Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 142-147)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ } هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض قبائح المنافقين وفضائحهم ، وقد تقدم معنى الخدع في البقرة ، ومخادعتهم لله هي أنهم يفعلون فعل المخادع ، من إظهار الإيمان وإبطان الكفر ، ومعنى كون الله خادعهم أنه صنع بهم صنع من يخادع من خادعه ، وذلك أنه تركهم على ما هم عليه من التظهر بالإسلام في الدنيا ، فعصم به أموالهم ، ودماءهم ، وأخر عقوبتهم إلى الدار الآخرة ، فجازاهم على خداعهم بالدرك الأسفل من النار . قال في الكشاف والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته ، وكنت أخدع منه . والكسالى بضم الكاف جمع كسلان ، وقرىء بفتحها . والمراد أنهم يصلون ، وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون ثواباً ، ولا يخافون عقاباً . والرياء إظهار الجميل ليراه الناس ، لا لاتباع أمر الله ، وقد تقدّم بيانه ، والمراءاة المفاعلة . قوله { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } معطوف على { يراءون } ، أي لا يذكرونه سبحانه إلا ذكراً قليلاً أو لا يصلون إلا صلاة قليلة ، ووصف الذكر بالقلة لعدم الإخلاص ، أو لكونه غير مقبول ، أو لكونه قليلاً في نفسه لأن الذي يفعل الطاعة لقصد الرياء ، إنما يفعلها في المجامع ، ولا يفعلها خالياً كالمخلص . قوله { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ } المذبذب المتردد بين أمرين ، والذبذبة الاضطراب ، يقال ذبذبه فتذبذب ، ومنه قول النابغة @ ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب @@ قال ابن جني المذبذب القلق الذي لا يثبت على حال ، فهؤلاء المنافقون متردّدون بين المؤمنين ، والمشركين ، لا مخلصين الإيمان ، ولا مصرّحين بالكفر . قال في الكشاف وحقيقة المذبذب الذي يذبّ عن كلا الجانبين ، أي يذاد ، ويدفع فلا يقرّ في جانب واحد ، كما يقال فلان يرمى به الرجوان ، إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذبّ كأن المعنى كلما مال إلى جانب ذبّ عنه . انتهى . وقرأ الجمهور بضم الميم وفتح الذالين . وقرأ ابن عباس بكسر الذال الثانية ، وفي حرف أبي « متذبذبين » وقرأ الحسن بفتح الميم والذالين ، وانتصاب { مذبذبين } إما على الحال ، أو على الذمّ ، والإشارة بقوله { بين ذلك } إلى الإيمان والكفر . قوله { لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء } أي لا منسوبين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين ، ومحل الجملة النصب على الحال ، أو على البدل من مذبذبين ، أو على التفسير له { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } أي يخذله ، ويسلبه التوفيق { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي طريقاً يوصله إلى الحق . قوله { سَبِيلاً يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي لا تجعلوهم خاصة لكم ، وبطانة توالونهم من دون إخوانكم من المؤمنين ، كما فعل المنافقون من موالاتهم للكافرين { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، أي أتريدون أن تجعلوا لله عليكم حجة بينة يعذبكم بها بسبب ارتكابكم لما نهاكم عنه من موالاة الكافرين . { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلاْسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قرأ الكوفيون { الدرك } بسكون الراء ، وقرأ غيرهم بتحريكها . قال أبو علي هما لغتان والجمع أدراك وقيل جمع المحرك أدراك مثل جمل وأجمال ، وجمع الساكن أدرك مثل فلس وأفلس . قال النحاس والتحريك أفصح . والدرك الطبقة . والنار دركات سبع ، فالمنافق في الدرك الأسفل منها ، وهي الهاوية ، لغلظ كفره وكثرة غوائله ، وأعلى الدركات جهنم ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية . وقد تسمى جميعها باسم الطبقة العليا ، أعاذنا الله من عذابها { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } يخلصهم من ذلك الدرك والخطاب لكل من يصلح له ، أو للنبيّ صلى الله عليه وسلم . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } استثناء من المنافقين ، أي إلا الذين تابوا عن النفاق { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا من أحوالهم { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } أي جعلوه خالصاً له غير مشوب بطاعة غيره . والاعتصام بالله التمسك به والوثوق بوعده ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الذين تابوا ، واتصفوا بالصفات السابقة . قوله { مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال الفراء أي من المؤمنين يعني الذين لم يصدر منهم نفاق أصلاً . قال القتيبي حاد عن كلامهم غضباً عليهم ، فقال { فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولم يقل هم المؤمنون . انتهى . والظاهر أن معنى " مع " معتبر هنا ، أي فأولئك مصاحبون للمؤمنين في أحكام الدنيا والآخرة . ثم بين ما أعدّ الله للمؤمنين الذين هؤلاء معهم ، فقال { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } وحذفت الياء من { يؤت } في الخط ، كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها ، ومثله { يَوْمَ يدع ٱلدَّاعِ } القمر 9 و { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } العلق 17 و { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } ق 41 ونحوها ، فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين . قوله { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ } هذه الجملة متضمنة لبيان أنه لا غرض له سبحانه في التعذيب إلا مجرّد المجازاة للعصاة . والمعنى أيّ منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم ، فإن ذلك لا يزيد في ملكه ، كما أن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه { وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِراً عَلِيماً } أي يشكر عباده على طاعته ، فيثيبهم عليها ، ويتقبلها منهم . والشكر في اللغة الظهور ، يقال دابة شكور إذا ظهر من سمنها فوق ما تعطى من العلف . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن الحسن في قوله { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ } الآية ، قال يلقى على كل مؤمن ، ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفىء نور المنافقين ، ومضى المؤمنون بنورهم ، فتلك خديعة الله إياهم . وأخرج ابن جرير عن السديّ نحوه . وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد ، وسعيد بن جبير نحوه أيضاً . ولا أدري من أين جاء لهم هذا التفسير ، فإن مثله لا ينقل إلا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال نزلت في عبد الله بن أبيّ ، وأبي عامر بن النعمان . وقد ورد في الأحاديث الصحيحة وصف صلاة المنافق ، وأنه يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام ، فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ } قال هم المنافقون { لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء } يقول لا إلى أصحاب محمد { وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء } اليهود ، وثبت في الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم " إن مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرّة وإلى هذه مرّة فلا تدري أيهما تتبع ؟ " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } قال إن لله السلطان على خلقه ولكنه يقول عذراً مبيناً . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال كل سلطان في القرآن ، فهو حجة . والله سبحانه أعلم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، عن ابن مسعود في قوله { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قال في توابيت من حديد مقفلة عليهم ، وفي لفظ مبهمة عليهم أي مغلقة لا يهتدي لمكان فتحها . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة نحوه . وأخرج ابن أبي الدنيا ، عن ابن مسعود نحوه أيضاً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله { ما يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ } الآية ، قال إن الله لا يعذّب شاكراً ولا مؤمناً .