Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 13-20)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى } أي بترك إخلاص العبادة له ، وتوحيده ، والدعاء إلى ترك الشرك ، وتضليل أهله { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } ، وهو يوم القيامة . قال أكثر المفسرين المعنى إني أخاف إن عصيت ربي بإجابة المشركين إلى ما دعوني إليه من عبادة غير الله . قال أبو حمزة اليماني ، وابن المسيب هذه الآية منسوخة بقوله { لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الفتح 2 وفي هذه الآية دليل على أن الأمر للوجوب ، لأن قبله { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ } الزمر 11 ، فالمراد عصيان هذا الأمر { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ } التقديم مشعر بالاختصاص ، أي لا أعبد غيره لا استقلالاً ، ولا على جهة الشركة ، ومعنى { مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى } أنه خالص لله غير مشوب بشرك ، ولا رياء ، ولا غيرهما ، وقد تقدّم تحقيقه في أول السورة . قال الرازي فإن قيل ما معنى التكرير في قوله { قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدّينَ } الزمر 11 ، وقوله { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى } قلنا ليس هذا بتكرير ، لأن الأوّل إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإيمان ، والعبادة ، والثاني إخبار بأنه أمر أن لا يعبد أحداً غير الله { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ } أن تعبدوه { مِن دُونِهِ } هذا الأمر للتهديد ، والتقريع ، والتوبيخ كقوله { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } فصلت 40 ، وقيل إن الأمر على حقيقته ، وهو منسوخ بآية السيف ، والأوّل أولى { قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي إن الكاملين في الخسران هم هؤلاء ، لأن من دخل النار ، فقد خسر نفسه ، وأهله . قال الزجاج وهذا يعني به الكفار ، فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد في النار ، وخسروا أهليهم ، لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة ، وجملة { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } مستأنفة لتأكيد ما قبلها ، وتصديرها بحرف التنبيه للإشعار بأن هذا الخسران الذي حلّ بهم قد بلغ من العظم إلى غاية ليس فوقها غاية ، وكذلك تعريف الخسران ، ووصفه بكونه مبيناً ، فإنه يدلّ على أنه الفرد الكامل من أفراد الخسران وأنه لا خسران يساويه ، ولا عقوبة تدانيه . ثم بيّن سبحانه هذا الخسران الذي حلّ بهم ، والبلاء النازل عليهم بقوله { لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ } الظلل عبارة عن أطباق النار ، أي لهم من فوقهم أطباق من النار تلتهب عليهم { وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } أي أطباق من النار ، وسمي ما تحتهم ظللاً لأنها تظلّ من تحتها من أهل النار ، لأن طبقات النار صار في كلّ طبقة منها طائفة من طوائف الكفار ، ومثل هذه الآية قوله { لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } الأعراف 41 ، وقوله { يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } العنكبوت 55 ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم ذكره من وصف عذابهم في النار ، وهو مبتدأ ، وخبره قوله { يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } أي يحذرهم بما توعد به الكفار من العذاب ليخافوه ، فيتقوه ، وهو معنى { يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } أي اتقوا هذه المعاصي الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار ، ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين أن الغالب في القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم . وقيل هو للكفار ، وأهل المعاصي . وقيل هو عامّ للمسلمين ، والكفار . { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا } الموصول مبتدأ ، وخبره قوله { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } والطاغوت بناء مبالغة في المصدر كالرحموت ، والعظموت ، وهو الأوثان ، والشيطان . وقال مجاهد ، وابن زيد هو الشيطان . وقال الضحاك ، والسدّي هو الأوثان . وقيل إنه الكاهن . وقيل هو اسم أعجمي مثل طالوت ، وجالوت . وقيل إنه اسم عربيّ مشتق من الطغيان . قال الأخفش الطاغوت جمع ، ويجوز أن يكون واحده مؤنثاً ، ومعنى اجتنبوا الطاغوت أعرضوا عن عبادته ، وخصوا عبادتهم بالله عزّ وجلّ ، وقوله { أَن يَعْبُدُوهَا } في محل نصب على البدل من الطاغوت ، بدل اشتمال ، كأنه قال اجتنبوا عبادة الطاغوت ، وقد تقدّم الكلام على تفسير الطاغوت مستوفى في سورة البقرة ، وقوله { وَأَنَابُواْ إِلَى ٱللَّهِ } معطوف على اجتنبوا ، والمعنى رجعوا إليه ، وأقبلوا على عبادته معرضين عما سواه { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } بالثواب الجزيل ، وهو الجنة . وهذه البشرى إما على ألسنة الرسل ، أو عند حضور الموت ، أو عند البعث { فَبَشّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } المراد بالعباد هنا العموم ، فيدخل الموصوفون بالاجتناب ، والإنابة إليه دخولاً أوّلياً ، والمعنى يستمعون القول الحقّ من كتاب الله ، وسنّة رسوله ، فيتبعون أحسنه ، أي محكمه ، ويعملون به . قال السدّي يتبعون أحسن ما يؤمرون به ، فيعملون بما فيه . وقيل هو الرجل يسمع الحسن ، والقبيح ، فيتحدّث بالحسن ، وينكف عن القبيح ، فلا يتحدّث به . وقيل يستمعون القرآن وغيره ، فيتبعون القرآن ، وقيل يستمعون الرخص والعزائم ، فيتبعون العزائم ، ويتركون الرخص ، وقيل يأخذون بالعفو ، ويتركون العقوبة . ثم أثنى سبحانه على هؤلاء المذكورين ، فقال { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } أي هم الذين أوصلهم الله إلى الحق ، وهم أصحاب العقول الصحيحة ، لأنهم الذين انتفعوا بعقولهم ، ولم ينتفع من عداهم بعقولهم . ثم ذكر سبحانه من سبقت له الشقاوة ، وحرم السعادة فقال { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } من هذه يحتمل أن تكون موصولة في محل رفع بالابتداء ، وخبرها محذوف ، أي كمن يخاف ، أو فأنت تخلصه ، أو تتأسف عليه ، ويحتمل أن تكون شرطية ، وجوابه { أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى ٱلنَّارِ } فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء ، وأعيدت الهمزة الإنكارية لتأكيد معنى الإنكار . وقال سيبويه إنه كرّر الاستفهام لطول الكلام . وقال الفراء المعنى أفأنت تنقذ من حقّت عليه كلمة العذاب ، والمراد بكلمة العذاب هنا هي قوله تعالى لإبليس { لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } صۤ 85 ، وقوله { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } الأعراف 18 ومعنى الآية التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان حريصاً على إيمان قومه ، فأعلمه الله أن من سبق عليه القضاء ، حقت عليه كلمة الله لا يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقذه من النار بأن يجعله مؤمناً . قال عطاء يريد أبا لهب ، وولده ، ومن تخلف من عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان ، وفي الآية تنزيل لمن يستحقّ العذاب بمن قد صار فيه ، وتنزيل دعائه إلى الإيمان منزلة الإخراج له من عذاب النار . ولما ذكر سبحانه فيما سبق أن لأهل الشقاوة ظللاً من فوقهم النار ، ومن تحتهم ظلل استدرك عنهم من كان من أهل السعادة ، فقال { لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ } ، وذلك لأن الجنة درجات بعضها فوق بعض ، ومعنى { مَّبْنِيَّةٌ } أنها مبنية بناء المنازل في إحكام أساسها ، وقوّة بنائها ، وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } أي من تحت تلك الغرف ، وفي ذلك كمال لبهجتها ، وزيادة لرونقها ، وانتصاب { وَعَدَ ٱللَّهُ } على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة ، لأن قوله { لَهُمْ غُرَفٌ } في معنى وعدهم الله بذلك ، وجملة { لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } مقرّرة للوعد ، أي لا يخلف الله ما وعد به الفريقين من الخير ، والشرّ . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } الآية . قال هم الكفار الذين خلقهم الله للنار زالت عنهم الدنيا ، وحرمت عليهم الجنة . وأخرج ابن المنذر عنه في قوله { خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ } قال أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدّوا لهم لو عملوا بطاعة الله ، فغيبوهم . وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال كان سعيد بن زيد ، وأبو ذرّ ، وسلمان يتبعون في الجاهلية أحسن القول ، والكلام لا إلٰه إلا الله قالوا بها ، فأنزل الله على نبيه { يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } الآية . وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال لما نزل { فَبَشّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، فاستقبل عمر الرسول ، فردّه ، فقال يا رسول الله خشيت أن يتكل الناس ، فلا يعملون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو يعلم الناس قدر رحمة ربي لاتكلوا ، ولو يعلمون قدر سخط ربي ، وعقابه لاستصغروا أعمالهم " وهذا الحديث أصله في الصحيح من حديث أبي هريرة .