Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 37-42)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } هم في محل نصب بدلاً من قوله { مَن كَانَ مُخْتَالاً } أو على الذمّ ، أو في محل رفع على الابتداء ، والخبر مقدّر ، أي لهم كذا وكذا من العذاب ، ويجوز أن يكون مرفوعاً بدلاً من الضمير المستتر في قوله { مُخْتَالاً فَخُوراً } ويجوز أن يكون منصوباً على تقدير أعنى ، أو مرفوعاً على الخبر ، والمبتدأ مقدّر ، أي هم الذين يبخلون ، والجملة في محل نصب على البدل . والبخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله ، وهؤلاء المذكورون في هذه الآية ضموا إلى ما وقعوا فيه من البخل الذي هو أشرّ خصال الشرّ ما هو أقبح منه ، وأدل على سقوط نفس فاعله ، وبلوغه في الرذالة إلى غايتها ، وهو أنهم مع بخلهم بأموالهم ، وكتمهم لما أنعم الله به عليهم من فضله { يَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } كأنهم يجدون في صدورهم من جود غيرهم بماله حرجاً ومضاضة ، فلا كثر في عباده من أمثالكم ، هذه أموالكم قد بخلتم بها لكونكم تظنون انتقاصها بإخراج بعضها في مواضعه ، فما بالكم بخلتم بأموال غيركم ؟ مع أنه لا يلحقكم في ذلك ضرر ، وهل هذا إلا غاية اللوم ونهاية الحمق ، والرقاعة وقبح الطباع وسوء الاختيار . وقد تقدم اختلاف القراءات في البخل . وقد قيل إن المراد بهذه الآية اليهود ، فإنهم جمعوا بين الاختيال ، والفخر ، والبخل بالمال ، وكتمان ما أنزل الله في التوراة وقيل المراد بها المنافقون ، ولا يخفى أن اللفظ أوسع من ذلك ، وأكثر شمولاً ، وأعمّ فائدة . قوله { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ رِئَـاء ٱلنَّاسِ } عطف على قوله { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } ووجه ذلك أن الأوّلين قد فرطوا بالبخل ، وبأمر الناس به ، وبكتم ما آتاهم الله من فضله ، وهؤلاء أفرطوا ببذل أموالهم في غير مواضعها لمجرد الرياء ، والسمعة ، كما يفعله من يريد أن يتسامع الناس بأنه كريم ، ويتطاول على غيره بذلك ، ويشمخ بأنفه عليه ، مع ما ضم إلى هذا الإنفاق الذي يعود عليه بالضرر من عدم الإيمان بالله وباليوم الآخر . قوله { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَهُ قَرِيناً } في الكلام إضمار ، والتقدير ، ولا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخر ، فقرينهم الشيطان { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً } والقرين المقارن ، وهو الصاحب ، والخليل . والمعنى من قبل من الشيطان في الدنيا ، فقد قارنه فيها ، أو فهو قرينه في النار ، فساء الشيطان قرينا { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ } أي على هذه الطوائف { لَوْ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } ابتغاء لوجهه وامتثالاً لأمره ، أي وماذا يكون عليهم من ضرر لو فعلوا ذلك . قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } المثقال مفعال من الثقل ، كالمقدار من القدر ، وهو منتصب على أنه نعت لمفعول محذوف ، أي لا يظلم شيئاً مثقال ذرة . والذرّة واحدة الذرّ ، وهي النمل الصغار . وقيل رأس النملة . وقيل الذرّة الخردلة . وقيل كل جزء من أجزاء الهباء الذي يظهر فيما يدخل من الشمس من كوة أو غيرها ذرة . والأوّل هو المعنى اللغوي الذي يجب حمل القرآن عليه . والمراد من الكلام أن الله لا يظلم كثيراً ، ولا قليلاً ، أي لا يبخسهم من ثواب أعمالهم ، ولا يزيد في عقاب ذنوبهم وزن ذرّة فضلاً عما فوقها . قوله { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـٰعِفْهَا } قرأ أهل الحجاز « حسنة » بالرفع . وقرأ من عداهم بالنصب ، والمعنى على القراءة الأولى إن توجد حسنة ، على أنّ كان هي التامة لا الناقصة ، وعلى القراءة الثانية إن تك فعلته حسنة يضاعفها ، وقيل إن التقدير إن تك مثقال الذرّة حسنة ، وأنث ضمير المثقال لكونه مضافاً إلى المؤنث ، والأوّل أولى . وقرأ الحسن " نضاعفها " بالنون ، وقرأ الباقون بالياء ، وهي الأرجح لقوله { وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } وقد تقدّم الكلام في المضاعفة ، والمراد مضاعفة ثواب الحسنة . قوله { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } كيف منصوبة بفعل مضمر ، كما هو رأي سيبويه ، أو محلها رفع على الابتداء ، كما هو رأي غيره ، والإشارة بقوله { هَـؤُلاء } إلى الكفار . وقيل إلى كفار قريش خاصة . والمعنى فكيف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ؟ وهذا الاستفهام معناه التوبيخ ، والتقريع { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلاْرْضُ } قرأ نافع ، وابن عامر " تُسَوَّىٰ " بفتح التاء ، وتشديد السين ، وقرأ حمزة ، والكسائي بفتح التاء ، وتخفيف السين ، وقرأ الباقون بضم التاء ، وتخفيف السين . والمعنى على القراءة الأولى والثانية أن الأرض هي التي تسوّى بهم ، أي أنهم تمنوا لو انفتحت لهم الأرض ، فساخوا فيها ، وقيل الباء في قوله { بِهِمُ } بمعنى على ، أي تسوّى عليهم الأرض . وعلى القراءة الثالثة الفعل مبنيّ للمفعول ، أي لو سوّى الله بهم الأرض ، فيجعلهم والأرض سواء حتى لا يبعثوا . قوله { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } عطف على { يَوَدُّ } أي يومئذ يودّ الذين كفروا ، ويومئذ لا يكتمون الله حديثاً ، ولا يقدرون على ذلك . قال الزجاج قال بعضهم { لا يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } مستأنف لأن ما عملوه ظاهر عند الله لا يقدرون على كتمانه . وقال بعضهم هو معطوف . والمعنى يودّون أن الأرض سوّيت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثاً لأنه ظهر كذبهم . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال كان كردم بن يزيد حليف كعب بن الأشرف ، وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، وبحري بن عمرو ، وحيي بن أخطب ، ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالاً من الأنصار يتنصحون لهم ، فيقولون لا تنفقوا أموالكم ، فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ، ولا تسارعوا في النفقة ، فإنكم لا تدرون ما يكون ؟ فأنزل الله فيهم { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } إلى قوله { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عنه أنها نزلت في اليهود . وأخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد . وأخرجه ابن جرير ، عن سعيد بن جبير . وأخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن ابن عباس { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } قال رأس نملة حمراء . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { وَإِن تَكُ حَسَنَةً } وزن ذرة زادت على سيئاته { يُضَـٰعِفْهَا } فأما المشرك ، فيخفف به عنه العذاب ، ولا يخرج من النار أبداً . وأخرج البخاري ، وغيره ، عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرأ عليّ " ، قلت يا رسول الله آقرأ عليك ، وعليك أنزل ؟ قال " نعم إني أحبّ أن أسمعه من غيري " ، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً } قال " حسبك الآن " ، فإذا عيناه تذرفان . وأخرجه الحاكم ، وصححه من حديث عمرو بن حريث . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأرْضُ } يعني أن تسوّى الأرض بالجبال ، والأرض عليهم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية يقول ودّوا لو انخرقت بهم الأرض ، فساخوا فيها . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } قال بجوارحهم .