Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 116-122)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } قد تقدّم تفسير هذه الآية ، وتكريرها بلفظها للتأكيد ، وقيل كررت هنا لأجل قصة بني أبيرق ، وقيل إنها نزلت هنا لسبب غير قصة بني أبيرق . وهو ما رواه الثعلبي ، والقرطبي في تفسيريهما عن الضحاك أن شيخاً من الأعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله إني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا إلا أني لم أشرك بالله شيئاً مذ عرفته ، وآمنت به ، ولم أتخذ من دونه ، ولياً ، ولم أوقع المعاصي جرأة على الله ، ولا مكابرة له ، وإني لنادم وتائب ومستغفر ، فما حالي عند الله ؟ فأنزل الله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ } عن الحق { ضَلَـٰلاً بَعِيداً } لأن الشرك أعظم أنواع الضلال ، وأبعدها من الصواب . { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَـٰثاً } أي ما يدعون من دون الله إلا أصناماً لها أسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة وقيل المراد بالإناث الموات التي لا روح لها كالخشبة ، والحجر . وقيل المراد بالإناث الملائكة لقولهم الملائكة بنات الله . وقرىء « وثنا » بضم الواو والثاء جمع وثن ، روى هذه القراءة ابن الأنباري عن عائشة . وقرأ ابن عباس « إلا أثنا » جمع وثن أيضاً ، وأصله " وثن " ، فأبدلت الواو همزة ، وقرأ الحسن " إلا أنثا " بضم الهمزة والنون بعدها مثلثة ، جمع أنيث كغدير وغدر . وحكى الطبري أنه جمع إناث كثمار وثمر . وحكى هذه القراءة أبو عمرو الداني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقرأ بها ابن عباس ، والحسن ، وأبو حيوة . وعلى جميع هذه القراءات ، فهذا الكلام خارج مخرج التوبيخ للمشركين ، والإزراء عليهم ، والتضعيف لعقولهم ، لكونهم عبدوا من دون الله نوعاً ضعيفاً { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَـٰناً مَّرِيداً } أي وما يدعون من دون الله إلا شيطاناً مريداً ، وهو إبليس لعنه الله ، لأنهم إذا أطاعوه فيما سوّل لهم فقد عبدوه . وقد تقدّم اشتقاق لفظ الشيطان . والمريد المتمرّد العاتي ، من مرد إذا عتا . قال الأزهري المريد الخارج عن الطاعة . وقد مرد الرجل مروداً إذا عتا ، وخرج عن الطاعة فهو مارد ومريد ومتمرّد . وقال ابن عرفة هو الذي ظهر شرّه ، يقال شجرة مرداء إذا تساقط ورقها وظهرت عيدانها ، ومنه قيل للرجل أمرد أي ظاهر مكان الشعر من عارضيه . قوله { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } أصل اللعن الطرد ، والإبعاد . وقد تقدّم وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط . قوله { وَقَالَ لاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } معطوف على قوله { لَّعْنَهُ ٱللَّهِ } والجملتان صفة لشيطان ، أي شيطاناً مريداً جامعاً بين لعنة الله له وبين هذا القول الشنيع . والنصيب المفروض هو المقطوع المقدّر ، أي لأجعلنّ قطعة مقدّرة من عباد الله تحت غوايتي ، وفي جانب إضلالي حتى أخرجهم من عبادة الله إلى الكفر به . وقوله { وَلأَضِلَّنَّهُمْ } اللام جواب قسم محذوف . والإضلال الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية ، وهكذا اللام في قوله { وَلأَمَنّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ } والمراد بالأماني التي يمنيهم بها الشيطان هي الأماني الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته . قوله { وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ ءاذَانَ ٱلأنْعَـٰمِ } أي ولآمرنهم بتبتك آذان الأنعام أي تقطيعها فليبتكنها بموجب أمري . والبتك القطع ، ومنه سيف باتك ، يقال بتكه وبتكه مخففاً ، ومشدّداً ، ومنه قول زهير @ طارت وفي كفه من ريشها بتك @@ أي قطع . وقد فعل الكفار ذلك امتثالاً لأمر الشيطان واتباعاً لرسمه ، فشقوا آذان البحائر والسوائب ، كما ذلك معروف . قوله { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } أي ولآمرنهم بتغيير خلق الله ، فليغيرنه بموجب أمري لهم . واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو ؟ فقالت طائفة هو الخصاء وفقء الأعين ، وقطع الآذان . وقال آخرون إن المراد بهذا التغيير هو أن الله سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار ، والنار ، ونحوها من المخلوقات لما خلقها له ، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة ، وبه قال الزجاج وقيل المراد بهذا التغيير تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملاً شمولياً ، أو بدلياً . وقد رخص طائفة من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره ، وكره ذلك آخرون ، وأما خصاء بني آدم فحرام ، وقد كره قوم شراء الخصي . قال القرطبي ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله ، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حدّ ولا قود ، قاله أبو عمر بن عبد البر . { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَـٰنَ وَلِيّاً مّن دُونِ ٱللَّهِ } باتباعه وامتثال ما يأمر به من دون اتباع لما أمر الله به ، ولا امتثال له { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } أي واضحاً ظاهراً { يَعِدُهُمْ } المواعيد الباطلة { وَيُمَنّيهِمْ } الأماني العاطلة { وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } أي وما يعدهم الشيطان بما يوقعه في خواطرهم من الوساوس الفارغة { إِلاَّ غُرُوراً } يغرّهم به ويظهر لهم فيه النفع ، وهو ضرر محض ، وانتصاب { غروراً } على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي وعداً غروراً ، أو على أنه مفعول ثان ، أو مصدر على غير لفظه . قال ابن عرفة الغرور ما رأيت له ظاهراً تحبه ، وله باطن مكروه وهذه الجملة اعتراضية . قوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى أولياء الشيطان ، وهذا مبتدأ ، وخبره الجملة ، وهي قوله { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } . قوله { مَحِيصاً } أي معدلاً ، من حاص يحيص وقيل ملجأ ، ومخلصاً والمحيص اسم مكان ، وقيل مصدر . قوله { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الخ جعل هذا الوعد للذين آمنوا مقترناً بالوعيد المتقدّم للكافرين . قوله { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّا } قال في الكشاف مصدران الأوّل مؤكد لنفسه ، والثاني مؤكد لغيره ، ووجهه أن الأوّل مؤكد لمضمون الجملة الاسمية ، ومضمونها وعد ، والثاني مؤكد لغيره ، أي حق ذلك حقاً . قوله { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } هذه الجملة مؤكدة لما قبلها ، والقيل مصدر قال كالقول ، أي لا أجد أصدق قولاً من الله عز وجل وقيل إن قيلا اسم لا مصدر ، وإنه منتصب على التمييز . وقد أخرج الترمذي من حديث عليّ أنه قال ما في القرآن آية أحبّ إليّ من هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } قال الترمذي حسن غريب . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن أبي مالك في قوله { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَـٰثاً } قال اللات والعزة ، ومناة كلها مؤنثة . وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والضياء في المختارة عن أبيّ بن كعب في الآية قال مع كل صنم جنيه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَـٰثاً } قال موتى . وأخرج مثله عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الحسن . وأخرج مثله أيضاً عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر عن الحسن قال كان لكل حيّ من أحياء العرب صنم يعبدونها يسمونها أنثى بني فلان ، فأنزل الله { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَـٰثاً } . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال المشركون إن الملائكة بنات الله ، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، قال اتخذوهنّ أرباباً ، وصوروهنّ صور الجواري ، فحلوا وقلدوا ، وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة . وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله { وَقَالَ لأُتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ } الخ ، قال هذا إبليس يقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة . وأخرج ابن المنذر عن الربيع ابن أنس مثله . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة في قوله { فَلَيُبَتّكُنَّ ءاذَانَ ٱلأنْعَـٰمِ } قال التبتيك في البحيرة والسائبة يبتكون آذانها لطواغيتهم . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن أنس أنه كره الإخصاء ، وقال فيه نزلت { وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس مثله . وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي ، عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصاء البهائم والخيل . وأخرج ابن المنذر ، والبيهقي عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح ، وإخصاء البهائم وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } قال دين الله . وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك مثله . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله أيضاً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الحسن قال الوشم .