Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 10-20)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر سبحانه حال أصحاب النار ، وأنها حقت عليهم كلمة العذاب ، وأنهم أصحاب النار ذكر أحوالهم بعد دخول النار ، فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ } . قال الواحدي قال المفسرون إنهم لما رأوا أعمالهم ، ونظروا في كتابهم ، وأدخلوا النار ، ومقتوا أنفسهم بسوء صنيعهم ناداهم حين عاينوا عذاب الله مناد { لَمَقْتُ ٱللَّهِ } إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان ، فتكفرون { أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } اليوم . قال الأخفش هذه اللام في لمقت هي لام الابتداء أوقعت بعد ينادون لأن معناه يقال لهم ، والنداء قول . قال الكلبي يقول كل إنسان لنفسه من أهل النار مقتك يا نفس ، فتقول الملائكة لهم ، وهم في النار لمقت الله إياكم في الدنيا أشدّ من مقتكم أنفسكم اليوم . وقال الحسن يعطون كتابهم ، فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم ، فينادون لمقت الله إياكم في الدنيا { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ } أكبر من مقتكم أنفسكم إذ عاينتم النار ، والظرف في { إِذْ تَدْعُونَ } منصوب بمقدّر محذوف دلّ عليه المذكور ، أي مقتكم وقت دعائكم . وقيل بمحذوف هو اذكروا . وقيل بالمقت المذكور ، والمقت أشدّ البغض . ثم أخبر سبحانه عما يقولون في النار ، فقال { قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } اثنتين في الموضعين نعتان لمصدر محذوف ، أي أمتنا إماتتين اثنتين ، وأحييتنا إحياءتين اثنتين ، والمراد بالإماتتين أنهم كانوا نطفاً لا حياة لهم في أصلاب آبائهم ، ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا ، والمراد بالإحياءتين أنه أحياهم الحياة الأولى في الدنيا ، ثم أحياهم عند البعث ، ومثل هذه الآية قوله { وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } البقرة 28 . وقيل معنى الآية أنهم أميتوا في الدنيا عند انقضاء آجالهم ، ثم أحياهم الله في قبورهم للسؤال ، ثم أميتوا ، ثم أحياهم الله في الآخرة ، ووجه هذا القول أن الموت سلب الحياة ، ولا حياة للنطفة . ووجه القول الأوّل أن الموت قد يطلق على عادم الحياة من الأصل ، وقد ذهب إلى تفسير الأوّل جمهور السلف . وقال ابن زيد المراد بالآية أنه خلقهم في ظهر آدم ، واستخرجهم ، وأحياهم ، وأخذ عليهم الميثاق ، ثم أماتهم ، ثم أحياهم في الدنيا ، ثم أماتهم . ثم ذكر سبحانه اعترافهم بعد أن صاروا في النار بما كذبوا به في الدنيا ، فقال حاكياً عنهم { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } التي أسلفناها في الدنيا من تكذيب الرّسل ، والإشراك بالله ، وترك توحيده ، فاعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف ، وندموا حيث لا ينفعهم الندم ، وقد جعلوا اعترافهم هذا مقدّمة لقولهم { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ } أي هل إلى خروج لنا من النار ، ورجوع لنا إلى الدنيا من سبيل ، ومثل هذا قولهم الذي حكاه الله عنهم { فَهَلْ إِلَىٰ مَرَدّ مّن سَبِيلٍ } الشورى 44 ، وقوله { فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } السجدة 12 ، وقوله { يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ } الأنعام 27 الآية . ثم أجاب الله سبحانه عن قولهم هذا بقوله { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } أي ذلك الذي أنتم فيه من العذاب بسبب أنه إذا دعي الله في الدنيا وحده دون غيره كفرتم به ، وتركتم توحيده { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ } غيره من الأصنام ، أو غيرها { تُؤْمِنُواْ } بالإشراك به ، وتجيبوا الدّاعي إليه ، فبيّن سبحانه لهم السبب الباعث على عدم إجابتهم إلى الخروج من النار ، وهو ما كانوا فيه من ترك توحيد الله ، وإشراك غيره به في العبادة التي رأسها الدّعاء ، ومحل ذلكم الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر ذلكم ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أي ذلكم العذاب الذي أنتم فيه بذلك السبب ، وفي الكلام حذف ، والتقدير فأجيبوا بأن لا سبيل إلى الرّدّ ، وذلك لأنكم كنتم إذا دعي الله … إلخ { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ } وحده دون غيره ، وهو الذي حكم عليكم بالخلود في النار ، وعدم الخروج منها ، و { ٱلْعَلِىُّ } المتعالي عن أن يكون له مماثل في ذاته ، ولا صفاته ، و { ٱلْكَبِيرُ } الذي كبر عن أن يكون له مثل ، أو صاحبة ، أو ولد ، أو شريك { هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمْ ءايَـٰتِهِ } أي دلائل توحيده ، وعلامات قدرته { وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ ٱلسَّمَاء رِزْقاً } يعني المطر ، فإنه سبب الأرزاق . جمع سبحانه بين إظهار الآيات ، وإنزال الأرزاق ، لأن بإظهار الآيات قوام الأديان ، وبالأرزاق قوام الأبدان ، وهذه الآيات هي التكوينية التي جعلها الله سبحانه في سمٰواته ، وأرضه ، وما فيهما ، وما بينهما . قرأ الجمهور { ينزل } بالتشديد . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بالتخفيف { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } أي ما يتذكر ، ويتعظ بتلك الآيات الباهرة ، فيستدلّ بها على التوحيد ، وصدق الوعد ، والوعيد إلا من ينيب ، أي يرجع إلى طاعة الله بما يستفيده من النظر في آيات الله . ثم لما ذكر سبحانه ما نصبه من الأدلة على التوحيد أمر عباده بدعائه ، وإخلاص الدّين له ، فقال { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } أي إذا كان الأمر كما ذكر من ذلك ، فادعوا الله وحده مخلصين له العبادة التي أمركم بها { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } ذلك ، فلا تلتفتوا إلى كراهتهم ، ودعوهم يموتوا بغيظهم ، ويهلكوا بحسرتهم . { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَـٰتِ } ، وارتفاع رفيع الدرجات على أنه خبر آخر عن المبتدأ المتقدّم أي هو الذي يريكم آياته ، وهو رفيع الدرجات . وكذلك { ذُو ٱلْعَرْشِ } خبر ثالث ، ويجوز أن يكون رفيع الدرجات مبتدأ ، وخبره { ذُو ٱلْعَرْشِ } ، ويجوز أن يكونا خبرين لمبتدأ محذوف ، ورفيع صفة مشبهة ، والمعنى رفيع الصفات ، أو رفيع درجات ملائكته ، أي معارجهم ، أو رفيع درجات أنبيائه ، وأوليائه في الجنة . وقال الكلبي ، وسعيد بن جبير رفيع السمٰوات السبع ، وعلى هذا الوجه يكون رفيع بمعنى رافع ، ومعنى ، ذو العرش مالكه ، وخالقه ، والمتصرف فيه ، وذلك يقتضي علوّ شأنه ، وعظم سلطانه ، ومن كان كذلك ، فهو الذي يحقّ له العبادة ، ويجب له الإخلاص ، وجملة { يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } في محل رفع على أنها خبر آخر للمبتدأ المتقدّم ، أو للمقدّر ، ومعنى ذلك أنه سبحانه يلقي الوحي { عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } ، وسمي الوحي روحاً ، لأن الناس يحيون به من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح ، وقوله { مِنْ أَمْرِهِ } متعلق بـ { يلقى } ، و « من » لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الروح ، ومثل هذه الآية قوله تعالى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } الشورى 52 . وقيل الروح جبريل كما في قوله { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } الشعراء 193 ، 194 ، وقوله { نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبّكَ بِٱلْحَقّ } النحل 102 ، وقوله { عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } هم الأنبياء ، ومعنى { مِنْ أَمْرِهِ } من قضائه { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } قرأ الجمهور { لينذر } مبنياً للفاعل ، ونصب اليوم ، والفاعل هو الله سبحانه ، أو الرسول ، أو من يشاء ، والمنذر به محذوف تقديره لينذر العذاب يوم التلاق . وقرأ أبيّ ، وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم على الفاعلية مجازاً . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وابن السميفع لتنذر بالفوقية على أن الفاعل ضمير المخاطب ، وهو الرسول ، أو ضمير يرجع إلى الرّوح لأنه يجوز تأنيثها . وقرأ اليماني لينذر على البناء للمفعول ، ورفع يوم على النيابة ، ومعنى { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } يوم يلتقي أهل السمٰوات ، والأرض في المحشر ، وبه قال قتادة . وقال أبو العالية ، ومقاتل يوم يلتقي العابدون ، والمعبودون ، وقيل الظالم ، والمظلوم . وقيل الأوّلون ، والآخرون . وقيل جزاء الأعمال ، والعاملون . وقوله { يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ } بدل من يوم التلاق . وقال ابن عطية هو منتصب بقوله { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ } وقيل منتصب بإضمار اذكر ، والأوّل أولى ، ومعنى بارزون خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء ، وجملة { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء } مستأنفة مبينة لبروزهم ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير بارزون ، ويجوز أن تكون خبراً ثانياً للمبتدأ ، أي لا يخفى عليه سبحانه شيء منهم ، ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، وجملة { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } مستأنفة جواب عن سؤال مقدّر كأنه قيل فماذا يقال عند بروز الخلائق في ذلك اليوم ؟ ، فقيل يقال لمن الملك اليوم ؟ قال المفسرون إذا هلك كل من في السمٰوات ، والأرض ، فيقول الرّبّ تبارك وتعالى { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } يعني يوم القيامة ، فلا يجيبه أحد ، فيجيب تعالى نفسه ، فيقول { للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } قال الحسن هو السائل تعالى ، وهو المجيب حين لا أحد يجيبه ، فيجيب نفسه . وقيل إنه سبحانه يأمر منادياً ينادي بذلك ، فيقول أهل المحشر مؤمنهم ، وكافرهم { للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } وقيل إنه يجيب المنادي بهذا الجواب أهل الجنة دون أهل النار . وقيل هو حكاية لما ينطق به لسان الحال في ذلك اليوم لانقطاع دعاوي المبطلين ، كما في قوله تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } الانفطار 17 ــ 19 ، وقوله { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } من تمام الجواب على القول بأن المجيب هو الله سبحانه ، وأما على القول بأن المجيب هم العباد كلهم ، أو بعضهم ، فهو مستأنف لبيان ما يقوله الله سبحانه بعد جوابهم أي اليوم تجزى كل نفس بما كسبت من خير وشرّ لا ظلم اليوم على أحد منهم بنقص من ثوابه ، أو بزيادة في عقابه { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي سريع حسابه ، لأنه سبحانه لا يحتاج إلى تفكر في ذلك كما يحتاجه غيره لإحاطة علمه بكل شيء ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة . ثم أمر الله سبحانه رسوله بإنذار عباده ، فقال { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } أي يوم القيامة سميت بذلك لقربها ، يقال أزف فلان ، أي قرب يأزف أزفاً ، ومنه قول النابغة @ أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل بركابنا وكأن قد @@ ومنه قوله تعالى { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } النجم 57 أي قربت الساعة . وقيل إن يوم الآزفة هو يوم حضور الموت ، والأوّل أولى . قال الزجاج وقيل لها آزفة لأنها قريبة ، وإن استبعد الناس أمرها ، وما هو كائن ، فهو قريب { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَـٰظِمِينَ } وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة كقوله { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } الأحزاب 10 . { كَـٰظِمِينَ } مغمومين مكروبين ممتلئين غمًّا . قال الزجاج المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم . قال قتادة وقعت قلوبهم في الحناجر من المخافة ، فهي لا تخرج ، ولا تعود في أمكنتها . وقيل هو إخبار عن نهاية الجزع ، وإنما قال كاظمين باعتبار أهل القلوب ، لأن المعنى إذ قلوب الناس لدى حناجرهم ، فيكون حالاً منهم . وقيل حالاً من القلوب ، وجمع الحال منها جمع العقلاء لأنه أسند إليها ما يسند إلى العقلاء فجمعت جمعه . ثم بين سبحانه أنه لا ينفع الكافرين في ذلك اليوم أحد ، فقال { مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي قريب ينفعهم { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } في شفاعته لهم ، ومحل { يطاع } الجر على أنه صفة لـ { شفيع } . ثم وصف سبحانه شمول علمه لكل شيء ، وإن كان في غاية الخفاء فقال { يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } ، وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحلّ النظر إليه ، والجملة خبر آخر لقوله { هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ } قال المؤرج فيه تقديم ، وتأخير ، أي يعلم الأعين الخائنة . وقال قتادة خائنة الأعين الهمز بالعين فيما لا يحب الله . وقال الضحاك هو قول الإنسان ما رأيت ، وقد رأى ، ورأيت ، وما رأى . وقال سفيان هي النظرة بعد النظرة . والأول أولى ، وبه قال مجاهد { وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ } من الضمائر ، وتسرّه من معاصي الله { وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقّ } فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير ، وشرّ { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ } أي تعبدونهم من دون الله { لاَ يَقْضُونَ بِشَىْء } ، لأنهم لا يعلمون شيئاً ، ولا يقدرون على شيء . قرأ الجمهور { يدعون } بالتحتية يعني الظالمين ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم ، وقرأ نافع ، وشيبة ، وهشام بالفوقية على الخطاب لهم { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } ، فلا يخفى عليه من المسموعات ، والمبصرات خافية . وقد أخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله { أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } قال هي مثل التي في البقرة { كُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } البقرة 28 كانوا أمواتاً في صلب آبائهم ، ثم أخرجهم ، فأحياهم ، ثم أماتهم ، ثم يحييهم بعد الموت . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال كنتم تراباً قبل أن يخلقكم ، فهذه ميتة ، ثم أحياكم ، فخلقكم ، فهذه حياة ، ثم يميتكم ، فترجعون إلى القبور ، فهذه ميتة أخرى ، ثم يبعثكم يوم القيامة ، فهذه حياة ، فهما موتتان ، وحياتان كقوله { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ } الآية . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } قال يوم القيامة يلتقي فيه آدم ، وآخر ولده . وأخرج عنه أيضاً قال { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } يوم الآزفة ، ونحو هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله ، وحذره عباده . وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً قال « ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة ، فيسمعها الأحياء ، والأموات ، وينزل الله إلى السماء الدنيا ، فيقول { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } » . وأخرج ابن أبي الدنيا في البعث ، والديلمي عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن مسعود قال « يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط ، فأوّل ما يتكلم أن ينادي منادٍ { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } فأول ما يبدأ به من الخصومات الدماء » . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ } قال الرجل يكون في القوم ، فتمرّ بهم المرأة ، فيريهم أنه يغضّ بصره عنها ، وإذا غفلوا لحظ إليها ، وإذا نظروا غضّ بصره عنها ، وقد اطلع الله من قلبه أنه ودّ أن ينظر إلى عورتها . وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الشعب عنه في الآية قال إذا نظر إليها يريد الخيانة أم لا { وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ } قال إذا قدر عليها أيزني بها أم لا ؟ ألا أخبركم بالتي تليها { وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقّ } قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ، وبالسيئة السيئة . وأخرج أبو داود ، والنسائي ، وابن مردويه عن سعد قال لما كان يوم فتح مكة أمن النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر ، وامرأتين ، وقال " اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة " منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فاختبأ عند عثمان بن عفان ، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به . فقال يا رسول الله بايع عبد الله ، فرفع رأسه ، فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى بيعته ، ثم بايعه ، ثم أقبل على أصحابه ، فقال " أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته ، فيقتله ؟ " فقالوا ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك هلا أومأت إلينا بعينك ؟ ، فقال " إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين " .