Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 172-175)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أصل يستنكف نكف وباقي الحروف زائدة ، يقال نكفت من الشيء ، واستنكفت منه ، وأنكفته أي نزهته عما يستنكف منه . قال الزجاج استنكف أي أنف ، مأخوذ من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك عن خديك وقيل هو من النكف ، وهو العيب ، يقال ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف أي عيب . ومعنى الأوّل لن يأنف عن العبودية ، ولن يتنزّه عنها . ومعنى الثاني لن يعيب العبودية ، ولن ينقطع عنها { وَلاَ ٱلْمَلَـئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } عطف على المسيح ، أي ولن يستنكف الملائكة المقرّبون عن أن يكونوا عباداً لله . وقد استدلّ بهذا القائلون بتفضيل الملائكة على الأنبياء ، وقرر صاحب الكشاف وجه الدلالة بما لا يسمن ولا يغني من جوع ، وادّعى أن الذوق قاض بذلك ، ونعم الذوق العربي إذا خالطه محبة المذهب ، وشابه شوائب الجمود كان هكذا ، وكل من يفهم لغة العرب يعلم أن من قال لا يأنف من هذه المقالة إمام ولا مأموم أو لا كبير ولا صغير أو لا جليل ولا حقير ، لم يدل هذا على أن المعطوف أعظم شأناً من المعطوف عليه ، وعلى كل حال ، فما أردأ الاشتغال بهذه المسألة ، وما أقلّ فائدتها ، وما أبعدها عن أن تكون مركزاً من المراكز الشرعية الدينية ، وجسراً من الجسور { وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } أي يأنف تكبراً ، ويعدّ نفسه كبيراً عن العبادة { فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } المستنكف وغيره ، فيجازي كلاً بعمله . وترك ذكر غير المستنكف هنا لدلالة أوّل الكلام عليه . ولكون الحشر لكلا الطائفتين { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ } من غير أن يفوتهم منها شيء { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً } بسبب استنكافهم واستكبارهم { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً } يواليهم { وَلاَ نَصِيراً } ينصرهم . قوله { يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبّكُمْ } بما أنزله عليكم من كتبه وبمن أرسله إليكم من رسله ، وما نصبه لهم من المعجزات . والبرهان ما يبرهن به على المطلوب { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } وهو القرآن ، وسماه نوراً لأنه يهتدى به من ظلمة الضلال { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ } أي بالله ، وقيل بالنور المذكور { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ } يرحمهم بها { وَفَضَّلَ } يتفضل به عليهم { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ } أي إلى امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه أو إليه سبحانه وتعالى باعتبار مصيرهم إلى جزائه ، وتفضله { صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } أي طريقاً يسلكونه إليه مستقيماً لا عوج فيه ، وهو التمسك بدين الإسلام ، وترك غيره من الأديان ، قال أبو علي الفارسي الهاء في قوله { إِلَيْهِ } راجعة إلى ما تقدّم من اسم الله وقيل راجعة إلى القرآن وقيل إلى الفضل وقيل إلى الرحمة والفضل لأنهما بمعنى الثواب وانتصاب { صراطاً } على أنه مفعول ثان للفعل المذكور وقيل على الحال . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ } لن يستكبر . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، والإسماعيلي في معجمه بسند ضعيف ، عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله " { فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مّن فَضْلِهِ } قال { أجورهم } يدخلهم الجنة ، { ويزيدهم من فضله } الشفاعة فيمن وجبت له النار ، ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا " وقد ساقه ابن كثير في تفسيره ، فقال وقد روى ابن مردويه ، من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود ، فذكره ، وقال هذا إسناد لا يثبت ، وإذا روي عن ابن مسعود موقوفاً ، فهو جيد . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة { قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ } أي بينة { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } قاال هذا القرآن . وأخرجا أيضاً عن مجاهد قال برهان حجة . وأخرجا أيضاً عن ابن جريج في قوله { وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ } قال القرآن .