّ بن سليمان معنى القراءتين واحد ، والتقدير قل يا محمد بل عجبت لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب بالقرآن . قال النحاس وهذا قول حسن ، وإضمار القول كثير . وقيل إن معنى الإخبار من الله سبحانه عن نفسه بالعجب أنه ظهر من أمره ، وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين . قال الهروي ويقال معنى عجب ربكم ، أي رضي ربكم وأثاب ، فسماه عجباً ، وليس بعجب في الحقيقة ، فيكون معنى { عجبت } هنا عظم فعلهم عندي . وحكى النقاش أن معنى { بل عجبت } بل أنكرت . قال الحسن بن الفضل التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه ، وهو لغة العرب ، وقيل معناه أنه بلغ في كمال قدرته ، وكثرة مخلوقاته إلى حيث عجب منها ، وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها ، والواو في { وَيَسْخُرُونَ } للحال ، أي بل عجبت ، والحال أنهم يسخرون ، ويجوز أن تكون للاستئناف . { وَإِذَا ذُكّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } أي وإذا وعظوا بموعظة من مواعظ الله ، أو مواعظ رسوله لا يذكرون ، أي لا يتعظون بها ، ولا ينتفعون بما فيها . قال سعيد بن المسيب ، أي إذا ذكر لهم ما حلّ بالمكذبين ممن كان قبلهم أعرضوا عنه ولم يتدبروا { وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً } أي معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم { يَسْتَسْخِرُونَ } أي يبالغون في السخرية . قال قتادة يسخرون ، ويقولون إنها سخرية ، يقال سخر ، واستسخر بمعنى مثل قرّ واستقرّ ، وعجب واستعجب . والأوّل أولى ، لأن زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى . وقيل معنى { يستسخرون } يستدعون السخرى من غيرهم . وقال مجاهد يستهزئون { وَقَالُواْ إِن هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي ما هذا الذي تأتينا به إلا سحر واضح ظاهر { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً } الاستفهام للإنكار ، أي أنبعث إذا متنا ؟ ، فالعامل في " إذا " هو ما دلّ عليه { أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ } ، وهو أنبعث ، لأنفس مبعوثون ، لتوسط ما يمنع من عمله فيه ، وهذا الإنكار للبعث منهم هو السبب الذي لأجله كذبوا الرسل ، وما نزل عليهم ، واستهزءوا بما جاءوا به من المعجزات ، وقد تقدّم تفسير معنى هذه الآية في مواضع . { أَوَ ءابَاؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } هو مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي أو آباؤنا الأوّلون مبعوثون ، وقيل معطوف على محل إن واسمها ، وقيل على الضمير في { مبعوثون } لوقوع الفصل بينهما ، والهمزة للإنكار داخلة على حرف العطف ، ولهذا قرأ الجمهور بفتح الواو ، وقرأ ابن عامر ، وقالون بسكونها على أن ، " أو " هي العاطفة ، وليست الهمزة للاستفهام . ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عنهم تبكيتاً لهم ، فقال { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دٰخِرُونَ } أي نعم تبعثون ، وأنتم صاغرون ذليلون . قال الواحدي والدخور أشدّ الصغار ، وجملة { وأنتم داخرون } في محل نصب على الحال . ثم ذكر سبحانه أن بعثهم يقع بزجرة واحدة ، فقال { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } الضمير للقصة ، أو البعثة المفهومة مما قبلها ، أي إنما قصة البعث ، أو البعثة زجرة واحدة ، أي صيحة واحدة من إسرافيل بنفخه في الصور عند البعث { فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } أي يبصرون ما يفعل الله بهم من العذاب . وقال الحسن هي النفخة الثانية ، وسميت الصيحة زجرة لأن المقصود منها الزجر ، وقيل معنى { ينظرون } ينتظرون ما يفعل بهم . والأوّل أولى . وقد أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصححه من طرق عن ابن مسعود { وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ صَفَّا } قال الملائكة { فَٱلزجِرٰتِ زَجْراً } قال الملائكة { فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ ذِكْراً } قال الملائكة . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد ، وعكرمة مثله . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه أنه كان يقرأ " لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ " مخففة ، وقال إنهم كانوا يتسمعون ، ولكن لا يسمعون . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله { عَذابٌ وَاصِبٌ } قال دائم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة عنه أيضاً إذا رمي الشهاب لم يخط من رمي به ، وتلا { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه أيضاً { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } قال لا يقتلون بالشهاب ، ولا يموتون ، ولكنها تحرق وتخبل وتجرح في غير قتل . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { مِن طين لاَّزِبٍ } قال ملتصق . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر عنه أيضاً { مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } قال اللزج الجيد . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال اللازب ، والحمأ ، والطين واحد كان أوّله تراباً ، ثم صار حمأ منتناً ، ثم صار طيناً لازباً ، فخلق الله منه آدم . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال اللازب الذي يلصق بعضه إلى بعض . وأخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه كان يقرأ " بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ " بالرفع للتاء من عجبت .