Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 30-40)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمّ كرّر ذلك الرجل المؤمن تذكيرهم ، وحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم ، فقال الله حاكياً عنه { وَقَالَ ٱلَّذِى ءامَنَ يٰقَوْمِ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ ٱلاْحْزَابِ } أي مثل يوم عذاب الأمم الماضية الذين تحزبوا على أنبيائهم . وأفرد اليوم لأن جمع الأحزاب قد أغنى عن جمعه ، ثم فسر الأحزاب ، فقال { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } أي مثل حالهم في العذاب ، أو مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب ، أو مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر ، والتكذيب { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ } أي لا يعذبهم بغير ذنب ، ونفي الإرادة للظلم يستلزم نفي الظلم بفحوى الخطاب . ثم زاد في الوعظ ، والتذكير ، فقال { وَيٰقَوْمِ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } قرأ الجمهور { التناد } بتخفيف الدال ، وحذف الياء . والأصل التنادي ، وهو التفاعل من النداء ، يقال تنادى القوم ، أي نادى بعضهم بعضاً ، وقرأ الحسن ، وابن السميفع ، ويعقوب ، وابن كثير ، ومجاهد بإثبات الياء على الأصل ، وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وعكرمة بتشديد الدال . قال بعض أهل اللغة هو لحن ، لأنه من ندّ يندّ إذا مرّ على وجهه هارباً . قال النحاس وهذا غلط ، والقراءة حسنة على معنى التنافي . قال الضحاك في معناه أنهم إذا سمعوا بزفير جهنم ندّوا هرباً ، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفاً من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } ، وعلى قراءة الجمهور المعنى يوم ينادي بعضهم بعضاً ، أو ينادي أهل النار أهل الجنة ، وأهل الجنة أهل النار ، أو ينادى فيه بسعادة السعداء ، وشقاوة الأشقياء ، أو يوم ينادي فيه كلّ أناس بإمامهم ، ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني ، وقوله { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } بدل من يوم التناد ، أي منصرفين عن الموقف إلى النار ، أو فارّين منها . قال قتادة ، ومقاتل المعنى إلى النار بعد الحساب ، وجملة { مَا لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } في محل نصب على الحال ، أي ما لكم من يعصمكم من عذاب الله ، ويمنعكم منه { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يهديه إلى طريق الرشاد . ثم زاد في وعظهم ، وتذكيرهم ، فقال { وَلَقَدْ جَاءكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي يوسف بن يعقوب ، والمعنى أن يوسف بن يعقوب جاءهم بالمعجزات ، والآيات الواضحات من قبل مجيء موسى إليهم ، أي جاء إلى آبائكم ، فجعل المجيء إلى الآباء مجيئاً إلى الأبناء . وقيل المراد بيوسف هنا يوسف بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب ، وكان أقام فيهم نبياً عشرين سنة . وحكى النقاش ، عن الضحاك أن الله بعث إليهم رسولاً من الجنّ يقال له يوسف ، والأوّل أولى . وقد قيل إن فرعون موسى أدرك أيام يوسف بن يعقوب لطول عمره { فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكّ مّمَّا جَاءكُـمْ بِهِ } من البينات ، ولم تؤمنوا به { حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ } يوسف { قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } ، فكفروا به في حياته ، وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } أي مثل ذلك الضلال الواضح يضلّ الله من هو مسرف في معاصي الله مستكثر منها مرتاب في دين الله شاكّ في وحدانيته ، ووعده ، ووعيده . والموصول في قوله { ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ } بدل من « من » ، والجمع باعتبار معناها ، أو بيان لها ، أو صفة ، أو في محل نصب بإضمار أعني ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين ، أو مبتدأ ، وخبره يطبع ، و { بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ } متعلق بيجادلون ، أي يجادلون في آيات الله بغير حجة واضحة ، و { ءاتَـٰهُمُ } صفة لسلطان { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يحتمل أن يراد به التعجب ، وأن يراد به الذمّ كبئس ، وفاعل كبر ضمير يعود إلى الجدال المفهوم من يجادلون . وقيل فاعله ضمير يعود إلى من في { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } ، والأوّل أولى . وقوله { عَندَ ٱللَّهِ } متعلق بكبر ، وكذلك { عِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قيل هذا من كلام الرجل المؤمن . وقيل ابتداء كلام من الله سبحانه { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ } أي كما طبع على قلوب هؤلاء المجادلين ، فكذلك يطبع أي يختم على كلّ قلب متكبر جبار . قرأ الجمهور بإضافة قلب إلى متكبر ، واختار هذه القراءة أبو حاتم ، وأبو عبيد ، وفي الكلام حذف ، وتقديره كذلك يطبع الله على كلّ قلب كل متكبر ، فحذف كلّ الثانية لدلالة الأولى عليها ، والمعنى أنه سبحانه يطبع على قلوب جميع المتكبرين الجبارين ، وقرأ أبو عمرو ، وابن محيصن ، وابن ذكوان عن أهل الشام بتنوين قلب على أن متكبر صفة له ، فيكون القلب مراداً به الجملة ، لأن القلب هو محل التكبر ، وسائر الأعضاء تبع له في ذلك ، وقرأ ابن مسعود على قلب كلّ متكبر . ثم لما سمع فرعون هذا رجع إلى تكبره ، وتجبره معرضاً عن الموعظة نافراً من قبولها ، وقال { يٰهَـٰمَـٰنُ ٱبْنِ لِى صَرْحاً } أي قصراً مشيداً كما تقدّم بيان تفسيره { لَّعَـلّى أَبْلُغُ ٱلأَسْبَـٰبَ } أي الطرق . قال قتادة ، والزهري ، والسدّي ، والأخفش هي الأبواب . وقوله { أَسْبَـٰبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } بيان للأسباب ، لأن الشيء إذا أبهم ، ثم فسر كان أوقع في النفوس ، وأنشد الأخفش عند تفسيره للآية بيت زهير @ ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم @@ وقيل أسباب السماوات الأمور التي يستمسك بها { فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } قرأ الجمهور بالرفع عطفاً على أبلغ ، فهو على هذا داخل في حيز الترجي . وقرأ الأعرج ، والسلمي ، وعيسى بن عمر ، وحفص بالنصب على جواب الأمر في قوله { ٱبْنِ لِى } ، أو على جواب الترجي كما قال أبو عبيد ، وغيره . قال النحاس ومعنى النصب خلاف معنى الرفع ، لأن معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت ، ومعنى الرفع لعلي أبلغ الأسباب ، ولعلي أطلع بعد ذلك ، وفي هذا دليل على أن فرعون كان بمكان من الجهل عظيم ، وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جدًّا { وَإِنّى لأَظُنُّهُ كَـٰذِباً } أي وإني لأظنّ موسى كاذباً في ادعائه بأن له إلاهاً ، أو فيما يدّعيه من الرسالة { وَكَـذٰلِكَ زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ } أي ومثل ذلك التزيين زين الشيطان لفرعون سوء عمله من الشرك ، والتكذيب فتمادى في الغيّ ، واستمرّ على الطغيان { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي سبيل الرشاد . قرأ الجمهور { وصد } بفتح الصاد ، والدال ، أي صدّ فرعون الناس عن السبيل ، وقرأ الكوفيون { وصد } بضم الصاد مبنياً للمفعول ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم ، ولعلّ وجه الاختيار لها منهما كونها مطابقة لما أجمعوا عليه في زين من البناء للمفعول ، وقرأ يحيـى بن وثاب ، وعلقمة صد بكسر الصاد ، وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعبد الرحمٰن بن أبي بكرة بفتح الصاد ، وضمّ الدال منوّناً على أنه مصدر معطوف على سوء عمله أي زين له الشيطان سوء العمل ، والصدّ { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ } التباب الخسار ، والهلاك ، ومنه { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } المسد 1 ، ثم إن ذلك الرجل المؤمن أعاد التذكير ، والتحذير كما حكى الله عنه بقوله { وَقَالَ ٱلَّذِى ءامَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } أي اقتدوا بي في الدين أهدكم طريق الرشاد ، وهو الجنة . وقيل هذا من قول موسى ، والأوّل أولى . وقرأ معاذ بن جبل الرشاد بتشديد الشين كما تقدّم قريباً في قول فرعون ، ووقع في المصحف { اتبعون } بدون ياء ، وكذلك قرأ أبو عمرو ، ونافع بحذفها في الوقف ، وإثباتها في الوصل ، وقرأ يعقوب ، وابن كثير بإثباتها وصلا ، ووقفا ، وقرأ الباقون بحذفها وصلا ، ووقفا ، فمن أثبتها فعلى ما هو الأصل ، ومن حذفها ، فلكونها حذفت في المصحف { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ } يتمتع بها أياماً ، ثم تنقطع ، وتزول { وَإِنَّ ٱلأَخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } أي الاستقرار لكونها دائمة لا تنقطع ، ومستمرّة لا تزول { مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا } أي من عمل في دار الدنيا معصية من المعاصي كائنة ما كانت ، فلا يجزى إلا مثلها ، ولا يعذب إلا بقدرها ، والظاهر شمول الآية لكل ما يطلق عليه اسم السيئة . وقيل هي خاصة بالشرك ، ولا وجه لذلك { وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي من عمل عملاً صالحاً مع كونه مؤمناً بالله ، وبما جاءت به رسله { فَأُوْلَـئِكَ } الذين جمعوا بين العمل الصالح ، والإيمان { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي بغير تقدير ، ومحاسبة . قال مقاتل يقول لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير . وقيل العمل الصالح ، هو لا إلٰه إلا الله . قرأ الجمهور { يدخلون } بفتح التحتية مبنياً للفاعل . وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، وأبو بكر عن عاصم بضمها مبنياً للمفعول . وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس { مِثْلَ دَأْبِ } قال مثل حال . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن قتادة { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ } قال هم الأحزاب قوم نوح ، وعاد ، وثمود . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وَلَقَدْ جَاءكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } قال رؤيا يوسف ، وفي قوله { ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ } قال يهود . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ فِى تَبَابٍ } قال خسران . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة . وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الحياة الدنيا متاع ، وليس من متاعها شيء أفضل من المرأة الصالحة ، التي إذا نظرت إليها سرّتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ، ومالها " .