Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-54)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ } معطوف على قوله { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُود } وأيوب عطف بيان ، و { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } بدل اشتمال من عبدنا { أَنّى مَسَّنِىَ ٱلشَّيْطَـٰنُ } قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنه حكاية لكلامه الذي نادى ربه به ، ولو لم يحكه لقال إنه مسه . وقرأ عيسى بن عمر بكسرها على إضمار القول . وفي ذكر قصة أيوب إرشاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء به في الصبر على المكاره . قرأ الجمهور بضم النون من قوله { بِنُصْبٍ } وسكون الصاد ، فقيل هو جمع نصب بفتحتين نحو أسد ، وأسد ، وقيل هو لغة في النصب ، نحو رشد ، ورشد . وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع ، وشيبة ، وحفص ، ونافع في رواية عنه بضمتين ، ورويت هذه القراءة عن الحسن . وقرأ أبو حيوة ، ويعقوب ، وحفص في رواية بفتح ، وسكون ، وهذه القراءات كلها بمعنى واحد ، وإنما اختلفت القراءات باختلاف اللغات . وقال أبو عبيدة إن النصب بفتحتين التعب ، والإعياء ، وعلى بقية القراءات الشرّ ، والبلاء ، ومعنى قوله { وَعَذَابٍ } أي ألم . قال قتادة ، ومقاتل النصب في الجسد ، والعذاب في المال . قال النحاس وفيه بعد كذا قال . والأولى تفسير النصب بالمعنى اللغوي ، وهو التعب ، والإعياء ، وتفسير العذاب بما يصدق عليه مسمى العذاب ، وهو الألم ، وكلاهما راجع إلى البدن . { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } هو بتقدير القول ، أي قلنا له اركض برجلك كذا قال الكسائي ، والركض الدفع بالرجل ، يقال ركض الدابة برجله إذا ضربها بها . وقال المبرد الركض التحريك . قال الأصمعي يقال ركضت الدابة ، ولا يقال ركضت هي لأن الركض إنما هو تحريك راكبها رجليه ، ولا فعل لها في ذلك ، وحكى سيبويه ركضت الدابة ، فركضت ، مثل جبرت العظم ، فجبر { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } هذا أيضاً من مقول القول المقدّر ، المغتسل هو الماء الذي يغتسل به ، والشراب الذي يشرب منه . وقيل إن المغتسل هو المكان الذي يغتسل فيه . قال قتادة هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها الجابية ، فاغتسل من إحداهما ، فأذهب الله ظاهر دائه ، وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه ، وكذا قال الحسن . وقال مقاتل نبعت عين جارية ، فاغتسل فيها ، فخرج صحيحاً ، ثم نبعت عين أخرى ، فشرب منها ماءً عذباً بارداً . وفي الكلام حذف ، والتقدير فركض برجله ، فنبعت عين ، فقلنا له { هذا مغتسل } إلخ ، وأسند المسّ إلى الشيطان مع أن الله سبحانه هو الذي مسه بذلك إما لكونه لما عمل بوسوسته عوقب على ذلك بذلك النصب ، والعذاب . فقد قيل إنه أعجب بكثرة ماله ، وقيل استغاثه مظلوم ، فلم يغثه ، وقيل إنه قال ذلك على طريقة الأدب ، وقيل إنه قال ذلك لأن الشيطان وسوس إلى أتباعه ، فرفضوه ، وأخرجوه من ديارهم ، وقيل المراد به . ما كان يوسوسه الشيطان إليه حال مرضه ، وابتلائه من تحسين الجزع ، وعدم الصبر على المصيبة ، وقيل غير ذلك . وقوله { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ } معطوف على مقدّر كأنه قيل فاغتسل ، وشرب ، فكشفنا بذلك ما به من ضرّ ، ووهبنا له أهله . قيل أحياهم الله بعد أن أماتهم ، وقيل جمعهم بعد تفرقهم ، وقيل غيرهم مثلهم ، ثم زاده مثلهم معهم ، وهو معنى قوله { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } فكانوا مثلى ما كانوا من قبل ابتلائه ، وانتصاب قوله { رَحْمَةً مّنَّا وَذِكْرَىٰ لأوْلِى ٱلألْبَـٰبِ } على أنه مفعول لأجله ، أي وهبناهم له لأجل رحمتنا إياه ، وليتذكر بحاله أولو الألباب ، فيصبروا على الشدائد كما صبر ، وقد تقدّم في سورة الأنبياء تفسير هذه الآية مستوفى ، فلا نعيده . { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } معطوف على { اركض } ، أو على { وهبنا } أو التقدير ، وقلنا له { خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } ، والضغث عثكال النخل بشماريخه ، وقيل هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها ، وقيل الحزمة الكبيرة من القضبان ، وأصل المادّة تدلّ على جمع المختلطات . قال الواحدي الضغث ملء الكفّ من الشجر ، والحشيش ، والشماريخ { فَٱضْرِب بّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } أي اضرب بذلك الضغث ، ولا تحنث في يمينك ، والحنث الإثم ، ويطلق على فعل ما حلف على تركه ، وكان أيوب قد حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة . واختلف في سبب ذلك ، فقال سعيد بن المسيب إنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه به من الخبز ، فخاف خيانتها ، فحلف ليضربنها . وقال يحيـى بن سلام ، وغيره إن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقرّباً إليه ، فإنه إذا فعل ذلك برىء ، فحلف ليضربنها إن عوفي مائة جلدة . وقيل باعت ذؤابتها برغيفين إذ لم تجد شيئاً ، وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام ، فلهذا حلف ليضربنها . وقيل جاءها إبليس في صورة طبيب ، فدعته لمداواة أيوب ، فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتني ، لا أريد جزاء سواه ، قالت نعم ، فأشارت على أيوب بذلك ، فحلف ليضربنها . وقد اختلف العلماء هل هذا خاصّ بأيوب ، أو عامّ للناس كلهم ؟ وأن من حلف خرج من يمينه بمثل ذلك . قال الشافعي إذا حلف ليضربنّ فلاناً مائة جلدة ، أو ضرباً ، ولم يقل ضرباً شديداً ، ولم ينوِ بقلبه ، فيكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الآية ، حكاه ابن المنذر عنه ، وعن أبي ثور ، وأصحاب الرأي . وقال عطاء هو خاصّ بأيوب ، ورواه ابن القاسم عن مالك . ثم أثنى الله سبحانه على أيوب ، فقال { إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً } أي على البلاء الذي ابتليناه به ، فإنه ابتلي بالداء العظيم في جسده ، وذهاب ماله ، وأهله ، وولده ، فصبر { نِعْمَ ٱلْعَبْدُ } أي أيوب { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي رجاع إلى الله بالاستغفار ، والتوبة . { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرٰهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } قرأ الجمهور { عبادنا } بالجمع . وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وحميد ، وابن محيصن ، وابن كثير " عبدنا " بالإفراد . فعلى قراءة الجمهور يكون إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب عطف بيان ، وعلى القراءة الأخرى يكون إبراهيم عطف بيان ، وما بعده عطف على عبدنا لا على إبراهيم . وقد يقال لما كان المراد بعبدنا الجنس جاز إبدال الجماعة منه . وقيل إن إبراهيم ، وما بعده بدل ، أو النصب بإضمار أعني ، وعطف البيان أظهر ، وقراءة الجمهور أبين ، وقد اختارها أبو عبيد ، وأبو حاتم { أُوْلِى ٱلأيْدِى وَٱلأبْصَـٰرِ } الأيدي ، جمع اليد التي بمعنى القوّة ، والقدرة . قال قتادة أعطوا قوّة في العبادة ، ونصراً في الدين . قال الواحدي وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والمفسرون . قال النحاس أما الأبصار ، فمتفق على أنها البصائر في الدين ، والعلم . وأما الأيدي ، فمختلف في تأويلها ، فأهل التفسير يقولون إنها القوّة في الدين ، وقوم يقولون الأيدي جمع يد ، وهي النعمة ، أي هم أصحاب النعم ، أي الذين أنعم الله عزّ وجلّ عليهم ، وقيل هم أصحاب النعم على الناس ، والإحسان إليهم ، لأنهم قد أحسنوا ، وقدّموا خيراً ، واختار هذا ابن جرير . قرأ الجمهور أولي الأيدي بإثبات الياء في الأيدي . وقرأ ابن مسعود ، والأعمش ، والحسن ، وعيسى الأيد بغير ياء ، فقيل معناها معنى القراءة الأولى ، وإنما حذفت الياء لدلالة كسرة الدال عليها ، وقيل الأيد القوّة وجملة { إِنَّا أَخْلَصْنٰهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } تعليل لما وصفوا به . قرأ الجمهور { بخالصة } بالتنوين ، وعدم الإضافة على أنها مصدر ، بمعنى الإخلاص ، فيكون ذكرى منصوباً به ، أو بمعنى الخلوص ، فيكون ذكرى مرفوعاً به ، أو يكون خالصة اسم فاعل على بابه ، وذكرى بدل منها ، أو بيان لها ، أو بإضمار أعني ، أو مرفوعة بإضمار مبتدأ ، والدار يجوز أن تكون مفعولاً به لذكرى ، وأن تكون ظرفاً إما على الاتساع ، أو على إسقاط الخافض ، وعلى كل تقدير ، فخالصة صفة لموصوف محذوف ، والباء للسببية ، أي بسبب خصلة خالصة . وقرأ نافع ، وشيبة ، وأبو جعفر ، وهشام عن ابن عامر بإضافة خالصة إلى ذكرى على أن الإضافة للبيان ، لأن الخالصة تكون ذكرى ، وغير ذكرى ، أو على أن خالصة مصدر مضاف إلى مفعوله ، والفاعل محذوف . أي بأن أخلصوا ذكرى الدار ، أو مصدر بمعنى الخلوص مضافاً إلى فاعله . قال مجاهد معنى الآية استصفيناهم بذكر الآخرة ، فأخلصناهم بذكرها . وقال قتادة كانوا يدعون إلى الآخرة ، وإلى الله . وقال السدّي أخلصوا بخوف الآخرة . قال الواحدي فمن قرأ بالتنوين في خالصة كان المعنى جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، والخالصة مصدر بمعنى الخلوص ، والذكرى بمعنى التذكر ، أي خلص لهم تذكر الدار ، وهو أنهم يذكرون التأهب لها ، ويزهدون في الدنيا ، وذلك من شأن الأنبياء . وأما من أضاف ، فالمعنى أخلصنا لهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، والخالصة مصدر مضاف إلى الفاعل ، والذكرى على هذا المعنى الذكر { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأخْيَارِ } الاصطفاء الاختيار ، والأخيار جمع خير بالتشديد والتخفيف كأموات في جمع ميت مشدّداً ومخففاً والمعنى إنهم عندنا لمن المختارين من أبناء جنسهم من الأخيار . { وَٱذْكُرْ إِسْمَـٰعِيلَ } قيل وجه إفراده بالذكر بعد ذكر أبيه ، وأخيه ، وابن أخيه للإشعار بأنه عريق في الصبر الذي هو المقصود بالتذكير هنا { وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ } قد تقدّم ذكر اليسع ، والكلام فيه في الأنعام ، وتقدَّم ذكر ذا الكفل ، والكلام فيه في سورة الأنبياء ، والمراد من ذكر هؤلاء أنهم من جملة من صبر من الأنبياء ، وتحملوا الشدائد في دين الله . أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم ليسلك مسلكهم في الصبر { وَكُلٌّ مّنَ ٱلأخْيَارِ } يعني الذين اختارهم الله لنبوّته ، واصطفاهم من خلقه . { هَـٰذَا ذِكْر } الإشارة إلى ما تقدّم من ذكر أوصافهم ، أي هذا ذكر جميل في الدنيا ، وشرف يذكرون به أبداً { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } أي لهم مع هذا الذكر الجميل حسن مآب في الآخرة ، والمآب المرجع ، والمعنى أنهم يرجعون في الآخرة إلى مغفرة الله ، ورضوانه ، ونعيم جنته . ثم بيّن حسن المرجع ، فقال { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } قرأ الجمهور { جنات } بالنصب بدلاً من حسن مآب ، سواء كان جنات عدن معرفة ، أو نكرة لأن المعرفة تبدل من النكرة ، وبالعكس ، ويجوز أن يكون جنات عطف بيان إن كانت نكرة ، ولا يجوز ذلك فيها إن كانت معرفة على مذهب جمهور النحاة ، وقد جوزه بعضهم . ويجوز أن يكون نصب جنات بإضمار فعل . والعدن في الأصل الإقامة ، يقال عدن بالمكان إذا أقام فيه ، وقيل هو اسم لقصر في الجنة ، وقرىء برفع جنات على أنها مبتدأ . وخبرها مفتحة ، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي هي جنات عدن ، وقوله { مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } حال من جنات ، والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل ، والأبواب مرتفعة باسم المفعول كقوله { وَفُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا } الزمر 43 والرّابط بين الحال ، وصاحبها ضمير مقدر ، أي منها ، أو الألف ، واللام لقيامه مقام الضمير ، إذ الأصل أبوابها . وقيل إن ارتفاع الأبواب على البدل من الضمير في مفتحة ، العائد على جنات ، وبه قال أبو عليّ الفارسي أي مفتحة هي الأبواب . قال الفراء المعنى مفتحة أبوابها ، والعرب تجعل الألف ، واللام خلفاً من الإضافة . وقال الزجاج المعنى مفتحة لهم الأبواب منها . قال الحسن إن الأبواب يقال لها انفتحي فتنفتح ، انغلقي ، فتنغلق . وقيل تفتح لهم الملائكة الأبواب ، وانتصاب { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا } على الحال من ضمير لهم ، والعامل فيه مفتحة ، وقيل هو حال من { يَدَّعُونَ } قدّمت على العامل { فِيهَا } أي يدعون في الجنات حال كونهم متكئين فيها { بِفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } أي بألوان متنوّعة متكثرة من الفواكه { وَشَرَاب } كثير ، فحذف كثيراً لدلالة الأوّل عليه ، وعلى جعل { مُتَّكِئِينَ } حالاً من ضمير لهم ، والعامل فيه مفتحة ، فتكون جملة { يَدَّعُونَ } مستأنفة لبيان حالهم . وقيل إن يدعون في محل نصب على الحال من ضمير متكئين . { وَعِندَهُمْ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ } أي قاصرات طرفهنّ على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ، وقد مضى بيانه في سورة الصافات . والأتراب المتحدات في السنّ ، أو المتساويات في الحسن . وقال مجاهد معنى أتراب أنهنّ متواخيات لا يتباغضن ، ولا يتغايرن . وقيل أتراباً للأزواج . والأتراب جمع ترب ، واشتقاقه من التراب ، لأنه يمسهنّ في وقت واحد لاتحاد مولدهنّ . { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } أي هذا الجزاء الذي وعدتم به لأجل يوم الحساب ، فإن الحساب علة للوصول إلى الجزاء ، أو المعنى في يوم الحساب . قرأ الجمهور { ما توعدون } بالفوقية على الخطاب . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن محيصن ، ويعقوب بالتحتية على الخبر ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم لقوله { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ } ، فإنه خبر { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا } أي إن هذا المذكور من النعم ، والكرامات لرزقنا الذي أنعمنا به عليكم { مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } أي انقطاع ، ولا يفنى أبداً ، ومثله قوله { عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } هود 108 فنعم الجنة لا تنقطع عن أهلها . وقد أخرج أحمد في الزهد ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر عن ابن عباس قال إن الشيطان عرج إلى السماء ، فقال يا رب سلطني على أيوب ، قال الله لقد سلطتك على ماله ، وولده ، ولم أسلطك على جسده ، فنزل ، فجمع جنوده ، فقال لهم قد سلطت على أيوب ، فأروني سلطانكم ، فصاروا نيراناً ، ثم صاروا ماء ، فبينما هم في المشرق إذا هم بالمغرب ، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق . فأرسل طائفة منهم إلى زرعه ، وطائفة إلى أهله ، وطائفة إلى بقره ، وطائفة إلى غنمه ، وقال إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف ، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض ، فجاء صاحب الزرع ، فقال يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل على زرعك ناراً ، فأحرقته ؟ ثم جاء صاحب الإبل ، فقال يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل إلى إبلك عدواً ، فذهب بها ؟ ثم جاء صاحب البقر فقال يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل إلى بقرك عدواً ، فذهب بها ؟ ثم جاءه صاحب الغنم فقال يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل على غنمك عدواً ، فذهب بها ؟ وتفرد هو لبنيه ، فجمعهم في بيت أكبرهم ، فبينما هم يأكلون ، ويشربون إذ هبت ريح ، فأخذت بأركان البيت ، فألقته عليهم ، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام بأذنيه قرطان ، فقال يا أيوب ألم ترَ إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم ، فبينما هم يأكلون ، ويشربون إذ هبت ريح ، فأخذت بأركان البيت ، فألقته عليهم ، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ، ولحومهم بطعامهم ، وشرابهم ؟ فقال له أيوب فأين كنت ؟ قال كنت معهم ، قال فكيف انفلتّ ؟ قال انفلت ، قال أيوب أنت الشيطان ثم قال أيوب أنا اليوم كيوم ولدتني أمي ، فقام ، فحلق رأسه ، وقام يصلي ، فرنّ إبليس رنة سمعها أهل السماء ، وأهل الأرض ، ثم عرج إلى السماء ، فقال أي رب إنه قد اعتصم ، فسلطني عليه ، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك ، قال قد سلطتك على جسده ، ولم أسلطك على قلبه ، فنزل ، فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدمه إلى قرنه ، فصار قرحة واحدة ، وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه ، فكانت امرأته تسعى عليه ، حتى قالت له ألا ترى يا أيوب قد نزل والله بي من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف ، فأطعمتك ، فادع الله أن يشفيك ، ويريحك قال ويحك كنا في النعيم سبعين عاماً ، فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاماً ، فكان في البلاء سبع سنين ، ودعا ، فجاء جبريل يوماً ، فدعا بيده ، ثم قال قم ، فقام ، فنحاه عن مكانه ، وقال اركض برجلك هذا مغتسل بارد ، وشراب ، فركض برجله ، فنبعت عين ، فقال اغتسل ، فاغتسل منها ، ثم جاء أيضاً ، فقال اركض برجلك ، فنبعت عين أخرى فقال له اشرب منها ، وهو قوله { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } ، وألبسه الله حلة من الجنة ، فتنحى أيوب ، فجلس في ناحية ، وجاءت امرأته ، فلم تعرفه ، فقالت يا عبد الله أين المبتلي الذي كان ها هنا ؟ لعل الكلاب قد ذهبت به ، أو الذئاب ، وجعلت تكلمه ساعة ، فقال ويحك أنا أيوب قد ردّ الله عليّ جسدي ، ورد عليه ماله ، وولده عياناً ، ومثلهم معهم ، وأمطر عليه جراداً من ذهب ، فجعل يأخذ الجراد بيده ، ثم يجعله في ثوبه ، وينشر كساءه ، ويأخذه ، فيجعل فيه ، فأوحى الله إليه يا أيوب أما شبعت ؟ قال يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ، ورحمتك ؟ وفي هذا نكارة شديدة ، فإن الله سبحانه لا يمكن الشيطان من نبي من أنبيائه ، ويسلط عليه هذا التسليط العظيم . وأخرج أحمد في الزهد ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر عن ابن عباس قال إن إبليس قعد على الطريق ، وأخذ تابوتاً يداوي الناس ، فقالت امرأة أيوب يا عبد الله إن ها هنا مبتلى من أمره كذا وكذا ، فهل لك أن تداويه ؟ قال نعم بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجراً غيره . فأتت أيوب ، فذكرت له ذلك ، فقال ويحك ذاك الشيطان ، لله عليّ إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة ، فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثاً ، فيضربها به ، فأخذ عذقاً فيه مائة شمراخ ، فضربها ضربة واحدة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عنه في قوله { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } قال هو الأسل . وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال الضغث القبضة من المرعى الرطب . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال الضغث الحزمة . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والطبراني ، وابن عساكر من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال " حملت وليدة في بني ساعدة من زنا ، فقيل لها ممن حملك ؟ قالت من فلان المقعد ، فسئل المقعد ، فقال صدقت . فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال " خذوا عثكولاً فيه مائة شمراخ ، فاضربوه به ضربة واحدة " وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والطبراني ، وابن عساكر نحوه من طريق أخرى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن سعيد بن سعد بن عبادة . وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد نحوه . وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال أيوب رأس الصابرين يوم القيامة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أُوْلِى ٱلأيْدِى } قال القوّة في العبادة { وَٱلأبْصَـٰر } قال الفقه في الدين . وأخرج ابن أبي حاتم عنه { أُوْلِى ٱلأَيْدِى } قال النعمة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { إِنَّا أَخْلَصْنٰهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } قال أخلصوا بذكر دار الآخرة أن يعملوا لها .