Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 123-126)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ أبو جعفر بتخفيف الياء من أماني في الموضعين ، واسم ليس محذوف ، أي ليس دخول الجنة ، أو الفضل ، أو القرب من الله بأمانيكم ، ولا أمانيّ أهل الكتاب ، كما يدل على ذلك سبب نزول الآية الآتي ، وقيل ضمير يعود إلى وعد الله ، وهو بعيد ، ومن أمانيّ أهل الكتاب قولهم { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } البقرة 111 وقولهم { نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } المائدة 18 وقولهم { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } البقرة 80 . قوله { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قيل المراد بالسوء الشرك ، وظاهر الآية أعمّ من ذلك ، فكلّ من عمل سوءاً أي سوء كان فهو مجزي به من غيره فرق بين المسلم والكافر . وفي هذه الجملة ما ترجف له القلوب من الوعيد الشديد ، وقد كان لها في صدور المسلمين عند نزولها موقع عظيم كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة ، قال لما نزلت { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قاربوا وسدّدوا ، في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها ، والشوكة يشاكها " قوله { وَلاَ يَجِدْ لَهُ } قرأه الجماعة بالجزم عطفاً على الجزاء . وروى ابن بكار عن ابن عامر { وَلاَ يَجِدْ } بالرفع استئنافاً ، أي ليس لمن يعمل السوء من دون الله ولياً يواليه ولا نصيراً ينصره . { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } أي بعضها حال كونه { مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } وحال كونه مؤمناً ، والحال الأولى لبيان من يعمل ، والحال الأخرى لإفادة اشتراط الإيمان في كل عمل صالح { فَأُوْلَـئِكَ } إشارة إلى العمل المتصف بالإيمان { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } قرأ أبو عمرو ، وابن كثير " يَدْخُلُونَ " بضم حرف المضارعة على البناء للمجهول . وقرأ الباقون بفتحها على البناء للمعلوم { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } أي لا ينقصون شيئاً حقيراً ، وقد تقدّم تفسير النقير { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } أي أخلص نفسه له حال كونه محسناً ، أي عاملاً للحسنات { واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ } أي دينه حال كون المتبع { حَنِيفاً } أي مائلاً عن الأديان الباطلة إلى دين الحق ، وهو الإسلام { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } أي جعله صفوة له ، وخصه بكراماته ، قال ثعلب إنما سمي الخليل خليلاً لأن محبته تتخلل القلب ، فلا تدع فيه خليلاً إلا ملأته ، وأنشد قول بشار @ قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلاً @@ وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب . وقد كان إبراهيم عليه السلام محبوباً لله ومحباً له . وقيل الخليل من الاختصاص ، فالله سبحانه اختص إبراهيم برسالته في ذلك الوقت واختاره لها ، واختار هذا النحاس . وقال الزجاج معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل { وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } فيه إشارة إلى أنه سبحانه اتخذ إبراهيم خليلاً لطاعته لا لحاجته ، ولا للتكثر به ، والاعتضاد بمخاللته { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء مُّحِيطاً } هذه الجملة مقررة لمعنى الجملة التي قبلها ، أي أحاط علمه بكل شيء { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } الكهف 49 . وقد أخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال قالت العرب لا نبعث ، ولا نحاسب ، وقالت اليهود ، والنصارى { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } البقرة 11 وقالوا { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } البقرة 80 فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مسروق قال احتج المسلمون ، وأهل الكتاب ، فقال المسلمون نحن أهدى منكم ، وقال أهل الكتاب نحن أهدى منكم ، فنزلت ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مسروق قال تفاخر النصارى ، وأهل الإسلام ، فقال هؤلاء نحن أفضل منكم ، وقال هؤلاء نحن أفضل منكم ، فنزلت . وقد ورد معنى هذه الروايات من طرق كثيرة مختصرة ومطوّلة . وأخرج عبد بن حميد ، والترمذي ، وابن المنذر ، عن أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما نزلت هذه الآية " أما أنت ، وأصحابك يا أبا بكر ، فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب ، وأما الآخرون ، فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة " وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة ، وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما يصيب المؤمن من وصب ، ولا نصب ، ولا سقم ، ولا حزن حتى الهمّ يهمه إلا كفر الله به من سيئاته " وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس أن ابن عمر لقيه ، فسأل عن هذه الآية { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } قال الفرائض . وأخرج الحاكم ، وصححه عن جندب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يتوفى " إن الله اتخذني خليلاً ، كما اتخذ إبراهيم خليلاً " وأخرج الحاكم أيضاً وصححه ، عن ابن عباس قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم ؟