Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 37-44)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

شرع سبحانه في بيان بعض آياته البديعة الدالة على كمال قدرته ، وقوّة تصرفه للاستدلال بها على توحيده ، فقال { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } ، ثم لما بيّن أن ذلك من آياته نهاهم عن عبادة الشمس ، والقمر ، وأمرهم بأن يسجدوا لله عزّ وجلّ ، فقال { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } ، لأنهما مخلوقان من مخلوقاته ، فلا يصح أن يكونا شريكين له في ربوبيته { وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ } أي خلق هذه الأربعة المذكورة ، لأن جمع ما لا يعقل حكمه حكم جمع الإناث ، أو الآيات ، أو الشمس ، والقمر ، لأن الاثنين جمع عند جماعة من الأئمة { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } قيل كان ناس يسجدون للشمس ، والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ، ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله ، فنهوا عن ذلك ، فهذا وجه تخصيص ذكر السجود بالنهي عنه . وقيل وجه تخصيصه أنه أقصى مراتب العبادة ، وهذه الآية من آيات السجود بلا خلاف ، وإنما اختلفوا في موضع السجدة ، فقيل موضعه عند قوله { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } ، لأنه متصل بالأمر ، وقيل عند قوله { وَهُمْ لاَ يَسْـئَمُونَ } ، لأنه تمام الكلام { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ لَهُ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْـئَمُونَ } أي إن استكبر هؤلاء عن الامتثال ، فالملائكة يديمون التسبيح لله سبحانه بالليل ، والنهار ، وهم لا يملون ، ولا يفترون . { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَـٰشِعَةً } الخطاب هنا لكل من يصلح له ، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والخاشعة اليابسة الجدبة . وقيل الغبراء التي لا تنبت . قال الأزهري إذا يبست الأرض ، ولم تمطر قيل قد خشعت { فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَاء ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } أي ماء المطر ، ومعنى اهتزت تحركت بالنبات يقال اهتزّ الإنسان إذا تحرك ، ومنه قول الشاعر @ تراه كنصل السيف يهتزّ للندى إذا لم تجد عند امرىء السوء مطعما @@ ومعنى { ربت } انتفخت ، وعلت قبل أن تنبت قاله مجاهد ، وغيره ، وعلى هذا ففي الكلام تقديم ، وتأخير ، وتقديره ربت ، واهتزّت . وقيل الاهتزاز ، والربو قد يكونان قبل خروج النبات ، وقد يكونان بعده ، ومعنى الربو لغة الارتفاع ، كما يقال للموضع المرتفع ربوة ، ورابية ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية مستوفى في سورة الحج . وقيل اهتزت استبشرت بالمطر ، وربت انتفخت بالنبات . وقرأ أبو جعفر ، وخالد وربأت . { إِنَّ ٱلَّذِى أَحْيَـٰهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } بالبعث ، والنشور { إِنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء كائناً ما كان . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءايَـٰتِنَا } أي يميلون عن الحق ، والإلحاد الميل ، والعدول ، ومنه اللحد في القبر ، لأنه أميل إلى ناحية منه ، يقال ألحد في دين الله ، أي مال ، وعدل عنه ، ويقال لحد ، وقد تقدّم تفسير الإلحاد . قال مجاهد معنى الآية يميلون عن الإيمان بالقرآن . وقال مجاهد يميلون عند تلاوة القرآن بالمكاء ، والتصدية ، واللغو ، والغناء . وقال قتادة يكذبون في آياتنا . وقال السدّي يعاندون ، ويشاقون . وقال ابن زيد يشركون { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا } بل نحن نعلمهم ، فنجازيهم بما يعملون . ثم بيّن كيفية الجزاء ، والتفاوت بين المؤمن ، والكافر ، فقال { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِى ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَة } هذا الاستفهام للتقرير ، والغرض منه التنبيه على أن الملحدين في الآيات يلقون في النار ، وأن المؤمنين بها يأتون آمنين يوم القيامة . وظاهر الآية العموم اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وقيل المراد بمن يلقى في النار أبو جهل ، ومن يأتي آمنا النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل حمزة ، وقيل عمر بن الخطاب . وقيل أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } هذا أمر تهديد ، أي اعملوا من أعمالكم التي تلقيكم في النار ما شئتم إنه بما تعملون بصير ، فهو مجازيكم على كل ما تعملون . قال الزجاج لفظه لفظ الأمر ، ومعناه الوعيد . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ } الجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها ، وخبر إن محذوف ، أي إن الذين كفروا بالقرآن لما جاءهم يجازون بكفرهم ، أو هالكون ، أو يعذّبون . وقيل هو قوله { يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، وهذا بعيد ، وإن رجحه أبوعمرو بن العلاء . وقال الكسائي إنه سدّ مسدّه الخبر السابق ، وهو { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا } . وقيل إن الجملة بدل من الجملة الأولى ، وهي الذين يلحدون في آياتنا ، وخبر إن هو الخبر السابق { وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ } أي القرآن الذي كانوا يلحدون فيه ، أي عزيز عن أن يعارض ، أو يطعن فيه الطاعنون ، منيع عن كل عيب . ثم وصفه بأنه حق لا سبيل للباطل إليه بوجه من الوجوه ، فقال { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } . قال الزجاج معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه ، فيأتيه الباطل من بين يديه ، أو يزاد فيه ، فيأتيه الباطل من خلفه ، وبه قال قتادة ، والسدّي . ومعنى الباطل على هذا الزيادة ، والنقصان . وقال مقاتل لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله ، وبه قال الكلبي ، وسعيد بن جبير . وقيل الباطل هو الشيطان ، أي لا يستطيع أن يزيد فيه ، ولا ينقص منه . وقيل لا يزاد فيه ، ولا ينقص منه ، لا من جبريل ، ولا من محمد صلى الله عليه وسلم { تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } هو خبر مبتدأ محذوف ، أو صفة أخرى لكتاب عند من يجوّز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح . وقيل إنه الصفة لكتاب ، وجملة لا يأتيه معترضة بين الموصوف ، والصفة . ثم سلى سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم عن ما كان يتأثر له من أذية الكفار ، فقال { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } أي ما يقال لك من هؤلاء الكفار من وصفك بالسحر ، والكذب ، والجنون إلاّ مثل ما قيل للرسل من قبلك ، فإن قومهم كانوا يقولون لهم مثل ما يقول لك هؤلاء . وقيل المعنى ما يقال لك من التوحيد ، وإخلاص العبادة لله إلاّ ما قد قيل للرسل من قبلك ، فإن الشرائع كلها متفقة على ذلك . وقيل هو استفهام ، أي أيّ شيء يقال لك إلاّ ما قد قيل للرسل من قبلك { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ } لمن يستحق مغفرته من الموحدين الذين بايعوك ، وبايعوا من قبلك من الأنبياء { وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } للكفار المكذّبين المعادين لرسل الله ، وقيل لذو مغفرة للأنبياء ، وذو عقاب لأعدائهم { وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً أعْجَمِيّاً } أي لو جعلنا هذا القرآن الذي تقرؤه على الناس بغير لغة العرب { لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ } أي بينت بلغتنا ، فإننا عرب لا نفهم لغة العجم ، والاستفهام في قوله { ءاعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ } للإنكار ، وهو من جملة قول المشركين ، أي لقالوا أكلام أعجميّ ، ورسول عربيّ . والأعجمي الذي لا يفصح سواء كان من العرب ، أو من العجم . والأعجم ضد الفصيح وهو الذي لا يبين كلامه ، ويقال للحيوان غير الناطق أعجم . قرأ أبو بكر ، وحمزة ، والكسائي { ءأعجميّ } بهمزتين محققتين . وقرأ الحسن ، وأبو العالية ، ونصر بن عاصم ، وهشام بهمزة واحدة على الخبر ، وقرأ الباقون بتسهيل الثانية بين بين . وقيل المراد هلا فصلت آياته ، فجعل بعضها أعجمياً لإفهام العجم ، وبعضها عربياً لإفهام العرب . ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم ، فقال { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء } أي يهتدون به إلى الحق ، ويشتفون به من كل شك ، وشبهة ، ومن الأسقام ، والآلام { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِى ءاذَانِهِمْ وَقْرٌ } أي صمم عن سماعه ، وفهم معانيه ، ولهذا تواصوا باللغو فيه { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } قال قتادة عموا عن القرآن ، وصموا عنه . وقال السدّي عميت قلوبهم عنه ، والمعنى وهو عليهم ذو عمى ، أو وصف بالمصدر للمبالغة ، والموصول في قوله { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } مبتدأ ، وخبره { فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } ، أو الموصول الثاني عطف على الموصول الأوّل ، ووقر عطف على هدى عند من جوّز العطف على عاملين مختلفين ، والتقدير هو للأوّلين هدى ، وشفاء ، وللآخرين ، وقر في آذانهم . قرأ الجمهور { عمى } بفتح الميم منونّة على أنه مصدر ، وقرأ ابن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعمرو بن العاص ، وابن عمر بكسرالميم منونّة على أنه اسم منقوص على أنه وصف به مجازاً . وقرأ عمرو بن دينار بكسر الميم ، وفتح الياء على أنه فعل ماض ، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لقوله أوّلاً « هدى وشفاء » ، ولم يقل هاد ، وشاف . وقيل المعنى والوقر عليهم عمى ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الذين لا يؤمنون ، وما في حيزه ، وخبره { يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } مثل حالهم باعتبار عدم فهمهم للقرآن بحال من ينادي من مسافة بعيدة لا يسمع صوت من يناديه منها . قال الفراء تقول للرجل الذي لا يفهم كلامك أنت تنادي من مكان بعيد . وقال الضحاك ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم من مكان بعيد . وقال مجاهد من مكان بعيد من قلوبهم . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه كان يسجد بآخر الآيتين من حمۤ السجدة ، وكان ابن مسعود يسجد بالأولى منهما . وأخرج ابن سعد ، وابن أبي شيبة من طريق نافع عن ابن عمر أنه كان يسجد بالأولى . وأخرج سعيد بن منصور عنه أنه كان يسجد في الآية الأخيرة . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءايَـٰتِنَا } قال هو أن يضع الكلام على غير موضعه . وأخرج ابن مردويه عنه في قوله { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِى ٱلنَّارِ } قال أبو جهل بن هشام { أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَة } قال أبو بكر الصديق . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن عساكر عن بشير بن تميم قال نزلت هذه الآية في أبي جهم ، وعمار بن ياسر . وأخرج ابن عساكر عن عكرمة مثله . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } قال هذا لأهل بدر خاصة . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً أعْجَمِيّاً } الآية يقول لو جعلنا القرآن أعجمياً ، ولسانك يا محمد عربيّ لقالوا أعجميّ ، وعربيّ تأتينا به مختلفاً ، أو مختلطاً { لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ } هلا بينت آياته ، فكان القرآن مثل اللسان . يقول فلم نفعل لئلا يقولوا ، فكانت حجة عليهم .