Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 41-52)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كرّر ذلك الرجل المؤمن دعاءهم إلى الله ، وصرّح بإيمانه ، ولم يسلك المسالك المتقدّمة من إيهامه لهم أنه منهم ، وأنه إنما تصدّى التذكير كراهة أن يصيبهم بعض ما توعدهم به موسى كما يقوله الرجل المحبّ لقومه من التحذير عن الوقوع فيما يخاف عليهم الوقوع فيه ، فقال { وَيٰقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى ٱلنَّارِ } أي أخبروني عنكم كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار ، ودخول الجنة بالإيمان بالله ، وإجابة رسله ، وتدعونني إلى النار بما تريدونه مني من الشرك . قيل معنى { مَا لِى أَدْعُوكُـمْ } ما لكم أدعوكم ؟ كما تقول ما لي أراك حزيناً ، أي ما لك . ثم فسر الدعوتين ، فقال { تَدْعُونَنِى لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } ، فقوله تدعونني بدل من تدعونني الأولى ، أو بيان لها { مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } أي ما لا علم لي بكونه شريكاً لله { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } أي إلى العزيز في انتقامه ممن كفر { ٱلْغَفَّارُ } لذنب من آمن به . { لاَ جَرَمَ } قد تقدّم تفسير هذا في سورة هود ، وجرم فعل ماض بمعنى حقّ ، ولا الداخلة عليه لنفي ما ادّعوه ، وردّ ما زعموه ، وفاعل هذا الفعل هو قوله { أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِى ٱلأَخِرَةِ } أي حقّ ، ووجب بطلان دعوته . قال الزجاج معناه ليس له استجابة دعوة تنفع . وقيل ليس له دعوة توجب له الألوهية في الدنيا ، ولا في الآخرة . وقال الكلبي ليس له شفاعة { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى ٱللَّهِ } أي مرجعنا ، ومصيرنا إليه بالموت أوّلاً ، وبالبعث آخراً ، فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير ، وشرّ { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } أي المستكثرين من معاصي الله . قال قتادة ، وابن سيرين يعني المشركين . وقال مجاهد ، والشعبي هم السفهاء السفاكون للدّماء بغير حقها . وقال عكرمة الجبارون ، والمتكبرون . وقيل هم الذين تعدّوا حدود الله ، « وأن » في الموضعين عطف على « أن » في قوله { أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ } ، والمعنى وحقّ أن مردّنا إلى الله ، وحقّ أن المسرفين إلخ { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ } إذا نزل بكم العذاب ، وتعلمون أني قد بالغت في نصحكم ، وتذكيركم ، وفي هذا الإبهام من التخويف ، والتهديد ما لا يخفى { وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱللَّهِ } أي أتوكل عليه ، وأسلم أمري إليه . قيل إنه قال هذا لما أرادوا الإيقاع به . قال مقاتل هرب هذا المؤمن إلى الجبل ، فلم يقدروا عليه . وقيل القائل هو موسى ، والأوّل أولى . { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } أي وقاه الله ما أرادوا به من المكر السيّىء ، وما أرادوه به من الشرّ . قال قتادة نجاه الله مع بني إسرائيل { وَحَاقَ بِـئَالِ فِرْعَوْنَ سُوء ٱلْعَذَابِ } أي أحاط بهم ، ونزل عليهم سوء العذاب . قال الكسائي يقال حاق يحيق حيقاً ، وحيوقاً إذا نزل ، ولزم . قال الكلبي غرقوا في البحر ، ودخلوا النار ، والمراد بآل فرعون فرعون ، وقومه ، وترك التصريح به للاستغناء بذكرهم عن ذكره لكونه أولى بذلك منهم ، أو المراد بآل فرعون فرعون نفسه . والأوّل أولى لأنهم قد عذبوا في الدنيا جميعاً بالغرق ، وسيعذبون في الآخرة بالنار ، ثم بيّن سبحانه ما أجمله من سوء العذاب ، فقال { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } ، فارتفاع النار على أنها بدل من سوء العذاب . وقيل على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ ، وخبره يعرضون ، والأوّل أولى ، ورجحه الزجاج ، وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر . وقرىء بالنصب على تقدير فعل يفسره يعرضون من حيث المعنى ، أي يصلون النار يعرضون عليها ، أو على الاختصاص ، وأجاز الفرّاء الخفض على البدل من العذاب . وذهب الجمهور أن هذا العرض هو في البرزخ . وقيل هو في الآخرة . قال الفرّاء ويكون في الآية تقديم ، وتأخير ، أي أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب النار يعرضون عليها غدوًّا ، وعشيا ، ولا ملجىء إلى هذا التكلف ، فإن قوله { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } يدل دلالة واضحة على أن ذلك العرض هو في البرزخ ، وقوله { أَدْخِلُواْ } هو بتقدير القول ، أي يقال للملائكة أدخلوا آل فرعون ، و { أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } هو عذاب النار . قرأ حمزة ، والكسائي ، ونافع ، وحفض { أدخلوا } بفتح الهمزة ، وكسر الخاء ، وهو على تقدير القول كما ذكر . وقرأ الباقون ادخلوا بهمزة وصل من دخل يدخل أمراً لآل فرعون بالدخول بتقدير حرف النداء ، أي ادخلوا يا آل فرعون أشدّ العذاب . { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى ٱلنَّـارِ } الظرف منصوب بإضمار اذكر . والمعنى اذكر لقومك وقت تخاصمهم في النار ، ثم بيّن سبحانه هذا التخاصم ، فقال { فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاء لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُواْ } عن الانقياد للأنبياء ، والاتباع لهم ، وهم رؤساء الكفر { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } جمع لتابع ، كخدم ، وخادم ، أو مصدر واقع موقع اسم الفاعل ، أي تابعين ، أو على حذف مضاف ، أي ذوي تبع . قال البصريون التبع يكون واحداً ، ويكون جمعاً . وقال الكوفيون هو جمع لا واحد له { فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مّنَ ٱلنَّارِ } أي هل تدفعون عنا نصيباً منها ، أو تحملونه معنا ، وانتصاب { نصيباً } بفعل مقدّر يدل عليه مغنون ، أي هل تدفعون عنا نصيباً ، أو تمنعون على تضمينه معنى حاملين ، أي هل أنتم حاملون معنا نصيباً ، أو على المصدرية . { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَا } هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والمعنى إنا نحن ، وأنتم جميعاً في جهنم ، فكيف تغني عنكم . قرأ الجمهور { كلّ } بالرّفع على الابتداء ، وخبره { فِيهَا } والجملة خبر إن ، قاله الأخفش . وقرأ ابن السميفع ، وعيسى بن عمر كلا بالنصب . قال الكسائي ، والفراء على التأكيد لاسم إن بمعنى كلنا ، وتنوينه عوض عن المضاف إليه . وقيل على الحال ، ورجحه ابن مالك { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } أي قضى بينهم بأن فريقاً في الجنة ، وفريقاً في السعير . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِى ٱلنَّارِ } من الأمم الكافرة ، مستكبرهم ، وضعيفهم { لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ } جمع خازن ، وهو القوّام بتعذيب أهل النار { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفّفْ عَنَّا يَوْماً مّنَ ٱلْعَذَابِ } يوماً ظرف ليخفف ، ومفعول يخفف محذوف ، أي يخفف عنا شيئاً من العذاب مقدار يوم ، أو في يوم ، وجملة { قَالُواْ أَوَلَمْ تَك تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والاستفهام للتوبيخ ، والتقريع { قَالُواْ بَلَىٰ } أي أتونا بها ، فكذبناهم ، ولم نؤمن بهم ، ولا بما جاءوا به من الحجج الواضحة ، فلما اعترفوا { قَالُواْ } أي قال لهم الملائكة الذين هم خزنة جهنم { فَٱدْعُواْ } أي إذا كان الأمر كذلك ، فادعوا أنتم ، فإنا لا ندعو لمن كفر بالله ، وكذّب رسله بعد مجيئهم بالحجج الواضحة . ثم أخبروهم بأن دعاءهم لا يفيد شيئاً ، فقالوا { وَمَا دُعَاء ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ } أي في ضياع ، وبطلان ، وخسار ، وتبار ، وجملة { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } مستأنفة من جهته سبحانه ، أي نجعلهم الغالبين لأعدائهم القاهرين لهم ، والموصول في محل نصب عطفاً على رسلنا ، أي لننصر رسلنا ، وننصر الذين آمنوا معهم { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } بما عوّدهم الله من الانتقام منهم بالقتل ، والسلب ، والأسر ، والقهر { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ } ، وهو يوم القيامة . قال زيد بن أسلم الأشهاد هم الملائكة ، والنبيون . وقال مجاهد ، والسدّي الأشهاد الملائكة تشهد للأنبياء بالإبلاغ ، وعلى الأمم بالتكذيب . قال الزجاج الأشهاد جمع شاهد مثل صاحب ، وأصحاب . قال النحاس ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال ، ولا يقاس عليه ، ولكن ما جاء منه مسموعاً أدّى على ما يسمع ، فهو على هذا جمع شهيد ، مثل شريف ، وأشراف ، ومعنى نصرهم يوم يقوم الأشهاد أن الله يجازيهم بأعمالهم ، فيدخلهم الجنة ، ويكرمهم بكراماته ، ويجازي الكفار بأعمالهم ، فيلعنهم ، ويدخلهم النار ، وهو معنى قوله { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ } أي البعد عن الرّحمة { وَلَهُمْ سُوء ٱلدَّارِ } أي النار ، ويوم بدل من يوم يقوم الأشهاد ، وإنما لم تنفعهم المعذرة لأنها معذرة باطلة ، وتعلة داحضة ، وشبهة زائغة . قرأ الجمهور تنفع بالفوقية . وقرأ نافع ، والكوفيون بالتحتية ، والكل جائز في اللغة . وقد أخرج البخاريّ في تاريخه ، وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } قال السفاكين للدّماء بغير حقها . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة ، والعشيّ ، إن كان من أهل الجنة ، فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار ، فمن أهل النار ، يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " زاد ابن مردويه « ثم قرأ { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } » . وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أحسن محسن مسلم ، أو كافر إلا أثابه الله " قلنا يا رسول الله ما إثابة الكافر ؟ قال " المال ، والولد ، والصحة ، وأشباه ذلك " قلنا وما إثابته في الآخرة ؟ قال " عذاباً دون العذاب " وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { أدخلوا آل فرعون العذاب } » . وأخرج أحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن أبي الدنيا ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه نار جهنم يوم القيامة ، ثم تلا { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } " وأخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة مثله .