Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-9)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { حـم } قرأ الجمهور بفتح الحاء مشبعاً ، وقرأ حمزة ، والكسائي بإمالته إمالة محضة . وقرأ أبو عمرو بإمالته بين بين ، وقرأ الجمهور { حمۤ } بسكون الميم كسائر الحروف المقطعة . وقرأ الزهري بضمها على أنها خبر مبتدأ مضمر ، أو مبتدأ ، والخبر ما بعده . وقرأ عيسى بن عمر الثقفي بفتحها على أنها منصوبة بفعل مقدر ، أو على أنها حركة بناء لا حركة إعراب . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وأبو السماك بكسرها لالتقاء الساكنين ، أو بتقدير القسم . وقرأ الجمهور بوصل الحاء بالميم . وقرأ أبو جعفر بقطعها . وقد اختلف في معناه ، فقيل هو اسم من أسماء الله ، وقيل اسم من أسماء القرآن . وقال الضحاك ، والكسائي معناه قضى ، وجعلاه بمعنى حمّ أي قضى ، ووقع ، وقيل معناه حمّ أمر الله ، أي قرب نصره لأوليائه ، وانتقامه من أعدائه . وهذا كله تكلف لا موجب له ، وتعسف لا ملجىء إليه ، والحق أن هذه الفاتحة لهذه السورة ، وأمثالها من المتشابه الذي استأثر الله بعلم معناه كما قدّمنا تحقيقه في فاتحة سورة البقرة . { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } هو خبر لـ { حمۤ } على تقدير أنه مبتدأ ، أو خبر لمبتدأ مضمر ، أو هو مبتدأ ، وخبره { مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } قال الرازي المراد بتنزيل المنزل ، والمعنى أن القرآن منزل من عند الله ليس بكذب عليه . والعزيز الغالب القاهر ، والعليم الكثير العلم بخلقه ، وما يقولونه ، ويفعلونه . { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } قال الفرّاء جعلها كالنعت للمعرفة ، وهي نكرة ، ووجه قوله هذا أن إضافتها لفظية ، ولكنه يجوز أن تجعل إضافتها معنوية كما قال سيبويه إن كل ما إضافته غير محضة يجوز أن تجعل محضة ، وتوصف به المعارف إلا الصفة المشبهة . وأما الكوفيون ، فلم يستثنوا شيئاً بل جعلوا الصفة المشبهة كاسم الفاعل في جواز جعلها إضافة محضة ، وذلك حيث لا يراد بها زمان مخصوص ، فيجوّزون في { شديد } هنا أن تكون إضافته محضة . وعلى قول سيبويه لا بدّ من تأويله بمشدّد . وقال الزجاج إن هذه الصفات الثلاث مخفوضة على البدل . وروي عنه أنه جعل غافر ، وقابل مخفوضين على الوصف ، وشديد مخفوض على البدل ، والمعنى غافر الذنب لأوليائه ، وقابل توبتهم ، وشديد العقاب لأعدائه ، والتوب مصدر بمعنى التوبة من تاب يتوب توبة ، وتوباً ، وقيل هو جمع توبة ، وقيل غافر الذنب لمن قال لا إلٰه إلا الله ، وقابل التوب من الشرك ، وشديد العقاب لمن لا يوحده ، وقوله { ذِى ٱلطَّوْلِ } يجوز أن يكون صفة ، لأنه معرفة ، وأن يكون بدلاً ، وأصل الطول الإنعام ، والتفضل ، أي ذي الإنعام على عباده ، والتفضل عليهم . وقال مجاهد ذي الغنى ، والسعة . ومنه قوله { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } النساء 25 أي غنى ، وسعة ، وقال عكرمة ذي الطول ذي المنّ . قال الجوهري والطول بالفتح المنّ يقال منه طال عليه ، ويطول عليه إذا امتنّ عليه . وقال محمد بن كعب ذي الطول ذي التفضل . قال الماورودي والفرق بين المنّ ، والتفضل أن المنّ عفو عن ذنب ، والتفضل إحسان غير مستحقّ . ثم ذكر ما يدلّ على توحيده ، وأنه الحقيق بالعبادة ، فقال { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } لا إلى غيره ، وذلك في اليوم الآخر . ثم لما ذكر أن القرآن كتاب الله أنزله ليهتدي به في الدين ذكر أحوال من يجادل فيه لقصد إبطاله ، فقال { مَا يُجَـٰدِلُ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي ما يخاصم في دفع آيات الله ، وتكذيبها إلا الذين كفروا ، والمراد الجدال بالباطل ، والقصد إلى دحض الحقّ كما في قوله { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } . فأما الجدال لاستيضاح الحقّ ، ورفع اللبس ، والبحث عن الراجح ، والمرجوح ، وعن المحكم ، والمتشابه ، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن ، وردّهم بالجدال إلى المحكم ، فهو من أعظم ما يتقرّب المتقرّبون ، وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب ، فقال { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } آل عمران 187 ، وقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } البقرة 159 ، وقال { وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } العنكبوت 46 { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ } لما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر ، نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يغترّ بشيء من حظوظهم الدنيوية ، فقال فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة في البلاد ، وما يحصلونه من الأرباح ، ويجمعونه من الأموال ، فإنهم معاقبون عما قليل ، وإن أمهلوا ، فإنهم لا يهملون . قال الزجاج لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم ، فإن عاقبتهم الهلاك . قرأ الجمهور { لا يغررك } بفك الإدغام . وقرأ زيد بن عليّ ، وعبيد بن عمير بالإدغام . ثم بيّن حال من كان قبلهم ، وأن هؤلاء سلكوا سبيل أولئك في التكذيب ، فقال { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } الضمير في من بعدهم يرجع إلى قوم نوح ، أي وكذبت الأحزاب الذين تحزّبوا على الرسل من بعد قوم نوح كعاد ، وثمود { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي همت كلّ أمة من تلك الأمم المكذبة برسولهم الذي أرسل إليهم ليأخذوه ليتمكنوا منه ، فيحبسوه ، ويعذبوه ، ويصيبوا منه ما أرادوا . وقال قتادة ، والسدّي ليقتلوه ، والأخذ قد يرد بمعنى الإهلاك ، كقوله { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } الحج 44 والعرب تسمي الأسير الأخيذ { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } أي خاصموا رسولهم بالباطل من القول ، ليدحضوا به الحق ليزيلوه ، ومنه مكان دحض ، أي مزلقة ، ومزلة أقدام ، والباطل داحض لأنه يزلق ، ويزول ، فلا يستقرّ . قال يحيـى بن سلام جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان { فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } أي فأخذت هؤلاء المجادلين بالباطل ، فكيف كان عقابي الذي عاقبتهم به ، وحذف ياء المتكلم من عقاب اجتزاء بالكسرة عنها وصلا ، ووقفا لأنها رأس آية { وَكَذٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وجبت ، وثبتت ، ولزمت ، يقال حقّ الشيء إذا لزم ، وثبت ، والمعنى وكما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة لرسلهم حقت على الذين كفروا به ، وجادلوك بالباطل ، وتحزبوا عليك ، وجملة { أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } للتعليل ، أي لأجل أنهم مستحقون للنار . قال الأخفش أي لأنهم ، أو بأنهم . ويجوز أن تكون في محل رفع بدلاً من كلمة . قرأ الجمهور { كلمة } بالتوحيد ، وقرأ نافع ، وابن عامر كلمات بالجمع . ثم ذكر أحوال حملة العرش ، ومن حوله ، فقال { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } ، والموصول مبتدأ ، وخبره يسبحون بحمد ربهم ، والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ببيان أن هذا الجنس من الملائكة الذين هم أعلى طبقاتهم يضمون إلى تسبيحهم لله ، والإيمان به الاستغفار للذين آمنوا بالله ، ورسوله ، وصدّقوا ، والمراد بمن حول العرش هم الملائكة الذين يطوفون به مهللين مكبرين ، وهو في محل رفع عطفاً على الذين يحملون العرش ، وهذا هو الظاهر . وقيل يجوز أن تكون في محل نصب عطفاً على العرش ، والأوّل أولى . والمعنى أن الملائكة الذين يحملون العرش ، وكذلك الملائكة الذين هم حول العرش ينزهون الله ملتبسين بحمده على نعمه ، ويؤمنون بالله ، ويستغفرون الله لعباده المؤمنين به . ثم بيّن سبحانه كيفية استغفارهم للمؤمنين ، فقال حاكياً عنهم { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً } ، وهو بتقدير القول ، أي يقولون ربنا ، أو قائلين ربنا وسعت كل شيء رحمة ، وعلماً . انتصاب { رحمة } ، و { علماً } على التمييز المحوّل عن الفاعل ، والأصل وسعت رحمتك ، وعلمك كل شيء { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } أي أوقعوا التوبة عن الذنوب ، واتبعوا سبيل الله ، وهو دين الإسلام { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أي احفظهم منه . { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } و { أدخلهم } معطوف على قوله { قهم } ، ووسط الجملة الندائية لقصد المبالغة بالتكرير ، ووصف جنات عدن بأنها { ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ } إياها { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ } أي وأدخل من صلح ، والمراد بالصلاح ها هنا الإيمان بالله ، والعمل بما شرعه الله ، فمن فعل ذلك ، فقد صلح لدخول الجنة ، ويجوز عطف ، ومن صلح على الضمير في وعدتهم ، أي ووعدت من صلح ، والأولى عطفه على الضمير الأوّل في وأدخلهم ، قال الفراء ، والزجاج نصبه من مكانين إن شئت على الضمير في أدخلهم . وإن شئت على الضمير في وعدتهم . قرأ الجمهور بفتح اللام من صلح . وقرأ ابن أبي عيلة بضمها ، وقرأ الجمهور { وذرياتهم } على الجمع . وقرأ عيسى بن عمر على الإفراد { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } أي الغالب القاهر الكثير الحكمة الباهرة . { وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ } أي العقوبات ، أو جزاء السيئات على تقدير مضاف محذوف . قال قتادة وقهم ما يسوؤهم من العذاب { وَمَن تَقِ ٱلسَّيّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ } أي يوم القيامة { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } يقال وقاه يقيه وقاية ، أي حفظه ، ومعنى { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي رحمته من عذابك ، وأدخلته جنتك ، والإشارة بقوله { وَذَلِكَ } إلى ما تقدّم من إدخالهم الجنات ، ووقايتهم السيئات ، وهو مبتدأ ، وخبره { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي الظفر الذي لا ظفر مثله ، والنجاة التي لا تساويها نجاة . وقد أخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال { حـم } اسم من أسماء الله . وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، وأبو عبيد ، وابن سعد ، وابن أبي شيبة ، وأبو داود ، والترمذي ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن المهلب بن أبي صفرة قال حدّثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليلة الخندق " إن أتيتم الليلة ، فقولوا حمۤ لا ينصرون " وأخرج ابن أبي شيبة ، والنسائي ، والحاكم ، وابن مردويه عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنكم تلقون عدوّكم ، فليكن شعاركم حمۤ لا ينصرون " وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { ذِى ٱلطَّوْلِ } قال ذي السعة ، والغنى . وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه عن ابن عمر في قوله { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } الآية قال غافر الذنب لمن يقول لا إلٰه إلاّ الله { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } ممن يقول لا إلٰه إلاّ الله { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } لمن لا يقول لا إلٰه إلاّ الله { ذِى ٱلطَّوْلِ } ذي الغنى { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } كانت كفار قريش لا يوحدونه ، فوحد نفسه { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } مصير من يقول لا إلٰه إلاّ الله ، فيدخله الجنة ، ومصير من لا يقول لا إلٰه إلاّ الله ، فيدخله النار . وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن جدالاً في القرآن كفر " وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مراء في القرآن كفر " .