Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 59-59)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أمر سبحانه القضاة ، والولاة إذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالحق ، أمر الناس بطاعتهم ها هنا ، وطاعة الله عزّ وجلّ هي امتثال أوامره ونواهيه ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم هي فيما أمر به ونهى عنه . وأولي الأمر هم الأئمة ، والسلاطين ، والقضاة ، وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية ، والمراد طاعتهم فيما يأمرون به ، وينهون عنه ما لم تكن معصية ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله ، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال جابر بن عبد الله ، ومجاهد إن أولي الأمر ، هم أهل القرآن والعلم ، وبه قال مالك والضحاك . وروي عن مجاهد أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن كيسان هم أهل العقل والرأي ، والراجح القول الأوّل . قوله { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } المنازعة المجاذبة ، والنزع الجذب ، كأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويجذبها ، والمراد الاختلاف ، والمجادلة ، وظاهر قوله { فِي شَىْء } يتناول أمور الدين والدنيا ، ولكنه لما قال { فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } تبين به أن الشيء المتنازع فيه يختص بأمور الدين دون أمور الدنيا ، والردّ إلى الله هو الردّ إلى كتابه العزيز ، والردّ إلى الرسول هو الردّ إلى سنته المطهرة بعد موته ، وأما في حياته ، فالردّ إليه سؤاله ، هذا معنى الردّ إليهما . وقيل معنى الردّ أن يقولوا الله أعلم ، وهو قول ساقط ، وتفسير بارد ، وليس الردّ في هذه الآية إلا الرد المذكور في قوله تعالى { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } النساء 83 . قوله { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فيه دليل على أن هذا الرد متحتم على المتنازعين ، وإنه شأن من يؤمن بالله واليوم الآخر ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى الردّ المأمور به { خَيْرٌ } لكم { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي مرجعاً ، من الأول آل يؤول إلى كذا ، أي صار إليه والمعنى أن ذلك الردّ خير لكم ، وأحسن مرجعاً ترجعون إليه . ويجوز أن يكون المعنى أن الردّ أحسن تأويلاً من تأويلكم الذي صرتم إليه عند التنازع . وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن عباس في قوله { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدّي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ، وقصته معروفة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عطاء في الآية قال طاعة الله والرسول اتباع الكتاب والسنة { وَأُوْلِى ٱلأمْرِ } قال أولى الفقه ، والعلم . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة ، قال { وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ } هم الأمراء ، وفي لفظ هم أمراء السرايا . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والحكيم الترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن جابر بن عبد الله في قوله { وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ } قال أهل العلم . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن شيبة ، وابن جرير ، عن أبي العالية نحوه أيضاً . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } قال إلى كتاب الله ، وسنة رسوله . ثم قرأ { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } النساء 83 . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ميمون بن مهران في الآية قال الردّ إلى الله الردّ إلى كتابه ، والردّ إلى رسوله ما دام حياً ، فإذا قبض فإلى سنته . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة ، والسدي مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله { ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } يقول ذلك أحسن ثواباً وخير عاقبة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } قال وأحسن جزاءً . وقد وردت أحاديث كثيرة في طاعة الأمراء ثابتة في الصحيحين وغيرهما ، مقيدة بأن يكون ذلك في المعروف ، وأنه لا طاعة في معصية الله .