Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 45-54)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } هذا كلام مستأنف يتضمن تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يحصل له من الاغتمام بكفر قومه ، وطعنهم في القرآن ، فأخبره أن هذا عادة قديمة في أمم الرسل ، فإنهم يختلفون في الكتب المنزلة إليهم ، والمراد بالكتاب التوراة ، والضمير من قوله { فِيهِ } راجع إليه . وقيل يرجع إلى موسى ، والأوّل أولى { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } في تأخير العذاب عن المكذّبين من أمتك كما في قوله { وَلٰكِن يُؤَخِرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } النحل 61 { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } بتعجيل العذاب لمن كذب منهم { وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ } أي من كتابك المنزّلّ عليك ، وهو القرآن ، ومعنى الشك المريب الموقع في الريبة ، أو الشديد الريبة . وقيل إن المراد اليهود ، وأنهم في شك من التوراة مريب ، والأوّل أولى { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ } أي من أطاع الله ، وآمن برسوله ، ولم يكذّبهم ، فثواب ذلك راجع إليه ، ونفعه خاصّ به { وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } أي عقاب إساءته عليه لا على غيره { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } ، فلا يعذبّ أحداً إلاّ بذنبه ، ولا يقع منه الظلم لأحد كما في قوله سبحانه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئًا } يونس 44 وقد تقدّم الكلام على معنى هذه الآية في سورة آل عمران عند قوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } آل عمران 182 ، وفي سورة الأنفال أيضاً . ثم أخبر سبحانه أن علم القيامة ، ووقت قيامها لا يعلمه غيره ، فقال { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } ، فإذا وقع السؤال عنها وجب على المسئول أن يردّ علمها إليه لا إلى غيره ، وقد روي أن المشركين قالوا يا محمد إن كنت نبياً ، فخبرنا متى تقوم الساعة ؟ فنزلت . و { ما } في قوله { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرٰتٍ مّنْ أَكْمَامِهَا } نافية ، و { من } الأولى للاستغراق ، و { من } الثانية لابتداء الغاية . وقيل هي موصولة في محلّ جرّ عطفاً على الساعة ، أي علم الساعة ، وعلم التي تخرج ، والأوّل أولى . والأكمام جمع كمّ بكسر الكاف ، وهو وعاء الثمرة ، ويطلق على كل ظرف لمال ، أو غيره . قال أبو عبيدة أكمامها أوعيتها ، وهي ما كانت فيه الثمرة ، واحدها كمّ ، وكمة . قال الراغب الكمّ ما يغطي اليد من القميص ، وما يغطي الثمرة ، وجمعه أكمام ، وهذا يدلّ على أن الكمّ بضمّ الكاف ، لأنه جعله مشتركاً بين كمّ القميص ، وكمّ الثمرة ، ولا خلاف في كمّ القميص أنه بالضمّ . ويمكن أن يقال إن في الكمّ الذي هو وعاء الثمر لغتين . وقرأ الجمهور من ثمرة بالإفراد ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص بالجمع { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } أي ما تحمل أنثى حملاً في بطنها ، ولا تضع ذلك الحمل إلاّ بعلم الله سبحانه ، والاستثناء مفرغ من أعمّ الأحوال أي ما يحدث شيء من خروج ثمرة ، ولا حمل حامل ، ولا وضع واضع في حال من الأحوال إلاّ كائناً بعلم الله ، فإليه يردّ علم الساعة كما إليه يرد علم هذه الأمور { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } أي ينادي الله سبحانه المشركين ، وذلك يوم القيامة ، فيقول لهم { أَيْنَ شُرَكَائِىَ } الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في الدنيا من الأصنام ، وغيرها ، فادعوهم الآن ، فليشفعوا لكم ، أو يدفعوا عنكم العذاب ، وهذا على طريقة التهكم بهم . قرأ الجمهور { شركائي } ، بسكون الياء ، وقرأ ابن كثير بفتحها ، والعامل في يوم محذوف ، أي اذكر { قَالُواْ ءاذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } يقال آذن يأذن إذا أعلم ، ومنه قول الشاعر @ آذنتنا ببينها أسماء ربّ ثاو يمل منه الثواء @@ والمعنى أعلمناك ما منا أحد يشهد بأن لك شريكاً ، وذلك أنهم لما عاينوا القيامة تبرءوا من الشركاء ، وتبرّأت منهم تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها . وقيل إن القائل بهذا هي المعبودات التي كانوا يعبدونها ، أي ما منا من شهيد يشهد لهم بأنهم كانوا محقين ، والأوّل أولى { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ } أي زال ، وبطل في الآخرة ما كانوا يعبدون في الدنيا من الأصنام ، ونحوها { وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ } أي أيقنوا ، وعلموا أنه لا محيص لهم ، يقال حاص يحيص حيصاً إذا هرب . وقيل الظنّ على معناه الحقيقي لأنه بقي لهم في تلك الحال ظنّ ، ورجاء ، والأوّل أولى . ثم ذكر سبحانه بعض أحوال الإنسان ، فقال { لاَّ يَسْـئَمُ ٱلاْنْسَـٰنُ مِن دُعَاء ٱلْخَيْرِ } أي لا يملّ من دعاء الخير لنفسه ، وجلبه إليه ، والخير هنا المال ، والصحة ، والسلطان ، والرفعة . قال السدّي والإنسان هنا يراد به الكافر . وقيل الوليد بن المغيرة . وقيل عتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، وأمية بن خلف . والأولى حمل الآية على العموم باعتبار الغالب ، فلا ينافيه خروج خلص العباد . وقرأ عبد الله بن مسعود لا يسأم الإنسان من دعاء المال { وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } أي وإن مسه البلاء ، والشدّة ، والفقر ، والمرض ، فيئوس من روح الله قنوط من رحمته . وقيل يئوس من إجابة دعائه قنوط بسوء الظنّ بربه . وقيل يئوس من زوال ما به من المكروه قنوط بما يحصل له من ظنّ دوامه ، وهما صيغتا مبالغة يدلان على أنه شديد اليأس عظيم القنوط . { وَلَئِنْ أَذَقْنَـٰهُ رَحْمَةً مّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ } أي ولئن آتيناه خيراً ، وعافية ، وغنى من بعد شدّة ، ومرض ، وفقر { لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِى } أي هذا شيء أستحقه على الله لرضاه بعملي ، فظنّ أن تلك النعمة التي صار فيها ، وصلت إليه باستحقاقه لها ، ولم يعلم أن الله يبتلي عباده بالخير والشرّ ، ليتبين له الشاكر من الجاحد ، والصابر من الجزع . قال مجاهد معناه هذا بعملي ، وأنا محقوق به { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } أي ما أظنها تقوم كما يخبرنا به الأنبياء ، أو لست على يقين من البعث ، وهذا خاص بالكافرين ، والمنافقين ، فيكون المراد ، بالإنسان المذكور في صدر الآية الجنس باعتبار غالب أفراده ، لأن اليأس من رحمة الله ، والقنوط من خيره ، والشك في البعث لا يكون إلاّ من الكافرين ، أو المتزلزلين في الدين المتظهرين بالإسلام المبطنين للكفر { وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى } على تقدير صدق ما يخبرنا به الأنبياء من قيام الساعة ، وحصول البعث ، والنشور { إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } أي للحالة الحسنى من الكرامة ، فظنّ أنه استحق خير الدنيا بما فيه من الخير ، واستحق خير الآخرة بذلك الذي اعتقده في نفسه ، وأثبته لها ، وهو اعتقاد باطل ، وظنّ فاسد { فَلَنُنَبّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ } أي لنخبرنهم بها يوم القيامة { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } شديد بسبب ذنوبهم ، واللام هذه ، والتي قبلها هي الموطئة للقسم . { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ } أي على هذا الجنس باعتبار غالب أفراده { أَعْرَضَ } عن الشكر { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أي ترفع عن الانقياد للحق ، وتكبر ، وتجبر ، والجانب هنا مجاز عن النفس ، ويقال نأيت ، وتناءيت ، أي بعدت وتباعدت ، والمنتأى الموضع البعيد . ومنه قول النابغة @ فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع @@ وقرأ يزيد بن القعقاع وناء بجانبه بالألف قبل الهمزة { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ } أي البلاء ، والجهد ، والفقر ، والمرض { فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } أي كثير ، والعرب تستعمل الطول ، والعرض في الكثرة مجازاً ، يقال أطال فلان في الكلام ، وأعرض في الدعاء إذا أكثر ، والمعنى أنه إذا مسه الشرّ تضرّع إلى الله ، واستغاث به أن يكشف عنه ما نزل به ، واستكثر من ذلك ، فذكره في الشدّة ، ونسيه في الرخاء ، واستغاث به عند نزول النقمة ، وتركه عند حصول النعمة ، وهذا صنيع الكافرين ، ومن كان غير ثابت القدم من المسلمين ، ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة الكفار ، ومحاجتهم ، فقال { قُلْ أَرَءيْتُمْ } أي أخبروني { إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي القرآن { ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } أي كذبتم به ، ولم تقبلوه ، ولا عملتم بما فيه { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي لا أحد أضلّ منكم لفرط شقاوتكم ، وشدّة عداوتكم ، والأصل أيّ شيء أضلّ منكم ، فوضع { مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقٍ } موضع الضمير لبيان حالهم في المشاقة ، وأنها السبب الأعظم في ضلالهم . { سَنُرِيهِمْ ءايَـٰتِنَا فِى ٱلأَفَاقِ } أي سنريهم دلالات صدق القرآن ، وعلامات كونه من عند الله في الآفاق { وَفِى أَنفُسِهِمْ } الآفاق جمع أفق ، وهو الناحية . والأفق بضم الهمزة ، والفاء ، كذا قال أهل اللغة . ونقل الراغب أنه يقال أفق بفتحهما ، والمعنى سنريهم آياتنا في النواحي ، وفي أنفسهم . قال ابن زيد في الآفاق آيات السماء ، وفي أنفسهم حوادث الأرض . وقال مجاهد في الآفاق فتح القرى التي يسر الله فتحها لرسوله ، وللخلفاء من بعده ، ونصار دينه في آفاق الدنيا شرقاً ، وغرباً ، ومن الظهور على الجبابرة ، والأكاسرة ، وفي أنفسهم فتح مكة ، ورجح هذا ابن جرير . وقال قتادة ، والضحاك في الآفاق وقائع الله في الأمم ، وفي أنفسهم في يوم بدر . وقال عطاء في الآفاق يعني أقطار السمٰوات ، والأرض من الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والليل ، والنهار ، والرياح ، والأمطار ، والرعد ، والبرق ، والصواعق ، والنبات ، والأشجار ، والجبال ، والبحار ، وغير ذلك ، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة ، وبديع الحكمة ، كما في قوله { وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } الذاريات 21 { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } الضمير راجع إلى القرآن . وقيل إلى الإسلام الذي جاءهم به رسول الله . وقيل إلى ما يريهم الله ، ويفعل من ذلك . وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم أنه الرسول الحق من عند الله ، والأول أولى { أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } الجملة مسوقة لتوبيخهم ، وتقريعهم ، و { بربك } في موضع رفع على أنه الفاعل ليكف ، والباء زائدة ، و { أنه } بدل من ربك ، والهمزة للإنكار . والمعنى ألم يغنهم عن الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن أنه سبحانه شهيد على جميع الأشياء . وقيل المعنى أو لم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار . وقيل أو لم يكف بربك شاهداً على أن القرآن منزل من عنده . والشهيد بمعنى العالم ، أو هو بمعنى الشهادة التي هي الحضور . قال الزجاج ومعنى الكناية ها هنا أن الله عزّ وجلّ قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة ، والمعنى أو لم يكف ربك أنه على كل شيءٍ شهيد شاهد للأشياء لا يغيب عنه شيء { أَلاَ إِنَّهُمْ فِى مِرْيَةٍ مّن لّقَاء رَبّهِمْ } أي في شك من البعث ، والحساب ، والثواب ، والعقاب { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء مُّحِيطُ } أحاط علمه بجميع المعلومات ، وأحاطت قدرته بجميع المقدورات ، يقال أحاط يحيط إحاطة ، وحيطة ، وفي هذا وعيد شديد لأن من أحاط بكل شيء بحيث لا يخفى عليه شيء جازى المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة قال في قوله { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } سبق لهم من الله حين ، وأجل هم بالغوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرٰتٍ مّنْ أَكْمَامِهَا } قال حين تطلع . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ءاذَنَّاكَ } قال أعلمناك . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن عكرمة في قوله { لاَّ يَسْـئَمُ ٱلاْنْسَـٰنُ } قال لا يملّ . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد في قوله { سَنُرِيهِمْ ءايَـٰتِنَا فِى ٱلأَفَاقِ } قال محمداً صلى الله عليه وسلم . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر عنه في الآية قال ما يفتح الله من القرى { وَفِى أَنفُسِهِمْ } قال فتح مكة . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال أمسك المطر عن الأرض كلها { وَفِى أَنفُسِهِمْ } قال البلايا التي تكون في أجسامهم . وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال كانوا يسافرون ، فيرون آثار عاد ، وثمود ، فيقولون والله لقد صدق محمد ، وما أراهم في أنفسهم قال الأمراض .