Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-12)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { حـم . عسق } قد تقدّم الكلام في أمثال هذه الفواتح ، وسئل الحسن بن الفضل لم قطع { حـم عسق } ، ولم يقطع { كۤهيعۤصۤ } ، فقال لأنها سور أوّلها { حمۤ } ، فجرت مجرى نظائرها ، فكأن { حمۤ } مبتدأ ، و { عۤسۤقۤ } خبره ، ولأنهما عدا آيتين . وأخواتهما مثل { كۤهيعۤصۤ } ، و { المرۤ } ، و { المص } آية واحدة . وقيل لأن أهل التأويل لم يختلفوا في { كۤهيعۤصۤ } ، وأخواتها أنها حروف التهجي لا غير ، واختلفوا في { حمۤ } ، فقيل معناها حمۤ ، أي قضى كما تقدّم . وقيل إن " ح " حلمه ، و " م " مجده ، و " ع " علمه ، و " س " سناه ، و " ق " قدرته ، أقسم الله بها . وقيل غير ذلك مما هو متكلف متعسف لم يدلّ عليه دليل ، ولا جاءت به حجة ، ولا شبهة حجة ، وقد ذكرنا قبل هذا ما روي في ذلك مما لا أصل له ، والحق ما قدّمناه لك في فاتحة سورة البقرة . وقيل هما اسمان للسورة . وقيل اسم واحد لها ، فعلى الأوّل يكونان خبرين لمبتدأ محذوف ، وعلى الثاني يكون خبراً لذلك المبتدأ المحذوف . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس حمۤ * سقۤ . { كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } هذا كلام مستأنف غير متعلق بما قبله أي مثل ذلك الإيحاء الذي أوحي إلى سائر الأنبياء من كتب الله المنزلة عليهم المشتملة على الدعوة إلى التوحيد ، والبعث يوحى إليك يا محمد في هذه السورة . وقيل إن حمۤ عۤسۤقۤ ، أوحيت إلى من قبله من الأنبياء ، فتكون الإشارة بقوله { كَذٰلِكَ } إليها . قرأ الجمهور { يوحي } بكسر الحاء مبنياً للفاعل ، وهو الله . وقرأ مجاهد ، وابن كثير ، وابن محيصن بفتحها مبنياً للمفعول ، والقائم مقام الفاعل ضمير مستتر يعود على كذلك ، والتقدير مثل ذلك الإيحاء يوحى هو إليك ، أو القائم مقام الفاعل إليك ، أو الجملة المذكورة أي يوحى إليك هذا اللفظ ، أو القرآن ، أو مصدر يوحي ، وارتفاع الاسم الشريف على أنه فاعل لفعل محذوف كأنه قيل من يوحي ؟ فقيل الله العزيز الحكيم . وأما قراءة الجمهور فهي واضحة اللفظ ، والمعنى ، وقد تقدّم مثل هذا في قوله { يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلأَصَالِ رِجَالٌ } النور 36 ، 37 ، وقرأ أبو حيوة ، والأعمش ، وأبان « نوحي » بالنون ، فيكون قوله { ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } في محلّ نصب ، والمعنى نوحي إليك هذا اللفظ { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ } ذكر سبحانه لنفسه هذا الوصف ، وهو ملك جميع ما في السماوات ، والأرض لدلالته على كمال قدرته ، ونفوذ تصرّفه في جميع مخلوقاته . { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } قرأ الجمهور { تكاد } بالفوقية ، وكذلك تتفطرن قرؤوه بالفوقية مع تشديد الطاء . وقرأ نافع ، والكسائي ، وابن وثاب يكاد يتفطرن بالتحتية فيهما ، وقرأ أبو عمرو ، والمفضل ، وأبو بكر ، وأبو عبيد يتفطرن بالتحتية ، والنون من الانفطار كقوله { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنفَطَرَتْ } الانفطار 1 . والتفطر التشقق . قال الضحاك ، والسدّي يتفطرن يتشققن من عظمة الله ، وجلاله من فوقهنّ . وقيل المعنى تكاد كلّ واحدة منها تتفطر فوق التي تليها من قول المشركين اتخذ الله ولداً . وقيل من فوقهنّ من فوق الأرضين ، والأوّل أولى . و " من " في { من فوقهنّ } لابتداء الغاية ، أي يبتدىء التفطر من جهة الفوق . وقال الأخفش الصغير إن الضمير يعود إلى جماعات الكفار ، أي من فوق جماعات الكفار ، وهو بعيد جداً ، ووجه تخصيص جهة الفوق أنها أقرب إلى الآيات العظيمة ، والمصنوعات الباهرة ، أو على طريق المبالغة كأن كلمة الكفار مع كونها جاءت من جهة التحت أثرت في جهة الفوق ، فتأثيرها في جهة التحت بالأولى . { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } أي ينزهونه عما لا يليق به ، ولا يجوز عليه متلبسين بحمده . وقيل إن التسبيح موضوع موضع التعجب ، أي يتعجبون من جراءة المشركين على الله . وقيل معنى { بحمد ربهم } بأمر ربهم قاله السدّي { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ } من عباد الله المؤمنين كما في قوله { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } غافر 7 ، وقيل الاستغفار منهم بمعنى السعي فيما يستدعي المغفرة لهم ، وتأخير عقوبتهم طمعاً في إيمان الكافر ، وتوبة الفاسق ، فتكون الآية عامة كما هو ظاهر اللفظ غير خاصة بالمؤمنين ، وإن كانوا داخلين فيها دخولاً أوّلياً { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أي كثير المغفرة والرحمة لأهل طاعته ، وأوليائه ، أو لجميع عباده ، فإن تأخير عقوبة الكفار ، والعصاة نوع من أنواع مغفرته ، ورحمته . { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } أي أصناماً يعبدونها { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } أي يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } أي لم يوكلك بهم حتى تؤاخذ بذنوبهم ، ولا وكل إليك هدايتهم ، وإنما عليك البلاغ . قيل وهذه الآية منسوخة بآية السيف { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءاناً عَرَبِيّاً } أي مثل ذلك الإيحاء أوحينا إليك ، وقرآناً مفعول أوحينا والمعنى أنزلنا عليك قرآناً عربياً بلسان قومك كما أرسلنا كلّ رسول بلسان قومه { لّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } ، وهي مكة ، والمراد أهلها { وَمَنْ حَوْلَهَا } من الناس ، والمفعول الثاني محذوف ، أي لتنذرهم العذاب { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } أي ولتنذر بيوم الجمع وهو يوم القيامة ، لأنه مجمع الخلائق . وقيل المراد جمع الأرواح بالأجساد . وقيل جمع الظالم ، والمظلوم . وقيل جمع العامل ، والعمل { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا شك فيه . والجملة معترضة مقررة لما قبلها ، أو صفة ليوم الجمع ، أو حال منه { فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ } قرأ الجمهور برفع { فريق } في الموضعين ، إما على أنه مبتدأ ، وخبره الجار والمجرور ، وشاع الابتداء بالنكرة ، لأن المقام مقام تفصيل ، أو على أن الخبر مقدّر قبله ، أي منهم فريق في الجنة ، ومنهم فريق في السعير ، أو أنه خبر مبتدأ محذوف ، وهو ضمير عائد إلى المجموعين المدلول عليهم بذكر الجمع ، أي هم فريق في الجنة ، وفريق في السعير . وقرأ زيد بن علي فريقاً بالنصب في الموضعين على الحال من جملة محذوفة ، أي افترقوا حال كونهم كذلك ، وأجاز الفراء ، والكسائي النصب على تقدير لتنذر فريقاً . { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً } قال الضحاك أهل دين واحد ، إما على هدى ، وإما على ضلالة ، ولكنهم افترقوا على أديان مختلفة بالمشيئة الأزلية ، وهو معنى قوله { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِى رَحْمَتِهِ } في الدين الحق وهو الإسلام { وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُمْ مّن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي المشركون ما لهم من وليّ يدفع عنهم العذاب ، ولا نصير ينصرهم في ذلك المقام ، ومثل هذا قوله { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } الأنعام 35 ، وقوله { وَلَوْ شِئْنَا لأَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } السجدة 13 ، وها هنا مخاصمات بين المتمذهبين المحامين على ما درج عليه أسلافهم ، فدبوا عليه من بعدهم ، وليس بنا إلى ذكر شيء من ذلك فائدة كما هو عادتنا في تفسيرنا هذا ، فهو تفسير سلفي يمشي مع الحق ، ويدور مع مدلولات النظم الشريف ، وإنما يعرف ذلك من رسخ قدمه ، وتبرأ من التعصب قلبه ، ولحمه ، ودمه . وجملة { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } مستأنفة مقررّة لما قبلها من انتفاء كون للظالمين ، ولياً ، ونصيراً ، وأم هذه هي المنقطعة المقدّرة ببل المفيدة للانتقال ، وبالهمزة المفيدة للإنكار ، أي بل أأتخذ الكافرون من دون الله أولياء من الأصنام يعبدونها ؟ { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِىُّ } أي هو الحقيق بأن يتخذوه ولياً ، فإنه الخالق الرازق الضار النافع ، وقيل الفاء جواب شرط محذوف ، أي إن أرادوا أن يتخذوا ولياً في الحقيقة فالله هو الوليّ { وَهُوَ } أي ومن شأنه أنه { يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } أي يقدر على كل مقدور ، فهو الحقيق بتخصيصه بالألوهية ، وإفراده بالعبادة . { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْء فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } هذا عامّ في كل ما اختلف فيه العباد من أمر الدين ، فإن حكمه ، ومرجعه إلى الله يحكم فيه يوم القيامة بحكمه ، ويفصل خصومة المختصمين فيه ، وعند ذلك يظهر المحقّ من المبطل ، ويتميز فريق الجنة ، وفريق النار . قال الكلبي وما اختلفتم فيه من شيء ، أي من أمر الدين ، فحكمه إلى الله يقضي فيه . وقال مقاتل إن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن ، وآمن به بعضهم ، فنزلت ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ويمكن أن يقال معنى حكمه إلى الله أنه مردود إلى كتابه ، فإنه قد اشتمل على الحكم بين عباده فيما يختلفون فيه ، فتكون الآية عامة في كل اختلاف يتعلق بأمر الدين أنه يردّ إلى كتاب الله . ومثله قوله { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } النساء 59 ، وقد حكم سبحانه بأن الدين هو الإسلام ، وأن القرآن حق ، وأن المؤمنين في الجنة ، والكافرين في النار ، ولكن لما كان الكفار لا يذعنون لكون ذلك حقاً إلاّ في الدار الآخرة ، وعدهم الله بذلك يوم القيامة { ذٰلِكُمْ } الحاكم بهذا الحكم { ٱللَّهُ رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } اعتمدت عليه في جميع أموري ، لا على غيره ، وفوّضته في كلّ شؤوني { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي أرجع في كل شيء يعرض لي لا إلى غيره . { فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر آخر لذلكم ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ وخبره ما بعده ، أو نعت لربي لأن الإضافة محضة ، ويكون { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } معترضاً بين الصفة ، والموصوف . وقرأ زيد بن عليّ فاطر بالجرّ على أنه نعت للاسم الشريف في قوله { إِلَى ٱللَّهِ } ، وما بينهما اعتراض ، أو بدل من الهاء في عليه أو إليه ، وأجاز الكسائي النصب على النداء ، وأجازه غيره على المدح . والفاطر الخالق المبدع ، وقد تقدّم تحقيقه { جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } أي خلق لكم من جنسكم نساء ، أو المراد حوّاء لكونها خلقت من ضلع آدم . وقال مجاهد نسلاً بعد نسل { وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ أَزْوٰجاً } أي وخلق للأنعام من جنسها إناثاً ، أو وخلق لكم من الأنعام أصنافاً من الذكور ، والإناث ، وهي الثمانية التي ذكرها في الأنعام { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي يبثكم ، من الذرء وهو البثّ ، أو يخلقكم ، وينشئكم ، والضمير في يذرؤكم للمخاطبين ، والأنعام إلاّ أنه غلب فيه العقلاء ، وضمير فيه راجع إلى الجعل المدلول عليه بالفعل . وقيل راجع إلى ما ذكر من التدبير ، وقال الفراء ، والزجاج ، وابن كيسان معنى يذرؤكم فيه يكثركم به ، أي يكثركم بجعلكم أزواجاً لأن ذلك سبب النسل . وقال ابن قتيبة يذرؤكم فيه ، أي في الزوج . وقيل في البطن . وقيل في الرحم . { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } المراد بذكر المثل هنا المبالغة في النفي بطريق الكناية ، فإنه إذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى كقولهم مثلك لا يبخل ، وغيرك لا يجود . وقيل إن الكاف زائدة للتوكيد ، أي ليس مثله شيء . وقيل إن مثل زائدة قاله ثعلب ، وغيره كما في قوله { فَإِنْ ءامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءامَنتُمْ بِهِ } البقرة 137 أي بما آمنتم به ، ومنه قول أوس بن حجر @ وقتلى كمثل جذوع النخيـ ـل يغشاهم مطر منهمر @@ أي كجذوع ، والأوّل أولى ، فإن الكناية باب مسلوك للعرب ، ومهيع مألوف لهم ، ومنه قول الشاعر @ ليس كمثل الفتى زهير خلق يوازيه في الفضائل @@ وقال آخر @ على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وإن بات من ليلى على اليأس طاويا @@ وقال آخر @ سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم فما كمثلهم في الناس من أحد @@ قال ابن قتيبة العرب تقيم المثل مقام النفس ، فتقول مثلي لا يقال له هذا ، أي أنا لا يقال لي . وقال أبو البقاء مرجحاً لزيادة الكاف إنها لو لم تكن زائدة ، لأفضى ذلك إلى المحال ، إذ يكون المعنى أن له مثلاً ، وليس لمثله مثل ، وفي ذلك تناقض ، لأنه إذا كان له مثل ، فلمثله مثل ، وهو هو مع أن إثبات المثل لله سبحانه محال ، وهذا تقرير حسن ، ولكنه يندفع ما أورده بما ذكرنا من كون الكلام خارجاً مخرج الكناية ، ومن فهم هذه الآية الكريمة حقّ فهمها ، وتدبرها حق تدبرها مشى بها عند اختلاف المختلفين في الصفات على طريقة بيضاء واضحة ، ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } ، فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفي للماثل قد اشتمل على برد اليقين ، وشفاء الصدور ، وانثلاج القلوب ، فاقدر يا طالب الحقّ قدر هذه الحجة النيرة ، والبرهان القويّ ، فإنك تحطم بها كثيراً من البدع ، وتهشم بها رؤوساً من الضلالة ، وترغم بها آناف طوائف من المتكلفين ، ولا سيما إذا ضممت إليه قول الله سبحانه { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } طه 110 ، فإنك حينئذٍ قد أخذت بطرفي حبل ما يسمونه علم الكلام ، وعلم أصول الدين @ ودع عنك نهبا صيح في حجراته ولكن حديث ما حديث الرواحل @@ { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي خزائنهما ، أو مفاتيحهما ، وقد تقدّم تحقيقه في سورة الزمر ، وهي جمع إقليد ، وهو المفتاح جمع على خلاف القياس . قال النحاس والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن . ثم لما ذكر سبحانه أن بيده مقاليد السمٰوات ، والأرض ذكر بعده البسط ، والقبض ، فقال { يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } أي يوسعه لمن يشاء من خلقه ، ويضيقه على من يشاء { إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء } من الأشياء { عَلِيمٌ } فلا تخفى عليه خافية ، وإحاطة علمه بكل شيء يندرج تحتها علمه بطاعة المطيع ، ومعصية العاصي . فهو يجازي كلا بما يستحقه من خير ، وشرّ . وقد أخرج أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو ، قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي يده كتابان ، فقال " أتدرون ما هذان الكتابان ؟ " قلنا لا ، إلاّ أن تخبرنا يا رسول الله ، قال للذي في يده اليمنى " هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل الجنة ، وأسماء آبائهم ، وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم ، فلا يزاد فيهم ، ولا ينقص منهم " ثم قال للذي في شماله " هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل النار ، وأسماء آبائهم ، وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم ، فلا يزاد فيهم ، ولا ينقص منهم أبداً " فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه ؟ ، فقال " سدّدوا ، وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة ، وإن عمل أيّ عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار ، وإن عمل أيّ عمل له " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ، فنبذهما ، ثم قال " فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة ، وفريق في السعير " قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن صحيح غريب . وروى ابن جرير طرفاً منه عن ابن عمرو موقوفاً عليه . قال ابن جرير وهذا الموقوف أشبه بالصواب ، قلت بل المرفوع أشبه بالصواب . فقد رفعه الثقة ، ورفعه زيادة ثابتة من وجه صحيح ، ويقوّي الرّفع ما أخرجه ابن مردويه عن البراء . قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده كتاب ينظر فيه قالوا انظروا إليه كيف ، وهو أميّ لا يقرأ ، قال فعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال " هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل الجنة ، وأسماء قبائلهم لا يزاد منهم ، ولا ينقص منهم " وقال " فريق في الجنة ، وفريق في السعير فرغ ربكم من أعمال العباد " .