Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 176-176)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد تقدّم الكلام في الكلالة في أوّل هذه السورة ، وسيأتي ذكر المستفتي المقصود بقوله { يَسْتَفْتُونَكَ } . قوله { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ } أي إن هلك امرؤ هلك ، كما تقدم في قوله { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ } النساء 128 . وقوله { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } إما صفة لـ { امرؤ } ، أو حال ، ولا وجه للمنع من كونه حالاً ، والولد يطلق على الذكر والأنثى ، واقتصر على عدم الولد هنا مع أن عدم الوالد معتبر في الكلالة اتكالاً على ظهور ذلك ، قيل والمراد بالولد هنا الابن ، وهو أحد معنى المشترك لأن البنت لا تسقط الأخت . وقوله { وَلَهُ أُخْتٌ } عطف على قوله { ليس له ولد } . والمراد بالأخت هنا هي الأخت لأبوين ، أو لأب لا لأم ، فإن فرضها السدس ، كما ذكر سابقاً . وقد ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن الأخوات لأبوين ، أو لأب عصبة للبنات ، وإن لم يكن معهم أخ . وذهب ابن عباس إلى أن الأخوات لا يعصبن البنات ، وإليه ذهب داود الظاهري ، وطائفة ، وقالوا إنه لا ميراث للأخت لأبوين ، أو لأب مع البنت ، واحتجوا بظاهر هذه الآية ، فإنه جعل عدم الولد المتناول للذكر والأنثى قيداً في ميراث الأخت ، وهذا استدلال صحيح لو لم يرد في السنة ما يدل على ثبوت ميراث الأخت مع البنت ، وهو ما ثبت في الصحيح أن معاذاً قضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت وأخت ، فجعل للبنت النصف ، وللأخت النصف . وثبت في الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت فجعل للبنت النصف ولبنت الابن السدس وللأخت الباقي ، فكانت هذه السنة مقتضية لتفسير الولد بالابن دون البنت . قوله { وَهُوَ يَرِثُهَا } أي المرء يرثها ، أي يرث الأخت { إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ } ذكر إن كان المراد بإرثه لها حيازته لجميع ما تركته ، وإن كان المراد ثبوت ميراثه لها في الجملة أعمّ من أن يكون كلاً ، أو بعضاً صح تفسير الولد بما يتناول الذكر والأنثى ، واقتصر سبحانه في هذه الآية على نفي الولد مع كون الأب يسقط الأخ ، كما يسقطه الولد الذكر ، لأن المراد بيان حقوق الأخ مع الولد فقط هنا . وأما سقوطه مع الأب ، فقد تبين بالسنة ، كما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " والأب أولى من الأخ { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ } أي فإن كان من يرث بالأخوّة اثنتين ، والعطف على الشرطية السابقة ، والتأنيث والتثنية ، وكذلك الجمع في قوله { وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً } باعتبار الخبر { فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } المرء إن لم يكن له ولد ، كما سلف ، وما فوق الاثنتين من الأخوات يكون لهنّ الثلثان بالأولى { وَإِن كَانُواْ } أي من يرث بالأخوّة { إِخْوَةً رّجَالاً وَنِسَاء } أي مختلطين ذكوراً وإناثاً { فَلِلذَّكَرِ } منهم { مِثْلُ حَظِ ٱلأنْثَيَيْنِ } تعصيباً { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } أي يبين لكم حكم الكلالة ، وسائر الأحكام كراهة أن تضلوا ، هكذا حكاه القرطبي عن البصريين . وقال الكسائي المعنى لئلا تضلوا ، ووافقه الفراء وغيره من الكوفيين { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء } من الأشياء التي هذه الأحكام المذكورة منها { عَلِيمٌ } أي كثير العلم . وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وأهل السنن ، وغيرهم عن جابر بن عبد الله قال دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ ، ثم صبّ عليّ ، فعقلت ، فقلت إنه لا يرثني إلا كلالة ، فكيف الميراث ؟ فنزلت آية الفرائض . وأخرجه عنه ابن سعد ، وابن أبي حاتم بلفظ أنزلت فيّ { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } . وأخرج ابن راهويه ، وابن مردويه ، عن عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكلالة فأنزل الله { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } الآية . وأخرج مالك ، ومسلم ، وابن جرير ، والبيهقي ، عن عمر قال ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته في الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري ، وقال " ما تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء " وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والبيهقي ، عن البراء بن عازب قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن الكلالة ؟ فقال " تكفيك آية الصيف " وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن عمر قال ثلاث ، وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهنّ عهداً ننتهي إليه الجدّ ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال آخر سورة نزلت كاملة براءة ، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن سيرين قال كان عمر ابن الخطاب إذا قرأ { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } قال اللهمّ من بينت له الكلالة ، فلم تبين لي . وقد أوضحنا الكلام خلافاً واستدلالاً وترجيحاً في شأن الكلالة في أوائل هذه السورة ، فلا نعيده .